الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
107 - باب في الأَسِيرِ يكْرَهُ عَلَى الكُفْرِ
2649 -
حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ وَخالِد عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبي حازِم عَنْ خَبّابٍ قالَ أَتَيْنا رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَشَكَوْنا إِلَيْهِ فَقلْنا أَلا تَسْتَنْصِر لَنا أَلا تَدْعُو اللهَ لَنا فَجَلَسَ مُحْمَرّا وَجْهُهُ فَقالَ:"قَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيحْفَرُ لَهُ في الأرْضِ ثُمَّ يُؤْتَى بالمِنْشارِ فيجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ فيجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ ما يَصْرِفُهُ ذَلِكَ، عَنْ دِينِهِ ويُمْشَطُ بِأَمْشاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْم وَعَصَبٍ ما يَصْرِفُهُ ذَلِكَ، عَنْ دِينِهِ والله ليتِمَّنَّ اللهُ هذا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرّاكِبُ ما بَيْنَ صَنْعاءَ وَحَضْرَمَوْتَ ما يَخافُ إِلَّا اللهَ تَعالَى والذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَكُمْ تَعْجلُونَ"(1).
* * *
باب الأسير يكره على الكفر
[2649]
(حدثنا عمرو بن عون) بن أوس (أخبرنا هشيم) بن بشير (وخالد) بن عبد الله الطحان (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي (عن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة هو ابن الأرت (قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقلت: لقينا من المشركين شدة كما في رواية للبخاري (2).
(وهو متوسِّد) أي: جاعل تحت رأسه (بردة)(3) كالمخدة، والبردة: كساء أسود مربع يلبسه الإعراب، ويحتمل أن يراد بالتوسد هنا الاتكاء والاعتماد.
(1) رواه البخاري (3612).
(2)
السابق.
(3)
ورد بعدها في الأصل: نسخة: ببردة.
وفيه دليل على جواز النوم في المسجد والاتكاء، وكان له صلى الله عليه وسلم وسادة من أدم حشوها ليف (1). وفي رواية أحمد: حشوها إذخر (2).
(في ظل الكعبة) فيه دليل على الجلوس والاتكاء في الظل كما قال تعالى حكايةً عن موسى: {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ} (3). (فشكونا إليه) أي: ما نحن فيه (فقلنا: ألا تستنصر لنا) بالتخفيف، معناه العرض وهو طلب بلين، ويقع للتحضيض وهو طلب بحب؛ لقوله تعالى:{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} (4) ويحتمل هنا المعنيين. (ألا تدعو الله لنا) يريد أن يكفينا الله عدوان الكفار علينا وهم بمكة قبل هجرتهم.
فيه طلب الاستنصار والدعاء في الأشياء المهمة والأمور المدلهمة من الإمام والرجل الصالح والوالدين ومن في معناهما.
(فجلس) من توسده (مُحْمَرّا وجهُه) بالرَّفع، أي: جلس وقد احمر وجهه من الغضب لعدم تصبرهم وتحملهم المشاق والآلام في دين الله ومبادرتهم إلى طلب النصرة والدعاء.
وفيه دليل على حدوث الغضب منه صلى الله عليه وسلم؛ لكن لا يخرجه الغضب عن مجاوزة حكم الشريعة وانتهاك حرمتها.
وقد يستدل بهذا الحديث من يقول: لا فائدة في الدعاء؛ فإن القضاء لا مرد له.
(1) البخاري (1980)، ومسلم (1159).
(2)
لم أقف عليها عند أحمد أو غيره.
(3)
القصص: 24.
(4)
التوبة: 13.
وجوابه: ما في الكتاب والسنة من الأدعية] (1) وأن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، والدعاء سبب لرد البلاء، فكما أن الترس سبب لدفع السلاح والماء سبب لخروج النبات من الأرض.
(فقال: قد كان من كان قبلكم) من الأنبياء والرسل (يؤخذ الرجل) منهم (فيُحفَرُ له في الأرض) حفرة فيجعل فيها، أي: كما يحفر للمرأة إذا زنت حفرة إلى صدرها ويحفر للرجل إذا زنى عند أبي حنيفة (ثم يؤتى بالمئشار) بهمزة ساكنة بعد الميم عند الأكثرين من أشرت الخشبة ووشرتها. وفي حديث الدجَّال: يؤشر بالمئشار (2). وروي بالنون بدل الهمزة، كما هو المستعمل الآن من نشرت الخشبة، والمراد به: الآلة المستعملة لذلك.
(فيجعل على رأسه) وفي رواية: "فيوضع على رأسه". أي: فينشر كما ينشر الخشب (فيجعل فرقتين) وفي رواية: "نصفين"(ما يصرفه) وفي رواية (3): "ما يصده"(ذلك عن دينه) وقد يستدل بهذا الحديث على أن شرع من قبلنا شرع لنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم كونهم لم يصبروا على أذى المشركين كما صبر من قبلهم من الأنبياء والرسل ويقتدوا بهم في ذلك.
(ويمشط) الرجل منهم (بأمشاط الحديد) جمع مشط، وأما جمعه على مشاط بكسر الميم كرمح ورماح كما في رواية البخاري فلم
(1) ما بين المعقوفتين من (ل)، وقد سقطت ورقتين كاملتين من (ر).
(2)
رواه مسلم (2938).
(3)
"صحيح البخاري"(3612).
يذكره الجوهري، لكن قاله الصغاني (1) في "شوارد اللغات" (2). (ما دون عظمه) أي: اللحم الذي تحت العظم، وهو أوضح من رواية البخاري:"ما دون لحمه".
(من لحم وعصب) جمع عصبة ويجمع على أعصاب، وهي: أطناب المفاصل، وهي أشد من اللحم (ما يصرفه ذلك) ولا يصده (عن دينه) وقد اختلف فيمن أكره على كلمة الكفر بضرب أو قتل أو نشر أو مشط لحم وغير ذلك، هل الأفضل الصبر على ذلك إعزازًا لدينه، لا سيما إن كان ممن يقتدى به؟ أو الإجابة إلى التلفظ بما طلب منه مع اعتقاد الإيمان بالقلب؟ والصحيح أن التلفظ بكلمة الكفر مباح مع الاطمئنان بالقلب على الإيمان؛ لقوله تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (3) ولا يجب ذلك، بل الثبات وترك التلفظ بكلمة الكفر لاسيما لمن يقتدى به أفضل لهذا الحديث، ولأنَّه أثقل على النفس وأشق.
(والله) قسم فيه دليل على جواز الحلف من غير استحلاف؛ لأن فيه تقوية للكلام وتأكيدًا (ليُتمَّن) بضم الياء المثناة تحت وكسر المثناة فوق وفتح الميم المشددة (الله) بالرَّفع أي: كمله ويظهره (هذا الأمر) أي: أمر الإسلام (حتى يسير الراكب) على راحلته (ما بين صَنْعاء) بفتح المهملة وسكون النون وبالمد قاعدة اليمن ومدينته العظمى (وحَضْرَموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء
(1) في (ل): الصنعاني.
(2)
"الشوارد"(ص 52).
(3)
النحل: 106.
والميم: بلدة أيضاً باليمن أعظم مدن اليمن. وصنعاء أيضاً مدينة قريبة من دمشق بناحية باب الفراديس تُشَبَّه بدمشق؛ لكثرة أنهارها وبساتينها، ويجوز في حضرموت وفي أمثالها بناء الاسمين على الفتح، ويجوز بناء الأول وإعراب الثاني كإعراب ما لا ينصرف، وعلى هاتين اللغتين، فالراء والتاء مفتوحتان والنسبة إليها حضرمي.
فإن قلت: لا مبالغة فيه؛ لأنهما بلدتان متقاربتان (1).
والجواب: أن الغرض بيان انتفاء خوف المسلمين من الكفار، ويحتمل أن يراد بصنعاء صنعاء الروم أو صنعاء دمشق قرية في ناحية الربوة.
(ما يخاف إلا الله) عز وجل (والذئبَ) منصوب بالعطف على المستثنى وهو (الله)، وإن احتمل أن يعطف على المستثنى منه المقدر (على غنمه) فيه إشارة إلى أنه يستحب لمن له غنم أن يحفظها من الذئب براعٍ أو غيره (ولكنكم تَعْجَلون) (2) بفتح التاء والجيم أي: تستعجلون حصول الأمن وتطلبون سرعته قبل أوانه.
وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة ومعجزة باهرة على صدق نبوته، ولهذا ذكره البيهقي (3) في "دلائل النبوة".
* * *
(1) ساقطة من (ر).
(2)
ورد بعدها في الأصل: نسخة: تستعجلون.
(3)
ورد في الأصول بدل كلمة: البيهقي. النبي صلى الله عليه وسلم. والصَّواب ما أثبتناه.