الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
96 - باب في الطّاعَة
2624 -
حَدَّثَنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ قالَ: قالَ ابن جُريْجٍ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} في عَبْدِ اللهِ بْنِ قيْسِ بْنِ عَديِّ بَعَثَهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم في سَرِيَّةٍ، أَخْبَرَنيهِ يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ (1).
2625 -
حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ زُبيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبيْدَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميِّ، عَنْ عَليٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جيْشًا وَأَمَّرَ عَليْهِمْ رَجُلاً وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ ويُطِيعُوا فَأَجَّجَ نارًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَحِمُوا فِيها فَأَبَى قَوْمٌ أَنْ يَدْخُلُوها وَقالُوا: إِنَّما فَرَرْنا مِنَ النّارِ، وَأَرادَ قَوْمٌ أَنْ يَدْخُلُوها فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَ:" لَوْ دَخَلُوها - أَوْ دَخَلُوا فِيها - لَمْ يَزالُوا فِيها". وقالَ: "لا طاعَةَ في مَعْصِيَةِ اللهِ؛ إِنَّما الطّاعَةُ في المَعْرُوفِ"(2).
2626 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحيَى عَنْ عُبيْدِ اللهِ، حَدَّثَني نافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"السَّمْعُ والطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِم فِيما أَحَبَّ وَكَرِهَ ما لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإذا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طاعَة"(3).
2627 -
حَدَّثَنا يَحيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارِثِ، حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ المُغِيرةِ، حَدَّثَنا حُميْدُ بْنُ هِلالٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عاصِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مالِكٍ - مِنْ رَهْطِهِ - قالَ: بَعَثَ النَّبي صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَسَلَحْتُ رَجُلاً مِنْهُمْ سيْفًا فَلَمّا رَجَعَ قالَ: لَوْ رَأيْتَ ما لامَنا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَعَجَزْتُمْ إِذْ بَعَثْتُ رَجُلاً مِنْكُمْ فَلَمْ يَمْضِ لأَمْري أَنْ تَجْعَلُوا مَكانَهُ مَنْ يَمْضي لأمْري؟ "(4).
(1) رواه البخاري (4584)، ومسلم (1834).
(2)
رواه البخاري (4340)، ومسلم (1840).
(3)
رواه البخاري (2955)، ومسلم (1839).
(4)
رواه أحمد 4/ 110، وابن حبان (4740)، والحاكم 2/ 114 - 115.
باب في الطاعة
[2624]
([حدثنا زهير بن حرب، حدثنا حجاج قال: ] قال) عبد الملك (ابن جريج) نزلت ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ}) في امتثال أمره واجتناب نواهيه ({وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}) فيما أمر به ونهى عنه ({وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}) قال ابن خويز (1) منداد: طاعة أولي الأمر تجب فيما كان لله فيه طاعة، ولا تجب فيما كان لله فيه معصية، ولذلك قلنا: إن ولاة زماننا لا تجب طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم، (في عبد الله) بن حذافة، بضم الحاء المهملة (بن قيس بن عدي) بفتح العين المهملة وكسر الدال السهمي القرشي، مات بمصر، وكان (بعثه النبي صلى الله عليه وسلم) وأمره عليهم (في سرية) وتمام القصة: أن عبد الله بن قيس أمرهم بأمر فخالف بعضهم وأنف على عادة العرب، فإنهم كانوا يأنفون من الطاعة. قال الشافعي: كانت العرب تأنف من الطاعة للأمراء، فلما أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الأمراء (2).
(أخبرنيه) أي: أخبرني بذلك (يعلى) بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح اللام ابن مسلم، (عن سعيد بن جبير، عن) عبد الله (ابن عباس).
[2625]
([حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا: شعبة] عن زُبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة، ابن الحارث اليامي، (عن سعد بن عبيدة) بضم
=وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(2362).
(1)
في (ل): خواز، وكلاهما صواب.
(2)
"المفهم" 12/ 85.
العين، مصغر.
(عن) ختنه (أبي عبد الرحمن السلمي)[بضم السين](1) واسمه: عبد الله بن حبيب، صاحب علي رضي الله عنه، (عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا) في بعض الغزوات (وأمَّر عليهم) فيه دليل على استحباب التأمير كما تقدم (رجلاً) هذا الرجل ليس هو عبد الله بن قيس بن حذافة المذكور أولًا؛ لأن في رواية مسلم: رجلًا من الأنصار، (وأمرهم أن يسمعوا له) قوله (ويطيعوا) أمره كما قال الله تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} (2).
والسمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة واجبة؛ لظاهر الأمر، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية.
(فأجج نارًا) رواية الصحيحين: فقال: اجمعوا لي حطبًا فجمعوه، ثم قال: أوقدوا لي نارًا فأوقدوا. (وأمرهم أن يقتحموا فيها) والاقتحام الدخول في الشيء من غير روية ولا تثبت، قال الله تعالى:{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)} (3)، أي: لم يتحمل الأمر العظيم في الدخول في طاعة الله، ورواية "الصحيح": قال لهم: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. (4)
(1) ليست في (ر).
(2)
النور: 51.
(3)
البلد: 11.
(4)
"صحيح مسلم"(1840/ 40).
قيل: كان أمره لهم بالدخول في النار امتحانًا لهم (1) واختبارًا لطاعتهم، وقيل: كان مازحًا؛ فإنه كانت فيه دعابة كما قال الليث بن سعد: بلغني أنه حل حزام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقع. قال ابن وهب: فقلت لليث: ليضحكه؟ قال: نعم، كانت فيه دعابة.
وقيل: إنما حمله على ذلك غضبه عليهم فأراد عقوبتهم بذلك؛ لأنه قد جاء في رواية مسلم: فأغضبوه في شيء. (فأبى قوم) حين نظر بعضهم إلى بعض (أن يدخلوها، وقالوا: إنما فررنا) إلى رسول الله (من النار) أي نار جهنم، وهذِه منها لما روى ابن ماجه (2) عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ناركم هذِه جزء من سبعين جزءًا من جهنم".
(وأراد قوم أن يدخلوها)(3) امتثالًا لطاعته. (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) ورواية الصحيحين (4): فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال: لو دخلوها أو) قال: لو (دخلوا فيها) وهذا شك من الراوي (لم يزالوا فيها) زاد مسلم: "إلى يوم القيامة"، قال النووي (5): هذا مما علمه النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، وهذا التقييد بيوم القيامة مبين للرواية الأخرى بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها.
(1) ساقطة من (ر).
(2)
"سنن ابن ماجه"(4318).
(3)
بعدها في الأصول: نسخة: يدخلوا.
(4)
البخاري (4340)، مسلم (1840).
(5)
"شرح النووي على مسلم" 12/ 227.
قال القرطبي (1): هذا ظاهر في أنه تحرم الطاعة في المعصية المأمور بها، وأن المطيع فيها يستحق العقاب.
(وقال: لا طاعة في معصية الله) قال القرطبي (2): لو أمر بمعصية مثل أخذ مالٍ بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق فلا يطاع في ذلك ولا ينفذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما ولا ماله بأولى من دم الآخر ولا ماله، وكلاهما يحرم شرعًا؛ إذ هما مسلمان ولا يجوز الإقدام على واحد منهما لا للآمر ولا للمأمور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". كما ذكره الطبراني (3)(4) ولقوله في الحديث الآتي: "فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
(إنما الطاعة) أي الواجبة (في المعروف) ومقتضى هذا الحصر أن الطاعة لا تكون إلا في معروف. ويعني بالمعروف هنا ما ليس بمنكر ولا معصية، فيدخل فيه الطاعات الواجبة والمندوب إليها، والأمور الجائزة شرعًا، وقد صرح أصحابنا بأن الإمام إذا أمر بصيام الثلاثة الأيام المستحبة لصلاة الاستسقاء أنها تصير واجبة بأمر الإمام.
قلت: فعلى هذا إذا أمر الإمام في الشتاء برفع الطين من الشوارع، أو أمر بتعليق الثياب التي يتزين بها عند ولاية الإمام فتجب طاعته، إذا لم
(1)"المفهم" 3/ 39.
(2)
"المفهم" 3/ 39.
(3)
في (ل): الطبري.
(4)
"المعجم الأوسط"(4322)، و"المعجم الكبير"(407).
يؤد ذلك إلى معصية، والله أعلم.
[2626]
(حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: السمع) بالرفع على الابتداء (والطاعة) أي واجبة (على المرء المسلم) ويجوز النصب على الإغراء عن من يجوزه في الغائب كقول بعضهم: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب. ويدل عليه رواية مسلم: "عليك السمع والطاعة"(1) فإنه تقدم لاجتماع كلمة المسلمين؛ فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم (فيما أحب) المسلم ووافق هواه (و) فيما (كره) أي: ويجب السمع والطاعة فيما تكرهه نفس المسلم ويشق عليها مما ليس بمعصية (ما لم يؤمر) المسلم (بمعصية) كما تقدم، (فإذا أمر بمعصية) تعلمونها من دين الله ولا تشتبه عليكم (فلا سمع ولا طاعة) فيما أمر، لكن إذا ظلموا لا يجوز الخروج عليهم ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام، لكن يجب تغيير الظلم على من قدر بيده أو بلسانه فإن عجز فيكرهه بقلبه ولا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضا، قاله النووي وغيره.
قال سهل بن عبد الله التستري: أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل، والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد. قال: وإذا نهى السلطان العالم أن يفتي فليس له أن يفتي، فإذا أفتى فهو عاصٍ.
(1)"صحيح مسلم"(1836).
[2627]
(حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، عن بشر) بكسر الباء الموحدة وإسكان المعجمة أخو نضر (بن عاصم)[الليثي](1)(عن عقبة ابن مالك) الليثي البصري، قال أبو عمر بن عبد البر وغيره: إن عقبة هذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا (2)(من رهطه) لعل المراد: من رهط بشر الراوي عنه.
(قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فسلحت) بفتح السين واللام المشددة وإسكان الحاء المهملة (رجلاً منهم سيفًا) أي جعلته ذا سلاح بالسيف الذي دفعته إليه، وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم:"من جهز غازيًا فقد غزا"(3).
(فلما رجع) أي: من الغزو (قال: لو رأيتَ ما لامنا) بفتح الميم المخففة من اللوم، و (ما) مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر والتقدير: لو رأيت لوم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لنا.
ثم فسر اللوم المذكور إذ (قال: أعجزتم إذ بعثت رجلًا منكم) أمرته على سرية وأمرته بأمر (فلم يمض لأمري) الذي أمرته به أن تقوموا عليه وتخلعوه من الإمارة بمخالفته أمري، قال القاضي عياض (4): لو طرأ عليه
(1) في النسخ: (ابن سفيان الثقفي) والمثبت صرح به غير واحد؛ منهم الإمام أحمد في "المسند" 4/ 110، والليثي أخو نصر غير الثقفي هذا، وقد فرّق بينهما غير واحد. انظر:"تهذيب الكمال" 4/ 130 (693)، 4/ 132 (695).
(2)
"الاستيعاب" 3/ 1075.
(3)
تقدم برقم (2509).
(4)
"إكمال المعلم" 6/ 246.
كفر أو تغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين (أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري) أي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال القرطبي: لو ابتدع بدعة، أي: مخالفة للشريعة المحمدية، فالجمهور على أنه يخلع (1). ومعنى الحديث إذا جعلت عليكم أميرًا وأمرته بأمر فلم يمض فيه، ولم يذهب إلى حيث أرسلته فاعزلوه وأقيموا مكانه أميرًا يعمل عمله، والحديث معمول به، وإذا كان الأمير لا يحفظ الرعية ويظلمهم، قال بعضهم: يجوز للمسلمين عزله وإقامة غيره إن لم يحصل من عزله إثارة فتنة وإراقة دماء.
* * *
(1)"المفهم" 4/ 39.