الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاهه يدعي عليه ويحضره للقاضي، وربما إذا امتنع أرسلوا إليه الشرط يحضرونه وهذه مشكلة، فما ذهب إليه الإمام مالك لا شك أنه قول قوي جدا.
ومن فوائد الحديث: أن كل دعوى لابد فيها من بينة، وهذا وإن كان في الخصومات بين الناس، لكل يشمل حتى في الأحكام الشرعية، أي إنسان يدعي أن هذا حرام أو هذا حلال أو هذا واجب، فإننا نقول: له هات البينة، وما هي بينة التحليل والتحريم والإيجاب؟ الأدلة وهي أربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس الصحيح، فلابد لكل مدع من بينة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن البينة هنا مطلقة، ولكنها ذكرنا أنها ما يبين به الحق على حسب ما رتب في الشرع، فمثلا: بينة الزنا أربعة أشياء، بينة مدعي الفقر بعد [أن كان غنيا] ثلاثة، بينة السرقة من أجل القطع شاهدان ومن أجل ضمان المال شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين حسب ما ذكرنا سابقا.
القرعة بين الخصوم في اليمين:
1351 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين، فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين، أيهم يحلف» . رواه البخاري.
صورة هذا الحديث أن اليمين توجهت على جماعة كل منهم يريد أن يحلف، فأقرع بينهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا ظاهر، ويحتمل أن تكون الدعوى بين خصمين متكافئين لا يترجح أحدهما على الآخر؛ أي: ليس هناك مدع ومدعى عليه، فأسرع أحدهما إلى اليمين ليكون بريئا، فالمسألة تحتمل هذا وهذا، لكن الذي يظهر ويقرب من الأدلة هو أن اليمين توجهت على جماعة؛ يعني: رجل ادعى على جماعة فأسرعوا أيهم الذي يحلف، كل واحد يقول: أنا أحلف دونكم، أنا أحلف حتى أبرئكم كلكم فيسهم بينهم.
ويوجد صورة ثالثة وهي: أن يدعي اثنان عينا بيد غيرهما، والتي في يده لا يدعيها؛ لأنه لو ادعاها لكان عليهما البينة لكنه لا يدعيها، يقول: أنا أعطاها لي رجل لا أذكره، فهنا العين المدعى بها بيد ثالث، كلاهما يقول: أنا أحلف أنها لي، هذا يقول: أنا أحلف أنها لي، وهذا يقول: أنا أحلف أنها لي، فهنا يسهم بينهما، لكن إن جرى صلح فالصلح خير؛ بأن تباع العين. ويقسم بينهما إن لم يكن قسمتها هي بنفسها فتقسم، ولكن إذا كان لا يمكن أن تنقسم كالنعل لا يمكن أن ينقسم بين اثنين، لو أعطينا أحدهما نعلا والآخر نعلا لا يستفيد أحدهما، إذ لابد من بيعها ثم تقسم، فإن قال: أنا أدعي بها كاملة والثاني قال: أنا أدعي بها كاملة ولا
يمكن أن أرخص لهذا أن يشاركني فيها، اضطررنا الآن إلى القرعة، وهذه أوضح من الصورتين اللتين ذكرتهما؛ أولا: لأنها واضحة وهي ما إذا كانت العين المدعى بها بيد ثالث وأراد كل منهما أن يحلف ليأخذها فنقول إن اصطلحا على شيء من أي نوع من الصلح ما لم يحرم حلالا أو يحلل حراما فعلى ما اصطلحا وإلا أقرع بينهما، فمن قرع فهي له.
ففي هذا الحديث: عرض اليمين عليه اليمين فإنه لا عبرة بحلفه كما قاله الفقهاء رحمهم الله[حيث] قالوا لا عبرة بحلف المنكر ما لك يعرضها عليها القاضي.
ومن فوائد الحديث: جواز القرعة إذا اشتبه الأحق من غيره فإنه لابد للتمييز من القرعة، يعني: إذا تعذر التمييز بغير القرعة فلابد من القرعة، وقد جاءت القرعة في القرآن في موضعين:
الموضع الأول: قصة يونس لما ركب السفينة وكانت محملة كثيرا، فاضطروا أن يلقوا بعض الركاب فساهم فكان هو من الذين يلقون في البحر.
والثاني: قوله تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكقل مريم} [آل عمران: 44]. والله عز وجل إذا حكى لنا ما سبق من أفعال الأمم فهو دليل على أنه جائز.
أما في السنة فقد جاءت في مواضع منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجلين يتشاحنان على الأذان يستهما، وكذلك على الصف الأول. "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، وفي استعمال القرعة فائدة وهي: أنه إذا تعذر التعيين رجعنا إلى القرعة.
فإن قال قائل: القرعة فيها غرر.
قلنا: لكن هذا الغرر بالتساوي لا يختلف أحدهما عن الآخر ولابد منه، ولهذا لو كان متاع بين شخصين على المناصفة وقسماه ثلثين وثلثا ثم قالا: نقرع أينا يكون له الثلث وأينا يكون له الثلثان، هذا لا يجوز هذا ميسر؛ لأنه إذا قرع صاحب الثلث أخذ دون ماله ويأخذ صاحب الثلثين أكثر من ماله، أما إذا كان الأمر بالتساوي فإنه لابد من ذلك.