الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله -سبحانه-: {وإِذا طَلَّقتُم النِّساء فبلَغْن أجَلَهُنّ فلا تَعْضُلُوهُنَّ أن يَنْكِحْنَ أزواجَهُنّ} (1).
وقولهم: في هاتين الآيتين إِسناد الزواج إِلى المرأة؛ فهو دليل على أنها تلي أمر نفسها في الزواج!!
فالردّ عليه من وجوه كثيرة، أبرزها ما تقدّم من أدلّة، ثمّ إِن المعنى: حتى تنكح زوجاً غيره في ضوء الشروط المنصوص عليها؛ لا بمعزلٍ عنها، فلا ينبغي أن نضرب بعض النصوص ببعض.
وفي الآية الأخرى في قوله: فـ {لا تَعْضُلُوُهنَّ} ما يدلّ على أن الخطاب للأولياء كما تقدّم.
وجاء في "الفتاوى"(32/ 31 - 32): "وسئل رحمه الله عن امرأة خلاها أخوها في مكان لتوفي عدة زوجها، فلمّا انقضت العدة هربت إِلى بلد مَسيرةَ يوم، وتزوّجت بغير إِذن أخيها، ولم يكن لها ولي غيره: فهل يصح العقد أم لا؟
فأجاب: إِذال يكن أخوها عاضلاً لها، وكان أهلاً للولاية: لم يصح نكاحها بدون إِذنه، والحال هذه، والله أعلم".
إِذا كان الوليّ هو الخاطب
(2):
قال الإِمام البخاري رحمه الله: "وخطب المغيرة بن شعبة امرأة هو أوْلى
(1) البقرة: 232.
(2)
هذا العنوان من "صحيح البخاري"(كتاب النكاح)"باب - 37".
النّاس بها، فأمَر رجلاً فزوّجه (1). وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ: أتجعلين أمرك إِليّ؟ قالت: نعم، فقال: قد تزوجتك (2). وقال عطاء: ليُشهد أني قد نكحتكِ، أو ليأمر رجلاً من عشيرتها (3) ".
قال شيخنا رحمه الله في "مختصر البخاري"(3/ 366): "المفهوم من كلام الشارح أنّ عطاء بن أبي رباح قاله في امرأة خطبها ابن عمّ لها؛ لا رجل لها غيره، قال حين سألوه عنها: "فلتشهد أنّ فلاناً خطبها، وإني أشهدكم أني قد نكحته"، أو تفوض الأمر إِلى الوليّ الأبعد، وهو معنى قوله بعد هذا: "أو ليأمر رجلاً من عشيرتها"، والكلام جرى على التذكير في ضبط الشارح، ونحن أتينا البيوت من أبوابها".
قال الحافظ في "الفتح" بعد تبويب الإِمام البخاري -رحمهما الله تعالى-: "الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز، فإِنّ الآثار التي فيها أمر الولي غيره أن يزوجه ليس فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه، وقد أورد في الترجمة أثر عطاء الدالّ على الجواز، وإنْ كان الأولى عنده أن لا يتولى أحد طرفَي العقد.
وقد اختلف السلف في ذلك، فقال الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه والليث: يزوج الولي نفسه، ووافقهم أبو ثور: وعن
(1) رواه البخاري معلّقاً، ووصله وكيع في "مصنفه"، وعنه البيهقي وسعيد بن منصور، وانظر "الفتح"، و"مختصر البخاري"(3/ 366).
(2)
رواه البخاري معلقاً، ووصله ابن سعد.
(3)
رواه البخاري معلقاً، ووصله عبد الرزاق بسند صحيح عنه، وانظر "مختصر البخاري"(3/ 366).
مالك: لو قالت الثيب لوليها: زوِّجني بمن رأيت، فزوَّجها من نفسه أو ممن اختار؛ لَزِمها ذلك، ولو لم تعلم عين الزوج. وقال الشافعي: يزوجهما السلطان، أو ولي آخر مثله، أو أقعد منه. ووافقه زفر وداود. وحُجّتهم أنّ الولاية شرط في العقد، فلا يكون الناكح مُنكحاً كما لا يبيع من نفسه". انتهى.
وقال ابن حزم رحمه الله: "وأمّا قولهم: إِنه لا يجوز أن يكون الناكح هو المُنْكِح! ففي هذا نازعناهم، بل جائز أن يكون الناكح هو المُنْكِح، فدعوى كدعوى.
وأمّا قولهم: كما لا يجوز أن يبيع من نفسه! فهي جملة لا تصحّ كما ذكروا، بل جائز إِن وُكِّل ببيع شيء أن يبتاعه لنفسه، إن لم يُحابها بشيء". ثمّ ساق البرهان على صحة ما رجّحه (1)، من أن البخاري روى عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وأولم عليها بِحيس (2).
قال: "فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوَّج مولاته من نفسه، وهو الحُجّة على من سواه". ثمّ قال: "قال الله -تعالى-: {وأنْكحُوا الأيَامَىَ منكم والصَّالحين من
عِبَادِكُم وإِمَائِكُم إِن يَكُونوا فُقَرَاء يُغْنهم الله من فضله والله واسعٌ عليم} (3).
فمن أنكح أيّمة من نفسه برضاها، فقد فعل ما أمره الله -تعالى- به، ولم يمنع
(1) هذا كلام السيد سابق رحمه الله في "فقه السنة"(2/ 457).
(2)
أخرجه البخاري: 5169، ومسلم:1365.
و (الحَيْسُ): "هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسّمْن. وقد يجعل عوض الأقط: الدقيق أو الفتيت". "النهاية".
(3)
النور: 32.