الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
…
فإِن أنكحة الكفار لم يتعرض لها النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كيف وقعت؟ وهل صادفت الشروط المعتبرة في الإِسلام فتصحّ؛ أو لم تصادفها فتبطل؟ وإنما اعتبر حالها وقت إِسلام الزوج؛ فإِن كان ممن يجوز له المقام مع امرأته أقرّهما، ولو كان في الجاهلية؛ وقد وقع على غير شرطه من الولي والشهود وغير ذلك. وإِن لم يكن الآن ممن يجوز له الاستمرار؛ لم يقرّ عليه، كما لو أسلم وتحته ذات رحم محرم، أو أختان، أو أكثر من أربع، فهذا هو الأصل الذي أصّلَتْه سُنّة رسول الله -صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم-. وما خالفه فلا يُلتفت إِليه، والله الموفق" (1).
نكاح الزانية:
لا يحلّ للرجل التزوّج بزانية. وكذا المرأة لا يحل لها التزوّج بزانٍ، إِلا إِذا أحدثا توبةً نصوحاً.
والله سبحانه وتعالى جعَل العفاف شرطاً ينبغي وجوده في كلٍّ من الزوجين قبل النكاح، قال الله -سبحانه-:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (2).
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": " {مُحْصِنِينَ غيْرَ مُسَافِحِينَ ولا مُتَّخِذِي أَخْدَان} : فكما شرَط الإِحصان في النساء -وهي العِفّة عن الزنى-
(1)"التعليقات الرضية"(2/ 205 - 206).
(2)
المائدة: 5.
كذلك شرَطَها في الرجال وهو أن يكون الرجل -أيضاً- محصناً عفيفاً؛ ولهذا قال: {غير مُسافحين} وهم: الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية، ولا يردُّون أنفسهم عَمَّن جاءهم، {ولا متخذي أخدان}؛ أي: ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إِلا معهنّ".
وقال -سبحانه-: {الزَّاني لا يَنْكِح إِلا زانيةً أو مُشْرِكةً والزَّانية لا يَنْكِحُهَا إِلا زانٍ أو مُشْرِكٌ وحُرِّم ذلك على المؤمنين} (1).
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" -بحذف-: "هذا خبرٌ من الله -تعالى- بأنّ الزاني لا يطأ إِلا زانيةً أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنى إِلا زانية عاصية أو مشركة، لا ترى حُرمةَ ذلك، وكذلك:{الزانية لا ينكحها إِلا زان} ؛ أي: عاص بزناه، {أو مُشْرِك}: لا يعتقد تحريمه.
قال سفيان الثوري: عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: {الزَّاني لا يَنْكِحُ إِلا زانيةً أو مُشْرِكةً} قال: ليس هذا بالنكاح، إِنما هو الجماع، لا يزني بها إِلا زانٍ أو مشرك. وهذا إِسناد صحيح عنه. وقد روي عنه من غير وجه -أيضاً-.
وقوله -تعالى-: {وحُرِّم ذلك على المؤمنين} ؛ أي: تعاطيه والتزويج بالبغايا، أو تزويج العفائف بالفُجّار من الرجال.
وقال قتادة، ومقاتل بن حيان: حَرَّم الله على المؤمنين نكاح البغايا، وتقدّم في ذلك فقال:{وحُرِّم ذلك على المؤمنين} .
وهذه الآية كقوله -تعالى-: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ولا مُتَّخِذَاتِ
(1) النور: 3.
أخْدَان} (1)، وقوله:{مُحصنين غير مُسافحين ولا مُتَخِذي أخْدَان} (2).
ومن ها هنا ذهب الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله إِلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإِن تابت صحّ العقد عليها؛ وإِلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحُرّة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح، حتى يتوب توبة صحيحة، لقوله -تعالى-:{وحُرّم ذلك على المؤمنين}
…
" ثمّ ذكر الحديث الآتي:
عن عبد الله بن عمرو: "أن مرثد بن أبي مرثد الغَنَوِيِّ كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغيٌّ يقال لها: عَنَاقُ، وكانت صديقَتَه، قال: جئت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أنكح عناقاً؟ قال: فسكت عني، فنزلت: {والزَّانية لا يَنْكِحُهَا إِلا زانٍِ أو مُشْرِكٍ}، فدعاني فقرأها عليّ، وقال: لا تنكحها"(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح الزاني المجلود إِلا مثله"(4).
وقال شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(5/ 572): "قوله: "المجلود"؛
(1) النساء: 25.
(2)
المائدة: 5.
(3)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1806)، والنسائي "صحيح سنن النسائي) (3027) وغيرهما، وانظر "الإرواء" (1886).
(4)
أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1807)، والحاكم وغيرهم، وانظر "الصحيحة"(2444).