الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نجاسة ظن قال: أحتاط وأغسله فرشش الماء، وظل هكذا حتى يغسل الثوب كله من أجل هذا؛ لأنه شدد على نفسه، فإذا شدد على نفسه شدد الله عليه، وهكذا أيضاً في طريق الموسوسين أشياء غريبة لكن لو أن الإنسان قطع هذا الأمر وأخذ بالأيسر سهل الله عليه، فهذا الحديث أصل في أن الإنسان لا ينبغي أن يشدد على نفسه ولا يسأل عن فعل غيره ما دام الفعل قد وقع من أهله فهو سليم صحيح.
النهي عن الحذف:
1286 -
وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وقال: إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين» متفق عليه، واللفظ لمسلم.
«نهى» ، النهي معناه: طلب الكف عن العمل على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة وهي المضارع المقرون ب «لا» الناهية، فقولنا:«طلب الكف» خرج به الأمر، لأن الأمر طلب الفعل، وقولنا:«على وجه الاستعلاء» خرج به الالتماس والدعاء، وقولنا:«بصيغة مخصوصة» خرج بذلك ما كان بمعنى النهي من ألفاظ الأمر مثل دع واترك واجتنب، هذا بمعنى النهي، ولكنه ليس نهيا بل هو أمر.
وقوله: «نهى عن الخذف» «الخذف» هو الرمي بحجر صغير يوضع بين السبابة والوسطى ثم هكذا يدفع، ويطلق أيضا على المقلاع، وهو عبارة عن حبل ممدود تمسك طرفاه بواسطة شيء مثل القبة توضع فيه الحجر ثم يديره الإنسان بقوة ويطلق أحد الطرفين فتنطلق الحصاة بسرعة، هذا أيضا من الخذف فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك ما سنذكره في الفوائد، وعلل النهي بقوله:«إنها لا تصيد صيداً» وهذا هو الشاهد من الحديث، يعني: لو أصابت الصيد فقتلته فإنه لا يحل؛ لأنها إنما تقتله بالثقل، «ولا تنكأ عدوا» أي: لا تدفع العدو، فإن العدو لا يرمي بمثل هذا، إذ إن هذا لا يفيد شيئاً «ولكنها تكسر السن» إذا أصابته «وتفقأ العين» إذا أصابتها، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه لا خير فيها، وأنها تجلب سوءا، وإذا كان كذلك فإن أحد الأمرين موجب للنهي عنها وهي أنها لا تنكأ عدوا ولا تصيد صيداً فتكون لغوا لا فائدة منها، وإذا كانت تفقأ العين وتكسر السن صار فيها مضرة.
ففي هذا الحديث فوائد: أولاً: النهي عن الحذف، وهل هو للتحريم أو للكراهة؟ الأظهر أنه للكراهة ما لم يتحقق الضرر الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهي أنها تفقأ العين وتكسر السن، وذلك بأن
يكون أمامنا ناس نخشى أن يصيبهم هذا الحجر الصغير فيفقأ العين وبكسر السن، ويقاس على الخذف ما يعرف عندنا الآن بالنباطة هذا أيضاً من جنسه؛ لأنه لا يصيد الصيد ولا ينكأ العدو.
ومن فوائد الحديث: أن من أصيب بحصى الخذف فإنه لا يحل لقوله: «لا تصيد صيداً» لكن لو أدركه حياً فذكاه فإنه يحل؛ لأن هذا يشبه الموقوذة التي قال الله تعالى فيها: {إل ما ذكيتم} [المائدة: 3] فإّا أردك الصيد وذبحه وخرج منه الدم الحار الأحمر فهي حلال سواء تحركت أم لم تتحرك؛ فمثلاً: إذا أصاب صيدا بحصى الخذف ثم سقط وأدركه قبل أن يموت وذبحه وسال منه الدم الأحمر الحار فهو حلال، لأنه أنهر الدم، ولا فرق بين أن يتحرك أو لا يتحرك، وقيل: إنه لابد أن يتحرك؛ لأن كون يذكى ولا يتحرك يدل على أنه انهارت قواه وخرجت روحه، ولكن الصحيح الأول.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث إنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة، وهذا فرد من آلات الأفراد من قوله تعالى:{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} [النساء: 113].
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي أن نقابل أعداءنا بسلاح لا ينفع فإن هذا من التهور الذي يكون سببا للتدهور، بل نقابله بمثل سلاحه أو أعظم لقوله الله تعالى:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60] ومن هنا نعرف أن ما يفعله بعض الناس في المدن الإسلامية وغير الإسلامية من الفئات القليلة التي لا تملك من السلاح ما تملكه حكوماتهم ثم يخرجون على الحكومة نرى أن هؤلاء مخطئون بكل حال، حتى لو فرض أن الحكومة كافرة مائة في المائة فإنه لا يجوز الخروج عليها في مثل ذلك، لأن هذا سوف يكون إساءة إلى الإسلام وانتصاراً لهذه الطائفة الكافرة إذا قدر أن الحكومة كافرة، وجه ذلك: أنهم سيغلبون والعلم عند الله إذا غلبوا حينئذ قدر على البقية من المسلمين وانتصرت هذه الدولة التي يعتقد هؤلاء أنها كافرة، وهذا أمر ظاهرة حتى من الناحية العقلية، أما من الناحية الشرعية فانظر إلى حكمة أحكم الحاكمين حيث لم يأمر ولم يأذن للمسلمين في مكة أن يجاهدوا أو يقاتلوا لم يأذن لهم إلا بعد أن انتقلوا إلى المدينة وصار لهم دولة، والإنسان يجب عليه أن يتأمل قبل أن يقدم ما هي