الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - باب في مَنْ يَغْزُو ويَلْتَمِسُ الدُّنْيا
2515 -
حَدَّثَنا حيْوَة بْن شريْح الحَضْرَميُّ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَني بَحِيرٌ، عَنْ خالِدِ ابْنِ مَعْدانَ، عَنْ أَبي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"الغَزْوُ غَزْوان فَأَمّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ اللهِ وَأَطاعَ الإِمامَ وَأَنْفَقَ الكَرِيمَةَ وياسَرَ الشَّرِيكَ واجْتَنَبَ الفَسادَ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ وَأَمّا مَنْ غَزا فَخْرًا وَرِياءً وَسُمْعَةً وَعَصَى الإِمامَ وَأَفْسَدَ في الأَرْضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالكَفافِ"(1).
2516 -
حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ: الرَّبِيغِ بْنُ نافِعٍ، عَنِ ابن المُبارَكِ، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ بُكيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنِ ابن مِكْرَزٍ -رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشّامِ-، عَنْ أَبي هُريْرَةَ: أَنَّ رَجُلاً قالَ: يا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الجِهادَ في سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ يَبْتَغي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيا فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا أَجْرَ لَهُ". فَأَعْظمَ ذَلِكَ النّاسُ وَقالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَعَلَّكَ لَمْ تُفَهِّمْهُ. فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الجِهادَ في سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ يَبْتَغي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيا، فَقالَ:"لا أَجْرَ لَهُ". فَقالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقالَ لَهُ الثّالِثَةَ فَقالَ لَهُ: "لا أَجْرَ لَهُ"(2).
* * *
باب فيمن يغزو يلتمس الدنيا
يعني بغزوه.
[2515]
(حدثنا حيوة بن شريح) بن يزيد (الحضرمي، ثنا بقية) بن الوليد الشامي (حدثني بَحِير) بفتح الموحدة وكسر المهملة (عن خالد بن
(1) رواه النسائي 6/ 49، 7/ 155، وأحمد 5/ 234.
وحسنه الألباني في "الصحيحة"(1990).
(2)
رواه أحمد 2/ 290، 366، وابن حبان (4637)، والحاكم 2/ 85، والبيهقي 9/ 169. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2272).
معدان) الكلاعي (عن أبي بَحْريَّة) بفتح الموحدة وسكون المهملة، اسمه عبد الله بن قيس. (عن معاذ بن جبل، عن رسول الله قال: الغزو) في الظاهر (غزوان) فيه دليل على جواز التقسيم قبل التفسير، كقوله تعالى:{آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} (1)، وقد يأتي التفسير بلا تقسيم، كقوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية (2)، ولم يقل: لثمانية، ثم فسرها (فأما من) غزا و (ابتغى) أي: طلب بغزوه (وجه الله) خالصًا فهذا هو أعلى الغزو النافع (و) مع إخلاص النية (أطاع الإمام) فيما يراه مما أدى إليه اجتهاده، فإن طاعة الإمام لازمة للرعية (وأنفق) في غزوه (الكريمة) من أمواله -يعني: النفيسة- التي هي خيار ماله وأحبها إليه، كقوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (3) كما فعل زيد بن حارثة رضي الله عنه أنه كان له فرس يقال له: سَبَل، وكان أحب أمواله إليه وأنفس خيله، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا في سبيل الله، فقال لأسامة بن زيد:"اقبضه" فكأن زيدًا وجد من ذلك في نفسه لكونه وصل إلى ابنه وخاف من نقصان أجره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله قبلها منك" ذكره أسد بن موسى (4)(5). ونظير هذا قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} فإن المشهور أن المراد بالطيب: الجيد النفيس الذي يستطاب أكله دون الخسيس.
(1) آل عمران: 13.
(2)
التوبة: 60.
(3)
آل عمران: 92.
(4)
قال الخطيب في الجامع 5/ 177: صنف أسد بن موسى المصري مسندًا، وكان أسد أكبر من نعيم بن حماد سنًّا وأقدم سماعًا.
(5)
أخرجه ابن المنذر في "تفسيره"(691) بإسناد صحيح.
(وياسَرَ الشريك) أي: عامل من بينه وبينه شركة في المركوب والزاد وغير ذلك باليسر والسماحة والإيثار، ومنه الحديث "ياسروا في الصداق" (1). أي: ارضوا منه بما استيسر ولا تغالوا فيه.
وفيه دليل على أن يشترك الرجلان في فرس يشتريانه (2) يغزوان عليه، يركب هذا عقبة، وهذا عقبة، وعلى الاشتراك في الزاد، بل موافقة جماعة في الطعام يتعاونون عليه أولى من انفراده؛ لأنه لا يمكنه الانفراد بالطعام وحده، وفي الانفراد بالطبخ مشقة، ولا بأس بالتناهد فقد تناهد الصالحون وكان الحسن إذا سافر مع رفقته أنهد. والنهد (3): بكسر النون، وهو: أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئًا من النفقة يدفعونه إلى رجل منهم ينفق عليهم ويأكلون جميعًا، وكان الحسن البصري يدفع إلى وكيلهم مثل واحد منهم ثم يعود فيأتي سرًّا ويدفع إليه مثل ذلك، وعلى صحة شركة الأبدان وإن لم يحصل من فعل أحدهما شيء؛ لما سيأتي عن عبد الله: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء (4).
وبصحتها قال مالك (5)
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
..
(1) أخرجه عبد الرزاق 6/ 174 (10398) مرسلًا عن ابن أبي الحسين. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4857).
(2)
في (ر): يشتركانه، والمثبت من (ل).
(3)
مكررة في الأصول.
(4)
سيأتي برقم (3388)، ورواه النسائي 7/ 57، 319، وابن ماجه (2288)، وضعفه الألباني في "الإرواء"(1474).
(5)
انظر: "المدونة" 3/ 2595، "النوادر والزيادات" 7/ 332، "الكافي" 2/ 784، "البيان والتحصيل" 12/ 14.
وأحمد (1) وجوزها أبو حنيفة؛ (2) وإن اختلفت صنعتاهما وافترق موضعاهما، ومذهب الشافعي أنها باطلة (3).
(واجتنب الفساد) وهو ضد الصلاح وحقيقته العدول عن الاستقامة والمعنى: ترك المعاصي وأهلها (فإن نومه ونَبهه) بفتح النون ضبطه المنذري (4) بفتح النون (5) وإسكان الباء الموحدة، أي: انتباهه من نومه واستيقاظه يعني: وأكله وشربه ومشيه وسائر أفعاله وأقواله المباحة في غير الغزو يكتب له (أجر كله) في صحائف حسناته ويجده يوم القيامة موفورًا نوى (6) به العبادة أو لم ينو، وما ذاك إلا للأصل المتقدم وهو كونه ابتغى به وجه الله تعالى، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين، ولو أنها -يعني: الخيل- مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له.
(وأما من غزا فخرًا) أي: يفتخر به على غيره (ورياء) بالهمز والمد أي طلبًا للمنزلة في قلوب الناس بإظهار العبادة لهم، وهما منصوبان على المفعول له (وسمعة) أي: وليستمع الناس بغزوه فتعظم منزلته في قلوبهم (وعصى الإمام) أو أمير السرية فيما يراه (وأفسد) أي: أظهر
(1) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 9/ 444 - 445، "المغني" لابن قدامة 5/ 111، "الإنصاف" للمرداوي 5/ 341.
(2)
انظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي 3/ 11، "شرح فتح القدير" للسيواسي 6/ 186.
(3)
انظر: "الحاوى الكبير" 6/ 1058، و"البيان" للعمراني 6/ 372، و"المجموع" 14/ 72.
(4)
"مختصر سنن أبي داود"(2405).
(5)
في (ل): الباء الموحدة.
(6)
في (ر): الذي، والمثبت من (ل).
الفساد في الأرض) بالمعاصي، وهذان الوصفان وإن كانا في غير الغزو مذمومان فهما إلى الغزو أشد ذمًّا وأعظم (1) قبحًا (فإنه لن (2) يرجع) من غزوه (بالكفاف) رواه النسائي (3). أي: بغير إثم يزداده. والكفاف من الرزق القوت الذي ليس فيه زيادة عليه، والمراد أن أفعال الغزو باطلة، وعليه إثم الفساد ومعصية الإمام زيادة، وقيل: معناه لن يرجع مكفوفًا عنه لثمرها، بل يصل إليه، وقيل: معناه (لا أنال من الغزو ما لا ينالني منها، بل يلق عني ألمها وألق عن ثوابها)(4).
[2516]
(حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) نزيل طرسوس (عن ابن المبارك، عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن القاسم) بن عباس (عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن) مجهول (5)(بن مكرز)(6)
(1) في (ر): وأعظمها، والمثبت من (ل).
(2)
ورد بعدها في الأصل: نسخة: لم.
(3)
"سنن النسائي" 6/ 49، وفي "الكبرى" 4/ 309.
(4)
كذا بالأصول، والمعنى مضطرب. وقال العيني في تفسيرها: وقيل: معناه لا ينال مني ولا أنال منه. "عمدة القاري" 16/ 212.
(5)
كذا جاءت قبل (ابن مكرز) والأولى أن تأتي بعده فهي رتبته.
(6)
قال المزي في "تهذيب الكمال" 3/ 482: قال أبو الحسن بن البراء، عن علي ابن المديني في هذا الحديث: لم يروه عنه غير ابن أَبي ذئب، والقاسم مجهول، وابن مكرز مجهول. هكذا قال علي ابن المديني، وقد روى عن القاسم ابن عباس غير واحد، كما هو مذكور في ترجمته، ووثقه يحيى بن مَعِين وغيره، فارتفعت جهالته وثبتت عدالته. وأما ابن مكرز فهو مجهول كما قال: وقد روى أحمد بن حنبل هذا الحديث - "المسند" 2/ 366 عن حسين بن محمد، عن ابن أَبي ذئب لإسناده وسماه (يزيد بن مكرز)، فتبين بذلك أن ابن مكرز الذي روى له أبو داود رجل مجهول، كما قال علي ابن المديني، وأنه ليس بأيوب بن عَبد الله بن مكرز هذا، والله أعلم.
بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الزاي، قيل: هو أيوب بن عبد الله، انفرد بهذا الحديث (-رجل من أهل الشام- عن أبي هريرة، أن رجلاً) من الصحابة. (قال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو) مع نية الجهاد (يبتغي عَرَضًا) بفتح العين المهملة والراء جميعًا وهو يعم جميع أصناف المال (من عرض الدنيا) وسمي عرضا لأنه عارض، أي: زائل لا يبقى. (فقال رسول الله: لا أجر له) في غزوه؛ لأن إرادة الجهاد خالطها طلب غنيمة من الدنيا، وهذا يدل على أن شوب طلب الغنيمة مبطل للثواب، وكذا شوب الرياء وشوب التجارة وسائر حظوظ الدنيا.
قال الغزالي (1): يبعد أن يكون من أراد الجهاد وامتزج بإرادته شائبة من عرض الغنيمة أن يحبط عمله بالكلية وثواب جهاده، بل العدل أن يقال: إذا كان الغالب الأصلي والمرجح القوي هو إعلاء كلمة الله تعالى وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبعية فلا يحبط به الثواب؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (2)، نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت إلى الغنيمة أصلًا، وأما هذا الحديث وأمثاله فيحمل على مَن الأغلب على همه طلب الغنيمة فإن ذلك عصيان؛ لأن طلب الدنيا بأعمال الدين حرام لما فيه من الرياء وتغيير العبادة عن وضعها، وإن كان طلب التقرب أغلب فله ثواب بقدره، وإن كان (3) الباعث الديني والنفسي متساويان تساقطا فلا له ولا عليه، ويجوز أن يقال: منصب الشهادة لا ينال إلا بالإخلاص في الغزو، ولا ينفك
(1)"إحياء علوم الدين" 4/ 385 - 386 بتصرف.
(2)
الزلزلة: 7.
(3)
ساقطة من (ر).
الإنسان غالبًا عن هذِه الشوائب التابعة إلا على الندور، فينبغي أن يكون كل ذي بصيرة مشفقًا من عمله، وكذلك (1) قال سفيان: لا أعتد بما ظهر من عملي. ومع هذا فلا ينبغي أن يترك العمل عند خوف الفتنة، فإن ذلك منتهى بغية الشيطان، فواظب على العمل واحترص في الإخلاص.
(فأعظم ذلك) يعني: بطلان أجر من غزا لأجل طلب بعض عرض من الدنيا (الناس) بالرفع فاعل وشق عليهم لخوفهم من إبطال العمل (وقالوا للرجل) السائل: (عد) بضم العين الرسول الله صلى الله عليه وسلم) بالسؤال ثانيًا (فلعلك لم تُفْهِمه) بضم التاء وكسر الهاء. أي: لم تبين له السؤال.
(فقال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي) مع ذلك (عرضًا من عرض الدنيا) أيحصل له شيء من الثواب؟ (قال: لا أجر له) في الغزو (فقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فلعلك لم تفهمه السؤال، أو لعله أن يذكر لك رخصة (فقال له) في المرة (الثالثة) كما قال أولًا (فقال) في المرة الثالثة:(لا أجر له).
وفي هذا الحديث جواز تكرار سؤال العالم والمفتي إذا لم يتضح له أو كان حكم الجواب يشق على السائل، ورجاء أن يجيبه بما فيه رخصة أو غيرها من المقاصد.
وفيه بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم، وكثرة حلمه، وحسن عشرته في كونه أعاد عليه السؤال ثلاثًا وفي كلها يجيبه من غير تغير ولا غضب ولا إغلاظ في الجواب.
* * *
(1) زيادة من (ل).