الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا: إذا كانت الصفة من صفات المعاني فلا بأس؛ وأما إذا كانت من الصفات الخبرية، فلا يجوز، اللهم إلا ما يعبر به عن الذات، فمثلا: عزة الله يحلف بها، كلام الله يحلف به، استواؤه على عرشه لا يحلف به، يد الله لا يحلف بها، وجه الله يحلف به؛ لأنه يعبر به عن الذات مثل:{كل شاء هالك إلا وجهه} [القصاص: 88]. ومثل {ويبقى وجه ربك ذو الجلل والإكرام} [الرحمن: 27] من فوائد الحديث: جواز القسم بمقلب القلوب، وما كان مشابها له مثله، مثل: لا والذي يفعل ما يريد، هذا يجوز؛ لأنه لا أحد يفعل ما يريد إلا الله أما غير الله فإن إرادته تحت إرادة الله عز وجل وقد يريد الإنسان شيئا فلا يفعله لأن الله لم يرده، لو قلت: لا والذي فلق البحر لموسى يصح؛ لأن هذا لم يكن إلا الله عز وجل، لا وفالق الإصباح يصح، وعلى هذا فقس.
اليمين الغموس من كبائر الذنوب:
1312 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟
…
» فذكر الحديث وفيه «اليمين الغموس» وفيه: قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: التي يقتطع بها مال امرى مسلم، هو فيها كاذب». أخرجه البخاري.
الأعرابي: ساكن البادية، والغالب على الأعراب الجهل بدين الله:{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربت عند الله وصلوت الرسول} [التوبة: 99]. الغالب عليهم أيضا الصراحة-يقول ما في قلبه تماما- ولهذا كان الصحابة يتمنون أن ياتي أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله عما يستحون أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه.
فقال: «ما الكبائر؟ » ، وهذا يدل على أن الرجل يعرف الكبائر من الصغائر، فذكر الحديث، وفيه:«اليمين الغموس» .
الحديث فيه: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، واليمين الغموس، فما هي الكبائر هل هي محدودة أو معدودة؟ من العلماء من قال: إنها معدودة، ومنهم من قال إنها محدودة، ومنهم من قال/ كل ذنب ترتب عليه لعنة أو غضب أو نفي إيمان أو تبرؤ منه أو غير ذلك فهو كبيرة.
ورأيت لشيخ الإسلام كلاما، قال: كل ذنب رتب عليه عقوبة خاصة فهو كبيرة؛ وذلك لأن الذنوب منها ما يستفاد بالنهي المطلق، أو ما يستفاد بمطلق النهي هذا لا يكون كبيرة ومنها ما يترتب عليه عقوبة خاصة كنفي الإيمان والتبرؤ منه واللعن والغضب والحد وما أشبه
ذلك، فهذا يكون كبيرة، والكبائر نفسها تتفاوت كما في حديث أبي بكرة أنبئكم:«ألا أنبنكم بأكبر الكبائر» .
وقوله: «اليمين الغموس» ، «غموس» فعول، وهي صيغة مبالغة، والغمس بمعنى: ربط الشيء في شيء آخر، وسميت بذلك؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار.
قلت: «ما اليمين الغموس
…
إلخ»، إذن اليمين الغموس: ما يقتطع بها مال امراء مسلم هو في هذه اليمين كاذب، الشاهد من هذا قوله:«اليمين الغموس» .
والاقتطاع نوعان: إما أن يدعي ما ليس له، أو ينكر ما ثبت عليه، أما الأول فظاهر، مثل: أن يقول: هذه السيارة ملكي، فيقول من هي بيده: إنها لي ليست ملكا لك، فيقيم هذا المدعي شاهدا ويحلف معه، وإذا أقام شاهدا وحلف معه حكم له بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين، هذا الرجل الآن اقتطع مال امراء مسلم بيمين هو فيها كاذب والذي شهد معه شاهد زور.
الثاني: أن يجحد ما يجب عليه، مثل: أن يقول له شخص في ذمتك لي مائة ريال، فيقول: لا، ثم يحلف بأنه ليس في ذمته له مائة ريال، فحينئذ يكون اقتطع من ماله؛ لأن الأصل: أن ما في ذمة هذا المطلوب للطالب، فإذا أنكره وجحده وحلف عليه فقد اقتطعه.
ففي هذا الحديث فوائد: أولا: حرص الصحابة-رضي الله عنهم على السؤال والبحث عن الدين، وهذا من نعمة الله عليهم وعلى الأمة: لأن جميع ما يسأل عنه الصحابة يقع أيضا في قلوب الناس من بعدهم فتكون إجابة الصحابي كإجابة ما يرد على القلوب ممن بعدهم.
ومن فوائد الحديث: أن الذنوب تتفاوت كبائر وصغائر، والكبائر أيضا تتفاوت منها السبع الموبقات، وهي أشدها، ومنها ما دون ذلك.
ومن فوائد الحديث: أن اليمين الغموس من كبائر الذنوب وهي التي يقتطع بها مال امراء مسلم، فإن لم يقتطع بها مال امراء مسلم ولكنه كاذب فيها فهل تكون غموسا؟ الجواب: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص اليمين الغموس بالتي يحلفها ويقتطع بها مال امراء مسلم وهو كاذب، ولكن إذا حلف على شيء ماض هو فيه كاذب فهل عليه كفارة؟ لا، لأن الكفارة إنما تكون في اليمين على المستقبل.
وهل من فوائد الحديث: أنه لو حلف على يمين يقتطع بها مال امراء غير مسلم فليست يمينا غموسا؟ نقول: لا، هي يمين غموس إذا كان هذا ممن عصم ماله ودمه لكن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم؛ لأن ذلك هو الغالب وإلا فمن له حرمة وعصمة كالمسلم.