الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - باب في الرُّخْصَةِ في القُعُودِ منَ العُذْرِ
2507 -
حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصْورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خارِجَةَ بْنِ زيْدٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: كُنْت إِلى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذي فَما وَجَدْتُ ثِقَلَ شَيء أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ سُرّيَ عَنْهُ فَقالَ:"اكْتُبْ". فَكَتَبْتُ في كَتِفٍ: لا يَسْتَوي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ. إِلى آخِرِ الآيَةِ فَقامَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ -وَكانَ رَجُلاً أَعْمَى- لَمّا سَمِعَ فَضِيلَةَ المُجاهِدِينَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ فَكيْفَ بِمَنْ لا يَسْتَطِيعُ الجِهادَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَلَمّا قَضَى كَلامَهُ غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذي وَوَجَدْي الضتُ مِنْ ثِقَلِها في المَرَّةِ الثّانِيَةِ كَما وَجَدْتُ في المَرَّةِ الأُولَى ثُمَّ سُرّيَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ:"اقْرَأْ يا زيْدُ". فَقَرَأْتُ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فَقالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 96] الآيَةَ كُلَّها. قالَ زيْدٌ: فَأَنْزَلها اللهُ وَحْدَها فَأَلْحَقْتُها، والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِها عِنْدَ صَدْعٍ في كَتِفٍ (1).
2508 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حُميْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لَقَدْ تَرَكْتُمْ بِالمَدِينَةِ أَقْوامًا ما سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَلا قَطَعْتُمْ مِنْ وادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ فِيهِ". قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَكيْفَ يَكُونُونَ مَعَنا وَهُمْ بِالَمدِينَةِ؟ فَقالَ: "حَبَسَهُمُ العُذْرُ"(2).
* * *
باب في الرخصة في القعود من الغزو من عذر
[2507]
(حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني (حدثنا عبد الرحمن بن
(1) رواه البخاري (2832).
(2)
رواه البخاري (2839).
أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد) [بن ثابت ثقة عابد](1) واستشهد به البخاري (عن أبيه زيد بن ثابت) بن الضحاك، وكان ممن يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (كنت إلى جنب رسول الله) يقال: قعدت إلى جنب فلان وإلى جانبه بمعنى، وفيه كثرة تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاطه بهم، والجلوس إلى جانبهم حيث ما انتهى به المجلس، هذا إذا جلس إليهم، وأما إذا جلس الصحابي عنده يبادر بين يديه (فغشيته) أي: جللته حين نزلت عليه (السكينة) فعيلة، من السكون، أي: الطمأنينة التي تغشاه حين ينزل عليه الوحي الثقيل من ربه.
(فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي) يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محتبيًا رافعًا ساقيه وزيد متربعًا، فلما نزلت عليه السكينة انحلت حبوته فوقعت فخذه، وفي رواية: حتى خشيت أن ترضها (2). وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يحمر وجهه بكدرة، وينكس رأسه وينكس أصحابه رؤوسهم، فإذا جلي عنه الوحي (3) رفع رأسه، وكان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد وإن جبينه ليتفصد عرقًا (فما وجدت ثقل شيء) علي أبدًا (أثقل من فخذ رسول الله) حين نزلت عليه السكينة؛ لشدة الوحي الذي ينزل عليه وهوله، قال الله تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} (4) لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق (5) ونفس مزينة
(1) ما بين المعقوفين ساقط من (ر).
(2)
رواها البخاري (4592) بلفظ: "حتى خفت أن ترض فخذي".
(3)
ساقطة من (ر).
(4)
المزمل: 5.
(5)
في (ر): بالرفيق. والمثبت من (ل).
بالتوحيد، قال ابن زيد: هو والله [مبارك كما يثقل](1) في الدنيا يثقل في الميزان (2)(3).
(ثم سري) بضم السين وتشديد الراء أي: كشف (عنه) ما أصابه من الثقل، وفي رواية للبخاري: ثم انجلى عنه (4). ورفع رأسه.
(فقال: اكتب) فيه دليل على كتابة القرآن والحديث والعلم، وعلى إملاء الكاتب ما يكتبه (فكتبت في كتف) أي: من العظام. فيه: جواز كتابة القرآن والحديث في أكتاف العظام وفي الألواح والورق، وطهارة العظم المذكى وإن (5) لم يغسل، وجواز الانتفاع به في الآلات والأواني وغير ذلك ({لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (6) وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فقام) عبد الله (بن أم مكتوم) واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة (وكان رجلاً أعمى لما سمع فضيلة) ما أنزل الله في فضيلة (المجاهدين) في سبيل الله، وفي قوله:(قام) فضيلة القيام
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر).
(2)
في (ر): البزار.
(3)
"تفسير الطبري " 23/ 682.
(4)
"صحيح البخاري"(125) من حديث ابن مسعود.
(5)
زيادة من (ل).
(6)
ورد في الأصول (ل)، (ر) هذِه الفقرة [فيه: دليل على الرخصة في القعود عن الجهاد من المعذورين بقوله تعالى: {غَيْرُ} قرأ نافع، وابن عامر، والكسائي بنصب الراء، والباقون برفعها، وقرئ في الشاذ بجرها، فمن نصب فعلى الاستثناء، ومن رفع فوصف للقاعدين، ومن جر فوصف للمؤمنين، فلعل موضعها عند نزول الاستثناء في الآية.
عند مخاطبة المشايخ (1) والعلماء والأكابر تأدبًا معهم وتعظيمًا لهم؛ لأن قوله (فقام) يدل على أنه كان جالسًا.
(فقال: يا رسول الله، فكيف) يفعل (بمن لا يستطيع الجهاد) ولا الخروج معهم (من المؤمنين؟ ) لأنه أعمى (فلما قضى) ابن أم مكتوم (كلامه) وبيان عذره، وفيه دليل على أن الإنسان إذا كلمه أحد بكلام لا يقطع عليه كلامه بل يستمع له إلى أن ينقضي كلامه كما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(غشيت رسول الله السكينة) ثانيًا (فوقعت فخذه على فخذي) كما وقعت أولًا (ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت) من ثقلها (في المرة الأولى، ثم سري عن رسول الله) ما وجده من ثقل الوحي، فرفع رأسه إلى (فقال: اقرأ يا زيد) علي ما كتبته في الكتف. فيه: دليل على أن المعلم إذا أملى على الصبي أو غيره ما يكتبه في اللوح يستحب له أن يأمره بقراءته عليه ليصححه له لئلا يكون فيما كتبه نقص أو تحريف. (قرأت) عليه ما كتبته وهو قوله تعالى ({لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}) وفي "صحيح البخاري"(2) عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث أنه سمع ابن عباس يقول: لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر.
(فقال رسول الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}) فيه: دليل على أن الكاتب إذا قرأ على المعلم ما كتبه يقرأ عليه ما بعده ولا يقول له: اكتب بعده كذا
(1) في (ر): التاريخ، والمثبت من (ل).
(2)
"صحيح البخاري"(3954)، (4595).
وكذا من كلام الله تعالى لئلا يدخل بين كلامي الله كلام الآدميين، ولا يحتاج إلى أن يعيد الاستعاذة ولا التسمية. قال العلماء: أهل الضرر هم أهل الأعذار الذين أضرت بهم ومنعتهم الجهاد كالعمى والعرج والمرض، فأما الأعمى فلا جهاد عليه للآية، لكن على الأعور والأعشى، وأما الأعرج البين عرجه ولو في إحدى رجليه وإن وجد مركوبًا وأمكنه الركوب، وأما المريض فالمراد به المانع من القتال والركوب إلا بمشقة شديدة ومثلة ابن الصباغ بالحمى المطبقة ولا عبرة بصداع ووجع ضرس وحمى خفيفة. (الآية كلها) إلى آخرها.
وفيها: أن الجهاد فرض كفاية [ليس بفرض عين. وفيه: رد على من يقول إنه كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عين وبعده فرض كفاية](1)، والصحيح أنه لم يزل فرض كفاية من حين شرع، وهذِه الآية ظاهرة في ذلك؛ لقوله تعالى [في ذلك، (2):{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (3)(قال زيد) ابن ثابت: هذِه الآية (أنزلها الله وحدها) يعني: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} (فألحقتها){غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (4).
(والذي نفسي بيده) فيه جواز الحلف بها، وجواز الحلف من غير استحلاف (لكأني) هذِه اللام جواب القسم (انظر) الآن (إلى مُلحَقها) بضم الميم موضع الإلحاق ويجوز فتحها، وهو أرجح؛ لأن ماضيه
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر).
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ر).
(3)
النساء: 95، الحديد:10.
(4)
النساء: 95.
رباعي، وهو ألحق كما تقدم، والتقدير: لكأني أنظر الآن إلى ما ألحقتها فيه من المكان الذي ألحقتها به، وسمي الذي يلحق بالأول لَحَقًا بفتح اللام والحاء، فإن أهل الحديث والكتابة يسمون ما سقط من الكتاب فألحق بالحاشية أو بين السطور اللحق واشتقاقه من الإلحاق، ولو سماه المحدثون ملحقًا كما سماه زيد بن ثابت كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودل عليه الاشتقاق كان أولى، ولعلهم أرادوا أن يفرقوا بين جبر النقص الذي سقط من الابتداء وهو اللحق، وبين ما كان زائدًا على أصل صحيح وهو الملحق بزيادة الميم (عند صدع) بفتح الصاد المهملة وإسكان الدال أي شق كان (في الكتف) الكتف والكتف مثل كذب وكذب، هو عظم (1) عريض يكون في أصل [كتف](2) الحيوان، وفيه دليل على طهارة ما ذكي [لحمه وطهارة عظمه](3) الذي كتب فيه، وفي هذا دليل على أن الشاهد إذا احتاج إلى أداء الشهادة ويذكر كيفية الواقعة كما يذكر زيد كيفية نزول هذِه الآية، فإن تذكر بعض الواقعة كما إذا تذكر مكان الملحق عند شق الكتف فقط هل يشهد أم لا.
[2508]
(أنبأنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (أنبأنا حماد) بن سلمة.
(عن حميد، عن موسى بن أنس بن مالك، عن أبيه) أنس (4)(أن رسول الله قال: لقد تركتم بالمدينة أقوامًا)(5) قال ذلك لما دنا من
(1) في (ر): عظيم، والمثبت من (ل).
(2)
ليست في الأصول واستدركناها من "النهاية" لابن الأثير 4/ 150.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ر).
(4)
قبلها في (ر): عن. وليست واضحة في (ع).
(5)
وردت كلمة (أقواما) بعد كلمة (مرجعه) في الأصول. وبهذا لا يستقيم الترتيب.
المدينة مرجعه من غزوة تبوك (ما سرتم مسيرًا) بفتح الميم وكسر السين أي في ليل ولا نهار (ولا أنفقتم من نفقة) صغيرة ولا كبيرة ولو سهمًا أو عقالًا (ولا قطعتم واديًا) أي أرض في ذهابهم ومجيئهم، فالوادي كل منفرج بين جبال أو آكام يجري فيه السيل (إلا وهم معكم فيه) بالنية، وفيه فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو أو غيره من الطاعات فحصل له عذر فمنعه، حصل له ثواب (1) النية، وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك وتمنى كونه مع الغزاة أو الحجاج أو غيرهم كثر ثوابه.
(قالوا: يا رسول الله وكيف يكونون معنا) في الغزو (وهم) مقيمون (بالمدينة؟ ) سبب تعجبهم كونهم حملوا اللفظ على حقيقته (قال: حبسهم) عن الحضور معكم (العذر) وفي رواية لمسلم (2): "إلا حبسهم المرض"، وفي رواية:"إلا شركوكم في الأجر". وشركوكم بكسر الراء أي: شاركوكم، فيكتب لهم الأجر كما يكتب لكم أجر عملكم.
وهذا الحديث يقتضي أن صاحب العذر يعطى أجر الغازي، فيحتمل أن يكون مساويًا، وفي فضل الله متسع للاستحقاق فيثيب على النية الصادقة ما لا يثيب على الفعل، وقيل: يعطى أجره من غير تضعيف، ويعطى الغازي أجره بالتضعيف للمباشرة، كما قيل في قراءة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاث مرات، يعطى أجر من قرأ القرآن بلا تضعيف،
(1) في (ر): فوات، والمثبت من (ل).
(2)
"صحيح مسلم"(1911).
ومن قرأه كاملًا يعطى أجره مضاعفًا، قال القرطبي (1): القول الأول أصح إن شاء الله للحديث المذكور، قال: ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر: "إذا مرض العبد [قال الله] (2): اكتبوا لعبدي ما كان يعمل في الصحة"(3).
(1)"الجامع لأحكام القرآن" 5/ 342.
(2)
ساقط من (ر).
(3)
"صحيح البخاري"(2996).