الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن المراد بهذه الآية مطلق الإيمان لا نتفى الإيمان عن كثير من الناس اليوم من الذين إذا ذكر الله توجل قلوبهم؟ قليل، قليل، قليل؛ وإذا تليت عليهم آياته زادهم إيمانًا هذه أيضًا قليل لكن المراد هنا المؤمنون الكمل الذين كمل إيمانهم، أما قوله تعالى:{فتحرير رقبة مؤمنة} ، فالمراد: مطلق الإيمان؛ ولهذا يصح أن يعتق الإنسان عبدًا فاسقًا ليس بكافر؛ إذن نفي الإيمان هنا الإيمان المطلق يعني الكامل.
أعظم الذنوب عند الله:
1400 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك» . متفق عليه.
ابن مسعود رضي الله عنه من طلبة العلم حقيقة يماثله أو يزيد عليه، أو هريرة رضي الله عنه من أكثر الصحابة سؤالاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما سأله، أي: سأل أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أسعد الناس بشفاعتك؟
قال: «لقد ظننت ألا يسألني أحد غيرك - أو كلمة نحوها - لما أرى من حبك للعلم» .
ابن مسعود سأل مرة: "أي الذنب أعظم"، ومرة سأله:"أي العمل أحب إلى الله"، والصحابة يسألون عن ذلك لا لأجل أن يعرفوا أن هذا أحب إلى الله وهذا أعظم، لا، ولكن من أجل أن يجتنبوه إن كان ذنبًا، وأن يفعلوه إن كان طاعة، قال:"أن تجعل لله ندًا وهو خلقك"، هذا أعظم الذنوب وأشد الجنايات الذي خلقك أوجدك وأمدك وأعدك ورزقك في بطن أمك وهيأ لك الأبوين، ويسر لك الأمور، وأخرجك من بطن أمك لا تعلم شيئًا، وجعل لك السمع والأبصار والأفئدة ومع ذلك تجعل له ندًا؛ أي: نظيرًا ومشابهًا، هذا أعظم الذنب، الذين يعبدون اللات والعزى ومناة من هذا النوع؛ لأنهم جعلوا الله ندًا، الذين يقولون: إن أولياءهم يديرون الكون من هذا النوع، الأولون أشركوا بالألوهية وهؤلاء أشركوا بالربوبية، الذين يقولون: إن وجه الله ويدي الله كوجوهنا وأيدينا من هذا النوع، "أن تجعل لله ندًا"؛ أي: نظيرًا ومشابهًا، "وهو خلقك" يعني: ولم يخلقك غيره، فإذا لم يشركه أحد في خلقك فلا تجعل له شريكًا.
الثاني قال: "ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك" الصغير أو الكبير الذكر أو الأنثى كلاهما، وهل الولد يشمل الأنثى؟ نعم، الدليل قوله تعالى:{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11]. وقوله: "حشية" أي: مخافة أن يأكل معك؛ إذن قتله لا كراهة له، لكن خاف أن يضيق رزقه عليه به.
قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك"، من حلية الجار؟ زوجته أو سريته، لكن الغالب أنها تطلق على الزوجة كما قال تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء: 23]. "حلائلهم" يعني: زوجاتهم، يقول: "أن تزاني بحليلة جارك" قد يتوقع الإنسان أن يقول لفظًا آخر وهو: "أن تزني"، فلماذا قال: "تزاني"؟ لأن "تزاني" فيه نوع معالجة، وهذه المعالجة يحتمل أن تكون معالجة على الفعل أو معالجة على الترك، أما المعالجة على الفعل فيعني أن الحليلة توافق على هذا وتنقاد، وأما المعالجة على الترك فيعني: أن الحليلة - حليلة الجار - تأبى، ولكن يكرهها أو يخدعها أو غير ذلك، وعلى كل حال فالمفاعلة تدل على اشتراك اثنين فأكثر فيها، والجار: ما عده الناس جارًا.
في هذا الحديث فوائد: أولاً: حرص الصحابة رضي الله عنه على السؤال من أجل أن يقوموا بما يلزم، ليس من أجل أن يفهموا أن هذا حلال وهذا حرام، بل ليعملوا بما هو واجب ويدعوا ما هو محرم.
ومن فوائد الحديث: حرص ابن مسعود رضي الله عنه على معرفة أكمل الأعمال وأكمل الآثام، ففي أكل الأعمال قال:"أي الأعمال أحب إلى الله"، وفي أكمل الآثام قال:"أي الذنب أعظم".
ومن فوائد الحديث: أن الذنوب تتفاوت في العظم كما أن الأعمال الصالحة تتفاوت أيضًا في الفضل، يلزم من ذلك تفاوت العمال، فإذا تفاوت العمل لزم أن يتفاوت أيضًا في الفضل، يلزم من ذلك تفاوت العمال، فإذا تفاوت العمل لزم أن يتفاوت العامل، وعلى هذا فيمكن أن يكون في الإنسان خصال كبيرة من الذنوب وخصال صغيرة من الذنوب.
ومن فوائد الحديث: أن الشرك أعظم الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» .
ومن فوائد الحديث: سفاهة أولئك القوم الذين أشركوا بالله في عبادته؛ حيث أشركوا به في عبادته ولم يشركوا به في خلقه، ولهذا قال:"وهو خلقك"، المشركون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سئلوا من خلقهم قالوا: الله، {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87]. قال الله تعالى: {فأنى يؤفكون} أي: كيف يصرفون عن الحق وهم مقرون بما يقتضيه؟ !
ومن فوائد الحديث: أن الخالق هو الله وحده، فعلى الإنسان أن يتذكر من أوجده من العدم؟
الجواب: الله عز وجل لا الأبوان ولا غيرهما، لكن الأبوان سبب لاشك، وأما الذي خلقك فهو الله عز وجل، وقد أشار الله عز وجل إلى ذلك في قوله:{لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إنثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: 49، 50]. فالأقسام أربعة، كل هذا يعود إلى الله عز وجل، لا الأب يستطيع أن يجعل الجنين ذكرًا ولا الأم تستطيع أن تجعله أنثى.
ومن فوائد الحديث: عظم قتل الولد سواء كان ذكرًا أو أنثى؛ لأنه يلي الشرك بالله عز وجل.
ومن فوائد الحديث: أن من قتل ولده لا لخوف أن يأكل معه فذنبه أهون، أو يقال: إن هذا القيد بناء على الغالب أن الذين يقتلون أولادهم في الجاهلية منهم من يقتل ابنته يئدها خوفًا من العار، ومنهم من يقتل الأولاد الذكور والإناث خوفًا من الإملاق، قال الله تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} [الإسراء: 31]. إذن فيكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خشية أن يأكل معه» قيدًا أغلبيًا، والقيد الأغلبي ليس له مفهوم.
إذن نقول: إن قتل الولد من أعظم الذنوب، وهو يلي الشرك بالله عز وجل، سواء قتله خوفًا أن يأكل معه أو لعداوة بينه وبينه أو لغير ذلك؛ لأنه في الواقع جمع بين العدوان بالقتل والعدوان بالقطيعة.
الآن نسأل في القرآن الكريم يقول الله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم} [الأنعام: 151]. والآية الأخرى {خشية إملاقٍ نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 33]. فهل هذا يدل على أن قتلهم يكون إما من الفقر وإما من توقع الفقر؟ نعم، الآية التي تدل على المعنى الأول، قوله:{من إملاقٍ} ، ولهذا قدم رزق القاتلين على رزق المقتولين، فقال:{من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم} ، وفي الآية الثانية قال:{خشية إملاقٍ} يعني: خشية الفقر المتوقع، فقدم رزق المقتولين على رزق القاتلين؛ لأن القاتلين لم يكونوا فقراء، لكن يخشون الفقر، فقال:{نحن نرزقهم وإياكم} .
ومن فوائد الحديث: أن الزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا بالأجنبية؛ لأنه جعله صلى الله عليه وسلم بعد قتل الولد خشية الفقر، وجه ذلك: أن الجار في الحقيقة يرى أنه لائذ بجاره، وأن جاره سوف يدافع عن عرضه، فإذا خانه في موضع الائتمان كان أشد وأعظم، ولكن هل إذا ثبت الزنا بحليلة الجار هل يكون حده مخالفًا لحد الزنا بالأجنبية البعيدة أم لا؟ الجواب: لا.
لكن لو زنى أحد بذات محرم منه، يعني: بامرأة يحرم عليه أن يتزوجها، فهل يحد كحد الزنا بالمرأة الأجنبية أو يختلف؟ هذه المسألة فيها خلاف؛ من العلماء من يقول: إن الزنا بذات المحارم كالزنا بغيرهن؛ يعني: البكر يجلد مائة جلدة ويغرب سنة، والثيب يرجم، ولكن القول الراجح: أن الزاني بذات محرم يجب أن يرجم ولو كان غير ثيب، أولا: ما هو الدليل في ذلك؟ حديثه أخرجه أهل السنن وهو صحيح، والثاني: التعليل؛ لأن فرج ذات المحرم لا يحل بأي حال، وفرج غير المحرم يحل بالعقد الصحيح، قالوا: فلما كان فرجًا لا يحل بحال صار كدبر الذكر؛ أي: كاللواط، واللائط يجب أن يقتل بكل حال، فصار هذا الحكم - أعني: وجوب قتل من زنى بذات المحرم - مؤيدًا بالدليل السمعي والنظري.