الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه التعبد كهيئة المشي هيئة اللباس وغير ذلك، أو يقال: إن التشبه بهم في اللباس أنه يلبس الإنسان ما اعتاده أهل بلده ما لم يكن محرماً؟ الجواب الثاني، ولهذا نقول: إن إتباع العادة في اللباس هو السنة ما لم يكن ذلك حراماً. ومن فوائد الحديث: التحذير من التشبه بالكفار لقوله: «فهو منهم» وهل هذا على سبيل الكراهة أو على سبيل التحريم؟ الصواب: أنه على سبيل التحريم وأنه يحرم على الإنسان أن يتشبه بالكفار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهراً يقتضي كفر المتشبه بهم. ومن فوائد الحديث: أنه متى حصل الشبه ثبت الحكم سواء كان بإرادة أم بغير إرادة. فلو قال قائل: إنه ليس ثياب الكفار لكن لم يقصد التشبه، قلنا: ولكن حصل الشبه والنية محلها القلب فننكر عليه ما أظهره من المشابهة، وأما فيما بينه وبين ربه فهذا ليس إلينا لأن بعضهم تنهاه عن شيء ويقول ما قصدت التشبه، تجده مثلاً يجعل شعره على صفة معينة معروفة أنها من حلى الكفار فإذا قلت له قال: أنا ما أردت شيئاً ماذا نقول له؟ نقول: التشبه حاصل والنية أمر خفي لا يطلع عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«من تشبه بقوم فهو منهم» فعلق الحكم على المشابهة. من فوائد الحديث: الحذر من متابعة أهل البدع لأنه إذا تابعهم فقد تشيه بهم فيكون منهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» .
حفظ الله بحفظ حدوده:
1413 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال:«يا غلام، أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» . رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. يقول: «كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم» ، هل هو خلفه يمشي أو راكباً؟ ليس فيه بيان اللهم إلا إذا كان في رواية لم نطلع عليها، ولكن الذي يظهر أنه كان راكباً فقال:«يا غلام» ناداه بهذا الوصف، لأنه كان صغير السن، «أحفظ الله يحفظك» أي: أحفظ دينه
فهو كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7] وليس المراد أن تحفظ الله نفسه، لأن الله غني عن العالمين، لكن المراد حفظ دينه أي: القيام بشرائعه الواجبة والمستحبة وترك نواهيه المحرمة والمكروهة، «يحفظك» هذا هو جواب الأمر وهو الجزاء والثواب، يحفظك في دينك ودنياك في أهلك في مالك في بدنك في جميع أحوالك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يقيد، «أحفظ الله تجده تجاهك» ، هذا أيضا فائدة عظيمة، «أحفظ الله» يحفظ دينه، «تجده تجاهك» أي: أمامك، وهذا يعني: أنه عز وجل يدلك على كل خير فإذا أحفظت دين الله دلك على كل خير؛ لأن الذي أمامك هو قائدك فيدلك على كل خير، «وإذا سألت فاسأل الله» لا تسأل الناس مهما كان اللهم إلا عند الضرورة القصوى فهذا حال آخر، لكن اسأل الله وحده وأنت إذا سألت الله بصدق ويقين فإن الله تعالى سوف يجيبك لقوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. وقال تعالى في آية أخرى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]. وقد تستبعد أن يجيب لك مسألة لكن لا تستبعد هذا إن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3، 2]. «وإذا استعنت فاستعن بالله» يعني: إذا طلبت معونة فلا تلجأ إلى الخلق استعن بالله فإنك إذا استعنت بالله عز وجل استعانة حقيقية بإيمان وصدق أعانك. ففي هذا الحديث من الفوائد: أولاً: جواز الإرداف على الدابة بناء على قوله: «خلف النبي» ولكن هذا مشروط بأمرين. الأمر الأول: ألا يشق على الدابة فإن شق على الدابة فلا يجوز الإرداف. الأمر الثاني: ألا يخاف سقوطاً فإن خلف سقوطاً فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} كيف يخاف السقوط؟ أحيانا يكون ردف البعير منزلقاً فإذا ركبه الإنسان فربما يسقط على ظهره، فهنا نقول: لا تردف وهذا مراعاة لحال الراكب والأول لحال المركوب. ومن فوائد الحديث: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم بإرداف الصغار وهذا أمر لا يحتاج إلى إقامة البينة عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم عنده من التواضع الجم للحق وللخلق ما ليس عندنا، وإن شئتم دليلاً على ذلك فمن الذي أردفه النبي صلى الله عليه وسلم في رجوعه من عرفة؟ أسامة بن زيد مولى من الموالي وصغير السن أيضاً، ومن الذي أردفه حين ذهابه من مزدلفة إلى منى؟ الفضل بن العباس صغير لكنه من أقاربه فراعى النبي صلى الله عليه وسلم هذا، وهذا الفضل بن العباس من أشرف الناس نسباً وأسامة مولى من الموالي ولكن كل منهما صغير، فالمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى إقامة البينة على تواضعه لأن هذا أمر متواتر.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي في الحديث الهام أن تنادي الإنسان ولو كان أقرب قريب إليك، أن الرسول يكلم ابن عباس وهو رديفه على الدابة قريباً جدا لكن الحديث مهم. ومن فوائد الحديث: هذه الوصايا العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ الله
…
إلخ. ومن فوائد الحديث: أن من حفظ حدود الله وشرائع الله حفظه الله في دينه وبدنه وماله وأهله وعرضه أيضا {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38]. ومن فوائد الحديث: أن الجزاء من جنس العمل وأن الإنسان لما حفظ ربه حفظه الله. ومن فوائد الحديث: أنه من الحزم أن يحفظ الإنسان ربه ولا يبالي بأحد يعني: يعبد الله لا يبالي بالناس يتجنب الحرام وإن انتهكه الناس لا يبالي «أحفظ الله يحفظك» . ومن فوائد الحديث: أن أهم من يوجه إليه هذا ولاة الأمور الصغير والكبير كل منهم يحب أن يحفظ في ماله وبدنه وعرضه، نقول: إذا كنت تريد ذلك فهناك مفتاح واحد وهو أن تحفظ الله. ومن فوائد الحديث: أن من حفظ الله كان الله دليله ومن كان الله دليله فهو مهتد لقوله: «أحفظ الله تجده اتجاهك» هنا إشكال تجده تجاهك إذا قال قائل: ألا يدل ذلك على ما ذهبت إليه الجهمية الحلولية من أن الله تعالى في كل مكان لأنه قال: «تجاهك» أي: مقابل وجهك يدلك، فهل تقول: إن هذا يدل على ما ذهب إليه هؤلاء الملحدون الذين يقولون إن الله في كل مكان؟ الجواب: لا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«تجده تجاهك» وقال في المصلى: إن الله قبل وجهك ونهى عن التمخط والإنسان يصلي قبل وجهه، وهذا لا يلزم منه أن الله تعالى في الأرض، قد يكون الشيء أمامك وهو عال جداً عنك، أرأيت نجماً قارب الغروب هو أمامك وأين هو؟ في السماء بعيداً عنك فلا يلزم من كون الله تجاه الإنسان أن يكون الله تعالى في مكانك، ولكن الله عز وجل جعل في أدلة شريعته ما هو مشتبه امتحاناً واختباراً للعباد بأن هذه الأدلة المشتبهة يميز الله بها الخبيث من الطيب {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} وأما الراسخون في العلم فيقولون: آمنا به. إذن الجواب عن الإشكال أنه لا يلزم من كون الشيء تجاه الإنسان أن يكون في مكانك بل يكون تجاهك وهو فوق. ثانيا: أننا لو قلنا بذلك لأبطلنا النصوص الصريحة الواضحة بأن الله فوق كل شيء. ثالثا: أنه لو قدر أن بين كون الشيء تجاهك وكونه في السماء تعارضاً بالنسبة للمخلوق فلا يلزم ذلك بالنسبة للخالق لأن الله -تعالى- ليس كمثله شيء.