الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيلة إلى أن يغفر الله لك أو يجيب دعاءك؛ لأن وجاهة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تكون له هو وحده، نعم الناس في الدنيا يتوسلون إلى الملوك بجاه من حولهم، أما الله عز وجل فإنه لا يتوسل إلي بجاه أحد.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على دعاء الله تعالى به؛ لأنه سيد الاستغفار.
سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:
1491 -
وعن بن عمر رضي الله عنه قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» . أخرجه النسائي وابن ماجه، وصححه الحاكم.
"لم يكن يدع هؤلاء الكلمات .... إلخ"، "يدع هؤلاء" في هذا الاستعمال أطلق "هؤلاء" في غير من يعقل وهو نادر في اللغة لكنه ثابت ومنه قول الشاعر: ] الكامل [
(ذُمَّ المنازل بعد منزلة اللوى
…
والعيش بعد أولئك الأيام)
فأشار إلى غير العاقل بـ"أولئك" وهو قليل، فما هو الكثير إذن؟ الكثير أن يشير إلى جمع غير العاقل باسم إشارة المؤنث المفرد، فيقول مثلاً في هذا الحديث: يدع هذه الكلمات أو تلك الكلمات، وقوله:"هؤلاء الكلمات" سبق لنا أن الكلمات جمع كلمة، وأن الكلمة في اللغة العربية وفي الخطاب الشرعي ليست هي الكلمة المعروفة في اصطلاح النحويين، وقوله:"حين يمسي وحين يصبح" أي: حين يدخل في الصباح فمن يدخل في الصباح؟ يدل في الصباح إذا دخل الفجر؛ ولهذا تسمى صلاة الفجر صلاة الصبح، وفي المساء يدخل إذا صلى العصر، فإن صلاة العصر بها يدخل المساء، إلى متى ينتهي الصباح، ومتى ينتهي المساء؟ ينتهي الصباح إلى وقت الإضحاء، بمعنى: أن تنتشر الشمس وتعم أرجاء الأرض، وحينئذ يكون الصباح انتهى، وقال بعضهم: إلى الزوال، أما المساء فينتهي حينما يغيب بياض النهار في الأفق، وهو أقرب ثلث الليل، وقال بعضهم: إنه ينتهي المساء بدخول وقت العشاء حينما يغيب
الشفق الأحمر، وعلى كل حال: الأمر في هذا واسع، وإذا أردت أن تحاط فبادر الأمر من أوله حتى تحتاط لنفسك، لكن هناك أشياء أذكار وأوراد قيدت في الليل وبعضها قيدت في النهار أو قيد بع صلاة الصبح مثلاً، فما قيد بشيء من هذا وجب أن نتقيد به.
قوله: "اللهم إني أسألك العافية في ديني"، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا ربه:"أسألك العافية في ديني"، والدين: كل ما يتقرب به العبد إلى ربه عز وجل والعافية في الدين تشمل شيئين: الشيء الأول: العافية من الشبهات، والشيء الثاني: العافية من الشهوات، فأما العافية من الشبهات فنعني أن الله تعالى يمنّ عليك بالعلم الذي هو نور تهتدي به، ولا يلتبس عليك الحق بالباطل؛ ولهذا جاء في الحديث:«اللهم أرني الحق حقاً وارزقني إتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً عليّ فأضل» .
أما الثاني: لعافية من الشهوات فهو أن يسأل ربه أن يعافيه من الإرادات السيئة؛ لأن الإنسان قد يكون عنده علم، لكن ليس عنده إرادة حسنه، يعرف أن هذا باطل ولكن لا يمتنع منه، يعرف أن هذا حق ولكنه لا يفعله، فعندنا الآن مثلان: المثل الأول: رجل وقع في باطل وهو لا يعلم فما نوع بلائه هذا؟ من الشبهات، ورجل آخر وقع في باطل يعلم أنه باطل لكن نفسه دعته إليه هذا بلاؤه من الشهوات، إذن مدار الضلال على هذين الأمرين، إما الجهل وإما الهوى، فإذا سألت الله العافية فإنك تسأل الله في الواقع علماً وتسأله هدىً وتوفيقاً، العافية في ديني ودنياي، العافية في الدنيا أن الله تعالى يعافيك من الأسقام والأمراض الجسدية حتى تصبح معافى تستطيع أن تقوم بطاعة الله عز وجل "وأهلي ومالي" هذا من عافية الدنيا أن يعافيك الله في أهلك؛ بمعنى: أن يجعل أهلك في طاعتك وفي توجيهك وأن يبقيهم لك، وألا يكدر صفوك فيهم بمرض أو عاهة، أو ما أشبه ذلك، المال أيضا يسأل الله أن يعافيك في مالك بأن يحفظه ويقيه الآفات سواء كانت الآفات بفعل الله عز وجل أو بفعل مخلوق، يسرق ويخون وما أشبه ذلك.
وقوله: "اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي"، "استر" بمعنى: غط، والعورة ما يقبح من قول أو عمل، وسترها أن يواريها الله عز وجل عن أنظار الناس فلا يسمعونه قولا يسوؤه ولا يرونه فعلا بسوؤه، "وآمن روعاتي": أي: اجعلني آمن عند الروع، والروع هي الخوف، لقول الله تعالى: } فلما ذهب عن إبراهيم الروع {] هود: 74 [. والإنسان لا شك أنه يقع في قلبه مخافة طبيعية عادية فيسأل الله تعالى أن يؤمن هذا الروع، إبراهيم أصيب بالروع، وموسى-عليه الصلاة والسلام-
أصيب بالروع، ومحمد صلى الله عليه وسلم أصيب بالروع أول ما جاءه الوحي وضمه جبريل، ولكن هذا الخوف والروع ليس خوف العبادة ولا الخوف الذي يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله، "وآمن روعتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي" كم جهة هذه؟ خمسة، السادسة قال:"وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي"، وهذا يدل على أن العذاب الذي يأتي من تحت أشد وأعظم؛ ولهذا اعتصم النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة الله أن يغتال من تحته من الشياطين من الجن من الخسف، ومعنى "أغتال" يعني: أهلك، والاغتيال هو القتل بغير استعداد له بأن يقتله على غفلة، ووجه ذلك: أن الإنسان إذا جاءه الشر من بين يديه أو من خلفه أو عن يمينه أو عن شماله أمكنه الفرار من فوقه أيضا ربما يمكنه إذا شاهد أسباب العذاب أن يختبئ، لكن إذا جاءه من تحت وخسف به غافل لا يحس بشيء صار هذا أشد، على كل حال كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الكلمات.
فيستفاد من الحديث: أولاً: المحافظة على هذه الكلمات اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائده: أن هذه الكلمات مقيدة بالصباح والمساء كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقولها في الصباح والمساء، ولكن لو قالها في غير ذلك مثل وسط الليل وسط النهار، هل نقول إنك مبتدع لأنك أتيت بالعبادة في غير وقتها؟ الجواب إن أراد التعبد بذلك قال: إني أتعبد بها في وسط الليل والنهار قياسا على وقت المساء والصباح، قلنا: هذا مبتدع، أما إذا قالها بقلبه وفكره دون قصد اختيار هذا الوقت فلا بأس.
ومن فوائد الحديث: أن كل إنسان عرضة للآفات في الدين والدنيا والأهل والمال، وجهه: طلب العافية من ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أشرف بني آدم، ولذلك إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يصاب بذلك فمن دونه من باب أولى.
ومن فوائد الحديث: أن البلاء يكون في نفس الإنسان، وفي دينه، وفي أهله، وفي ماله، وهو كذلك، بلاء الدين ذكرنا أنه ينقسم إلى قسمين: شبهات، وشهوات.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان كما أنه مأمور بسؤال العافية في الدين فهو مأمور بسؤال العافية في الدنيا أيضا؛ لأن الإنسان كما أنه مأمور بسؤال العافية في الدين فهو مأمور بسؤال العافية في الدنيا أيضا؛ لأن الإنسان قد يبتلى بمرض حسي في بدنه، وقد يبتلى بتسلط الناس عليه وأكل لحمه وسبه حاضرا وإيذائه، كل هذا داخل في قوله:"ودنياه".
ومن فوائد الحديث: أنه لا حرج على الإنسان أن يسأل الله تعالى العافية في المال، ولا يقال: إن الورع ألا يتعلق قلبك بمالك هذا خطأ؛ لأن سيد الورعين محمد صلى الله عليه وسلم ومع ذبك سأل الله أن يعافيه في ماله.
ومن فوائد الحديث: أن العافية في الأهل مقدمة على العافية في المال، وعلى هذا أيهما أولى بالمراعاة أن تراعي أهلك وتحفظهم من الشرور وتحافظ على مصالحهم، أو أن تراعي مالك؟ الأول؛ ولهذا من السفه في العقل والضلال في الدين أن بعض الناس اليوم يراعي مالهم مراعاة كبيرة ويحافظ عليه وأهله غير مبال بهم.
ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم له عورات لقوله "استر عوراتي"، وهل يمكن أن يؤخذ من هذا، أو قال:"استر عوراتي" إن كانت؟ يحتمل هذا وهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس معصوما من الخطأ في غير الوحي قد يجتهد ويخطئ، ولكن الله تعالى لا يقره على خطئه، وهذا من ستر ذلك، أليس يقول له: } عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين {] التوبة: 43 [.
ويقول له عز وجل: } وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وأتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه {] الأحزاب: 37 [.
ويقول له: } يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم {] التحريم: 1 [.
على كل حال لنا أن نقول: إن الرسول لم يسأل ستر عوراته إلا وهو محتاج إلى ذلك، ولكنه لا يقر صلي الله عليه وسلم على خطأ، ويمكن أن يقال: استر عوراتي إن كانت، ولا يلزم من ذلك الوقوع كما لم يلزم وقوع الشرك منه في قوله تعالى: } لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين {] الزمر: 65 [.
ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر يلحقه الروع لقوله: "وآمن روعاتي"، وهل نقول: إن هذا دعاء بأن يجعل في قلبك أمانا إذا حصل الروع، أو هو دعاء برفع الروع وتخفيفه إذا وقع؟ الظاهر: الأمران يعني: آمن من الروعات، أو ارفع عني الروع إذا نزل، والإنسان محتاج إلى هذا وهذا.
ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مفتقر إلى حفظ الله عز وجل، لقوله:"أحفظني من بين يدي"، وهذا يرد دعوى الذين يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم قادر على حفظهم، ولهذا يستغيثون به ويستعينون به ويستعيذون به، ويعتقد الواحد منهم أنه في حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو نفسه محتاج إلى حفظ الله.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي التبسط في الدعاء لقوله: "أحفظني من بين يدي .... إلخ"؛ إذا بإمكانه أن يأتي بهذا مجملاً فيقول: أحفظني من كل نازلة، أو من كل جهة، لكن التبسيط في الدعاء أفضل لوجوه ثلاثة: الوجه الأول: طول مناجاة الله عز وجل، كلنا يعلم أن الإنسان يحب أن