الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - باب في فَضْلِ الرِّباطِ
2500 -
حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَني أَبُو هانِئٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مالِكٍ، عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"كُلُّ الميِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَاّ المُرابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ ويُؤَمَّنُ مِنْ فَتّانِ القَبْرِ"(1).
* * *
باب فضل الرباط
أصله من الربط للخيل، ثم سمي ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطًا فارسًا كان أو راجلًا.
قال الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها: الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة (2). وهذا يدل على أن انتظار الصلاة رباط لغوي حقيقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (3)، لكن رباط الخيل في سبيل الله أهم كما نص عليه في التنزيل في قوله:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (4).
[2500]
(حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني (قال: حدثنا) عبد الله (ابن وهب) المصري قال (حدثني أبو هانئ) حميد بن هانئ (عن عمرو ابن
(1) رواه الترمذي (1715)، وأحمد 6/ 20.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2258).
(2)
العين" 7/ 422.
(3)
رواه مسلم (251).
(4)
الأنفال: 60.
مالك) النكري (1).
(عن فضالة) بفتح (2) الفاء (ابن عبيد) مصغر الأنصاري، أول مشاهده الخندق، ثم شهد المشاهد كلها، كان قاضيًا بالشام (3) لمعاوية، ومات بها، وقبره بها معروف، يرفعه فضالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل الميت) أي: كل من مات من المسلمين فإنه ينقطع ثوابه و (يختم على عمله) فلا يزاد عليه ولا ينقص منه (إلا المرابط) بالنصب على الاستثناء، المرابطة عند العرب العقد على الشيء حتى لا ينحل، وأفضله رباط الخيل في الثغر كما تقدم، ويدخل فيه مواظبة (4) الصلاة لما تقدم عن الخليل بن أحمد، ويدل عليه ما قاله أبو عمرو الشيباني (5): يقال: ماء رابط أي: دائم لا ينزح.
وأما المرابط في سبيل الله عند الفقهاء فهو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة، فأما سكان الثغور دائمًا بأهليهم (6) الذين يعمرون ما يسكنون فيه ويكتسبون هنالك، فهم (7) وان كانوا حماة فليسوا مرابطين، قاله ابن عطية (8).
(1) كذا في (ل)، وفي (ر): الكندي. وكلاهما خطأ، إنما هو: الجنبي. كما في "التهذيب" 22/ 209.
(2)
في (ر): بضم، والمثبت من (ل).
(3)
زيادة من (ل).
(4)
في (ر): مرابطة.
(5)
انظر: "الصحاح" للجوهري 3/ 264، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 4/ 324.
(6)
في (ر): بأهلهم، والمثبت من (ل).
(7)
زيادة من (ل).
(8)
"المحرر الوجيز" 1/ 560.
قال ابن خواز منداد: إذا كان الثغر مأمونًا ممتنعًا فيجوز سكناه بالأهل والولد، وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه، إن كان من أهل القتال، ولا ينقل إليه الأهل والولد؛ لئلا يظهر العدو فيسترق ويسبى (1).
وقيل لأبي عبد الله ابن حنبل: فيخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم؟ فقال: كيف لا يخاف الإثم وهو يعرض ذريته للمشركين؟ وقال: كنت آمر بالتحول بالأهل والعيال إلى الشام قبل اليوم، فأنا أنهى عنه الآن؛ لأن الأمر قد اقترب، وقال: لابد لهؤلاء القوم من يوم.
قيل: فذلك في آخر الزمان، قال: وهذا آخر الزمان (2).
قال ابن قدامة: وهذا محمول على نقلة الأهل إلى ثغر مخوف، فأما أهل الثغر فلابد لهم من السكنى بأهليهم لولا ذلك لخربت الثغور وتعطلت. قال: وبلغني عن الأوزاعي أنه قال في المساجد التي بالثغر: لو أن لي عليها ولاية لسمرت أبوابها -ولم يقل: لخربتها- حتى تكون صلاتهم في موضع واحد إذا جاء النفير، وقال: يوم رباط، وليلة رباط، وساعة رباط، ومن رابط أربعين يوما (3) فقد استكمل الرباط، روي ذلك [عن أبي هريرة، وابن عمر، وقد ذكرنا خبر أبي هريرة](4).
(1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 4/ 324.
(2)
انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 8/ 397 (1365).
(3)
زيادة من (ل).
(4)
ساقطة من الأصول، وأثبتناها من "المغني" 10/ 373 - 374.
وروى أبو الشيخ في كتاب "اليواقيت" بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تمام الرباط أربعون يومًا"(1).
وروى نافع عن ابن عمر أنه قدم على عمر بن الخطاب من الرباط، فقال له: كم رابطت؟ قال: ثلاثين يومًا. قال: عزمت عليك إلا رجعت حتى تتمها أربعين يومًا (2).
وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفًا، وفضل الرباط في ثغر عسقلان؛ لما روى الدارقطني في كتابه المخرج على الصحيحين بإسناده عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة فقيل: يا رسول الله، أي مقبرة هي؟ قال:"مقبرة بأرض العدو، يقال لها: عسقلان يفتتحها ناس من أمتي، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد، فيشفع الرجل في مثل ربيعة ومضر، ولكل مكان عروس، وعروس الجنة عسقلان"(3).
وبإسناده عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أغزو. فقال: "عليك بالشام وأهله، ثم الزم من الشام عسقلان فإنها إذا
(1) رواه الطبراني في "الكبير" 8/ 133 (7606)، وفي "مسند الشاميين" 4/ 323 (3440) من حديث أبي أمامة، قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 290: فيه أيوب بن مدرك، وهو متروك.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2480).
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 5/ 280 (9615).
(3)
رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 54 وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والدولابي في "الكنى والأسماء" 2/ 842 ثم قال: هذا حديث منكر جدًّا، وهو يشبه حديث الكذابين، والله أعلم.
دارت الرحى (1) في أمتي كان أهلها في راحة وعافية" (2). وعن عطاء الخراساني قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحم (3) الله أهل المقبرة". ثلاث مرات، فسئل عن ذلك فقال: "مقبرة تكون بعسقلان". فكان عطاء يرابط بها كل عام أربعين يومًا حتى مات (4).
(فإنه ينمو) قال الزمخشري (5): نميت الحديث ونميته مخففًا ومشددًا؛ فالمخفف في الإصلاح، والمشدد في الإفساد. أي: يضاعف (له) أجر (عمله يوم القيامة) لأنه لا معنى للنماء إلا المضاعفة للأجر، وهي غير موقوفة على سبب، فينقطع بانقطاعه كما في حديث:"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، انفرد به مسلم في "صحيحه"(6)؛ فإن الصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والولد الصالح الذي يدعو لوالديه (7) ينقطع ذلك بنفاد الصدقات وذهاب العلم وموت الولد بخلاف الرباط؛ فانه فضله دائم من الله تعالى إلى يوم القيامة.
(1) في (ر): الراحة، والمثبت من (ل).
(2)
"المعجم الأوسط"(6679)، قال الهيثمى في "مجمع الزوائد" 10/ 62: وفيه يحيى بن سليمان المدنى، وهو ضعيف.
(3)
بعدها في (ل): أهل.
(4)
رواه سعيد بن منصور في "السنن" 2/ 194 (2415). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3107).
(5)
"الفائق في غريب الحديث" 4/ 27.
(6)
"صحيح مسلم"(1631)، وسيأتي برقم (2880) من حديث أبي هريرة.
(7)
في (ر): الديه.
قال القرطبي: وهذا لأن أعمال البر كلها لا متمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منهم بحراسة بيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام (1).
(ويُؤَمَّن) بضم الياء، وتشديد الميم المفتوحة، ويجوز تخفيفها، أي: يرزقه الله الأمن (من فَتَّاني (2) القبر) تثنية فتان بفتح الفاء وتشديد المثناة مبالغة في الفاتن، والمراد بهما هنا منكر ونكير سميا بذلك؛ لأنه يفتتن بهما، أي: يختبر بسؤالهما الميت ليظهر الكافر من المؤمن للملائكة، فيثبت الله المؤمن ويلقنه كلمة الحق عند السؤال في القبر، ويضل الكافر عن كلمة الحق فيقول: لا أدري. فنسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وفي هذا الحديث دليل على أن الرباط أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت، لكن هذا العمل الذي يجري عليه ثوابه إلى يوم القيامة هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة، لما رواه ابن ماجه (3) بإسناد صحيح عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من مات مرابطًا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنًا من الفزع". ورواه الطبراني في "الأوسط"(4) وزاد فيه: "وقيل له: قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب".
(1)"الجامع لأحكام القرآن" 4/ 325.
(2)
ورد بعدها في الأصلين: نسخة: فتان.
(3)
"سنن ابن ماجه"(2767).
(4)
"المعجم الأوسط"(3299)
قال المنذري (1): لكن إسناده مقارب. فعلى هذا يكون العمل الذي ينمو للمرابط مقيد بقيد (2) العمل الصالح.
وله قيد ثانٍ وهو أن يموت في الرباط، لكن من مات مرابطًا في شهر رمضان حصل له الثواب الدائم، وإن لم يمت في الرباط؛ لما روى ابن ماجه (3) عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبًا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرًا". أراه قال: "أفضل من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالمًا لم يكتب عليه سيئة ألف سنة، وبجري عليه أجر الرباط إلى يوم القيامة". لكن في سنده عمر بن صبح الخراساني، قال المنذري: ولولا أنه من الأصول لما ذكرته (4).
(1)"الترغيب والترهيب" 2/ 155.
(2)
زيادة من (ل).
(3)
"سنن ابن ماجه"(2768).
(4)
"الترغيب والترهيب" 2/ 211. وقال: وآثار الوضع ظاهرة عليه.