الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى كل حال: هذا أمر معلوم، أن الناس يختلفون في قوة التعبير والتأثير.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لقوله: «فأقضي له على نحو ما أسمع منه» ، فلو كان يعل م الغيب لقضى بما يعلم لا بما يسمع لكنه لا يعلم الغيب.
حكم القاضي بعلمه وضوابطه:
ومن فوائد الحديث: أن القاضي لا يحكم بعلمه لقوله: "على نحو ما أسمع منه"، فهل يقضي بنحو ما رأى منه؟ يعني: لو رأى أن هذا الخصم ضرب خصمه؟ لا فرق، لكن يقال: إن رآه خارج الحكومة -يعني: ليس في مجلس الخصومة أو التحاكم - فلا يقضي به لأنه لو قضى به لكان هذا قضاء بعلمه وهو ممنوع، إذا ماذا يصنع؟
إذا كان يعلم أن الحق خلاف ما يظهر مما سمع، قال العلماء في مثل هذه الحال: يجب عليه أن يحولهما إلى قاض آخر ويكون هو شاهداً وبذلك يجمع بين المصلحتين، وهذا حق.
ومثله أيضاً "بما سمع" لو فرضنا أنه سمع خارج الخصومة فلا يمكن أن يحكم بما سمع خارج الخصومة، ولكن يحولهما إلى فاض آخر ويكون شاهداً، ولهذا قال:"تختصمون" وقال: "ما أسمع"، في أي وقت مما أسمع؟ في وقت الخصومة؛ لأن قال:"تختصمون إلي".
ولكن العلماء استثنوا من الحكم بالعلم مسألتين سبقتا: المسألة الأولى: ما كان عالماً به في مجلس الحكم، وهذا يدل عليه قوله:"على نحو ما أسمع"، لأن السمع طريق العلم، فما سمعه في مثل الحكم أو رآه في مثل الحكم لو فرض أن أحد الخصمين ضرب الثاني عند القاضي فيحكم به.
المسألة الثانية: إذا كان الأمر مشهورا، تحاكم إلي رجلان أحدهما يدعي أن البيت الذي فيه فلان والذي هو ساكن فيه من مدة طويلة والذي يعلم أنه بيته، ادعى أنه بيته، فههنا يحكم بعلمه.
لكن في الواقع توجد مسألة ثالثة: وهي علم القاضي بعدالة الشهود كافية لا يحتاج القاضي إلى أن يقول: شهد فلان ابن فلان بكذا وكذا، وشهد فلان وفلان بعدالته، ليس بلازم إلا إذا كان لا يعرفه فيذكر هذا لأجل ألا يكون هناك طعن في الشهود فيما بعد.
ومن فوائد الحديث: أن الواجب على القاضي أن يحكم بما سمعه حتى لو ظن أن الأمر بخلافه، لو ظن -وهو لم يعلم- أن الأمر بخلافه يجب أن يقضي بنحو ما سمع، ولو ظن أن الأمر على خلاف ما سمع بخلاف ما إذا علم فقد قلت لكم: إذا علم يحول إلى قاضٍ آخر ويشهد.
لكن هل أن يستظهر الحق بالتورية؟ نعم، له ذلك يعني: لو سمع شيئاً ولو حكم به لكان مخالفاً لما يظن، لكن أراد أن يستخرج الحق بالتورية، نقول: هذا جائز، ووقع من سليمان
-عليه الصلاة والسلام في قصة المرأتين اللتين أخذ الذئب ولد إحداهما فحكم به داود للكبرى، ولكن سليمان دعا بالسكين وقال: أشقه بينكما نصفين، فقالت الصغرى: هو لها، وقالت الكبرى: شقه ليس عندي مانع، فقضى به للصغرى لوجود القرينة.
وهذه المسألة يوفق لها بعض القضاة: أي: استخراج الحق عن طريق الاستدراج، إذا علم أن الحق خلاف ما سمع، أما إذا لم يتبين له فيجب أن يقضي بنحو ما يسمع.
وحدثني ثقة عن بعض القضاة أن شخصين حصل بينهما عقد على مزارعة، يعني: يعطيه الأرض يزرعها بسهم، وقع العقد في أول الشتاء والأمطار قليلة، في مثل هذا يكون جزء مالك الأرض قليلا: لأن المزارع سوف يعمل كثيرا في السقي وغيره، المهم أنه تم العقد بينهما في أول الشتاء وكانت الأمطار قليلة وكان سهم المالك قليلا أراد الله عز وجل فنزل المطر وارتفعت الأسهم فعاد المالك إلى هذا المزارع وقال له: يا فلان، يبقى نظر؛ لأنها طلبت مني بكذا وكذا، يعني: أتى واحد إلى صاحب الأرض وقال له: أنا أريد أن أزرعها بسهم أكثر مما تم العقد عليه فقال: يا فلان، هل لك نظر فيها، يعني: هل تزيد؟ قال: سبحان الله ألست قد عقدت معك؟ قال: لا ما عقدت، فقال: ألك شهود؟ قال: لا، بني وبينك الله، ما عندي شهود، قال: نحن نذهب إلى القاضي، فذهبا إلى أحد القضاة وجلسا عنده وكان ذا فراسة وعالما بأحوال الناس وعرف أن الصواب مع المزارع، فأدلى كل واحد منهما بحجته، وكان هذا القاضي يعرف أن هذه الأرض موقوفة، فقال القاضي للمزارع: يا فلان، هذا الرجل ناظر على الوقف، والناظر يجب عليه أن يتبع الأصلح، وما دام العقد الذي بينكما كان في زمن الرخص لم تنبت الأرض إلى الآن وزادت الأسهم فهو يريد الأفضل للوقف حتى لو تم العقد بينكما، يعني: هذا أمانة، يقوله لمن؟ لصاحب الأرض المالك: قال: صحيح يا شيخ جزاك الله خيرا قال: إذن الأرض للمزارع.
انظروا كيف استدرجه حتى أقر بأنه عقد، لكن زادت الأسهم فتراجع، المهم أن القضاء يحتاج إلى ذكاء وفراسة وفطنة كما شهد شاهد في قضية يوسف قال:{قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} [يوسف: 26 - 27]. فمثل هذه الأمور والقرائن ينبغي للقضاة وغير القضاة أن يدركوها حتى ينتفعوا بها.
ومن فوائد الحديث: أن قضاء القاضي لا يحل الحرام، وعلى هذا فيكون قضاء القاضي