الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
134 - باب الرخْصَة في المُدْرِكِينَ يُفَرَّقُ بيْنَهُمْ
2697 -
حَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، قالَ: حَدَّثَنا هاشِم بْن القاسِمِ، قالَ: حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ، قالَ: حَدَّثني إِياسُ بْن سَلَمَةَ، قالَ: حَدَّثَني أَبي قالَ: خَرَجْنا مَعَ أَبي بَكْرٍ وَأَمَّرَهُ عَليْنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَغَزَوْنا فَزارَةَ فَشَنَنّا الغارَةَ ثمَّ نَظَرْتُ إِلى عُنُقٍ مِنَ النّاسِ فِيهِ الذُّرِّيَّةُ والنِّساء فَرَميْتُ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ بيْنَهُمْ وَبيْنَ الجَبَلِ فَقامُوا فَجِئْتُ بِهِمْ إِلى أَبي بَكْرٍ فِيهِمُ امْرَأة مِنْ فَزارَةَ وَعَليْها قِشْعٌ مِنْ أَدَمٍ مَعَها بِنْتٌ لَها مِنْ أَحْسَنِ العَرَبِ فَنَفَّلَني أَبو بَكْرٍ ابنتَها فَقَدِمْت المَدِينَةَ فَلَقِيَني رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ لي: "يا سَلَمَةُ هَبْ ليَ المَرْأَةَ". فَقُلْت: والله لَقَدْ أَعْجَبَتْني وَما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا. فَسَكَتَ حَتَّى إِذا كانَ مِنَ الغَدِ لَقِيَني رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم في السّوقِ فَقالَ: "يا سَلَمَةُ هَبْ ليَ المَرْأَةَ لله أَبُوكَ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ والله ما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا وَهيَ لَكَ. فَبَعَثَ بِها إِلى أَهْلِ مَكَّةَ وَفي أيْدِيهمْ أَسْرى فَفاداهُمْ بِتِلْكَ المَرْأَةِ (1).
* * *
باب الرخصة في المدركات يفرق بينهن
أي: المدركات إذا بلغن يفرق بينهن وبين أمهاتهن.
[2697]
(حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان (2)(قال: حدثنا هاشم ابن القاسم) الخراساني (قال: حدثنا عكرمة) بن عمار (قال: حدثني إياس ابن سلمة، قال: حدثني أبي) يعني: سلمة بن الأكوع (قال: خرجنا مع أبي بكر) الصديق (وأمَّره) بتشديد الميم، جعله أميرًا (علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغزونا فزارة) بفتح الفاء أبو حي من غطفان (فَشَنَنَّا) بالشين المعجمة
(1) رواه مسلم (1755).
(2)
يشبه رسمها في (ل): بري.
(الغارة) شن الغارة، أي: فرقها وأرسلها، كما تقدم.
(ثم نظرت إلى عُنُق) بضم العين والنون، أي: جماعة من الناس، ومنه قوله تعالى:{فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (1) أي: جماعاتهم، وقيل: كبراؤهم ورؤساؤهم (من الناس فيه الذرية) يعني: الصبيان (والنساء) زاد في مسلم (2): فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل (فرميت) إليهم (بسهم، فوقع بينهم وبين الجبل) فلما رأوا السهم (فقاموا، فجئت بهم) أسوقهم (إلى أبي بكر) فيه أن من أخذ شيئًا من الغنيمة يأتي به إلى أمير القوم و (فيهم امرأة من فزارة) و (عليها قِشْع) بقاف وشين معجمة ساكنة ثم عين مهملة، وفي القاف لغتان: فتحها وكسرها، قال النووي (3): لغتان مشهورتان.
(من أَدَم) أي: قطعة من جلد قد لبسته؛ سمي بذلك لأنه يقشع، أي: يؤخذ قشره (معها بنت لها من أحسن العرب، فنفلني أبو بكر ابنتها) أي: أعطانيها نافلة، أي: زيادة من الخمس على سهمه من الغنيمة لما رأى من نجدته وعنائه.
فيه جواز التنفيل، وقد يحتج به من يقول: النفل من أصل الغنيمة، وقد يجيب عنه الآخرون بأنه حسب قيمتها لبعض أهل الخمس عن حصتهم فيها.
(فقدمت المدينة) وما كشفت لها ثوبًا (فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم) في
(1) الشعراء: 4.
(2)
"صحيح مسلم"(1755).
(3)
"شرح النووي على مسلم" 12/ 68.
السوق كما في مسلم (فقال لي: يا سلمة هب لي المرأة) فيه استيهاب الإمام أهل جيشه بعض ما غنموه ليفادي به مسلماً، أو يصرفه في مصالح المسلمين، أو يتألف به من تأليفه مصلحة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا وفي غنائم حنين.
(فقلت: والله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبًا) يعني: أنه توقف على الاستمتاع بها منتظرًا إسلامها، وكانت عادة الصحابة إذا سبوا المرأة لم يقربوها حتى تسلم وتطهر (فسكتَ، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال: يا سلمة هب لي المرأة) وفي بعض الروايات: هب لي ابنة المرأة التي نفلتها (لله أبوك) فيه جواز قول الإنسان للآخر: لله أبوك، ولله درك، ولله أبوك كلمة مدح تعتاد العرب الثّناء بها؛ فإن الإضافة إلى العظيم تشريف، ولهذا يقال: بيت الله، وناقة الله، وقيل: فيه حذف تقديره: لله أبوك حيث أتى بمثلك.
(فقلت: يا رسول الله، والله ما كشفت لها ثوبًا) فيه استحباب الكناية عن الوقاع بما يفهم (وهي لك) فيه التفرقة بين الأم وولدها البالغ، ولا خلاف في جوازه عندنا؛ فإن المرأة في قوله:(هب لي المرأة) هي البالغة لغةً وعرفًا، وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق في تحريم التفريق بين كون الولد كبيرًا بالغًا أو طفلًا (1).
قال ابن قدامة: وهذِه إحدى الروايتين عن أحمد؛ لعموم الخبر المتقدم، ولأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير، ولهذا حرم عليه
(1)"مختصر الخرقي"(ص 140).
الجهاد دون إذنهما (1).
(فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بها إلى أهل مكة وفي أيديهم) أي: أيدي أهل مكة (أسرى) من المسلمين (ففاداهم بتلك المرأة) توضحه رواية مسلم: ففدى بها ناسًا من المسلمين كانوا أسراء بمكة.
فيه جواز المفاداة. وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة (2) حيث لم يجز للإمام المفاداة ولا الفداء بالأسير.
وفيه دليل على جواز فداء الرجال بالنساء.
* * *
(1) في الأصول: وهذا أحد. والمثبت من "المغني" 13/ 111.
(2)
انظر: "المبسوط" 10/ 24.