الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
27 - باب في فَضْلِ الشَّهادَةِ
2520 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُميَّةَ، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمّا أُصِيبَ إِخْوانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللهُ أَرْواحَهُمْ في جَوْفِ طيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهارَ الجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمارِها وَتَأْوي إِلى قَنادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ في ظِلِّ العَرْشِ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوانَنا عَنّا أَنّا أَحْياءٌ في الجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلَاّ يَزْهَدُوا في الجِهادِ وَلا يَنْكُلُوا عِنْدَ الحَرْبِ فَقالَ اللهُ سبْحانَهُ: أَنا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ. قالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} ". إِلى آخِرِ الآيَةِ (1).
2521 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُريْعٍ، حَدَّثَنا عَوْفٌ، حَدَّثَتْنا حَسْناءُ بِنْت مُعاوِيةَ الصَّرِيمِيَّة قالَتْ، حَدَّثَنا عَمّي قالَ: قُلْتُ لِلنَّبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ في الجَنَّةِ؟ قالَ: " النَّبي في الجَنَّةِ، والشَّهِيدُ في الجَنَّةِ، والمَوْلُودُ في الجَنَّةِ، والوَئِيدُ في الجَنَّةِ"(2).
* * *
باب في فضل الشهادة
[2520]
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن إدريس)
(1) رواه أحمد 1/ 265، وأبو يعلى (2331)، والحاكم 2/ 88، والبيهقي 9/ 163.
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(2275).
(2)
رواه أحمد 5/ 58، 409، والبيهقي 9/ 163.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2276).
الأزدي (1)(عن محمد بن إسحاق)[صاحب المغازي](2)(عن إسماعيل ابن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم) الذين قتلوا (بأحد) أي: في غزاة أحد (جعل الله أرواحهم في جوف) أي: في أجواف، كما في رواية الترمذي (3) (طير خضر) أي: طيور خضر.
قال النووي (4): فيه أن الأرواح باقية لا تفنى كما هو مذهب أهل السنة خلافا للمبتدعة. وفي حديث: في حواصل طير (5). وفي آخر عن قتادة: في صورة طير بيض (6). وهو الأشبه لقوله: تأوي إلى قناديل تحت العرش.
قال القرطبي (7): لا محالة أنهم ماتوا، وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم في الجنة. قال: ومنهم من يقول: ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون كما تعذب أرواح الكفار في قبورهم. وقال مجاهد (8): يرزقون من ثمر الجنة، أي: يجدون ريحها وليسوا فيها.
(1) ساقطة من (ل).
(2)
ساقطة من (ل).
(3)
لم أجدها عند الترمذي، وهي عند أحمد 1/ 265.
(4)
"شرح النووي على مسلم" 13/ 31، نقله عن القاضي عياض من "إكمال المعلم" 6/ 306.
(5)
"مسند الطيالسي"(289)، "سنن الدارمي"(2410) عن ابن مسعود موقوفًا.
(6)
"مصنف عبد الرزاق"(9558).
(7)
"الجامع لأحكام القرآن" 4/ 269.
(8)
"تفسير الطبري"(2317).
قال: والصحيح أنها في جوف طير في الجنة.
(ترد) الأرواح التي على صورة الطيور (أنهار الجنة) فتشرب منها وتسقط على أشجارها (تأكل من ثمارها) وفي رواية مسلم (1)(2): تسرح في (3) الجنة حيث شاءت ثم تأوي.
(وتأوي إلى قناديل من ذهب) قال القاضي (4): قيل: إن هذا المنعم من الأرواح جزء من الجسد يبقى فيه الروح، وهو الذي يقول {رَبِّ ارْجِعُونِ} (5) وهو الذي يسرح في الجنة يأكل من ثمار أشجارها ويشرب من مياهها، وغير مستحيل أن يصور هذا الجزء أو يكون في الجنة طائرًا، أو يجعل في جوف طير ويأوي إلى قناديل (معلقة في ظل العرش) يحتمل أن يراد بالظل هنا الكنف والحماية، كما يقال: فلان في ظل فلان، أي: في كنفه وحمايته، ويحتمل أن تكون القناديل معلقة في الفردوس الذي فوقه عرش الرحمن، ويدل عليه ما رواه البخاري (6) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة".
(1) ساقطة من (ر).
(2)
"صحيح مسلم"(1887) موقوفًا على ابن مسعود.
(3)
في "صحيح مسلم": من.
(4)
"إكمال المعلم" 6/ 307.
(5)
المؤمنون: 99.
(6)
"صحيح البخاري"(2790).
وعلى هذا فالمراد بالظل نعيم جنة الفردوس، كما قال تعالى:{وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} (1)(فلما وجدوا طيب مأكلهم) بإسكان الهمزة، مفرد في معنى الجمع (و) كذا (مشربهم) ولو قرئت مآكلهم بمد الهمزة على أنه جمع لجاز إلا أن الإفراد هو المناسب لمشربهم (ومَقِيلهم) بكسر القاف بعده تحتانية أي في موضع راحتهم شبه بالراحة التي يستريحها الإنسان في الدنيا وقت القائلة (قالوا: من يبلغ إخواننا) يعني: الذين في الدنيا (عنا) أي: عن حالنا الذي نحن فيه، وما أعطانا الله على الجهاد في سبيله، وهو (ألا أحياءٌ) فيه دليل على أن الشهداء حياتهم حياة حقيقية، بدليل قوله بعد ذلك في الجنة نُرزَق (2) ولا يرزق إلا حي، وهو نظير قوله تعالى:{أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (3)، وقيل: لأن أرواحهم تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة كأرواح الأحياء الذين باتوا على وضوء، ولكون الشهيد حيًّا حكمًا لا يصلى عليه كالحي حسًّا.
وسبب تمني الشهداء أن يعلم إخوانهم حياتهم ورزقهم وما أعطاهم الله؛ (لئلا يزهدوا في الجهاد) قال الجوهري (4): الزهد خلاف الرغبة يقول: زهدت في الشيء وعن الشيء إذا لم ترغب فيه (ولا ينكلوا) قال الجوهري (5): ينكُلوا، بضم الكاف، يقال: نكل عن العدو وعن
(1) النساء: 57.
(2)
في (ل)، (ر): يرزقون. والمثبت من "سنن أبي داود".
(3)
آل عمران: 169.
(4)
"الصحاح" 2/ 43.
(5)
"الصحاح" 5/ 113.
اليمين نكولًا، أي: جبن، والناكل: الجبان الضعيف.
وقال أبو عبيدة: نكِل بالكسر لغة أنكرها الأصمعي.
وقال المنذري (1): ينكلوا مثلث الكاف، أي: يجبنوا ويتأخروا عن الجهاد.
(عن الحرب) وفي رواية: عند الحرب، وهذا الحديث نظير ما حكاه الله عن حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى {قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (2). فقام إليه قومه فرجموه حتى مات، وقيل: حرقوه مع الرسل، فقال لما دخل الجنة:{يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (3) ليؤمنوا -أهل أنطاكية- بعيسى عليه السلام، وفي الحديث:"نصح قومه حيًّا وميتًا"(4). كما نصح قتلى أحد إخوانهم بعد الموت فلا يُلغى المؤمن إلا ناصحًا.
(فقال الله: أنا أبلغهم)(5) أي: أبلغ إخوانكم (عنكم) لما أدخلهم الله الجنة ووعد داخلها ما تشتهيه نفسه وتمنوا تبليغ إخوانهم ولم يكن عندهم في الجنة من يخرج إلى الدنيا ليبلغ إخوانهم بلغ الله عنهم على لسان رسوله، وفي ذلك فضيلة عظيمة للشهداء (فأنزل الله) في كتابه: ({وَلَا
(1)"الترغيب والترهيب" 2/ 213.
(2)
سورة يس: 20.
(3)
يس: 26 - 27.
(4)
ذكره الزيلعي في "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في "تفسير الكشاف" 3/ 163 وعزاه لابن مردويه في تفسيره، وذكر إسناده، وفيه عمر بن إسماعيل بن مجالد، وهو متروك. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 274.
(5)
ورد بعدها في الأصل: نسخة: أنا مبلغهم.
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}) ذهب عنهم نعيم الدنيا ولذتها ({بَلْ}) هم ({أَحْيَاءٌ}) في دار الكرامة (إلى آخر الآيات)(1).
[2521]
([حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عوف حدثتنا] (2) حسناء) بفتح الحاء المهملة وإسكان المهملة والمد (بنت معاوية الصَّريمية) بفتح الصاد المهملة وكسر الراء، ويقال: خنساء مقبولة، بالمعجمة بتقديم النون. انفرد أبو داود بهذا الحديث.
(قالت: حدثنا عمي) قال المنذري (3): عم حسناء هو أسلم بن سليم، وهم ثلاثة إخوة: الحارث بن سليم، ومعاوية بن سليم، وأسلم ابن سليم رضي الله عنهم (من) يكون في الجنة) لعله سأل عن الوضوء الذي يستحق به الجنة، وفيه دليل على احتراصهم على أفعال الخير، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"من لقيت خلف هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة"(4). قال النووي (5): معناه: أخبروهم أن من كانت هذِه صفته فهو من أهل الجنة.
ولما كانوا في دخولهم الجنة على مراتب ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حيث (قال (له (النبي: كل نبي في الجنة) أي: في أعلى الجنة (والشهيد) دون ذلك، فإنه في الجنة) في ظل عرش الرحمن، كما تقدم (والمولود) أي: الصغير في الجنة) يتبع أباه في الإيمان فيلحق بدرجته في الجنة وإن لم
(1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: الآية.
(2)
سقط من الأصول، ومستدرك من المطبوع.
(3)
"مختصر سنن أبي داود"(2410).
(4)
"صحيح مسلم"(31).
(5)
"شرح النووي على مسلم" 1/ 237.
يعمل بعمله تكرمة لأبيه؛ لتقر بذلك عينه، وأما ولد الكافر فحكمه في الدنيا حكم أبيه، وأما في الآخرة فهم إذا ماتوا قبل البلوغ فيهم ثلاثة مذاهب؛ قال النووي (1): الصحيح أنهم في الجنة.
قلت: وإطلاق الحديث يقتضي ذلك (2)(والوَئِيد) بفتح الواو وكسر الهمزة، وهو المدفون حيًّا في الأرض، فهو فعيل بمعنى مفعول، قال الله تعالى:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (3) سميت موؤودة لما يطرح عليها من التراب فيوئدها، أي: يثقلها حتى تموت في الجنة) وقد عاب الله وأوعد على قتل الموءودة فهي وئيدة، وهي في الجنة أيضًا، فإن كان أبواها أو أحدهما مسلمًا فهي ملحقة بهما في الإيمان وفي دخول الجنة، وإلا ففيها الخلاف، وقد روى الواحدي (4) بسنده عن سلمة بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الوائدة والموءودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها ".
* * *
(1)"شرح النووي على مسلم" 12/ 50.
(2)
زيادة من (ل).
(3)
التكوير: 9.
(4)
"التفسير الوسيط" للواحدي 4/ 430. ورواه أحمد 3/ 478، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 421 (2474)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 507 (11649). قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 118 - 119: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2447). وانظر ما سيأتي برقم (4717) عن أبي عامر.