الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الفقه:
1460 -
وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله خيراً؛ بفقهه في الدين» . متفق عليه.
"من" شرطية، فعل الشرط:"يرد" وهو مجزوم، لكن حُرك بالكسر لالتقاء الساكنين، وجواب الشرط:"يفقه في الدين"؛ يعني: إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين؛ أي: جعله فقيهاً في الدين؛ أي في أحكام الدين؛ وهذا يشمل أحكام الدين العقدية والفرعية التي هي القول والعمل، بل الفقه في الدين المتعلق بأعمال القلوب وأحوال القلوب هو الفقه الأكبر ولهذا سمي أهل العلم العلم بالتوحيد، والعقيدة: الفقه الأكبر؛ لأن الفقه الأصغر الذي هو المتعلق بأفعال المكلفين وسيلة للأكبر المتعلق بذات الله وصفاته؛ فلهذا كان الفقه الأكبر هو معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.
في هذا الحديث: إثبات الإرادة لله عز وجل لقوله: "من يرد الله خيراً" وأعلم أن الإرادة نوعان: - أعني: إرادة الله - إرادة شرعية، وإرادة كونية، فالإرادة الكونية هي التي بمعنى المشيئة؛ فقد أراد الله أي: شاء، والإرادة الشرعية هي التي بمعنى المحبة، أراد بمعنى: أحب، هذا الفرق بين حقيقتيهما، أما الفرق بينهما من حيث الحكم والأثر المترتب عليهما: أن الإرادة الكونية لابد من وجود المواد الذي أراده الله يتعين أن يقع ويتعلق فيما يحبه وما لا يحبه، يعني: لا يلزم ان يكون المراد محبوباً إلى الله لكن يلزم من هذه الإرادة الوقوع.
والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد، وتختص بما أحب، ولا علاقة لها بما كره، فقول الله تبارك وتعالى:{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]. هذه شرعية، {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن ليطهركم} [المائدة: 6]. شرعية، {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] كونية، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} [البقرة: 253]. كونية، إذن فهمتم الفرق.
فإذا قال قائل: هل الله يريد الشر؟
فالجواب أن نقول: أما شرعاً فلا، وأما كوناً فنعم. ولكن اعلم أن الشر الذي يريده الله كوناً هو شر إضافي. وليس شراً محضاً، شر إضافي باعتبار المراد، أما باعتبار إرادة الله له فليس بشر كالجدب والقحط والمرض والصوت والفقر وما أشبه ذلك، هذا شر لكن كون الله يريده خيراً، لا شك أن المطر خير، لكن قد يكون شراً إذا هدم البناء وأغرق صار شراً، لكن هو نسبي، وإلا فالأصل فيه أنه خير، لكن قد يقدر الله فيه هذا الشر لحكمة.
الفساد في الأرض شر هل يحيه الله؟ لا، وهل يريده كوناً؟
الجواب: نعم {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا} [الروم: 41]. ولهذا جاء في الحديث: «تؤمن بالقدر خيره وشره» ، وجاء في الحديث:«والشر ليس إليك» ، ولا تناقض بينهما؛ لأن الشر في القدر هو في المقدور فقط، أما في التقدير فلا؛ ولهذا بجب علينا ان نرضى بقضاء الله وإن كان المقضي شراً؛ وأما المقدور فعلى حسب الحال نرضى أن الله قدر المعاصي؛ لأنه رب يفعل ما يشاء، لكن لا نرضى بالمعاصي؛ ولهذا أعجبني كلما قالها شيخ الإسلام رحمه الله لما ذكر حكم السلف في أهل الكلام، ومن أشد من حكم فيهم الشافعي رحمه الله قال: حكمي في أهل الكلام - يعني: الأشعرية والمعتزلة والجهمية - أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام، عقوبة شديدة؛ يعني: يؤتى بأكبر عالم منهم طويل العمامة كبير الهامة ويطاف به في العشائر والأسواق ويُضرب بالجريد والنعال نكايه به، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة أقبل على علم الكلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهم مستحقون لما قاله الشافعي رحمه الله من وجه/ الوجه: مخالفتهم للشرع، فيستحقون التأديب حتى ينكل بهم، لكن من نظر إليهم بعين القدر رق عليهم ورحمهم، مساكين ضلوا، فيرق لهم ويرحمهم، لكن في دين الله لا يرحمهم، قال الله عز وجل:{الزانية والزانى فاجلدوا كل وحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} [النور: 2].
أما من نظر من ناحية القدر فقد يرأف بهم، يقول: مساكين غلبهم الشيطان ولعب بهم، اتبعوا الشهوات فيرق لهم، لكن، لا ترحم أحداً في دين الله رحمة الإنسان في دين الله أن تعاقبه على شريعة الله.
إذن نقول: الإرادة الكونية لابد فيها من وقوع المراد، وتتعلق فيما يحبه الله وما لا يحبه، انظر قول الله تعالي:{ولو شاء الله اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينت ولكن اختلفوا فمنهم من ءامن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولمن الله يفعل ما يريد} [البقرة: 253]. وهو عز وجل لا يريد القتال، لكن لابد أن يقع مراده - جل وعلا.
الإرادة الشرعية تتعلق بما أحبه، ولا يلزم منها وقوع المراد، فالله يريد منا أن نستقيم وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونطيعه في كل ما أمر يريد منا ذلك إرادة شرعية، لكن هل كل واحد منا فعل ذلك؟ الجواب: لا.
في هذا الحديث من الفوائد: إثبات الإرادة لله عز وجل وأنه يفعل ما يريد لقوله: "من يرد الله به خيراً يفقهه".
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان ينبغي له أن يتعرض للخير بالتفقه في دين الله؛ لأن كل إنسان يحب أن يريد الله به خيراً، فنقول: الوسيلة والطريق هو أن تتفقه في دين الله.
ومن فوائد الحديث: الحث على التفقه في الدين؛ لأنه وسيلة إلي هذا الخير الذي يريده الله عز وجل.
ومن فوائد الحديث: أن لإرادة الله تعالى علامات ظاهرة، فمن علامة الخير: أن يفقه في الدين.
ومن فوائد الحديث: أن الفقه في غير الدين لا يُحمد ولا يُذم، يعني: كالعلم بالصنائع وغيرها هذا لا يحمد ولا يذم، بل إن كان وسيلة لمحمود كان محموداً، وإن كان وسيلة لغير المحمود لم كن محموداً؛ ولهذا نقول: المفهوم في قوله: "في الدين" لا عموم له.
هل يؤخذ من الحديث: أن من لم يفقه الله في الدين لم يُرد به خيراً؟ هذا مفهوم الحديث، ولكن فيه تفصيل؛ أما الخير المطلق فلا شك أن من حرم الفقه ني الدين فإنه محروم منه، وأما بعض الخير فقد يكون من شخص لم يتفقه في الدين، هذا إن صح هذا التعبير، وإلا فلا أظن أحداً يفعل الخير في دين الله إلا وقد كان فيه فقيهاً؛ إذ لولا فقهه إياه ما عمل به، وعلى هذا فالخير المطلق إنما يكون لمن فقه في دين الله، والخير غير المطلق يكون لمن توسع ني الفقه ولم يقتصر فقهه في دين الله عز وجل.
ومن فوائد الحديث: البشارة العظيمة لمن رزقه الله الفقه في الدين وهي أن الله أراد به خيراً. فيكون هذا داخلاً في قوله تعالى: {لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفى الأخرة} [يونس: 64]. فإذا رأيت الله قد منَّ عليك بالفقه في دينه فاعلم أن الله أراد بك خيراً.
لكن قد يقول قائل: إننا نرى بعض العلماء عندهم علم بالفقه العقدي والعلمي ومع ذلك هم على جانب كبير من المعاصي والفسوق.
نقول: هؤلاء ليسوا فقهاء، بل هم قراء، وهناك فرق بين الفقيه والقارئ؛ ولهذا قال ابن مسعود: كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم، الفقيه في الدين هو الذي يعلم الأحكام وأسرار الشريعة وحكمها، ويعبد الله عز وجل بمقتضاها، وإلا فليس بفقيه.
****