الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - باب الصيد والذبائح
"الصيد" يطلق على معنيين: المعنى الأول: فعل، فيقال: صاد يصيد صيدًا، والثاني: على المصيد فيكون من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول وإطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول كثير في اللغة العربية، ومنه: فراش بمعنى مفروش، وغراس بمعنى مغروس، وخلق بمعنى مخلوق، ومنه حمل البطن بمعنى محمول، ومنه:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" بمعنى: مردود، على كل حال: هذا موجود في اللغة العربية كثيرًا. إذن "صيد" بمعنى: مصيد، فصارت تعلق على معنيين: الأول: فعل الصائد، والثاني: المصيد، وهي على هذا الوزن مصدر أريد به اسم المفعول وهو اقتناص حيوان متوحش هذا الصيد. وأما الذبائح فهو جمع ذبيحة كصحائف جمع صحيفة، وفعيلة أي: ذبيحة بمعنى مفعولة كجريح بمعنى مجروح، والذبح: انهار دم الحيوان المقدور عليه بأي وسيلة كانت، لكن لابد من شروط تذكر -إن شاء الله-، ما هو الأصل في الصيد بمعنى: الصيد؟ الحل بناء على القواعد السابقة.
اقتناء الكلب:
1281 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اتخذ كلبًا، إلا كلب ماشية، أو صيد أو زرع، انتقص من أجره كل يوم قيراط". متفق عليه.
صدر المؤلف هذا الباب بهذا الحديث؛ لأن الكلاب من جملة ما يصطاد به فلهذا كان ينبغي لنا أن نعرف الآلة التي يصاد بها وحكمها قبل أن نعرف حكم الصيد وما يشترط له قوله: "من اتخذ"، وجاء بلفظ:"من اقتني"، ومعناها واحد، وقوله:"كلبًا" نكرة في سياق الشرط فيعم كل كلب سواء كان أصفر أو أحمر أو ابيض، كل كلب، "إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص
…
الخ". "قيراط" فاعل "انتقص". ففي هذا الحديث: حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ الكلاب واقتنائها إلا عند الحاجة، ووجه التحذير: أنه بين أن المتخذ ينقص كل يوم من أجره قيراط، والقيراط قيل المراد به: الجزء بدون تحديد، وعلمه عند الله ورسوله، وقيل المراد بالقيراط: ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيمن صلى على الجنازة وشهدها حتى يصلى عليها فله، قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين أصغرهما مثل أحد، فحمل بعض العلماء هذا الحديث على الحديث الذي سقناه في الصلاة على الجنائز وقال: كل يوم يهدم من أجره قدر قيراط.
وبناء على هذا التقرير يكون اقتناء الكلاب محرمًا لفوات الأجر به، وأنكر بعض العلماء أن يحمل على ذلك، وقال: لا يمكن أن نحمله على حديث شهود الجنازة؛ لأن حديث شهود الجنازة في فضل على عمل صالح، وهذه عقوبة على عمل غير صالح، ولا يمكن أن يساوي فضل الله بعقوبته؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه. وبناء على هذا يقول هذا القائل: أما القيراطان فيمن شهد الجنازة حتى يصلى عليها وتدفن فقد بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما القيراطان هنا فإنه لم يبينهما، وعلى هذا فنقول: هما أو هو إن كان قيراطًا هو جزء من الأجر معلوم عند الله ورسوله؛ لأننا لا نعلم بذلك، وهذا أسلم، ولكن هل يدل على التحريم؟ سيأتي الكلام إن شاء الله.
في هذا الحديث من الفوائد: تحريم اتخاذ الكلاب إلا ما استثنى وجه التحريم: أن اقتناءها ينقص من أجر الإنسان، والعقوبة قد تكون بحصول مطلوب، وقد تكون بفوات محبوب، وهذا الحديث من أي النوعين؟ من النوع الثاني من فوات المحبوب، لهذا كان القول الراجح أن اقتناء الكلاب حرام.
ومن فوائده: أنه يبين لنا مدى سفه أولئك القوم الذين يقتنون الكلاب من الكفار ومقلدو الكفار، فإن اقتناءهم إياها سفه في العقل وضلال في الدين؛ والعجب أنهم يختارون لها أطيب اللحوم فيعطون الكلب أطيب اللحم، وصاحب الكلب يأكل [الرديء] والكلب يعطى أطيب اللحم، وسمعنا أنهم في كل صباح يغسلونه بالصابون والشامبو، وإذا كان مقر الشياطين هو محل قضاء الحاجة؛ لأنه خبيث، ولأنها خبيثة تأوي إلى الخبيث، هؤلاء أيضًا خبثاء نجس:{إنما المشركون نجس} [التوبة: 28]. ولهذا ألقوا الخبائث.
ومن فوائد الحديث: جواز اقتناء الكلاب لهذه الأغراض الثلاثة: الماشية وهي ما يتخذ من بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، وإن كان الأكثر اتخاذ الكلاب للماشي؛ لأن الإبل كبيرة وكذلك البقر فتحمي نفسها من الذئاب، ولا يتخذ أهل الماشية الكلاب إلا للغنم لتحميها؛ لأن الكلب وفيَ على أنه كلب فهو وفيَ يطرد الذئاب عن الغنم.
والثاني: كلب الصيد، أما الأول الذي اتخذه للماشية فاتخذه حماية عن الضرر، وأما صاحب الصيد فاتخذ الصيد لكمال التنعم أو للراحة إلى الصيد ينتفع بثمنه.
أما الثالث: كالزرع كلب الزرع حماية لزرعه من السراق وغيره، بل إنه يحمي الزرع من أن يدخل إليها الهوام، إذا دخل بعير أو حمار يأكل الزرع فإن الكلب ينبحه حتى يخرج.