المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

وسيلة إلى أن يغفر الله لك أو يجيب دعاءك؛ لأن وجاهة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تكون له هو وحده، نعم الناس في الدنيا يتوسلون إلى الملوك بجاه من حولهم، أما الله عز وجل فإنه لا يتوسل إلي بجاه أحد.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على دعاء الله تعالى به؛ لأنه سيد الاستغفار.

‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

1491 -

وعن بن عمر رضي الله عنه قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» . أخرجه النسائي وابن ماجه، وصححه الحاكم.

"لم يكن يدع هؤلاء الكلمات .... إلخ"، "يدع هؤلاء" في هذا الاستعمال أطلق "هؤلاء" في غير من يعقل وهو نادر في اللغة لكنه ثابت ومنه قول الشاعر: ] الكامل [

(ذُمَّ المنازل بعد منزلة اللوى

والعيش بعد أولئك الأيام)

فأشار إلى غير العاقل بـ"أولئك" وهو قليل، فما هو الكثير إذن؟ الكثير أن يشير إلى جمع غير العاقل باسم إشارة المؤنث المفرد، فيقول مثلاً في هذا الحديث: يدع هذه الكلمات أو تلك الكلمات، وقوله:"هؤلاء الكلمات" سبق لنا أن الكلمات جمع كلمة، وأن الكلمة في اللغة العربية وفي الخطاب الشرعي ليست هي الكلمة المعروفة في اصطلاح النحويين، وقوله:"حين يمسي وحين يصبح" أي: حين يدخل في الصباح فمن يدخل في الصباح؟ يدل في الصباح إذا دخل الفجر؛ ولهذا تسمى صلاة الفجر صلاة الصبح، وفي المساء يدخل إذا صلى العصر، فإن صلاة العصر بها يدخل المساء، إلى متى ينتهي الصباح، ومتى ينتهي المساء؟ ينتهي الصباح إلى وقت الإضحاء، بمعنى: أن تنتشر الشمس وتعم أرجاء الأرض، وحينئذ يكون الصباح انتهى، وقال بعضهم: إلى الزوال، أما المساء فينتهي حينما يغيب بياض النهار في الأفق، وهو أقرب ثلث الليل، وقال بعضهم: إنه ينتهي المساء بدخول وقت العشاء حينما يغيب

ص: 491

الشفق الأحمر، وعلى كل حال: الأمر في هذا واسع، وإذا أردت أن تحاط فبادر الأمر من أوله حتى تحتاط لنفسك، لكن هناك أشياء أذكار وأوراد قيدت في الليل وبعضها قيدت في النهار أو قيد بع صلاة الصبح مثلاً، فما قيد بشيء من هذا وجب أن نتقيد به.

قوله: "اللهم إني أسألك العافية في ديني"، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا ربه:"أسألك العافية في ديني"، والدين: كل ما يتقرب به العبد إلى ربه عز وجل والعافية في الدين تشمل شيئين: الشيء الأول: العافية من الشبهات، والشيء الثاني: العافية من الشهوات، فأما العافية من الشبهات فنعني أن الله تعالى يمنّ عليك بالعلم الذي هو نور تهتدي به، ولا يلتبس عليك الحق بالباطل؛ ولهذا جاء في الحديث:«اللهم أرني الحق حقاً وارزقني إتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً عليّ فأضل» .

أما الثاني: لعافية من الشهوات فهو أن يسأل ربه أن يعافيه من الإرادات السيئة؛ لأن الإنسان قد يكون عنده علم، لكن ليس عنده إرادة حسنه، يعرف أن هذا باطل ولكن لا يمتنع منه، يعرف أن هذا حق ولكنه لا يفعله، فعندنا الآن مثلان: المثل الأول: رجل وقع في باطل وهو لا يعلم فما نوع بلائه هذا؟ من الشبهات، ورجل آخر وقع في باطل يعلم أنه باطل لكن نفسه دعته إليه هذا بلاؤه من الشهوات، إذن مدار الضلال على هذين الأمرين، إما الجهل وإما الهوى، فإذا سألت الله العافية فإنك تسأل الله في الواقع علماً وتسأله هدىً وتوفيقاً، العافية في ديني ودنياي، العافية في الدنيا أن الله تعالى يعافيك من الأسقام والأمراض الجسدية حتى تصبح معافى تستطيع أن تقوم بطاعة الله عز وجل "وأهلي ومالي" هذا من عافية الدنيا أن يعافيك الله في أهلك؛ بمعنى: أن يجعل أهلك في طاعتك وفي توجيهك وأن يبقيهم لك، وألا يكدر صفوك فيهم بمرض أو عاهة، أو ما أشبه ذلك، المال أيضا يسأل الله أن يعافيك في مالك بأن يحفظه ويقيه الآفات سواء كانت الآفات بفعل الله عز وجل أو بفعل مخلوق، يسرق ويخون وما أشبه ذلك.

وقوله: "اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي"، "استر" بمعنى: غط، والعورة ما يقبح من قول أو عمل، وسترها أن يواريها الله عز وجل عن أنظار الناس فلا يسمعونه قولا يسوؤه ولا يرونه فعلا بسوؤه، "وآمن روعاتي": أي: اجعلني آمن عند الروع، والروع هي الخوف، لقول الله تعالى: } فلما ذهب عن إبراهيم الروع {] هود: 74 [. والإنسان لا شك أنه يقع في قلبه مخافة طبيعية عادية فيسأل الله تعالى أن يؤمن هذا الروع، إبراهيم أصيب بالروع، وموسى-عليه الصلاة والسلام-

ص: 492

أصيب بالروع، ومحمد صلى الله عليه وسلم أصيب بالروع أول ما جاءه الوحي وضمه جبريل، ولكن هذا الخوف والروع ليس خوف العبادة ولا الخوف الذي يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله، "وآمن روعتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي" كم جهة هذه؟ خمسة، السادسة قال:"وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي"، وهذا يدل على أن العذاب الذي يأتي من تحت أشد وأعظم؛ ولهذا اعتصم النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة الله أن يغتال من تحته من الشياطين من الجن من الخسف، ومعنى "أغتال" يعني: أهلك، والاغتيال هو القتل بغير استعداد له بأن يقتله على غفلة، ووجه ذلك: أن الإنسان إذا جاءه الشر من بين يديه أو من خلفه أو عن يمينه أو عن شماله أمكنه الفرار من فوقه أيضا ربما يمكنه إذا شاهد أسباب العذاب أن يختبئ، لكن إذا جاءه من تحت وخسف به غافل لا يحس بشيء صار هذا أشد، على كل حال كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الكلمات.

فيستفاد من الحديث: أولاً: المحافظة على هذه الكلمات اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائده: أن هذه الكلمات مقيدة بالصباح والمساء كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقولها في الصباح والمساء، ولكن لو قالها في غير ذلك مثل وسط الليل وسط النهار، هل نقول إنك مبتدع لأنك أتيت بالعبادة في غير وقتها؟ الجواب إن أراد التعبد بذلك قال: إني أتعبد بها في وسط الليل والنهار قياسا على وقت المساء والصباح، قلنا: هذا مبتدع، أما إذا قالها بقلبه وفكره دون قصد اختيار هذا الوقت فلا بأس.

ومن فوائد الحديث: أن كل إنسان عرضة للآفات في الدين والدنيا والأهل والمال، وجهه: طلب العافية من ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أشرف بني آدم، ولذلك إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يصاب بذلك فمن دونه من باب أولى.

ومن فوائد الحديث: أن البلاء يكون في نفس الإنسان، وفي دينه، وفي أهله، وفي ماله، وهو كذلك، بلاء الدين ذكرنا أنه ينقسم إلى قسمين: شبهات، وشهوات.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان كما أنه مأمور بسؤال العافية في الدين فهو مأمور بسؤال العافية في الدنيا أيضا؛ لأن الإنسان كما أنه مأمور بسؤال العافية في الدين فهو مأمور بسؤال العافية في الدنيا أيضا؛ لأن الإنسان قد يبتلى بمرض حسي في بدنه، وقد يبتلى بتسلط الناس عليه وأكل لحمه وسبه حاضرا وإيذائه، كل هذا داخل في قوله:"ودنياه".

ومن فوائد الحديث: أنه لا حرج على الإنسان أن يسأل الله تعالى العافية في المال، ولا يقال: إن الورع ألا يتعلق قلبك بمالك هذا خطأ؛ لأن سيد الورعين محمد صلى الله عليه وسلم ومع ذبك سأل الله أن يعافيه في ماله.

ص: 493

ومن فوائد الحديث: أن العافية في الأهل مقدمة على العافية في المال، وعلى هذا أيهما أولى بالمراعاة أن تراعي أهلك وتحفظهم من الشرور وتحافظ على مصالحهم، أو أن تراعي مالك؟ الأول؛ ولهذا من السفه في العقل والضلال في الدين أن بعض الناس اليوم يراعي مالهم مراعاة كبيرة ويحافظ عليه وأهله غير مبال بهم.

ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم له عورات لقوله "استر عوراتي"، وهل يمكن أن يؤخذ من هذا، أو قال:"استر عوراتي" إن كانت؟ يحتمل هذا وهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس معصوما من الخطأ في غير الوحي قد يجتهد ويخطئ، ولكن الله تعالى لا يقره على خطئه، وهذا من ستر ذلك، أليس يقول له: } عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين {] التوبة: 43 [.

ويقول له عز وجل: } وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وأتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه {] الأحزاب: 37 [.

ويقول له: } يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم {] التحريم: 1 [.

على كل حال لنا أن نقول: إن الرسول لم يسأل ستر عوراته إلا وهو محتاج إلى ذلك، ولكنه لا يقر صلي الله عليه وسلم على خطأ، ويمكن أن يقال: استر عوراتي إن كانت، ولا يلزم من ذلك الوقوع كما لم يلزم وقوع الشرك منه في قوله تعالى: } لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين {] الزمر: 65 [.

ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر يلحقه الروع لقوله: "وآمن روعاتي"، وهل نقول: إن هذا دعاء بأن يجعل في قلبك أمانا إذا حصل الروع، أو هو دعاء برفع الروع وتخفيفه إذا وقع؟ الظاهر: الأمران يعني: آمن من الروعات، أو ارفع عني الروع إذا نزل، والإنسان محتاج إلى هذا وهذا.

ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مفتقر إلى حفظ الله عز وجل، لقوله:"أحفظني من بين يدي"، وهذا يرد دعوى الذين يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم قادر على حفظهم، ولهذا يستغيثون به ويستعينون به ويستعيذون به، ويعتقد الواحد منهم أنه في حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو نفسه محتاج إلى حفظ الله.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي التبسط في الدعاء لقوله: "أحفظني من بين يدي .... إلخ"؛ إذا بإمكانه أن يأتي بهذا مجملاً فيقول: أحفظني من كل نازلة، أو من كل جهة، لكن التبسيط في الدعاء أفضل لوجوه ثلاثة: الوجه الأول: طول مناجاة الله عز وجل، كلنا يعلم أن الإنسان يحب أن

ص: 494