الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمحات عن دراسة
[أن] الثنائية
في القرآن الكريم
1 -
[أن] المصدرية الناصبة للفعل المضارع هي أكثر الأنواع وقوعا في القرآن.
جاء وصلها بالفعل المضارع في مئين من الآيات، ووصلت بالفعل الماضي المتصرف في آيات تجاوزت الأربعين.
ووصلت بفعل الأمر في آيات قاربت الأربعين، وهي محتملة لأن تكون تفسيرية ومصدرية في جميع هذه الآيات.
2 -
زعم ابن طاهر أن [أن] الموصولة بالفعل الماضي غير [أن] الموصولة بالفعل المضارع، ورد عليه ابن هشام. المغني 1: 27 - 28.
3 -
قال ابن هشام: زعم أبو حيان أنها لا توصل بالأمر، وأن كل شيء سمع من ذلك فإن فيه تفسيرية. المغني 1: 28 - 29.
وقد صرح أبو حيان بذلك فقال في البحر 1: 381: «وقد تقدم لنا الكلام مرة في وصل [أن] بفعل الأمر، وأنه نص على ذلك سيبويه وغيره.
وفي ذلك نظر: لأن جميع ما ذكر من ذلك محتمل، ولا أحفظ من كلامهم عجبت من أن أضرب زيدا، ولا يعجبني أن أضرب زيدا؛ فتوصل بالأمر، ولأن انسباك المصدر يحيل معنى الأمر، ويصيره مستندا إليه، وينافي ذلك الأمر».
وقال في النهر 1: 381: «لأنه إذا انسبك من ذلك مصدر فات معنى الأمر» .
هذا ما ذكره أبو حيان في الجزء الأول من تفسيره فهل ظل على رأيه هذا أو تحول عنه؟
سنرى من تتبع كلام أبي حيان في كتابه أنه تحول عنه ووافق الجمهور في وصل [أن] المصدرية بفعل الأمر.
سنراه في بعض الآيات يحتم مصدرية [أن] الموصولة بفعل الأمر ويمنع أن تكون تفسيرية، وفي بعض الآيات يرجح المصدرية على التفسيرية، وفي آيات كثيرة يجور المصدرية والتفسيرية.
4 -
تصرف المصدر المؤول من [أن] والفعل في وجوه كثيرة من الأعراب في القرآن: فوقع مرفوعا، ومنصوبا، ومجرورا بالحرف، وبالإضافة وأعجب بعد ذلك لابن الطراوة الذي منع من أن يقع المصدر المؤول من [أن] والفعل مضافا إليه. الهمع 2:3.
وردنا على ابن الطراوة أن نقول له: إن المصدر المؤول من [أن] والفعل جاء مضافا إليه في ثلاثة وثلاثين موضعا من القرآن الكريم.
أضيفت [قبل] إلى هذا المصدر في 29 موضعا، وأضيفت إليه [بعد] في أربعة مواضع؛ كما قدر المضاف المحذوف، وأعرب المضاف إليه، وهو المصدر المؤول من [أن] والفعل بإعراب المضاف في آيات كثيرة جدا.
5 -
منع سيبويه أن يعرب المصدر المؤول حالا، وقد أعرب الزمخشري والعكبري المصدر المؤول من [أن] والفعل حالات في آيات كثيرة، وكان أبو حيان يرد هذا الإعراب بمنع سيبويه ذلك، وفي بعض الآيات يرى أن الاستثناء من الأحوال ظاهر، ثم يعتذر بمنع سيبويه، البحر 2:235.
6 -
أعرب الزمخشري المصدر المؤول من [أن] والفعل منصوبا على الظرفية الزمانية بتقدير حذف المضاف، وكان يصرح في كل موضع بأن المضاف محذوف وهذا يشعر بأن هذا الإعراب اكتسبه المصدر المؤول عن طريق إحلال المضاف إليه محل المضاف، وليس عن طريق دلالة [أن] المصدرية على الزمان.
وقد سلك العكبري طريق الزمخشري، فأعرب المصدر المؤول منصوبا على الظرفية، بتقدير حذف المضاف.
أما أبو حيان فقد كان حريصا على أن يخطيء الزمخشري، ولو حمل كلام الزمخشري فوق ما يحتمل.
جوز الزمخشري في قوله تعالى:
{ألم تر إلى الذين حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك} [2: 258].
أن يكون المصدر المؤول منصوبا على الظرفية، قال في الكشاف 1:155.
«والثاني: حاج وقت أن آتاه الله الملك» .
وقال أبو حيان في البحر 2: 287 «وأجاز الزمخشري: حاج وقت أن آتاه الله الملك. فإن عني أن ذلك على حذف مضاف، فيمكن ذلك، وإن عني أن [أن] والفعل وقعت موقع المصدر الواقع موقع ظرف الزمان، كقولك: جئت خفوق النجم، ومقدم الحاج، وصياح الديك فلا يجوز ذلك
…
لأن النحويين نصوا على أنه لا يقوم مقام ظرف الزمان إلا المصدر المصرح بلفظه، فلا يجوز: أجيء أن يصيح الديك، ولا جئت أن صاح الديك».
2 -
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} 4: 92 محل المصدر المؤول النصب بتقدير حذف الزمان، كقولهم: اجلس ما دام زيد جالسا». الكشاف 1: 290.
وقال أبو حيان في البحر 3: 323 - 324 «أما جعل [أن] وما بعدها ظرف فلا يجوز نص النحويون على ذلك، وأنه مما انفردت به [ما] المصدرية ..» .
3 -
وقال أبو حيان في قوله تعالى: {لتأتنني به إلا أن يحاط بكم} 12: 66.
في البحر 5: 325 «فإن جعلت [أن] والفعل واقعة موقع المصدر الواقع ظرف زمان، ويكون التقدير: لتأتنني به في كل وقت إلا الإحاطة بكم، أي إلا وقت الإحاطة بكم.
قلت: منع ذلك ابن الأنباري، فقال ما معناه: يجوز خروجنا صياح الديك، أي وقت صياح الديك، ولا يجوز: خروجنا أن يصيح الديك، ولا ما يصيح
الديك، وإن كانت [أن] وم [ما] مصدريتين، وإنما يقع ظرفا المصدر المصرح بلفظه. وأجاز ابن جني أن تقع [أن] ظرفا، كما يقع المصدر الصريح
…
فعلى ما أجازه ابن جني يجوز أن تخرج الآية.
ما الذي جعل هذا التخريج سائغا مقبولا في نظر أبي حيان؟
ما ذلك إلا لأن الزمخشري لم يعرض لهذا التخريج في هذه الآية.
ثم جاء الزمخشري وأعرب المصدر المؤول من أن والفعل ظرفا في هذه الآيات:
1 -
{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} [33: 53].
2 -
{أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [40: 28].
3 -
{وما تشاءون إلا أن يشاء الله} [76: 30].
فسارع أبو حيان إلى رمي الزمخشري بالخطأ، لأن جميع النحويين منعوا هذا التخريج ويتناسى ما ذكره سابقا.
7 -
قال الكوفيون: لا وجود لأن المفسرة. وقال ابن هشام في المغني 1: 30 - 31 «وهو عندي متجه، لأنه إذا قيل: كتبت إليه أن أقم لم يكن [قم] نفس ما كتبت، كما كان الذهب نفس العسجد، ولهذا لو جئت بأي مكان [أن] في المثال لم تجده مقبولا في الطبع» .
ليس في القرآن آية تعيين [أن] فيها أن تكون تفسيرية لا تحتمل غير ذلك، كذلك ليس في أمثلة النحويين وشواهدهم ما يتعين أن تكون [أن] فيه تفسيرية لا غير. وما قاله الرضي في شرح الكافية 2: 217 من أن [أن] التي بعدها الدعاء تفسيرية لا غير غير مسلم كما سيجيء.
وتقتصر كتب الإعراب والتفسير على ذكر بعض معاني [أن] ولا يفيد هذا الاقتصار أنها متعينة لهذا المعنى لا تحتمل غيره وسنذكر فيما بعد أمثلة كثيرة لهذا النوع.
8 -
هل تكون [أن] مفسرة بعد صريح القول؟
ذكر ذلك ابن عصفور في شرح الجمل الصغير. المغني: 1: 31.
وجوز الزمخشري ذلك في قوله تعالى: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله} 5: 117.
جوز أن تكون [أن] مفسرة للقول على تأويله بالأمر، الكشاف 1: 373 - 374.
9 -
هل يحذف ما فيه معنى القول؟
جوز ذلك الزمخشري والعكبري في بعض الآيات، فجعلا [أن] مفسرة لهذا المحذوف الذي هو بمعنى القول. أما أبو حيان فله مواقف متعارضة: تارة يجيز وأخرى يمنع، وسنعرض لهذا بالتفصيل فيما بعد.
10 -
جاء اسم [أن] المخففة من الثقيلة محذوفا في جميع القراءات.
وجاء خبرها جملة اسمية، وجملة شرطية، وجملة فعلية فعلها جامد، وجملة فعلية فعلها متصرف مقرون بقد، ومقرون بالسين، ومنفيا بلن، وبلا النافية، وبلم.
وفي الهمع 1: 143 «قال أبو حيان: لم يحفظ في [ما] ولا في [لما] فينبغي ألا يقدم على جوازه حتى يسمع» .
وجاء خبر [أن] المخففة جملة دعائية في قوله تعالى: {والخامسة أن غضب الله عليها} 24: 9 قرئ في السبع: أن غضب.
11 -
وقع المصدر المؤول من [أن] المخففة ومعموليها خبرا للمبتدأ، وفاعلا، ومفعولا به، وسادا مسد المفعولين، وبتقدير حذف الجار، ومعطوفا، وبدل اشتمال.
12 -
تطرد زيادة [أن] بعد [لما] الحينية ذكر ذلك سيبويه والمبرد وغيرهما.
جاءت [أن] زائدة بعد [لما] في هذه الآيات.
1 -
فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى} [28: 19، البحر 7: 110].
2 -
{فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه} [12: 96].
البحر 5: 345.
3 -
{ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم} [29: 33].
البحر 7: 150.
وجعل أبو حيان [أن] زائدة قبل [لو] في هذه الآيات:
1 -
{أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا} [13: 31].
البحر 5: 392، النهر ص 391.
2 -
{فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب {[34: 13].
البحر 7: 267 - 268.
وانفرد الأخفش بالقول بزيادة [أن] في هذه الآيات:
1 -
{قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله {[2: 246].
2 -
{وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} [8: 33].
3 -
{وما لنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا} [14: 12].
4 -
{وما لكم أن لا تنفقوا في سبيل الله} [57: 10].
13 -
احتملت [أن] أن تكون مفسرة ومخففة من الثقيلة في آيات كثيرة.
14 -
واحتملت [أن] أن تكون مصدرية، ومفسرة، ومخففة في بعض الآيات.
15 -
جميع الآيات التي جاءت فيها [أن] موصولة بفعل الأمر فإن فيها محتملة للمصدرية الناصبة للمضارع وللتفسيرية، إن جعلت مصدرية قدر معها حرف الجر محذوفا.
16 -
إذا وليت [أن] ما فيه معنى القول، ووليها فعل متصرف مصدر بلا جاز كونها مخففة، ومفسرة، ومصدرية.
17 -
زاد الكوفيون لأن معنى آخر، وهو أن تكون شرطية كإن المكسورة، ورجح هذا الرأي الرضي في شرح الكافية 2: 218، وابن هشام المغني 1: 34 - 35.
18 -
قرئ في الشواذ برفع المضارع بعد [أن]؛ كما جاء ذلك في الشعر. فقيل: إنها أهملت حملا على [ما] المصدرية. وقيل: إنها مخففة.
19 -
قرئ في الشواذ بحذف [أن] ونصب المضارع في بعض الآيات.
20 -
جاء في القرآن حذف [أن] ورفع المضارع في بعض الآيات.
21 -
يرى سيبويه أن [أن] المصدرية الناصبة للمضارع يجوز أن تقع بعد العلم، إذا كان العلم بمعنى الإشارة كتابه 1:482.
وخالفه المبرد في المقتضب 3: 8.
انتصر لسيبويه ابن الشجري في أماليه 1: 253، وأبو حيان. البحر 2: 203 - 204.
جاء وقوع [أن] بعد العلم في قراءة شاذة في قوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله} 57: 59.
قرأ عبد الله: {أن لا يقدروا] بحذف النون. البحر 8: 229.
22 -
هل تأتي [أن] مجردة عن إفادة الاستقبال؟
قال ابن عطية: قد تجيء [أن] في مواضع لا يلحظ فيها الزمان؛ كقوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} 16: 40.
وكقوله: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره 30: 25.
ورد عليه أبو حيان بقوله: «بل تدل على المستقبل في جميع أمورها، وتجرد [أن] عن الزمان لم يفهم من دلالة [أن] وإنما ذلك من نسبة قيام السماء والأرض بأمر الله، لأن هذا لا يخص المستقبل دون الماضي في حقه تعالى. ونظيره: {إن الله كان على كل شيء قديرا} فـ[كان] تدل على اقتران مضمون الجملة بالزمن الماضي. وهو تعالى متصف بهذا الوصف، ماضيا وحالا، ومستقبلا» البحر 5: 491 - 492.