الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجل الذي أهدى لكم ورك أرنب أنه يحتقرك لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أهدي إلي كراع أو ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم غاية المتواضعين.
ومن فوائد الحديث: جواز الإهداء إلى الفقراء، ولا يقال: يخشى أن يكون المهدي ممن من ليستكثر، والله تعالى قال لرسوله:{ولا تمنن تستكثر} [المدثر: 6]. يعني: لا تمن على أحد ليعطيك أكثر مما مننت به، لكن الإنسان هو ونيته وإذا أهديت إلى الأكابر كالملوك والرؤساء والوزراء والأمراء والعلماء حتى وإن ظننت أنهم سيردون هديتك بأكثر ما دمت لست مستشرفًا فلا بأس بذلك.
ومن فوائد الحديث: ما ساق المؤلف الحديث من أجله وهو الأرنب، أرأيتم لو لم يأت نص بحلها فما هو حكمها؟ حلال على الأصل.
حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:
1273 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد. رواه أحمد، وأبو داود، وصححه ابن حبان. "نهى عن قتل أربع". والنهي عن قتل أربع لا يعني أن النهي مقصور عليها، بل قد يكون هناك أشياء منهي عنها كما يوجد هذا في كثير من السنة مثل:"سبعة يظلهم الله في ظله"، وقد وردت أحاديث صحيحة أن الله يظل غيرهم، "ثلاثة لا يكلمهم الله"، وقد ورد غيرهم.
فالحاصل: أن مثل هذا الحصر يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم لمناسبة المقام، ولا يعني ذلك أن الحصر ينفي ما سواه؛ ولهذا قال الأصوليون: إن أضعف المفاهيم مفهوم العدد، حتى إن بعضهم قال: إنه لا مفهوم للعدد إطلاقًا، فإذا قال مثلاً:"ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا" لا نقول: إن هذا حصر، قد يكون هناك أشياء أخرى من النفاق إلا إذا وجد قرينة تدل على الحصر فإن العدد يكون دالاً على الحصر، مثاله: حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ قال: "أربع وأشار بأصابعه"، فهذا يدل على الحصر؛ لأن السؤال يقتضي ذلك، والجواب مركب على السؤال، أما إذا جاء عدد بدون قرينة تدل على الحصر فإنه لا يستلزم الحصر. إذن نهى عن قتل أربع من الدواب، وهل النهي هنا للكراهية أو التحريم؟ الأصل للتحريم، وقال بعض العلماء: إنه للكراهية، لكن ما جوابنا يوم القيامة إذا قتلنا هذه الأربع من الدواب،
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك؟ نقول: ينهى عن هذا نهي تحريم، وما هو النهي؟ النهي في تعريفه عند البلاغيين والأصوليين هو طالب الكف على وجه الاستعلاء أي: أن الطالب يشعر بأنه عال على المطلوب لأنه لو نهى وهو يعتقد أنه دون المطلوب لكان هذا من باب الدعاء، ولو نهى وهو يعتقد أنه مثله لكان هذا من باب الالتماس، لكن لابد أن يشعر الناهي بأنه أعلى حتى يتوجه الأمر بالكف. يقول:"نهى عن قتل أربع من الدواب": "النملة" معروفة، وظاهر الحديث أنه يشمل الصغار منها والكبار، فالذر من النمل، ما هو أكبر هو أيضًا من النمل، نهى عن قتله احترامًا لها أو استقباحًا لها؟ الأول، احترامًا لها، وذلك جزاء لما قامت به حين مر سليمان بقرية النمل:{قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهو لا يشعرون} [النمل: 18]. تضمنت هذه الجملة إرشادًا وتوجيهًا وتعليلاً للحكم واعتذارًا مما يقع وهي نملة كلام بليغ أولاً: {يأيها النمل} دعتهم بنداء حتى ينتبهوا لما تقول، {ادخلوا مساكنكم} هذا إرشاد وتوجيه أن يدخلوا الملاجئ؛ لأن الناس عندما تقوم الحرب لابد أن يدخلوا الملاجئ إذا لم يكن عندهم ما يقاوموا به، العلة:{لا يحطمنكم سليمان وجنوده} ، معلوم إذا مرت الخيول والإبل على النمل ستحطمهم، ثم قالت:{لا يحطمنكم} ولم تقل: لا يطأنكم، ليكون هذا أبلغ في التنفير، {وهم لا يشعرون} هذا اعتذار، هذه النملة صارت بركة على النمل، أكرم النمل من أجلها، فنهى عن قتلها، فلا تقتل النملة لا في حرم ولا في حل ولا في إحرام ولا في إحلال.
الثاني: "النحلة" نهى عن قتلها؛ لأن قتلها إضاعة مال وحرمان خير كثير، غذ أن النحلة يكون منها العسل الذي فيه شفاء للناس، فإذا قتلت واحدة ثم الثانية ثم الثالثة وهكذا فإن ذلك سبب لضياع ما ينتج منها من هذا العسل المبارك.
"الهدهد" معروف، هذا الهدهد نهى عن قتله احترامًا له؛ وذلك لقصته مع سليمان فإن سليمان حشر له جنوده من الجن والإنس والطير لأنه -علية الصلاة والسلام- كان ملكًا، وكان منظمًا لملكه، تفقد الطير ففقد الهدهد، ومع ذلك لم يحكم عليه بأنه غائب قال:{ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} [النمل: 20] يعني: بل أكان من الغائبين، وهذا واقع، أنت إذا تفقدت جنودك أو أولادك ولم تقع عينك على أحد منهم لا تحكم بأنه غائب ربما أن بصرك صرف عنه، ثم توعده قال:{لعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه} [النمل: 21]. إعدام بالكلية، {أو ليأتيني بسلطان مبين} [النمل: 21]. يعني: إما عذاب، وهذا العذاب حد أو تعزير؟ تعزير، {أو لأذبحنه} إعدام، {أو ليأتيني بسلطان مبين} ، يعني: بحجة قوية تكون عذرًا له؛ {فمكث غير بعيد} [النمل: 22]. فقال الهدهد حين جاء بخبر لا يحيط به سليمان قال
كلمة الطير الواثق بنفسه: {فقال أحطت بما لم تحط به} ، يعني: نتعجب كيف يقول الهدهد لسليمان هذا الكلام، فجعل نفسه في هذه القضية أعلى من سليمان، {فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين} [النمل: 22]. ليس فيه شك {إني وجدت امرأة تملكهم
…
الخ القصة} [النمل: 23]. فمن أجل أنه كان سببًا في إسلام أمة كان بركة على جنسه من الطيور وهو الهدهد، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله. بقينا في الرابع وهو:"الصرد" وهو طائر معروف، ويمكن أن ترجعوا إلى المنجد المصور حتى تعرفوه بصورته، وهو طائر أكبر من العصفور قليلاً له منقار أحمر، لكن أهل الطيور اختلفوا عندي فيه، ولكن نرجع إلى كتب اللغة، هذا الأخير المجهول الحال هو مجهول العلة أيضاً لا ندري ما السبب، وليس لنا إلا أن نقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله وكفى، هذه أربع من الدواب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، والنهي عن قتلها يتضمن النهي عن أكلها؛ لأنها لم تؤكل إلا بعد أن تذبح أو تقتل فيكون النهي عن القتل مستلزمًا للنهي عن الأكل، والنتيجة أنها تكون حرامًا، ولهذا يمكن أن نكون قاعدة فنقول: كل ما أمر الشرع بقتله فهو حرام، وكل ما نهى عن قتله فهو حرام، ووجه ذلك أنه أمر بقتل الفواسق مثل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب والعقور أمر بقتلها لفسقها وإذا كانت فاسقة فإنه ربما يتأثر المتغذي بها ويأخذ من فسقها وعدوانها، أما ما نهى عن قتله فظاهر أنه حرام؛ لأنه لا يمكن أكله إلا بقتله فلهذا نأخذ قاعدتين:
الأولى: كل ما أمر الشارع بقتله من الحيوان فهو حرام، وكل ما نهى عن قتله فهو حرام، وحينئذ أيضًا نرجع إلى مسألة جواز قتل الحيوانات هل يجوز أن نقتل الحيوانات كلها أو لا؟ نقول: أما ما كان مباحًا فقتلها حرام؛ لأنني لم اقل: تذكيته، يعني: لو خنقت شاة هذا قتل فهو حرام؛ إذن ما أحله الله فهو حلال بتذكيته، وما أمر بقتله من المحرمات فقتله مشروع إما وجوبًا أو استحبابًا، وما نهى عن قتله من المحرمات فقتله حرام أو مكروه على حسب اختلاف العلماء في هذا، وما سكت عنه ما هو الأصل؟ الحل، معناه: أن كل الصوارير التي عندك في البيت اقتلها وكل الضباب اقتلها، يعني: الذي لا يخوف الصبيان ولا يوقظ من النوم ولا يفسد الطعام ولا يفسد البيت، فقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز قتله، وإن كان مما سكت عنه؛ لأن الله تعالى يقول:{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]. ويقول: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44]. وأنت الآن قطعت رزقها وقطعت تسبيحها لله عز وجل فلا يحل ذلك، وقال بعض أهل العلم: بل يكره ولا يحرم؛ لأن الإنسان إذا قتل هذه الحشرات تعودت نفسه على انتهاك ذوات الرواح وصار فيه شيء من العدوان، وهذا أقل أحواله أن يكون مكروهًا؛ وهناك قول ثالث، وهو: أنه حلال؛ لأنه مما سكت عنه، وقد قال الله تعالى:{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة: 29]. وأقرب الأقوال عندي أنه مكروه إلا لسبب إذا كان هناك سبب فلا بأس.