الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
148 - باب في الإمامِ يَمْنَعُ القاتِلَ السَّلب إِنْ رَأى والفَرَسُ والسِّلاحُ مِنَ السَّلَبِ
2719 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قالَ: حَدَّثَني صَفْوان بْن عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبيْرِ نُفيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشجَعيِّ قالَ: خَرَجْت مَعَ زيْدِ بْنِ حارِثَةَ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فَرافَقَني مَدَديٌّ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ ليْسَ مَعَهُ غيْرُ سيْفِهِ فَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ جَزورًا فَسَأَلة المَدَديُّ طائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ فَأَعطْاهُ إِيّاهُ فاتَّخَذَهُ كَهيْئَةِ الدَّرَقِ وَمَضيْنا فَلَقِينا جُمُوعَ الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ عَليْهِ سَرجٌ فذْهَبٌ وَسِلاحٌ مُذْهَبٌ فَجَعَلَ الرُّوميُّ يُغْري بِالُمسْلِمِينَ فَقَعَدَ لَهُ المَدَديُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَمَرَّ بِهِ الرُّوميّ فَعَرقَبَ فَرَسَهُ فَخَرَّ وَعَلاهُ فَقَتَلَهُ وَحازَ فَرَسَهُ وَسِلاحَهُ فَلَمّا فَتَحَ اللهُ عز وجل لِلْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إِليْهِ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنَ السَّلَبِ.
قالَ عَوفٌ: فَأَتيْتهُ فَقُلْتُ: يا خالِدُ أَما عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقاتِلِ قالَ بَلَى وَلَكِنّي اسْتَكْثَرْتُهُ. قلْتُ: لَتَرُدَّنَّه عَليْهِ أَوْ لأعَرِّفَنَّكها عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَليْهِ قالَ عَوْفٌ فاجْتَمَعْنا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُ عَليْهِ قِصَّةَ المَدَديِّ وَما فَعَلَ خالِدٌ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يا خالِدُ ما حَمَلَكَ عَلَى ما صَنَعْتَ" قالَ: يا رَسُولَ اللهِ اسْتَكْثَرتُهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يا خالِدُ رُدَّ عَليْهِ ما أَخَذْتَ مِنْهُ". قالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ: دُونَكَ يا خالِدُ أَلمْ أَفِ لَكَ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَما ذَلِكَ" فَأَخْبَرْتُهُ قالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "يا خالِدُ لا تَرُدَّ عَليْهِ هَلْ أَنْتُمْ تارِكُونَ لي أُمَرائي لَكُمْ صِفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَليْهِمْ كَدَرُهُ"(1).
2720 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ سَألتُ ثَوْرًا عَنْ هذا الحَدِيثِ فَحَدَّثَني عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ جُبيْرِ بْنِ نُفيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ
(1) رواه مسلم (1753).
ابْنِ مالِكٍ الأشجَعيِّ نَحْوَهُ (1).
* * *
باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى ذلك، والفرس والسلاح من السلب
[2719]
(حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي (حدثني صفوان بن عمرو) السكسكي.
(عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، ثقة (2)، مات سنة خمس وتسعين.
(عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرجت مع زيد بن حارثة) في سنة ثمان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الجيش.
(في غزوة مؤتة ورافقني مَدَدي) بفتح الميم والدال الأولى. أي: رجل من المدد الذي أمد به الجيش وقوي عند استشعارهم الضعف عن ملاقاة العدو.
قال الفراء، والجبائي (3): يقال: مددت فيما كانت زيادته من مثله يقال: مد النهر. وفي التنزيل: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} (4)، وأمددت فيما كانت زيادته من غيره كقولك: أمددت
(1) انظر الحديث السابق.
(2)
انظر: "الكاشف" للذهبي 1/ 180.
(3)
انظر: "شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم" لنشوان بن سعيد الحميري اليمني 9/ 6196، "الصحاح في اللغة" للجوهري 2/ 99.
(4)
لقمان: 28.
الجيش. قال الله تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} (1).
(من أهل اليمن ليس معه) سلاح (غيرُ سيفه) فيه أن السيف سلاح، وسياق اللفظ يدل على أنه لم يكن معه درقة ولا ترس، وقد نقل الرافعي عن ابن كج أن الترس والدرع ليسا بسلاح. قال الأذرعي في "التوسط": وفيه نظر؛ فإن البندنيجي والماوردي عدا من السلاح الجوشن (2).
وفي "البيان"(3): السلاح أقسام: سلاح يكره حمله في الصلاة، وهو الثقيل الذي يشغله عنها، مثل: الدرع، والعرف قاضٍ بأن (4) كل ما يدفع عن نفسه أو يتقي به من الآلات يسمى سلاحًا.
(فنحر رجل من المسلمين جزورًا) قال الجوهري: الجزور من الإبل يقع على الذكر والأنثى، وهي تؤنث، والجمع جزر (5) أي: بضم الجيم والزاي. وفيه دليل على أن الأفضل في الإبل النحر، ويجوز الذبح.
(فسأله المددي) الذي رافقني (طائفة من جلده) قال الجوهري (6): الطائفة من الشيء القطعة منه. وفيه دليل على جواز استيهاب الرفيق من رفيقه، وغير الرفيق ما يحتاج إليه إذا علم أنه لا يشق عليه (فأعطاه إياه) فيه مثال لوجوب انفصال الضمير الثاني إذا اتحدت رتبتهما كما
(1) آل عمران: 126.
(2)
انظر: "المجموع شرح المهذب" 4/ 424.
(3)
"البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني 2/ 526.
(4)
ساقطة من (ر).
(5)
"الصحاح" للجوهري 2/ 612.
(6)
"الصحاح" 4/ 1397.
قال ابن مالك (1):
وفي اتحاد الرتبة (2) الزم فصلًا
(فاتخذه) يعني: الجلد، والمفعول الثاني محذوف [والكاف في (كهيئة الدرق) صفة للمفعول المحذوف] (3) والتقدير: فاتخذه هيئة كهيئة، وتكون هيئة مصدرًا في معنى المفعول، أي: مثالًا منهما، والمراد بالهيئة الشكل والصورة، وأصله مصدر، ويجوز كسر الهاء وياء مشددة بعدها، وبها قرأ الزهري في قوله تعالى:{كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} (4).
(فمضينا) مع زيد إلى الغزو (فلقينا جموع الروم) يجوز سكون الياء من (لقينا) ونصب العين من جموع، ويجوز نصب الياء مع ضم العين؛ لأن كلاهما يجوز أن يكون فاعلًا ومفعولًا؛ مَنْ لقيته فقد لقيك، وكانت هذِه الجموع جموع هرقل، والالتقاء في قرية من قرى البلقاء يقال لها: مشارف (5). (وفيهم رجل) راكب (على فرس له أشقر) تقدم في باب ما يستحب من أبواب الخيل فضيلة الأشقر، وأنه السابق من الخيل غالبًا (عليه سرج مُذهب) بضم الميم وفتح الهاء. أي: مموه بالذهب، كما قال الجوهري (6). وفي "مختصر (7) العين" أنه المطلي بالذهب، وهو
(1)"ألفية ابن مالك" باب النكرة والمعرفة.
(2)
مكررة في (ل).
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (د).
(4)
آل عمران: 49، وانظر:"الكشف والبيان" للثعلبي 3/ 71.
(5)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 131.
(6)
"الصحاح" 1/ 146.
(7)
من (ل).
الظاهر (وسلاح مذهب) رواية الشافعي (1): سرج مذهب، ومنطقة ملطخة بذهب، وسيف محلى بذهب (فجعل الرومي يُغْري) بضم أوله وإسكان المعجمة، قال ابن الرفعة: معناه مولع بهم مستضعفًا لهم، أي: ومضعفًا بعضهم ببعض، يقال: أغرى به القتل. ولا يقال: أغرى بي. إلا في مثل هذا، وهو مبني لما (2) لم يسم فاعله (بالمسلمين، فقعد له المددي) قال النووي: يعني: رجلًا من المدد الذين (3) جاؤوا يمدون جيش مؤتة وجاؤوا يساعدونهم (4)(خلف صخرة) مرتفعة ([فمر به الرومي] (5) فَعَرْقَبَ فرسه) أي: قطع عرقوبها.
قال الجوهري: عرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها. قال الأصمعي: كل ذي أربع عرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه (6).
(فخرَّ) أي: وقع كما في رواية الشافعي رضي الله عنه (7)، يعني: عن فرسه، ولفظه (وعلاه) بالسيف (فقتله، وحاز) أي: أخذ (فرسه) وسلاحه. وفيه دليل على أن الفرس من السلاح بلا خلاف، وكذا إذا كان الفرس
(1) لم أقف عليها من رواية الشافعي، ورواها سعيد بن منصور في "سننه"(2697)، وأحمد 6/ 26، وهي في "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 9/ 225 من طريق الوليد بن مسلم عن صفوان بن عروبة.
(2)
في (ر): بما، وفي (ل): فيما.
(3)
في النسخ: الذي. والمثبت من "شرح مسلم".
(4)
"شرح مسلم" 12/ 65 - 66.
(5)
من "السنن".
(6)
"الصحاح" للجوهري 1/ 199.
(7)
زيادة من (ر).
مركوبًا، وكذا لو كان ممسكا بعنان المركوب وهو يقاتل راجلًا (1)، وللإمام احتمال فيه، أما الفرس المنفصل عنه أو مع غيره فلا يدخل فيه (وسلاحه) فيه أن السلاح أيضًا من السلب كما بوب عليه المصنف [رحمه الله](2)، ويدخل فيه الذي يحمله الفارس والذي يحمله الفرس (فلما فتح الله عز وجل للمسلمين) أي: يسر الله لهم النصرة على عدوهم (بعث إليه خالد بن الوليد) وكان واليًا عليهم كما في مسلم (فأخذ من السلب) رواية الشافعي: وحبس منه.
فيه دليل لمن يقول [إن السلب](3) إلى رأي الإمام إن رأى المصلحة في الأخذ منه لمصلحة الكثرة على الآخذ أو لغيرها فعل وإلا فلا، وهو الذي بوب عليه أبو داود، لكنه لا يوافق مذهب الشافعي رضي الله عنه (4) للشيخ أتقي الدين] (5) السبكي.
(قال عوف) بن مالك: (فأتيته فقلت) له: (يا خالد) أعطه كله. كذا في رواية الشافعي رضي الله عنه (6)(أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسَّلَب) بفتح السين واللام، سمي بذلك؛ لأن المقتول سلبه القاتل ما معه فهو مسلوب. قاله الأزهري (7).
(1) في (ر): رجلًا.
(2)
زيادة من (ر).
(3)
ساقط من (ر).
(4)
زيادة من (ر).
(5)
زيادة من (ل).
(6)
زيادة من (ر).
(7)
"الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي"(ص 189).
قال البيهقي بعد ذكره: فيه دليل على أن هذا كان مشهورًا قبل غزوة حنين فيما بين الصحابة، وأنه كان لا يخمس (1).
قال الماوردي: اختلف أصحاب الشافعي فيه هل (2) هو ابتداء عطية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بيان لمجمل الآية وهي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (3) على قولين، أظهرهما: ليظهر أثرهما من بعد (4). كما سيأتي. وكذلك اختلف الفقهاء هل هذا السلب مستحق بالشرع أو بالشرط على قولين:
أحدهما: أنه له بالشرع شرطه الإمام أم لم يشرطه، وهو قول الشافعي [رضي الله تعالى عنه](5).
والثاني: لا يستحق إلا بشرط الإمام، وهو قول أبي حنيفة [رحمه الله](6).
وقال مالك: لا يستحق إلا بشرط الإمام بعد القتال، فلو نص قبله لم يجز (7).
ومأخذ النزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام والحاكم والمفتي، وهو
(1)"معرفة السنن والآثار" 9/ 214.
(2)
ساقط من (ر).
(3)
الأنفال: 41.
(4)
"الحاوي" 8/ 398، وفيه الجملة الأخيرة هكذا: ولهذين القولين بيان نذكره من بعد، والله أعلم.
(5)
ما بين المعقوفتين زيادة من (ر)، وانظر:"الأم" 5/ 309.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من (ر)، وانظر:"السير الكبير" 2/ 594.
(7)
"المدونة" 1/ 517.
الرسول، فقد يقول الحكم بمنصب الرسالة فيكون شرعًا إلى يوم القيامة كقوله:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"(1)، وقضى بالشاهد واليمين (2) وبالشفعة فيما لم يقسم (3)، وقد يقوله بمنصب الفتوى كقوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد شكت إليه شح زوجها وأنه لا يعطيها ما يكفيها فقال:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"(4). فهذِه فتيا لا حكم؛ إذ لم يدع بأبي سفيان ولم يسأله عن جواب الدعوى ولا سألها البينة.
وقد يقوله بمنصب الإمامة فيكون بمصلحة للأمة في ذلك الوقت وذلك المكان وعلى تلك الحال فيلزم من بعده من الأمة مراعاة ذلك على سبيل المصلحة التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الزمان والمكان والحال. ومن هنا يختلف الأئمة في كثير من المواضع التي وردت عنه (5).
(للقاتل) ولو عبدًا أو امرأة وصبيًّا لا ذميًّا، ولا شك أن السلب يعطى لمن قتل مشركًا يقاتل مقبلًا من أي جهة قتله مبارزًا أو غير مبارز، وليس من شرطه أن يكون الكافر يبارزه، وشرط بعض أصحابنا في استحقاق السلب أن يغرر بنفسه، فلو رمى الكافر بسهم فقتله قال: لم يستحق سلبه لأنه ما خاطر بنفسه، ومقتضى الحديث استحقاقه (6).
(1) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) من حديث عائشة.
(2)
رواه مسلم (1712) من حديث ابن عباس.
(3)
رواه البخاري (2213)، ومسلم (1608).
(4)
رواه البخاري (5364).
(5)
انظر: "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم 3/ 490.
(6)
انظر: "شرح النووي على مسلم" 12/ 63.
(قال: بلى) أي: علمت ذلك (ولكن استكثرته) عليه، فيه دليل لقول إسحاق ومن تابعه: إن الإمام إن استكثر السلب خمسه، وإن استقله لم يخمسه، وفعله عمر بن الخطاب (1)، ويدل عليه ما روى سعيد في "سننه" عن ابن سيرين أن البراء بن مالك بارز مُرزبان الزَّأْرة (2) بالبحرين فطعنه فدق صلبه، وأخذ سواريه وسلبه، فلما صلى عمر الظهر أتى أبا طلحة (3) في داره، فقال: إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالًا كثيرًا، وأنا خامسه، فكان أول سلب خمس في الإسلام، وبلغ سلب البراء ثلاثين ألفًا (4)، لكن الصحيح أن السلب كله للقاتل وإن كان كثيرًا، وأنه لا يخمس للحديث الآتي (5): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب.
(قلت) والله (لتردنه) أي: لتردن ما أخذته من السلب (إليه) فيه دليل على فضيلة الصحابة وقيامهم في الله ونصرة من ظهر لهم أنه مظلوم وإن لم يتظلم إليه ولا استنصر به، وأنهم لا يخافون في الله لومة لائم (أو لأعَرِّفَنَّكها) بضم الهمزة وفتح العين وتشديد الراء والنون التي بعد الفاء.
قال الخطابي: يريد لأجازينك بها حتى تعرف صنيعك به (6). ويجوز فتح الهمزة وسكون العين وتخفيف الراء من قوله تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ
(1) انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 69.
(2)
الزأرة: الأجمة، والمرزبان: رئيس القوم من العجم.
(3)
في النسخ الخطية: البراء. خطأ، والمثبت من "سنن سعيد بن منصور".
(4)
"السنن"(2708 - 2709).
(5)
(2721).
(6)
"معالم السنن" للخطابي 2/ 304.
وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} (1) على قراءة السلمي والحسن وقتادة وطلحة والكسائي في رواية هارون عنه بتخفيف الراء: أي جازى عليه، ولم يجز أن يكون في الآية ولا في الحديث بمعنى العلم، أما في الآية فلأن الله أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كانت أفشته وعلم جميع ذلك، وأما في الحديث فلما تقدم في قوله:(أعلمت) وإذا لم يجز حملهما على العلم حمل على المجازاة، وهكذا كما تقول لمن أساء إليك أو أحسن: أنا أعرفن ذلك لك. أي: أجازيك على ما صنعت بي، فلا يخفى علي. ومنه الحديث:"تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"(2). أي: أطعه في حالة الرخاء يجازك عليه في حال شدتك واحتياجك إلى الإحسان، وقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} (3) أي: يجازيهم عليه (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه تعظيم للحضرة النبوية، وما أحسن قوله في قصيدة بانت سعاد:
لقد أقوم مقامًا لو يقوم به
…
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له
…
من الرسول بإذن الله تنويل
أي: لظل الفيل يرعد من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فأبى) خالد (أن يرد عليه) ما أخذ من السلب لما ظهر له من
(1) التحريم: 3، وانظر:"السبعة" لابن مجاهد ص 640.
(2)
أخرجه أحمد 1/ 307، وعبد بن حميد (636)، الحاكم 3/ 623، وغيرهم.
(3)
النساء: 63.
المصلحة على ما أدى إليه اجتهاده؛ إذ للإمام أن يجتهد ويعمل بما ظهر له بعد استشارة أهل العلم ومراجعتهم، فرأى الحديث محمولًا على غير حالة الكثرة، وهذا الحديث قد يستشكل من حيث أن القاتل قد استحق السلب فكيف منعه إياه؟ قال النووي (1): ويجاب عنه بوجهين:
أحدهما: لعله أعطاه بعد ذلك للقاتل، وإنما أخره تعزيرًا له ولعوف ابن مالك لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد وانتهكا حرمة الوالي ومن ولَّاه.
الوجه الثاني: لعله استطاب قلب صاحبه فتركه صاحبه اختيارًا منه وجعله للمسلمين.
(قال عوف: فاجتمعنا) نحن وخالد (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: في حضرته الشريفة المبجلة العظيمة المنزلة.
(فقصصت عليه صلى الله عليه وسلم قصة المددي) الذي من حمير (وما فعل خالد) معه. فيه دليل على جواز إخبار الكبير بما حصل في غيبته من الأمور والمسائل التي أشكلت عليه، وكذلك إذا اجتمع الإنسان بالمفتي يسأله عما حصل له ليزيل عنه بجوابه ما أشكل عليه، وليس في ذكر ذلك غيبة، وأن هذا مستثنىً من الغيبة المحرمة إن كان المسئول عنه غائبًا، وإن كان حاضرًا كما هو الواقع هنا فيقصد بالسؤال إظهار الحق والبحث عنه، وليس هذا من قبيل الدعوى على خالد.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد) فيه استعمال (يا) التي ينادى به الغائب
(1)"شرح مسلم" 12/ 64.
للقريب الحاضر.
(ما حملك على ما صنعت) أي: على الذي صنعته مع المددي، فيه دليل على العمل بإخبار الواحد؛ إذ لم يقل هل صنعت أم لا؟ بل سأله عن السبب الذي حمله على أخذ السلب مع علمه بأنه للقاتل ليعلم حجته في ذلك، وكذلك الحاكم إذا ادعى عنده شخص على أحد بدعوى وظهر له صدقه لا يحكم على المدعى عليه حتى يسأله ليسمع جوابه فيقول: ما حملك على ما صنعت؟ أو لأي شيء فعلت هذا؟ ونحو ذلك.
(قال: يا رسول الله، استكثرته) عليه، يجوز تقديم الاسم على الجواب، ويجوز تأخيره عنه كما في رواية مسلم (1): استكثرته يا رسول الله.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد، رد) [(2) فيه شاهد على لغة تميم فيما إذا اجتمع المثلان في كلمة واحدة وسكن الثاني في آخر الكلمة بناءً أو جزمًا؛ فإن لغتهم الإدغام، ولغة الحجاز الإظهار نحو: رد وارْدُد، وعلى لغة الحجاز:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (3)، {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} (4)، وقاعدة تميم؛ غض من صوتك، ومن يرتد منكم.
واعلم أنك إذا أدغمت وحركت الثاني لالتقاء الساكنين فجوز سيبويه (5) ثلاثة أوجه:
(1)"صحيح مسلم"(1753).
(2)
يبدأ من هنا سقط ورقة كاملة من مصورتنا من (ر) سنشير إليه في نهايته.
(3)
لقمان: 19.
(4)
البقرة: 217.
(5)
انظر: "الكتاب" 3/ 532، 533.
تحريك الآخر بأقرب الحركات إليه [الضم](1) في رد، والكسر في فر، والفتح في عض ما لم يتصل به ضمير.
والثانية: فتح آخره؛ لأنه أخف الحركات.
الثالثة: الكسر على أصل التقاء الساكنين.
(عليه ما أخذت منه) من السلب، أمره بالرد عليه ولم ير اعتذاره بالاستكثار عذرًا في التخميس.
(قال عوف) بن مالك (فقلت له: دونك يا خالد) أي: خذ الفرس وما معها، فردها (2) لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم كما بوب عليه المصنف (أَلَمْ أَفِ) بكسر الفاء المخففة من الوفاء (لك) أي: بما وعدتك به من المجازاة على صنيعك. ورواية مسلم: فمر خالد بعوف فجر بردائه وقال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذلك؟ ) ذكروا في أمثاله وجهين:
أحدهما: أن تكون (ما) استفهامًا في موضع رفع بالابتداء و (ذا) بمعنى الذي خبر عن ما، وصلته محذوفة تقديره: ما الذي جرى لك؟ ونحوه.
والثاني: أن تكون (ما) اسمًا واحدًا معناه الاستفهام، أي: أيّ شيء جرى (فأخبرته) الخبر (قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب لنفسه (فقال: يا خالد، لا ترد عليه) هذا النهي فيه ردع لعوف
(1) ساقطة من الأصل.
(2)
غير واضحة في المخطوط. ولعل المثبت الصواب، والله أعلم.
(3)
"صحيح مسلم"(1753).
وزجر له ولأمثاله لئلا يتجرأ الناس على الأمراء بالوقيعة فيهم، وفيه تأديب لهم بالمنع من الرد إليه، وكان له أن يفعل ذلك. ثم يجوز أن يعطيه إياه بعد ذلك أو يستطيب خاطره بعد ذلك ليتركه اختيارًا منه للمسلمين؛ لأنه مستحق له.
قال ابن الرفعة: وقد قضى بالسلب بعد ذلك للقاتل في غزوة حنين ولم يخمسه، وكان هذا حين كانت العقوبات بالأموال، ثم صار ذلك منسوخًا. وفيه أيضًا دليل على جواز القضاء في حال الغضب ونفوذه، وأن النهي عنه للتنزيه لا للتحريم، فلو قضى في حال الغضب نفذ.
قال الغزالي والبغوي وغيرهما: الكراهة في الحكم في حال الغضب هي فيما كان الغضب لغير الله تعالى، فأما إذا [كان] (1) الغضب لله وهو ممن يملك نفسه فيما يتعلق بحظه ولم يمنعه ذلك من استيفاء الحق لم يكره لحديث اللذين تخاصما في شراج الحرة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:"اسق ثم احبس الماء"(2)، فقضى في حال غضبه ولم يكن غضبه لنفسه، ووجهه أن الغضب لله يؤمن معه التعدي بخلاف الغضب لحظ النفس. قال الرافعي: احتج جماعة بهذا الحديث على أن القاضي لو قضى في حال غضبه نفذ وإن كان مكروهًا.
(هل أنتم تاركوا لي أمرائي؟ ) بالمد والهمزة قبل الياء. قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ (تاركوا) بغير نون، وفي بعضها:(تاركون) بالنون، وهذا هو الأصل في قاعدة النحو، لكن حذفت تخفيفًا كما
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
سيأتي برقم (3637).
حذفت في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا .. " الحديث (1)(لكم صفوةُ أمرهم) خطاب منه (2) للرعية بأن لهم الصافي من الأمور، فتصلهم أعطياتهم التي يستحقونها بغير نكد ولا مشقة.
وقال أهل اللغة (3): الصفو هنا بفتح الصاد لا غير، وهو الخالص؛ فإذا ألحقوا هاءً قالوا: صفوه. كانت الصاد مضمومة ومفتوحة ومكسورة ثلاث لغات (وعليهم كدره) أي: على الأمراء مقاساة الناس وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها وحفظ الرعية والشفقة عليهم والذب عنهم ابتلاءً لهم وامتحانًا، وعليهم إنصاف بعضهم من بعض، فمتى وقع بينهم شيء أو ظلم بعضهم بعضًا فعليهم إنصاف بعضهم من بعض، والله أعلم.
[2720]
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا الوليد) بن مسلم (قال: سألت ثورًا) يعني: ثور بن يزيد الحمصي (عن هذا الحديث، فحدثني عن خالد بن معدان) الكلاعي، كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة (عن جبير بن نفير) الحضرمي ([عن أبيه] (4) عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه).
(1)"صحيح مسلم"(54).
(2)
في (ل): من.
(3)
انظر: "الصحاح" 6/ 251.
(4)
مستدركة من "سنن أبي داود".