الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان ذكر النشور هنا مناسبًا تمامًا، وإذا أمسى مثل ذلك إلا أنه يقول: "بك أمسينا
…
الخ"، "المصير": المرجع؛ لأن آخر النهار كآخر الدنيا، الإنسان يكون مقبلاً على موت النوم أو على وفاة النوم على الأصح، وهذا يشبه مصير الإنسان إلى ربه تعالى عند موته.
في هذا الحديث فوائد: أولاً: أنه ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء صباحًا ومساءًا تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم وابتغاءً لثواب الله بهذا التأسي وثناء على الله عز وجل بأن الأمور بيده- تبارك وتعالى.
ومن فوائد الحديث: أن الإصباح والإمساء بيد الله، وأن الحياة والموت بيد الله، وأن النشور بيد الله، وأن المصير إلى الله عز وجل وبيد الله أيضًا.
ومن فوائد الحديث: عموم ربوبية الله عز وجل في كل وقت صباحًا ومساءً وما بين ذلك لقوله: "بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور".
الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:
1496 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار}. متفق عليه.
لا يخفى علينا جميعًا أن قول القائل: "ربنا آتنا" يعني: نداء، وقوله:"آت" بالمد بمعنى: أعط، وهو ينصب مفعولين: الأول: "نا" والثاني: "حسنة" وقوله: "وقنا"، فهل الفعل هو الواو والقاف، أو الواو عاطفة؟ الجواب: الواو عاطفة، والقاف هي الفعل؛ لأنها من وقى، وإذا صيغ من وقى فعل أمر وجب حذف حرف العلة وهي الواو في أوله والألف في آخره فنقول في "وقى": ق، وفي "وعى" ع، وفي "في" ف، ولذلك لو قال لك قائل: ما وزن ع من وعى؟ نقول: وزنها ع، ووزن ق ع ووزن ف ع، الميزان عبارة عن كلمات تقابل بميزان مكون من الفاء والعين واللام، ونقول وزن ضرب فعل، ووزن سمع فعل، ووزن يفرح يفعل، ووزن يضرب يفعل، إذن ق فعل أمر على وزن ع.
في هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء لقوله: "كان أكثر دعاء الرسول"، وفي كلام شيخ الإسلام رحمه الله في منسكه ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم يختم به الدعاء حيث علل، يكون الطائف يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود:"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة"، قال: لأن هذا هو ختام الشوط، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم دعاءه بـ"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، لكن لم أطلع حتى الآن على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يختم بذلك الدعاء، لكنه يكثر منه، ولهذا نحتاج إلى البحث عن هذه المسألة.
يقول: "ربنا آتنا في هذه الدنيا حسنة"، الدنيا هي هذه الدار التي نحن الآن نعيش فيها، والدنيا اسم تفضيل مذكره أدنى، كعليا مذكرها أعلى، قصوى مذكرها أقصى، إذن دنيا اسم تفضيل، فما معنى الدنو الذي هو اسم تفضيل؟ نقول: له معنيان: المعنى الأول التقدم؛ لأنها أدنى من الآخرة من حيث الزمن، المعنى الثاني من الدناءة؛ لقوله- تبارك وتعالى {وللآخرة خيرٌ لك من الأولى} [الضحى: 4]. ولقوله تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خيرٌ وأبقى} [الأعلى: 16 - 17]. فهذه الدنيا وصفت بهذا الوصف لهذين السببين؛ أولاً: لقربها، والثاني: لدنوها؛ أي: تنقصها، فهي ناقصة عن الدار الآخرة، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها"، وموضع السوط حوالي متر، "خير من الدنيا"، أي دنيا؟ الدنيا كلها من أولها إلى آخرها، وتشتمل على دنيا الملوك، ودنيا الأمراء، ودنيا الوزراء ودنيا المترفين، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، إذن الدنيا وصفت بذلك للوجهين المذكورين، "حسنة" كلمة مطلقة غير مبينة، ما هي حسنة الدنيا؟ المال الكثير، المراكب الفخمة، القصور المشيدة، البنون الكثر، الزوجات الحسان، كل شيء، ولهذا إذا وجدتم مثالاً على حسنة الدنيا فهذا على سبيل التمثيل، وليس على سبيل الحصر، كل ما يستحسن في الدنيا فهو داخل في قوله:"في الدنيا حسنة"، "في الآخرة" سميت آخرة؛ لأنها متأخرة الزمن؛ ولأنها آخر مرحلة للخلق ليس بعدها مرحلة، ولهذا يعبر الله عنها باليوم الآخر؛ لأنها آخر مرحلة.
وقوله: "في الآخرة حسنة" ما هي حسنة الآخرة؟ الجنة، وبدخول الجنة ينجو الإنسان من النار، قال الله تعالى:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26].
"وقنا عذا النار" هذا من باب التبسيط في الدعاء، وإلا فمن المعلوم أننا إذا فسرنا حسنة الآخرة بالجنة، فإن من كان من أهل الجنة فقد وقاه الله عذاب النار، وقد يقال: إن الإنسان قد يكون من أهل الجنة، ولكن يعذب في النار بقدر ذنوبه، فيكون قوله:"وقنا عذاب النار" دعاء مستقلا ليس من لوازم الحسنة في الآخرة، والمعنى: آتنا في الآخرة حسنة ليس فيها سيئة؛ ولهذا قال: "وقنا عذاب النار".
في هذا الحديث فوائد منها: أنه ينبغي الإكثار من هذا الدعاء تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.