الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
98 - باب في كَراهيةِ تَمَنّي لِقاء العَدُوِّ
2631 -
حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سالمٍ أَبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ - يَعْني ابن مَعْمَرٍ وَكانَ كاتِبًا لَهُ - قالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلى الحرُورِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَيَّامِهِ التي لَقيَ فِيها العَدُوَّ قالَ: "يا أَيُّها النَّاسُ لا تتمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ تَعالَى العافِيَةَ فَإذا لَقِيتُمُوهُمْ فاصْبِرُوا واعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ". ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتاب وَمُجْريَ السَّحاب وَهازِمَ الأحْزابِ اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنا عَلَيْهِمْ"(1).
* * *
باب كراهية تمني لقاء العدو
[2631]
(حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى، أخبرنا أبو إسحاق الفزاري، عن موسى بن عقبة) من موالي أمية (عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله) تصغير عبد (يعني: ابن معمر) بقوله إلا أن تفسير عمر بن عبيد الله بأنه (وكان) ليس هو من كلام الراوي الذي سمع منه (كاتبًا) يعني: سالمًا (له) أي: لعمر بن عبيد الله (قال): يعني: سالمًا (كتب إليه) يعني: إلى عمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) الأسلمي، واسمه علقمة الأسلمي.
قال النووي: واتفاق البخاري ومسلم على روايته حجة في جواز
(1) رواه البخاري (2818)، ومسلم (1742).
العمل بالمكاتبة والإجازة، وقد جوزوا (1) العمل (2) بالمكاتبة، وبه قال جماهير العلماء من أهل الحديث والأصول والفقه، ومنعت طائفة العمل بها، وهو غلط (3).
(حين خرج إلى الحرورية) نسبة إلى حروراء، وهو موضع أو قرية بظاهر الكوفة. قال السمعاني (4): وهي على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج فيه فتعاقدوا في هذِه القرية على مذهبهم الفاسد؛ فنسبوا إليها. وكان عبد الله آخر من بقي بالكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتنى بها دارًا، ومات بالكوفة سنة سبع وثمانين بعدما كف بصره.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقِي) بكسر القاف (فيها العدو، قال: يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو) فيه الدليل على كراهة تمني لقاء العدو خشية اضطراب النفوس عند اللقاء وتغيرها عما عزمت عليه لصعوبة فقد الحياة عند الملاقاة أو غير ذلك مما علمه عليه السلام، وقد نهى عن تمني الموت.
قال ابن عباس: لم يتمن الموت غير يوسف عليه السلام (5).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اللهم رق عظمي وانتشرت رعيتي فتوفني
(1) في الأصول: قال ابن الجوزي. والمثبت من "شرح النووي على مسلم".
(2)
ورد بعدها في الأصول: ابن خالد. ولا معي لها، وراجع "شرح النووي على مسلم".
(3)
"شرح النووي على مسلم" 12/ 47.
(4)
"الأنساب" للسمعاني 2/ 207.
(5)
"تفسير الطبري"(19941).
غير مقصر ولا عاجز (1).
قال الإمام: وقد يشكل في هذا الموضع أن يقال: إذا كان الجهاد طاعة فتمني الطاعة كيف ينهى عنه؟ !
قيل: قد يكون المراد بهذا أن التمني ربما أثار فتنة وأدخل حسرة إذا التحق به ومن استخف بعدوه فقد أضاع الحزم، فيكون المراد: لا تتمنوا لقاء العدو في حالة الشك في غلبته عليكم، أو يخاف منه استباحة (2) الحريم ويذهب بالأنفس (3) والأموال.
(وسلوا الله العافية) قد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة، وقيل: لما يخاف من ظفر العدو بالمسلمين: "اللهم إني أسألك العافية العامة لي ولأحبابي وجميع المسلمين".
(فإذا لقيتموهم فاصبروا) فيه الحث على الصبر في القتال وهو أركز أركانه، وقد جمع الله آداب القتال في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (4)، فوعد الله أن يكون مع الصابرين، ومن كان الله معه فلا يبالي.
(1) أخرجه مالك في "الموطأ"(1506).
(2)
في الأصول: استباح.
(3)
في الأصول: الأنفس.
(4)
الأنفال: 46.
(واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) فمعناه أن ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله، وهذا من المجاز البليغ الحسن جدًّا، فإن ظل الشيء لما كان ملازمًا له جعل ثواب الجنة واستحقاقها سبب الجهاد وإعمال السيوف لازمًا لذلك كما يلازم الظل، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لمن استشاره للجهاد، وذكر أن له والدين:"الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما". رواه الطبراني بإسنادٍ جيد (1).
وتخصيص السيوف دون غيرها؛ لأنها الغالب ما يقاتل به.
(ثم قال: اللهم (2) منزل الكتاب) منادى مضاف فيه إشارة إلى السبب الذي تطلب به الإجابة، وهو طلب النصرة لكتاب الله المنزل عليه كأنه قال: كما أنزلته فانصره وأعله وأهله (مجري السحاب) فيه إشارة إلى قدرته سبحانه وتعالى، وفيه التوسل بالنعمة السابقة (وهازم الأحزاب) جمع حزب وهم القطعة من الناس، ويعني به الذين تحزبوا عليه بالمدينة فهزمهم الله. فيه التوسل بالنعمة اللاحقة، وقد ضمن الشعراء هذا المعنى أشعارهم بعدما أشار إليه كتاب الله حكاية عن زكريا عليه السلام {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (3) وعن إبراهيم عليه السلام:{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} (4) أي: بارًّا وصولًا. وقال الشاعر:
(1)"المعجم الكبير"(2202).
(2)
بعدها في (ل): منادى مضاف. وحقها أن توضع بعد (منزل الكتاب) كما أثبتناها، حيث لفظ الجلالة هنا منادى مفرد، و (منزل) منادى مضاف.
(3)
مريم: 4.
(4)
مريم: 47.
كما أحسن الله فيما مضى
…
كذلك يحسن فيما بقى
وفي قوله: (هازم الأحزاب) إشارة إلى تفرد الله سبحانه بالفعل وتجريد التوكل وإطراح الأسباب واعتقاد أن الله هو الفاعل، وفيه دليل على أنه يستحب الدعاء (1) بصفات الله التي تناسب طلبة الداعي كقوله: وهازم الأحزاب (اهزمهم) وفيه الدعاء على العدو بالانهزام (وانصرنا عليهم) فيه الدعاء بالنصر والغلبة على الكفرة، وفيه دليل على جواز السجع في الدعاء إذا لم يتكلف.
* * *
(1) زيادة من (ل).