الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب في فَضْلِ الحَرْسِ في سَبيلِ الله تعالى
2501 -
حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا مُعاوَيةُ -يَعْني: ابن سَلامٍّ- عَنْ زيْدٍ -يَعْني: ابن سَلَّامٍ- أَنَّهُ سَمِعَ أَبا سَلَّامٍ، قالَ: حَدَّثَني السَّلُولِيُّ أَبُو كَبْشَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ سَهْلُ ابن الحَنْظَلِيَّةِ أَنَّهُمْ سارُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنيْنٍ فَأَطْنَبُوا السّيْرَ حَتَّى كانَتْ عَشِيَّةً فَحَضَرْتُ الصَّلاةَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجاءَ رَجُلٌ فارِسٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي انْطَلَقْتُ بيْنَ أيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذا وَكَذا، فَإِذا أَنا بِهَوازِنَ عَلَى بَكْرَةِ آبائِهِمْ بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشائِهِمُ اجْتَمَعُوا إِلى حُنيْنٍ. فَتَبَسَّمَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وقالَ:"تِلْكَ غَنِيمَةُ المُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شاءَ اللهُ". ثُمَّ قالَ: "مَنْ يَحْرُسُنا اللّيْلَةَ؟ ". قالَ أَنَسُ ابْنُ أَبي مَرْثَدٍ الغَنَوِيُّ: أَنا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: "فارْكَبْ". فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ فَجاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْتَقْبِلْ هذا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ في أَعْلاهُ، وَلا نُغَرَّنَّ مِنْ قِبَلِكَ اللّيْلَةَ".
فَلَمّا أَصْبَحْنا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتيْنِ ثُمَّ قالَ: "هَلْ أَحْسَسْتُمْ فارِسَكُمْ؟ ". قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ ما أَحْسَسْناهُ. فَثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلى الشِّعْبِ، حَتَّى إِذا قَضَى صَلاتَهُ وَسَلَّمَ قالَ:"أَبْشِرُوا فَقَدْ جاءَكُمْ فارِسُكُمْ". فَجَعَلْنا نَنْظُرُ إِلى خِلالِ الشَّجَرِ في الشِّعْبِ فَإِذا هُوَ قَدْ جاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ فَقالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ في أَعْلَى هذا الشِّعْبِ حيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا أَصْبَحْتُ اطَّلَعْتُ الشِّعْبيْنِ كِليْهِما، فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ نَزَلْتَ اللّيْلَةَ؟ ". قالَ: لا إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قاضِيًا حاجَةً. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " قَدْ أَوْجَبْتَ فَلا عَليْكَ أَنْ لا تَعْمَلَ بَعْدَها"(1).
(1) رواه النسائي في "الكبرى"(8870)، والطبراني 6/ 96 (5619)، والحاكم 1/ 237، 2/ 83 - 84، والبيهقي 2/ 13، 9/ 149.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(378).
باب فضل الحرس في سبيل الله تعالى
[2501]
(حدثنا أبو توبة، [حدثنا معاوية -يعني: ابن سلام- عن زيد -يعني: ابن سلام- أنه سمع أبا سلام قال: حدثنى السلولى أبو كبشة] (1)، عن سهل ابن الحنظلية) الحنظلية أمه، وقيل: أم جده، وهو سهل بن الربيع بن عمر، ويقال: سهل بن عمرو (أنهم) أي: أنه ومن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة (ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: أمامه وهو آخرهم، وهكذا ينبغي أن يكون أمير الجيش في آخرهم؛ لينظر في مصلحة من اعتل بعيره ومن مرض أو ضعف عن المشي أو أثقله حمل الزاد.
(يوم) أي: في يوم قربوا من (حنين) وهو وادٍ قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا (فأطنبوا) بفتح النون، والباء الموحدة (السير) أي: أطالوا في السير ذلك اليوم، والأطناب الطوال من حبال الفسطاط والأصر القصار (حتى كان عشية) بالرفع والنصب؛ لأن (كان) تامة، أي: حتى حضر وقت العشية، حكى النووي عن أهل اللغة أن العشي ما بين زوال الشمس وغروبها (2).
(فحضرت الصلاة مع رسول الله) كما في رواية: حضرت صلاة الظهر، وهي مبينة للرواية الأولى (فجاء رجل فارس) كان قد تقدم على الجيش كالطليعة لهم (فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين
(1) سقط من (ر) وهو على حاشية (ل) غير واضح، والمثبت من المطبوع.
(2)
"شرح النووي على مسلم" 5/ 68، ونسبه للأزهري في "تهذيب اللغة" 1/ 325.
أيديكم) مسرعًا (حتى طلِعتُ) بكسر اللام، قال الجوهري (1) وغيره (2): طلِعت الجبل بالكسر، أي: علوته. (جبل كذا وكذا) كناية عن جبل يعرفونه.
(فإذا) للمفاجأة (أنا بهوازن) وهي قبيلة من قيس (على بكرة) بفتح الباء الموحدة، وإسكان الكاف (أبيهم) (3) قال الجوهري (4): هذِه الكلمة يراد بها الجماعة إذا جاؤوا معًا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة (بظعنهم) بفتح الظاء والعين، وسكون العين لغتان جمع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج، مأخوذ من الظعن، وهو السير، كما قال تعالى:{يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} (5)، وأصل الظعينة الراحلة لا تسير.
(ونعمهم) وهي الإبل والبقر (وشائهم) بالمد جمع كثرة، واحدها شاة، والشياه جمع شاة، وكان جماع أمر هوازن إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط معهم نساءهم وأموالهم وأبناءهم، فلما نزلوا بأوطاس اجتمع الناس إلى [مالك ابن](6) عوف وفيهم دريد بن الصمة، شيخ كبير ليس فيه إلا التيمن برأيه، فقال له (7): يا مالك، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير
(1)"الصحاح" 3/ 388.
(2)
انظر: "أساس البلاغة" 1/ 393، "الأفعال" لابن القطاع 1/ 209.
(3)
ورد بعدها في الأصلين: نسخة: آبائهم.
(4)
"الصحاح" 2/ 158.
(5)
النحل: 80.
(6)
زيادة يقتضيها السياق.
(7)
من (ل).
وبكاء الصغير؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. قال: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فقال راعي ضأن (1) والله، وهل يرد المنهزم [شيء، إنها](2) إن كانت النصرة لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك (3).
(اجتمعوا إلى حنين) للقتال (فتبسم رسول الله) وسبب تبسمه أن الفارس لما ذكر له أمر هوازن واجتماعهم وأن معهم النساء والأبناء والإبل والبقر والغنم سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم لما أطلعه الله تعالى عليه في كونهم سيصيرون في غد غنيمة للمسلمين ينتفعون بهم.
(وقال) للفارس (تلك) أي: هذِه الظعائن والنعم والشاء (4) سيصير جميعها (غنيمة المسلمين (5) غدًا) وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم بإخباره بالمغيبات قبل أن تقع (إن شاء الله تعالى) إن قيل: إذا كان الله قد أعلمه أنها في غد غنيمة للمسلمين، وعلم الله تعالى لا يبدل ولا يغير، فلم علق ذلك بمشيئة الله تعالى؟ فالجواب: يحتمل أن تكون (إن) بمعنى إذ شاء الله. أي: حيث شاء الله تعالى، ويحتمل أن الله تعالى لما أعلمه ذلك أخبر به لكنه استثنى على ما أمره الله تعالى في
(1) في الأصلين: ضال. وهو خطأ والمثبت من كتب السير.
(2)
تحرفت في الأصلين إلى: سحانها.
(3)
انظر: "دلائل النبوة" للبيهقي 5/ 185، و"السيرة النبوية" لابن هشام 5/ 106.
(4)
في (ر)، والنساء، والمثبت من (ل).
(5)
ورد بعدها في (ر): نسخة: للمسلمين.
قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (1)، فأتى بالاستثناء تبركًا بالآية لا تعليقًا للمشيئة.
(ثم قال: من يحرسنا) من العدو في هذِه (الليلة) الآتية جميعها. فيه: جواز الاحتراس من العدو، والأخذ بالحزم، وترك الإهمال في وقت الحاجة إلى الاحتياط، وفي معناه حراسة البيوت في الإقامة، وأخذ الأجرة عليه، يحتمل أن يكون هذا قبل نزول قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فإنه كان يحرس قبل نزول الآية، وكان أبو طالب يرسل (2) معه كل يوم مع رسول الله رجالًا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (3)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عماه، إن الله قد عصمني من الجن والإنس، ولا احتاج من يحرسني"(4). ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية وهو الظاهر، فإن طلب هذِه الحراسة كان في غزاة حنين بعد فتح مكة، وعلى هذا فهو غير محتاج للحراسة، وطلب الحراسة إنما كان لحراسة من معه من الجيش.
(قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا) أحرسكم (يا رسول الله) يحتمل
(1) الكهف: 23.
(2)
في (ر)، يحرس، والمثبت من (ل).
(3)
المائدة: 67.
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11663)، وعزاه ابن كثير في "تفسيره" 3/ 153 لابن مردويه، والواحدي في "الوسيط" 2/ 209، من طرق عن أبي كريب، عن عبد الحميد الحماني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 81: رواه الطبراني، وفيه النضر بن عبد الرحمن، وهو ضعيف.
أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأنس لما قال هذا الكلام كما دعا في مقدمه المدينة لسعد بن أبي وقاص حين قال له: جئت أحرسك هذِه الليلة (1). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لمن صنع إليه معروفًا أو إلى الناس ويثني عليه.
(قال: فاركب) أي: فرسك لتحرس الجيش هذِه الليلة (فركب فرسًا له) امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أتى بفاء التعقيب؛ لتدل على سرعة امتثاله الأمر (وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ذكر المجيء بعد أن كان عند النبي صلى الله عليه وسلم حاضرًا يدل على أنه لما ركب الفرس ذهب للحراسة فتذكر كثرة جماعة هوازن وشدة بأسهم، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤكد عليه المقال الأول، وليسمع البشارة من النبي صلى الله عليه وسلم ثانيًا، ويزداد يقينًا، ويثبت قلبه عند الحراسة من العدو، قال له: إن هوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا على حنين فأعاد له النبي صلى الله عليه وسلم القول (وقال: تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء الله) كما تقدم (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه رجع (من يحرسنا الليلة؟ ) لينظر هل هو باقْ على ما قال أولًا أو جبن عن الحراسة.
(قال أنس بن أبي مرثد) في المرة الثانية (أنا يا رسول الله) أمتثل ما تأمرني به والله تعالى يحرسكم ويحفظكم، وفيه جواز قول الإنسان لأستاذه وشيخه: أنا أفعل لك كذا. والرد على من منع من ذلك؛ لأن أنا من قول الشيطان، ولأن النبي كرهه ممن استأذن فقال: من أنت؟ فقال: أنا؟ فخرج النبي وهو يقول: من أنا من أنا. كالكاره له (2). وإن
(1) رواه البخاري (2885)، ومسلم (2410).
(2)
رواه البخاري (6250)، ومسلم (2155) من حديث جابر بن عبد الله.
كان الأولى أن يقول لمن يخاطب شيخه: الفقير أو العبد يفعل كذا.
(قال: فاركب) فيه دليل على أن الأولى أن يكون الحارس راكبًا على فرس إن وجد، وإلا فغيره (فركب) في الحال (فرسًا له) فيه: أنه (1) ينبغي أن يكون فرس من يحرس ملكًا له لا عارية، ولا من بيت المال (وجاء) بعدما ركب (إلى رسول الله) يتمثل ما يأمره به، وإن كان قد علم أنه أمره بالحراسة؛ لكنه جاء إليه ليذكر أن يقف للحراسة وليوصيه (2) بشيء غير ذلك وليدعو له.
(فقال له رسول الله: استقبل) بوجهك (هذا الشِّعب) بكسر الشين المعجمة هو ما انفرج بين الجبلين، وقيل: الطريق في الجبل (حتى تكون) فيه حذف، تقديره: سر (3) على فرسك إلى هذا الشعب حتى تكون (في أعلاه) فيه: أنه يستحب للحارس أن يكون في مضيق الطرق، وأن يكون في أعلاه؛ ليتمكن ويظفر بالعدو.
(ولا تَغُرَّن) بفتح التاء وضم الغين وتشديد الراء ونون التأكيد، وبضم النون وفتح الغين والراء المشددة أو المخففة. أي: لا تغفلن عن مراقبة هذا الشعب وحفظه من العدو بنعاس أو نظر إلى غيره، بل يكون النظر (مَن) بفتح الميم (قِبَلك) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي: من جهتك التي أمرتك بحفظها وهي جهة الشعب. فيه: وصية الإمام للحارس على اعتنائه بالحراسة وترك غفلته، ويستحب الدعاء له بالإعانة على ما هو
(1) زيادة من (ل).
(2)
في (ر)، وأن يوصيه، والمثبت من (ل).
(3)
في (ر)، سير، والمثبت من (ل).
بصدده (الليلة) أي: لا تغفل في جميع هذِه الليلة.
(فلما أصبحنا من تلك الليلة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المكان الذي بات فيه بعد الطهارة ماشيًا (إلى مصلاه) الذي اتخذه مسجدًا للصلاة فيه. فيه: أنه يستحب للإنسان إذا قام في مكان بنية الجهاد أو الرباط أو غير ذلك أن يتخذ مكانًا يصلي فيه هو وغيره (1)، كما أنه يستحب للمقيم (2) أن يعزل مكانًا في بيته يعده للصلاة رجلًا كان أو امرأة، ولهذا جاء الخلاف في صحة الاعتكاف، والصحيح أنه لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو المعين المهيأ للصلاة، وحينئذٍ فالظاهر أن الصلاة فيه وإن لم يكن مسجدًا أفضل من غيره.
(فركع ركعتين) من غير الفريضة، الظاهر أن هاتين الركعتين ركعتا الفجر لما سبق في أبي داود:"لا تصلوا بعد الفجر إلا ركعتين"(3)، وفي لفظ:"لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا سجدتان" رواه الدارقطني (4). وهاتان الركعتان ركعهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر لقوله أولًا: فلما أصبحنا. (ثم قال: هل أحسستم) أي: علمتم أو عرفتم أمر (فارسكم؟ ) وأصل ذلك من الإحساس وهو وجود الشيء بالحاسة.
(1) في (ر): أو غيره. والمثبت من (ل).
(2)
زيادة من (ل).
(3)
برقم (1278) وفيه: سجدتين. بدل: ركعتين.
(4)
"سنن الدارقطني"(1/ 246) بلفظ: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين، ورواه الترمذي (419) باللفظ الذي أورده المؤلف ثم قال: وهو ما اجتمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.
وفيه: دليل على تفقد الأمير أمر عامته والسؤال عن حال من أرسله في مهم وعمن غاب من جماعته.
(قال رجل: ) من القوم (يا رسول الله، ما أحسسنا) من أمره شيئًا. فيه: جواز الإخبار عن رفقته بما غلب على ظنه من حالهم (فثوب) بضم المثلثة وكسر الواو المشددة (بالصلاة) أي: أقيمت صلاة الصبح المفروضة، ويطلق التثويب على الأذان، وكل داعٍ مثوب، وقد ثوب فلان بالصلاة إذا دعا إليها، والأصل فيه: الرجل يجيء مستصرخًا فيلوح بثوبه، فسمي الدعاء تثويبًا لذلك، فإن حملنا التثويب على الإقامة أو الأذان ففيه دليل على أن الأذان أو الإقامة تسن للمسافر والغازي ولا تختص بالمقيم.
(فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت)(1) أي: في حال صلاته وهو في أثنائها (إلى الشعب) يعني: الذي (2) أمر الفارس باستقباله وحفظه، وقد استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على جواز الالتفات في الصلاة بوجهه من غير تحويل قدميه إذا دعت إليه حاجة كالتفاته صلى الله عليه وسلم إلى جهة الشعب الذي من جهة العدو لمعرفة أمر الفارس الذي اشتغل قلب الغزاة من جهته، فإن كان الالتفات لغير حاجة فيكره؛ لما رواه أبو داود عن أبي ذر:"لا يزال الله مقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت"(3).
(1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: يتلفت.
(2)
في (ر): النبي. والمثبت من (ل).
(3)
سبق في كتاب الصلاة، باب الالتفات في الصلاة برقم (909).
وروى الترمذي (1) من حديث أنس: "إياك والالتفات في الصلاة، فإن كان ولابد ففي التطوع"، وقال: حديث صحيح.
وفي بعض نسخ أبي داود المعتمدة: فجعل رسول الله يتلفت، بتقديم التاء على اللام وتشديد الفاء، وهو يدل على كثرة التلفت.
(حتى إذا قضى صلاته) وهي صلاة الصبح (وسلم) أي: تسليمتين يمينًا وشمالًا كما هو غالب أحواله، ويحتمل أن تكون التسليمة الأولى فقط، فإن الفعل إذا أطلق يحمل على الأقل (قال: أبشروا) بفتح الهمزة كما قال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} (2). فيه: استحباب البشارة والتهنئة كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك بتوبة الله عليه بقوله: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك". متفق عليه (3).
(فقد جاءكم فارسكم) الذي ذهب إلى الشعب، وفيه: مدح للفارس (فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر) أي: إلى ما بين الأشجار التي (في الشعب) وواحد الخلال خلل، وأصله الفرجة بين الشيئين، وليس نظرهم (4) إلى خلال الشجر شكًّا في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خبره يفيد العلم، لكن أرادوا أن يجمعوا بين العلم الخبري والعلم الضروري بحاسة البصر، وهذا على أن العلوم تتفاوت ويكون بعضها أقوى من بعض كما قال إبراهيم:{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (5).
(1)"سنن الترمذي"(589) وقال: حسن غريب.
(2)
فصلت: 30.
(3)
"صحيح البخاري"(4418)، "صحيح مسلم"(2769).
(4)
في (ر): نظر، والمثبت من (ل).
(5)
البقرة: 260.
(فإذا هو) يعني: الفارس (قد جاء) مسرعًا (حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: وقف بفرسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: دليل على أن من أرسله الأمير إلى جهة وقدم منها أن يبدأ في قدومه بالاجتماع بالأمير قبل (1) غيره، وظاهر اللفظ أنه استمر راكبًا حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عن الدابة قبل أن يصل إليه كما هو الأدب، ولعله استمر راكبًا حرصًا على سرعة وصوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الفرس أسرع مشيًا من مشيه.
(فسلم) على النبي صلى الله عليه وسلم، فيه: تسليم القادم من السفر على المقيم، ويسلم الراكب على الماشي [والواقف والجالس، وتسليم الصغير على الكبير، كما في الصحيحين (2): "ويسلم الراكب على الماشي](3) والماشي على القاعد"، وفي البخاري: "يسلم الصغير على الكبير" (4).
(فقال) يا رسول الله (إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب (5) حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم) فبت أرقبه هذِه الليلة حتى أصبحت (فلما أصبحت اطَّلعت) بتشديد الطاء من قوله: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)} (6)، وفي نسخة: طَلَعَت. بفتح اللام كما تقدم (الشعبين) أي: علَوْتهما. يعني: الشعبين الذين في وجه العدو [(كليهما) بإسكان
(1) ساقطة من (ل).
(2)
"صحيح البخاري"(6231)، "صحيح مسلم"(2160) من حديث أبي هريرة.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من (ر).
(4)
"صحيح البخاري"(6234) من حديث أبي هريرة.
(5)
ورد بعدها في (ل): وفي نسخة: هذِه الشعب. فكلا التذكير والتأنيث جائز؛ لأن الشعب مجازي التأنيث، دون الشعب الآخر.
(6)
الصافات: 55.
المثناة قبل هاء الضمير، قلبت الألف ياء كما قلبت في: عليهما ولديهما.
(فنظرت) من الشعبين إلى جهة العدو] (1)(فلم أر أحدًا منهم. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نزلت) في هذِه (الليلة؟ ) عن فرسك؟ (قال: لا) أي: لم أنزل عنها (إلا مُصَلِّيًا) منصوب على المفعول له أي: إلا لأجل الصلاة (أو قاضيًا) بنصب الياء (حاجة) فيه دليل على شدة اعتنائهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتراصهم على أفعال الخير.
(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أوجبت) بإسكان الباء الموحدة، أي: أتيت بفعلٍ أوجب الله لك به الجنة (فلا) حرج (عليك) في (أن لا تعمل) عملًا من أعمال البر (بعدها) أي: بعد حراستك الشعب في هذِه الليلة، والظاهر أن المراد بترك العمل العملُ الموجب لدخول الجنة وارتفاع الدرجات، وأما ما فرضه الله عليه من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك فلا يجوز له تركه بعد تلك الليلة بهذِه الحراسة، وهذا فيه حث عظيم وتفضيل جسيم للحراسة في سبيل الله تعالى.
(1) ما بين المعقوفين ساقط من (ر).