الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يقول الزوج لزوجته: إِنْ ذهبتِ إِلى مكان كذا، فأنتِ طالق. ويُشترط في صحة التعليق، ووقوع الطلاق به ثلاثة شروط: الأول: أن يكون على أمر معدوم، ويمكن أن يوجد بعد، فإِنْ كان على أمر موجود فعلاً، حين صدور الصيغة، مثل أن يقول: إِنْ طلع النهار، فأنت طالق. والواقع أن النهار قد طلع فعلاً، كان ذلك تنجيزاً، وإنْ جاء في صورة التعليق.
فإِنْ كان تعليقاً على أمْرٍ مستحيل، كان لغواً مثل: إِنْ دخَل الجمل في سمّ الخياط، فأنتِ طالق.
الثاني: أن تكون المرأة -حين صدور العقد- محلاً للطلاق، بأن تكون في عصمته.
الثالث: أن تكون كذلك، حين حصول المعلّق عليه.
والتعليق قسمان:
القسم الأول: يُقصد به ما يقصد من القَسم، للحَمل على الفعل أو الترك، أو تأكيد الخبر، ويسمّى التعليق القَسَمِيَّ، مِثل أن يقول لزوجته: إِنْ خرجت، فأنت طالق. مريداً بذلك منْعها من الخروج إِذا خَرَجَت، لا إِيقاع الطلاق (1).
القسم الثاني: ويكون القصد منه إِيقاع الطلاق عند حصول الشرط، ويُسمّى التعليق الشرطي، مِثل أن يقول لزوجته: إِن أبرأتني من مؤخر
(1) ويجدُر القول هنا أنّ منَ قصَد الطلاق وادعى أنه عنى اليمين؛ فإِنّه يعيش عمُرَه وحياته بالحرام مع الزوجة، فلا نريد أن نفتح الباب بالقول:"أنا أقصد اليمين؛ لا الطَّلاق" وقد قال الله -تعالى-: {بل الإِنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره} [القيامة: 14 - 15].
صداقك، فأنت طالق.
وهذا التعليق -بنوعيه- واقع عند جمهور العلماء، ويرى ابن حزم أنه غير واقع.
وفصَّل ابن تيمية، وابن القيّم، فقالا: إِنّ الطلاق المعلق الذي فيه معنى اليمين، غير واقع، وتجب فيه كفّارة اليمين إِذا حصل المحلوف عليه؛ وهي إِطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإِنْ لم يجد، فصيام ثلاثة أيام.
وقالا في الطلاق الشرطي: إِنه واقع عند حصول المعلَّق عليه.
قال شيخ الإِسلام رحمه الله: والألفاظ، التي يتكلم بها الناس في الطلاق، ثلاثة أنواع:
الأول: صيغة التنجيز والإِرسال، كقوله: أنتِ طالق. فهذا يقع به الطلاق، وليس بحلف، ولا كفّارة فيه، اتفاقاً.
الثاني: صيغة تعليق، كقوله: الطلاق يلزمني، لأفعلنّ هذا. فهذا يمين، باتفاق أهل اللغة، واتفاق طوائف العلماء، واتفاق العامّة.
الثالث: صيغة تعليق، كقوله: إِن فعلتُ فامرأتي طالق. فهذا إِن قصد بِهِ اليمين، وهو يكره وقوع الطلاق، كما يكره الانتقال عن دينه، فهو يمين، حُكمه حُكم الأوَّل، الذي هو صيغة القسم؛ باتفاق الفقهاء.
وإنْ كان يريد وقوع الجزاء عند الشرط، لم يكن حالفاً، كقوله: إِنْ أعطيتني ألفاً، فأنتِ طالق وإذا زنيتِ فأنتِ طالق. وقصد إِيقاع الطلاق عند وقوع الفاحشة، لا مجرد الحلف عليها، فهذا ليس بيمين، ولا كفّارة في هذا عند
أحد من الفقهاء -فيما عَلِمناه- بل يقع به الطلاق إِذا وُجدَ الشرط.
*وسألت شيخنا الألباني رحمه الله: ماذا إِذا قال: إِذا فعلتِ كذا فأنتِ طالق؟
فأجاب رحمه الله "إِذا وقع الشَّرط وكان قصده تأديبها فلا يقع الطَّلاق، وإِذا وقع الشرط وكان يقصد الطَّلاق؛ فلا بُدَّ من إِشهادٍ إنْ أراد الطَّلاق؛ وإلا فلا يقع هذا الطَّلاق".
وقال رحمه الله في بعض مجالسه في موضعٍ آخر: "إِذا علَّق الطَّلاق من باب التَّخويف ولا يقصد التَّطليق؛ مثلاً عنده زوجة كثيرة الزِّيارات ووعظها، فمن باب التَّخويف قال لها: "إِن زرت؛ فأنتِ طالق" يريد تربيتها فهنا لا يقع الطَّلاق. أمّا إِنْ رأى امرأته مع جاره، فقال: إِن رأيتك مع الجار طلَّقتكِ، فإِنَّه يقع الطَّلاق؛ لأنَّه يقصد الطَّلاق"* (1) انتهى.
وأمّا ما يقصد به الحضّ، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب بالتزامه -عند المخالفة- ما يكره وقوعه؛ سواء كان بصيغة القسم، أو الجزاء، فهو يمين عند جميع الخلق، من العرب وغيرهم.
وإنْ كان يميناً، فليس لليمين إِلا حُكمان: إِمّا أن تكون منعقدة، فتكفّر، وإمّا ألا تكون منعقدة، كالحلف بالمخلوقات، فلا تُكفّر. وأمّا أن تكون يميناً منعقدة محترمة، غير مكفّرة، فهذا حُكم ليس في كتاب الله، ولا سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوم عليه دليل.
(1) ما بين نجمتين من سؤالي شيخنا رحمه الله قد أدخلته هنا؛ لصلته الوثيقة بالموضوع.
وأمّا الصيغة المضافة إِلى مستقبل؛ فهي ما اقترنت بزمن، يقصد وقوع الطلاق فيه متى جاء، مثل أن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق غداً أو إِلى رأس السنة فإِنّ الطلاق يقع في الغد، أو عند رأس السنة، إِذا كانت المرأة في ملكه عند حلول الوقت، الذي أضاف الطلاق إِليه.
قال الإِمام البخاري رحمه الله. "قال عطاء: إِذا بدا بالطلاق فله شرطه. وقال نافع: طلق وجلٌ امرأتَهُ البتة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بُتَّت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء. وقال الزهريّ فيما قال: إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثاً: يُسأل عمّا قال وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمين، فإِن سمّى أجلاً أراده وعقد عليه قلبه حين حلف؛ جعل ذلك في دينه وأمانته.
وقال قتادة: إِذا قال: إِذا حملت فأنت طالق ثلاثاً يغشاها عند كل طهرٍ مرة، فإِن استبان حملها فقد بانت منه" (1).
وسألت شيخنا رحمه الله عن رجل فَعَل الفاحشة -عياذاً بالله- وقال لزوجه: إِذا أخبرْتِ أحداً؛ فأنت طالق؛ ثم أخبرَت، فهل تُطلَّق؟
فأجاب رحمه الله: أيّ طلاق لا يقع إِلا بشاهدَين. انتهى (2).
(1) قاله الإِمام البخاري رحمه الله تعليقاً في (كتاب الطلاق)"ب-11" وانظر للفوائد الحديثية والوصل؛ ما جاء في "فتح الباري"(9/ 389) و"مختصر البخاري"(3/ 398).
(2)
وسيأتي الكلام عن الإِشهاد على الطلاق -إِن شاء الله تعالى- وانظر -إِن شئت- للمزيد من الفائدة في هذا المبحث (أي: التعليق والإنجاز) كتاب "الاختيارات" =