الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - باب في الرَّجُلِ الذي يشْري نَفْسَهُ
2536 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَطاءُ بْن السّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَجِبَ رَبُّنا مِنْ رَجُلٍ غَزا في سَبِيلِ اللهِ فانْهَزَمَ". يَعْني: أَصْحابَهُ: "فَعَلِمَ ما عَليْهِ فَرَجَعٍ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهُ فيقُولُ اللهُ تَعالَى لِمَلائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلى عَبْدي رَجَعَ رَغْبَةً فِيما عِنْدي وَشَفَقَةً مِمّا عِنْدي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ"(1).
* * *
باب في الرجل يشري (2) نفسه
وقال الله تعالى: {مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} أي: يبيعها، ومنه قوله تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي: باعوه.
[2536]
(حدثنا موسى بن إسماعيل) المنقري (حدثنا حماد) بن سلمة (أخبرنا عطاء بن السائب، عن مُرَّة) بن عبد الله، مختلف في صحبته (الهَمْداني) بإسكان الميم (عن ابن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجب ربنا) قال الإمام أبو بكر محمد بن فورك (3): اعلم أن أصل معنى التعجب إذا استعمل في أحدنا فالمراد به أن يرهقه أمر يستعظمه مما لم يعلمه، وذلك لا يليق بالله سبحانه وتعالى، وإذا قيل في صفته عجب ربنا فالمراد به أحد شيئين:
(1) رواه أحمد 1/ 416، وأبو يعلى (5272)، وابن حبان (2557)، والحاكم 2/ 112. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2287).
(2)
في النسختين: يشتري. والمثبت من "السنن".
(3)
"مشكل الحديث وبيانه" 1/ 192.
إما أن يراد به مما يعظمه قدر ذلك ويكبره؛ لأن المتعجب معظم لما يتعجب منه، ولكن لما كان الله عالمًا بما كان ويكون لم يلق به أحد الوجهين الذي يقتضي استدراك علم ما لم يكن به عالمًا، فبقي أمر التعظيم له.
أو يراد بذلك الرضا له والقبول؛ لأن من أعجبه الشيء فقد رضيه وقبله، ولا يصح أن يعجب مما يسخطه ويكرهه، فلما أراد صلى الله عليه وسلم تعظيم قدر هذا الرجل وتعظيم فعله في قلوب خلقه أخبر عنها باللفظ الذي يقتضي التعظيم حثًّا على مثل فعله والمبادرة إليه (من رجل) هكذا رواية أبي داود، وأما أحمد (1) وأبو (2) يعلى (3) والطبراني (4) وابن حبان في "صحيحه" (5) فإنه قال:"عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه وفراشه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقًا مما عندي".
ولفظ الطبراني (6): "إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلة باردة من فراشه [ولحافه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة". قلت: وفي هذا فضيلة عظيمة للقيام من فراشه] (7) إلى الصلاة لكونه قرنه مع الغازي
(1)"مسند أحمد" 1/ 416.
(2)
في (ل)، (ر): وأبي. والجادة ما أثبتناه.
(3)
"مسند أبي يعلى"(5272).
(4)
"المعجم الكبير"(8532).
(5)
"صحيح ابن حبان"(2557).
(6)
"المعجم الكبير"(10383).
(7)
ساقط من (ر).
الذي قاتل في سبيل الله حتى أهريق دمه، [ثم قال في الحديث: ] (1) ورجل (غزا في سبيل الله فانهزم يعني: أصحابه) هذا من تفسير أبي داود، لا أنه سمعه من الراوي (فعلم ما عليه) العدو (فرجع حتى أُهريق) بضم الهمزة وفتح الهاء الزائدة، أي: أريق (دمه) بالرفع نائب عن الفاعل.
وفي هذا الحديث دليل على أن الغازي إذا انهزم عنه أصحابه وكان في ثباته للقتال نكاية للكفار فيستحب الثبات، لكن لا يجب كما قاله السبكي، وأما إذا كان (2) الثبات موجبًا للهلاك المحض من غير نكاية فيجب الفرار قطعًا.
(فيقول الله لملائكته) مباهيًا به الملائكة (انظروا إلى عبدي) أضافه إلى نفسه تعظيمًا لمنزلته عنده (رجع) إلى القتال (رغبة) وفي رواية (3): "رجع رجاء"(فيما عندي) و (رغبة) و (رجاء) منصوبان على المفعول له (و) كذا (شفقة) أي: خوفًا (مما عندي) من العقوبة (حتى أهريق) بضم الهمزة (دمه) وفي هذا دليل على أن نية المقاتل في الجهاد طمعًا فيما عند الله من الثواب وخوفًا مما وعد على الفرار من العقاب؛ لأنه علل الرجوع للرغبة وللإشفاق.
(1) ساقط من (ر).
(2)
ساقط من (ر).
(3)
رواها ابن حبان 6/ 297 - 298 (2557 - 2558).