الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الغَيرة، فلا يبالغ في إِساءة الظن بها، ولا يسرف في تَقَصِّي كل حركاتها وسكناتها، ولا يحصي جميع عيوبها؛ فإِن ذلك يفسد العلاقة الزوجية، ويقطع ما أمر الله به أن يوصَل.
عن جابر بن عَتِيكِ أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "من الغَيرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يُبْغِض الله؛ فأمَّا التي يُحبّها الله فالغيرة في الريبة، وأمّا التي يبغضها الله فالغَيرة في غير ريبة. وإنّ من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحبُّ الله، وأمّا الخُيلاء التي يحبُّ الله؛ فاختيال الرجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأمّا التي يبغض الله؛ فاختياله في البغي والفخر"(1).
3 - إِتيانها ووطْؤُها:
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(11/ 236): "وفرْض على الرجل أن يُجامع امرأته التي هي زوجته، وأدنى ذلك مرة في كلّ طُهر -إِنْ قَدَرَ على ذلك-؛ وإِلا فهو عاص لله -تعالى-. بُرهان ذلك: قول الله عز وجل: {فإذا تطهرن فَأْتُوهُنّ من حَيْثُ أَمَرَكُم الله} ".
ثمّ روى بإِسناده عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: "إِنّا لنسير مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالرف من جُمْدان؛ إِذ عرضت له امرأة -من خزاعة- شَابة، فقالت: يا أمير المؤمنين! إِني امرأة أحبّ ما تحب النساء من الولد وغيره، ولي زوج شيخ، ووالله ما برِحْنا حتى نظرنا إِليه يهوي -شيخ كبير-، فقال
= والترهيب ((2071).
(1)
أخرجه أحمد، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2316)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(2398) وغيرهما، وانظر "الإرواء"(1999).
لعمر: يا أمير المؤمنين! إِني لمحسن إِليها وما آلوها؟ فقال له عمر: أتقيم لها طُهرها؟ فقال: نعم، فقال لها عمر: انطلقي مع زوجك، والله إِنّ فيه لما يجزي -أو قال: يغني- المرأة المسلمة".
قال أبو محمد رحمه الله: "ويُجبَر على ذلك من أبى بالأدب، لأنه أتى منكراً من العمل".
ثمّ ذكَر قول سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: "
…
ولأهلك عليك حقّاً"، ولفظه كما في حديث أبي جُحَيْفَة رضي الله عنه قال: "آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة (1)، فقال لها: ما شأنُك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا! فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاماً فقال له: كُل، قال: فإِني صائم، قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل، قال: فأكل. فلمّا كان الليل؛ ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثمّ ذهب يقوم، فقال: نم، فلمّا كان من آخر الليل؛ قال سلمان: قُم الآن، فصلَّيا. فقال له سلمان: إِنّ لربّك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعط كلّ ذي حقٍّ حَقَّهُ، فأتى النّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكَر ذلك له؟ فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: صدَق سلمان" (2).
وفي رواية: "
…
وائت أهلك" (3).
(1)"متبذلة؛ أي: لابسة ثياب البِذْلة -بكسر الموحدة وسكون الذال-، وهي المهنة؛ وزناً ومعنى، والمراد: أنها تاركة للبس ثياب الزينة". "فتح".
(2)
أخرجه البخاري: 1968.
(3)
أخرجه الدارقطني، وذكره الحافظ رحمه الله في "الفتح"، وانظر "آداب الزفاف"(ص 160).
قال الحافظ رحمه الله: "وقد يُؤخذ منه ثبوت حقّها في الوطءِ لقوله: "ولأهلك عليك حقّاً" ثمّ قال: "وائت أهلك"؛ وقرّرهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك". انتهى.
قلت: وقول ابن حزم رحمه الله: " {فإذا تَطَهَّرْنَ فَأتُوهُنّ من حَيْثُ أَمَرَكُم الله} "؛ جاء بعد حظر، فمن العلماء من يقول: إِنه للإِباحة *والتحقيق أن يقال: صيغة: (افْعَلْ) بعد الحَظر لرفع ذلك الحظر، وإعادة حال الفعل إِلى ما كان قبل الحَظر؛ فإِنْ كان مباحاً كان مباحاً، وإنْ كان واجباً أو مستحباً كان كذلك، وعلى هذا يخرج قوله:{فإِذا انْسَلَخَ الأشهر الحُرُم فاقْتلوا المشركين} (1)؛ فإِنّ الصيغة رفَعت الحظر، وأعادته إِلى ما كان أوّلاً، وقد كان واجباً* (2).
وبذا عُدْنا إِلى الحوار في أصْل الحُكم.
والذي يبدو أنّ هذا يَتْبَعُ حال الرجل والمرأة، فإِذا احتاجا إِليه؛ وجب؛ لتحقيق الإِحصان وغضّ البصر والإِعفاف، فقد جاء الحثّ على الزّواج من أجل ذلك، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب! من استطاع الباءة فليتزوج، فإِنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإِنه له وجاء"(3).
والأثر الذي ذكَره الإِمام ابن حزم رحمه الله فيه أنّ المرأة اشتكَت، وكذا في توجيه سلمان أبا الدرداء رضي الله عنهما، فقد أجابت أمّ الدرداء سلمان رضي الله عنهما حين سألها: ما شأنك؟ فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له
(1) التوبة: 5.
(2)
ما بين نجمتين من كتاب "المسوّدة"(ص 18).
(3)
أخرجه البخاري: 5066، ومسلم: 1400، وتقدّم.
حاجةٌ في الدنيا.
فالوجوب الذي أشار إِليه ابن حزم رحمه الله كان مبعثُهُ الحاجةَ أو الشكوى، فماذا إِذا لم تكن ثمّة حاجة أو شكوى؟!
ثمّ رأيت ابن كثير رحمه الله يقول في تفسير قوله -تعالى-: {فإذا تَطَهَّرْنَ فَأتُوهُنَّ مِنْ حَيثُ أَمَرَكُمُ الله} : "فيه ندْب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال، وذهب ابن حزم إِلى وجوب الجماع بعد كل حيض، لقوله:{إذا تَطَهَّرْنَ فَاْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} ! وليس له في ذلك مستند؛ لأنّ هذا أمر بعد الحظر، وفيه أقوال لعلماء الأصول، منهم من يقول: إِنه للوجوب كالمطلق، وهؤلاء يحتاجون إِلى جواب ابن حزم. ومنهم من يقول: إِنه للإِباحة، ويجعلون تقدّم النهي عليه قرينة صارفة له عن الوجوب، وفيه نظر! والذي ينهض عليه الدليل أنه يُردّ الحكم إِلى ما كان عليه الأمر قبل النهي، فإِن كان واجباً فواجب؛ كقوله -تعالى-:{فإِذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} (1)، أو مباحاً فمباح؛ كقوله -تعالى-:{وإِذا حللتم فاصطادوا} (2)، {فإِذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} (3). وعلى هذا القول تجتمع الأدلّة
…
".
وجاء في "الفتاوى"(32/ 271): "وسئل -رحمه الله تعالى- عن الرجل إِذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها؛ فهل عليه إِثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟
(1) التوبة: 5.
(2)
المائدة: 2.
(3)
الجمعة: 10.