الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - باب في سُكْنَى الشَّامِ
2482 -
حَدَّثَنَا عُبيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيارُ أَهْلِ الأَرْضِ ألْزَمُهُمْ مُهاجَرَ إِبْراهِيمَ، ويَبْقَى فِي الأرْضِ شِرارُ أَهْلِها تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النّارُ مَعَ القِرَدَةِ والخَنَازِيرِ"(1).
2483 -
حَدَّثَنَا حيْوَةُ بْنُ شُريْحٍ الحَضْرَميُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَني بَحِيرٌ، عَنْ خالِدٍ -يَعْنِي: ابن مَعْدانَ-، عَنْ أَبِي قُتَيلَةَ، عَنِ ابن حَوالَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سيَصِيرُ الأمْرُ إِلى أَنْ تَكُوُنُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامٍ، وَجُنْدٌ بِاليَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالعِراقِ". قالَ ابن حَوالَةَ خِرْ لي يا رَسُولَ اللهِ إِنْ أدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقالَ: "عَليْكَ بِالشّام فَإِنَّها خِيَرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِليْها خِيَرَتَهُ مِنْ عِبادِهِ، فَأَمّا إِنْ أَبيْتُمْ فَعَليْكمْ بِيَمَنِكُمْ واسْقُوا مِنْ غُدَرِكُمْ فَإِنَّ اللهَ تَوَكَّلَ لي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ"(2).
* * *
باب في سكنى الشأم
بهمزة ساكنة مثل رأس، ويجوز تخفيفه بحذفها كما في راس، وفيه لغة أخرى: شآم [بمد الهمزة](3).
(1) رواه أحمد 2/ 198، والطيالسي (2407)، والحاكم 4/ 486.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(3203).
(2)
رواه أحمد 4/ 110، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1114)، والبيهقي 9/ 179.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2244).
(3)
ساقط من (ر).
[2482]
([حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبي، عن قتادة، عن شهر بن حوشب] (1)، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول: ستكون) أي: في آخر الزمان (هجرة) ثانية إلى الشام (بعد هجرة) إبراهيم عليه السلام إلى الشام أولًا كما سيأتي، فإذا ظهر في الأرض الفساد، وانتشرت الفتن في جميع البلاد هجر الناس أوطانهم وتفرقوا في الأرض شذر مذر.
(فخيار أهل الأرض) حينئذٍ (ألزمهم) أي: أكثرهم ملازمة وسكنى لأرض الشام التي هي (مُهاجَرَ) بضم الميم وفتح الجيم (إبراهيم عليه السلام) أي: هاجر من دار الكفر بعد الخروج من النار إلى الشام كما قال الله تعالى حكاية عنه: (2) أي: إلى حيث أمرني ربي بالهجرة إليه وهو الشام، وهاجر معه إلى الشام لوط، ثم أرسل الله لوطًا إلى الغور من الشام، وأقام إبراهيم ببيت المقدس.
(ويبقى في (3) الأرض) التي هي غير الشام (شرارها) أي: شرار أهل الأرض (تَلفِظُهم) بفتح التاء وكسر الفاء، أي: تلقيهم وتخرجهم (أرضوهم) بفتح الراء، وربما سكنت، جمع أرض، وهو جمع شاذ؛ لأن المؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصًا مثل: سنون جمع سنة، وسبب إخراجهم وإزعاجهم من على (4) ظهرها أنهم لما
(1) مستدرك من المطبوع.
(2)
العنكبوت: 26.
(3)
ساقطة من (ر).
(4)
زيادة من (ل).
كثر منهم العصيان والفساد (تَقَذَّرهم) بفتح التاء والقاف والذال المشددة، أي: تتقذرهم ثم حذفت التاء الأولى ويجوز: (تَقْذَرهم) بسكون القاف وفتح الذال: أي: تكرههم، وفي "شرح الخطابي" (1): تأويله أن الله يكره خروجهم إليها، ومقامهم بها، فلا يوفقهم، فصاروا بالصد وترك القبول في معنى الشيء الذي تقذره (2) نفس الإنسان.
(نفس الله) أي: يكره الله خروجهم إلى الشام، ومقامهم بها؛ فلا يوفقهم إلى المهاجرة إليها، بل إلى غيرها، فصاروا بترك الخروج إليها في معنى الشيء الذي تقذره نفس الإنسان، أي: ذاته، فلا تقبله، والنفس هنا ذات الله تعالى، كما قال تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (3) كما تقول: قتل فلان نفسه، أي: ذاته كلها، ويحتمل أن تكون النفس هنا أهل شريعة الله القائمين على الحق الذين لا يضرهم من ناوأهم، كما قال تعالى:{ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} (4) أي: بأهل شريعتهم، ولما كره الله خروجهم إلى الشام أزال رغبتهم عنها (5) فارتحلوا إلى غيرها، فكأن الأرض لفظتهم عنها بفعل الله، وفي الكلام مجاز واتساع نظيره قوله تعالى:{كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} (6) أي: عن الخروج إلى الغزو، ووجهه أن الله لما كره
(1)"معالم السنن" للخطابي 2/ 235.
(2)
في الأصلين: تقذرهم، والمثبت أليق بالسياق.
(3)
آل عمران: 28، 35.
(4)
النور: 12.
(5)
في (ر): فيها، والمثبت من (ل).
(6)
التوبة: 46.
خروجهم وانبعاثهم ضعف رغبة الانبعاث وأزالها (1) من قلوبهم فحصل منهم التثبط والقعود عن الغزو.
والحديث شبيه بقوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} وفي هذا حث عظيم، وترغيب شديد في سكنى الشام والإقامة بها عند كثرة الفتن وشدة المحن، وروى البزار (2)، عن أبي الدرداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن - بالشام".
قال الحافظ عبد الحق: هذا صحيح، ولعل هذِه الفتن هي التي تكون عند خروج الدجال. والله أعلم.
(وتحشرهم النار) كما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستخرج نار من حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؛ قال: عليكم بالشام". رواه الترمذي (3).
(مع القردة والخنازير) التي يمسخون، كما روى الحافظ رزين بن معاوية في "تجريد صحاح أصول الدين" (4) عن أنس: أن رسول الله
(1) في الأصلين: وأزالهم. والمثبت أليق بالسياق.
(2)
رواه البزار (4111)، وأحمد 5/ 198 من طرق عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء به. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 567: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عامر الأنطاكي، وهو ثقة.
وأخرجه أحمد 4/ 198، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 288، من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن عبد الله بن الحارث، عن عمرو بن العاص به.
(3)
(2217)، وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في "الصحيحة"(2768).
(4)
هو رزين بن معاوية بن عمار، الإمام المحدث الشهير، أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي، توفي بمكة 535 هـ. انظر:"سير أعلام النبلاء" 20/ 205. =
- صلى الله عليه وسلم قال: "إن الناس يمصرون أمصارًا، وإن مصرًا منها تسمى البصرة فإن أنت مررت بها فإياك وسباخها وسوقها وأبواب أمرائها، وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف ورجف وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازير"(1).
[2483]
(حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي، أنا بقية) بن الوليد (حدثني بَحِير) بفتح الموحدة وكسر المهملة بن سعد (عن خالد - يعني: ابن معدان - عن أبي قُبيلة) بضم القاف وفتح الموحدة (2) واسمه مرثد، ومن قال: ابن أبي قتيلة. فالكنية لأبيه (عن ابن حَوَالة) بفتح الحاء المهملة واسمه عبد الله بن حوالة بفتح الحاء أيضًا الأزدي، نزل الشام، وروى عنه من أهلها أبو قبيلة (3) مرثد بن وداعة له ثلاثة أحاديث.
(قال: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيصير الأمر) إلى (أن تكونوا جنودًا) قال الجوهري (4): الجند في اللغة هم الأنصار والأعوان. وكل صنف من الناس جند، وجمع القلة أجناد، وجمع الكثرة جنود.
(مجندة: ) بتشديد النون، أي: كثيرة مجمعة، كما يقال: ألوف
= وكتابه هذا جمع فيه بين "الموطأ"، والصحاح الخمسة، وعليه اعتمد ابن الأثير في تصنيف كتابه "جامع الأصول"، انظر: كلام ابن الأثير عن هذا الكتاب في مقدمة "جامع الأصول" 1/ 49 - 51.
(1)
سيأتي في "سنن أبي داود"(4307) باب في ذكر البصرة.
(2)
كذا ذكره المصنف، والصواب: قُتَيْلة - بقاف مضمومة ثم مثناة من فوق بعدها ياء - مصغر. انظر: "الإصابة" 6/ 56.
(3)
انظر التعليق السابق.
(4)
"الصحاح" 2/ 22.
مؤلفة، والمراد والله أعلم: أنكم ستفترقون في أقطار متفرقة (جند) تكون (بالشام) وحدُّه طولًا من العريش إلى الفرات، وأما عرضه فمن جبلي طيء إلى بحر الروم (وجند باليمن) وهو الإقليم المعروف، قال صاحب "المطالع" (1) (2): اليمن: كل ما كان عن يمين الكعبة من بلاد العرب.
(وجند بالعراق) بكسر العين مذكر على المشهور، سمي عراقًا لاستواء أرضه، وخلوها عن جبال تعلو أو أودية تنخفض، وقيل: سميت عراقًا لقربها من البحر. (فقال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله) أي: اختر لي الإقامة في واحد منها (إن أدركتُ ذلك، فقال: عليك بالشام) ولازم الإقامة بها، قال الزمخشري: أجناد الشام خمسة: دمشق، وحمص، وفلسطين، وقنسرين، والأردن (3). (وعن مكحول) (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"دمشق من خير مدائن الشام"(5). ذكره رزين (6).
(فإنها) يعني: الشام (خيرة الله من) جميع (أرضه) كما أنه سبحانه (يجتبي إليه) أي: يختار لسكنى الشام وحفظ دينه بها (7)(خيرته) أي:
(1) ساقطة من (ر).
(2)
"مطالع الأنوار" بتحقيقنا 6/ 292.
(3)
"أساس البلاغة"(152).
(4)
تصحفت في (ر) إلى: وغزة وروي.
(5)
سيأتي في باب في المعقل من الملاحم (4298).
(6)
وسيأتي برقم (4298) من حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق مِن خير مدائن الشام".
(7)
ساقطة من (ر).
من يختاره (من عباده) أضافهم إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، وروى الترمذي (1)، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طوبى للشام". قلت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليه".
(فأما إن أبيتم) إلا الإقامة بغيرها أو لم يتيسر لكم سكناها (فعليكم بيمنكم) أي: بسكنى اليمن وهي بلاد العرب - كما قال الجوهري (2) - فإن الإقامة بها ترقق القلب. (واسقوا من غُدركم) بضم الغين المعجمة، وفتح الدال المهملة، ويجوز إسكانها جمع غدير ككثيب وكثب، وهو القطعة من الماء يسمى بذلك؛ لأن ماء السيل يغادره، أي: يتركه في المنخفض في الأرض.
وفيه: الحث على الشرب من ماء الغدران الذي ببلاد الشام؛ لأنه اجتمع فيه بركة ماء السماء الذي قال الله فيه: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} (3) وبركة أرض الشام كما جمع رسول الله للمريض حين دعا له بالشفاء بين الريق وتراب الأرض فيأخذ من ريق نفسه على السبابة ثم يضعها على التراب فيتعلق بها منه شيء فيمسح به العليل (4) ويقول: "باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا"(5).
ولهذا قيل: ينبغي للمسافر أن يستصحب معه تراب أرضه حتى إذا ورد على غير الماء المعتاد جعل منه في سقائه حتى يختلط بذلك
(1)"سنن الترمذي"(3954)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(553).
(2)
"الصحاح" 1/ 179.
(3)
ق: 9.
(4)
ساقطة من (ر).
(5)
رواه البخاري (5745)، ومسلم (2194).
الماء ويشرب منه؛ فإنه يعين على حفظ صحته.
(فإن الله توكل لي) أي: تكفل لي (بالشام) أي: بحفظ الشام (و) حفظ (أهله) المقيمين به تفضلًا منه سبحانه وتفضلًا (1)، وكان أبو إدريس إذا روى هذا الحديث قال: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه (2).
وهذا وعد من الله تعالى لرسوله بحفظ هذِه المملكة وحفظ أهلها، ولن يخلف الله وعده، لكن سياق الكلام يدل على أن المراد بالحفظ عند كثرة الفتن ومهاجرة الناس إليها، وسيأتي في كلام رواية أبي داود الطيالسي (3) حفظ بيت المقدس من الدجال من رواية سفينة أن الدجال يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله تعالى عند عقبة أفيق. وروى أبو بكر ابن أبي شيبة (4)، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس.
ويحتمل أن يراد عموم الحفظ في جميع الأزمان، والله أعلم.
* * *
(1) كذا تكررت لفظة تفضلا في الأصول.
(2)
"فضائل الشام ودمشق" لأبي الحسن الربعي (4)، "فضائل الشام" للسمعاني (1)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر 1/ 60.
(3)
"مسند أبي داود الطيالسي" 2/ 429 - 430 (1202).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(38668).