الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرجه عبد الرزاق، والبيهقي؛ وإسناده حسن في المتابعات". ثمّ قال شيخنا رحمه الله: "
…
إِذا علمت ما تقدّم؛ فالحديث صالح للاحتجاج به على أنّ فُرْقَة اللّعان إِنما هي فَسخ، وهو مذهب الشافعي، وأحمد وغيرهما، وذهب أبو حنيفة إِلى أنه طلاق بائن، والحديث يردُّ عليه، وبه أخذ مالك أيضاً والثوري وأبو عبيدة وأبو يوسف، وهو الحق الذي يقتضيه النظر السليم في الحكمة من التفريق بينهما، على ما شرحه ابن القيّم -رحمه الله تعالى- في "زاد المعاد"؛ فراجعه (4/ 151 و153 - 154)، وإِليه مال الصنعاني في "سبل السلام"(3/ 241) ".
قال النووي رحمه الله في "شرحه"(10/ 123): "
…
وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: "ذاكم التفريق بين كل متلاعِنَين"؛ فمعناه عند مالك والشافعي والجمهور: بيان أن الفرقة تحصل بنفس اللعان بين كل متلاعِنَين. وقيل: معناه تحريمها على التأبيد، كما قال جمهور العلماء".
نكاح المشرِكة:
لا يحل للمسلم أن يتزوج من غير الكتابيّات -على ما سيأتي تفصيله إِن شاء الله تعالى-؛ كالوثنية أو الشيوعيّة أو الملحدة أو المرتدَّة عن الإِسلام أو عابدة النّار أو الفرج
…
ونحو ذلك.
قال الله -تعالى-: {ولا تُمسِكُوا بعِصَم الكَوَافِر} (1).
قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله -تعالى-: {ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِر} تحريمٌ من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاحَ المشركات والاستمرارَ معهنّ.
(1) الممتحنة: 10.
وفي "الصحيح" عن الزهري، عن عروة، عن المسور، ومروان بن الحكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا عاهد كفار قريش يوم الحديبية، جاءه نساء من المؤمنات، فأنزل الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا إِذا جاءَكم المؤمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} إِلى قوله: {ولا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِر} ، فطلّق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين، فتزوّج إِحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية (1) " (2).
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": "هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبَدة الأوثان. ثمّ إِنْ كان عمومها مراداً، وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية، فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله:{والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إِذا آتيتموهنّ أجورهنّ مُحْصنينَ غير مُسَافحينَ ولا مُتَّخِذِي أخْدَان} (4).
(1) وكانا كافرين يومئذ.
(2)
بعض حديث أخرجه البخاري: 2731، 2732.
(3)
البقرة: 221.
(4)
المائدة: 5.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {ولا تَنكحوا المشركات حتّى يؤمِنّ} : استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب. وهكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومكحول، والحسن، والضحاك، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وغيرهم.
وقيل: بل المراد بذلك (1) المشركون من عبَدة الأوثان، ولم يُردْ أهل الكتاب بالكلية، والمعنى قريب من الأول، والله أعلم.
ثمّ قال رحمه الله: "قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله بعد حكايته الإِجماع على إِباحة تزويج الكتابيات: وإنما كره عمر ذلك لئلا يزهد الناس في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني، كما حدثنا أبو كريب، حدثنا ابن إِدريس، حدثنا الصلت بن بهرام، عن شقيق؛ قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إِليه عمر: خلِّ سبيلها، فكتب إِليه: أتزعم أنها حرام؛ فأُخلّيَ سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تَعَاطَوُا المومسات منهن.
وهذا إِسناد صحيح. وروى الخلال عن محمد بن إِسماعيل، عن وكيع، عن الصلت. نحوه.
ثمّ ساق ابن جرير بإِسناده إِلى زيد بن وهب؛ قال: قال لي عمر بن الخطاب: المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة (2).
قال: وهذا أصح إِسناداً من الأول".
(1) أي: في عدم النكاح.
(2)
أخرجه الطبراني، والبيهقي، قال أحمد شاكر:"هذا إِسناد صحيح متصل إلى عمر". قاله محقق "ابن كثير" - ط الفتح.
وهناك آثار عديدة عن السلف في نكاح نساء أهل الكتاب (1)؛ منها: أن حذيفة رضي الله عنه نكَح يهودية، وعنده عربيّتان.
عن أبي وائل قال: "تزوج حذيفة يهودية، فكتب إِليه عمر أن: خلِّ سبيلها، فكتب إِليه: إِنْ كان حراماً خليتُ سبيلها، فكتب إِليه: إِني لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تَعَاطَوُا المومساتِ منهن"(2).
ومنها: عن أبي عياض قال: لا بأس بنكاح اليهوديات والنصرانيات إِلا أهل الحرب (3).
ومع القول بجواز نكاح الكتابيات أصلاً؛ ولكن لا بُدّ من أمْن الفتنة، والنظر إِلى عاقبة الأمور وخواتيمها، فإِنّ من تزَوّج من السلف منهنّ كانت لديهم القُدرة على هدايتهنّ للإِسلام بتوفيق الله -سبحانه-، وكذلك إِحسان تربية الأبناء.
ونحن نرى الآن أن الزّواج من المسلمة العاصية له أثره السَّيِّئُ في الزوج، وانتكاسه ونقْص إِيمانه، فكيف إِذا تزوّج من كتابيّة!
وسألت شيخنا رحمه الله عن الزواج من الكتابيات؟ فقال: أرى عدم الزواج من الكتابيات؛ من باب سدّ الذرائع، وإنْ وقَع لا نُبطِله.
(1) انظرها -إِن شئت- في "مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 463).
(2)
قال شيخنا رحمه الله: "وهذا إسناد صحيح. وأخرجه البيهقي وقال: "وهذا من عمر رضي الله عنه على طريق التنزيه والكراهة
…
". وانظر "الإِرواء" (1889).
(3)
المصدر نفسه.