الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر سواء الولى في الدولة أو من دونه، أن يبين له الأمر على ما كان عليه، قد يقول: إذا بينت له الأمر على ما كان عليه ضاق صدره، ونحن لا نحب أن نضيق صدره، نريد أن يبقى مسرورا منشرح الصدر، نقول: نعم، هو يضيق صدره الآن لكن يسعى للحلول كيف يتخلص من هذا؟ إما أن يبدي له الأمور على أنها أكمل شيء وهي بالعكس فسيبقى الشر والفساد على ما كان عليه فلابد من أن يبين لولاة الأمور الأمر على ما كان عليه.
كذلك الأمر في المدارس سأله المدير قال ما تقول في أجوبة الطلبة؟ قال: ما شاء الله ما بين ممتاز وجيد جدا، وأجوبتهم في الحقيقة أعلاهم من أتى بلقب مقبول، لكن يريد أن يدخل السرور على المدير، نقول: هذا حرام عليك، الواجب أن تخبره بالواقع، وإذا كان أعلاهم من أتى بلقب مقبول فماذا يكون أدناهم؟ ! فيجب أن تبلغ حتى تحل المشكلة.
اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:
1357 -
وعن جابر رضي الله عنه: «أن رجلين اختصما في ناقة، فقال كل واحد منهما: نتجت عندي، وأقاما بينة، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هي في يده» .
قوله: "أن رجلين" لم يبنيا هذان الرجلان، ولا يهمنا أن يبين صاحب القصة أو لا يبين إذا لم يكن في تبيينه ضرورة، وعلى هذا فلا يعد هذا من الجهل المذموم؛ لأن الذي يهمنا هو القصة، وقوله:"اختصما في ناقة فقال كل واحد منهما نتجت"، يقال: إن نتج يكون دائما مبنيا للجهول، وقد ألف في هذا رسائل مثل:"إتحاف الفاضل في الفعل المبني لغير الفاعل"، وهو كتيب صغير لكنه جيد في موضوعه، يذكر كل فعل في اللغة العربية لا يبنى للفاعل، وإنما يبنى لما لم يسم فاعله، ومعنى "نتجت" أي: ولدت عنده.
"وأقاما بينة" كل واحد منهما أقام بينة، ومن المعلوم أن هاتين البينتين متناقضتان، هذه تشهد بأنها ولدت عند زيد والأخرى تشهد بأنها ولدت عند عمرو، ولا يمكن أن تولد ناقة واحدة من بطنين مختلفين، فلابد أن إحدى البيتين غير صحيحة، المهم: أن كل واحد أقام بينة.
"فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هي في بيده"، إذن الناقة الآن في يد واحد، أيهما المدعي وأيهما المدعى عليه؟ المدعى عليه الذي هي في يده، فلدينا الآن مدع ومدعى عليه، كما منهما أقام بينة، ونحن لو وقعت عندنا هذه الخصومة لمكان القاضي أول ما يطلب أن يقول للمدعي: ألك بينة؟ إذا أتى ببينة ولم يكن للثاني بينة حكم له وانتهى الموضوع، وإذا قال: ليس عندي
بينة وأطلب يمينا فحلف من هي في يده أيضا انتهت الخصومة، لكن الآن لدينا مدع أقام بينة ومدعى عليه أقام بينة، اليمين هنا لا محل لها؛ لأن لدينا بيتين لكل واحد منهما بينة، فلمن نحكم في هذه الحال؟
الحديث صريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بها لمن هي في يده، وجه القضاء بذلك: أن الذي في يده لديه بينة معارضة ببينة المدعي، لكن جانبه ترجح بكون المدعي به في يده فترجح جانبه الآن؛ لأننا نقول البينتان تعارضتا فتساقطتا فيرجح جانب المدعى عليه لأنها في يده، ثم هل يحتاج إلى اليمين؟ من أهل العلم من قال: إنه يحتاج إلى اليمين؛ لأن البينتين لما تساقطنا صارت القضية كأنه ليس فيها بينة لا للمدعي ولا للمدعى عليه، وفي مثل هذه الحال يكون على المدعى عليه اليمين، أنتم تعلمون الآن لو أن زيدا ادعى على عمرو بمائة وليس له بينة فإننا نقول لعمرو: احلف، فالآن تساقطت البينتان، فلابد من أن يحلف المدعى عليه، وقال بعض أهل العلم: لا حاجة لليمن؛ لأن لديه بينة، ولا يمين مع البينة، وهذه البينة إنما رجحناها لكون المدعى به في يده وحينئذ لا حاجة إلى اليمين.
إذا هذا هو ظاهر الحديث، فالآن تحكم بها لمن هي في يده وهو المدعى عليه بيمين أو غير يمين؟ على قولين، وظاهر الحديث أنه لا يمين عليه وهو الأقرب، وهذا هو القول الراجح، وذلك أنه يقضي بها للداخل وهو الذي هي بيده.
القول الثاني خلاف هذا الحكم أنه يحكم بها للمدعي ويسمى الخارج، قالوا: لأن الداخل ليس مطالبا ببينة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعي» ، وهذا أتى ببينة فيحكم له بها، أما ذاك فليس في جانبه إلا اليمين، ولسنا بحاجة إلى اليمين، لأن لدينا بينة للمدعي، فصار أصل المسألة فيها قولان: هل هي للمدعي عليه؟ المدعي يسمى عندهم "الخارج"، والمدعى عليه يسمى "الداخل"، فهل هي للخارج ببينته وتلغى بينة الداخل أو هي للداخل؟ فيها قولان على القول بأنها للداخل وهو الراجح، هل يحتاج إلى اليمين أو لا يحتاج؟ في ذلك قولان أيضا هذه هي المسألة والقول بأنها للخارج غريب؛ لأن أقل ما نقول من حيث النظر: تعارضت البينتان فتساقطتا، فبقي هذا المدعى عليه الذي هي في يده بقي راجحا جانبه بكون المدعى به في يده، لكن هل يحتاج إلى اليمين أو لا؟ ترى في هذه المسألة أنه يقضى بها لمن هي في يده وهو الداخل، وأما إلزامه باليمين أو عدمه فهذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم، قد يرى الحاكم من المصلحة أن يحلفه، وهل يستحلف؟ نعم، لأنه جازم بأنها ناقته فيحلف، وهل سيحلف؟ نعم، لأنه جازم بانها ناقته فيحلف، ولا ضرر على الإنسان أن يحلف إذا كان صادقا.