الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيستفاد من الحديث: أولا: افتقار رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى ربه في كل حال، وهذا الافتقار ينفي أن يكون له حظ من الربوبية وبه يبطل تعلق هؤلاء المساكين الذين يتعلقون برسول الله صلي الله عليه وسلم في كشف الشدائد وجلب المنافع، وهو نفسه محتاج إلى الله.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يدعو به تأسيا برسول الله صلي الله عليه وسلم وابتغاء فيما يحصل فيه من صرف المساوئ التي تسوء العبد في ماله أو جاهه أو ما هو أعم.
ومن فوائد الحديث: أن مطلق الدين لا حرج فيه، لكن هل الأفضل أن يعرض نفسه للدين أو لا؟ نقول: في ذلك تفصيل؛ إذا كان الوفاء قريبا والدين قليلا فلا بأس، وأما إذا كان الوفاء غير مرجو أو كان دينا كثيرا قد يثقل كاهل الإنسان فإنه لا ينبغي للإنسان أن يتعرض له؛ ولهذا نحن على خطر بالنسبة لشبابنا الذين انحرفوا فيما يسمونه بالتقسيط يشتري الشاب السيارة فخمة لا يركبها إلا الملوك وأبناء الملوك، والوزراء وأبناء الوزراء، وهو ليس عنده شاء، ولكن تغلبه الشركات، وتقول: خذ هذه السيارة بمائة ألف ريال وأعطنا كل شهر من معاشك كذا وكذا، المسكين يأخذها، فكون هذا الجزء الذي أخذ من معاشه يسير لكنه سوف يندم فيما بعد إذا طالبت هذه الشركات بحقوقها، وسوف يعلم أن هذا أسوء تصرف وأخطر تصرف، ولا ينبغي للإنسان أن يتهاون بالدين، على كل حال: من الدين الذي قلنا يكون قليلا ووفاؤه قريب أن يكون على الإنسان عقيقة ولد، له ولدان يحتاج إلى أربع عقائق، لكنه وظف وليس له إلا معاشه وسوف يوفي آخر الشهر فهل يقترض، أو نقول انتظر حتى تحصل الراتب ثم عق؟ الأول، ولهذا قال الإمام أحمد رحمة الله: يعق -يعني: المدين- أرجو أن يخلف الله عليه.
معنى الصمد:
1494 -
وعن بريدة رضي الله عنه قال: «سمع النبي صلي الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم أني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. فقال: لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب» . أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان.
هذا الذي سمعه الرسول صلي الله عليه وسلم إنما هو التوسل فقط، ولم يذكر في الحديث ماذا سأل الرجل إنما ذكر التوسل قال:"اللهم أني أسألك"، ولم يذكر المسئول وهي حاجة الداعي "بأني
أشهد أنك أنت الله"، الباء هنا للمصاحبة؛ يعني: أسألك سؤالا مصحوبا بهذه الشهادة العظيمة، "بأني أشهد" أي: ناطقا لسانا موقنا بقلبي، "بأنك أنت الله لا إله إلا أنت"، وهذا شهادة له بالألوهية وانفراده بها بقول: "لا إله إلا أنت"، "الأحد" يعني: الذي لا نظير له، بل هو متوحد في الكمال والجمال والعظمة والإحسان، وغير ذلك، "الصمد" أجمع ما قيل في معناه: أنه الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، فالذين فسروه بأنه السيد الكامل في سؤدده، الكامل في حلمه، الكامل في علمه
…
إلخ، هذا داخل في قولنا: الكامل في صفاته، وتفسير بعضهم إياه بأن الصمد عليه الخلائق في حوائجها داخل في قولنا: الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، فعليه نقول: الصمد هو الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، ومن ذلك استغناؤه تبارك وتعالى عن الأكل والشرب وغير ذلك.
"الأحد" قلنا: المتفرد بكماله وجلاله وكذلك في ذاته، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن ذات الله تعالى تخالف كل ذوات المخلوقين، ولا يمكن أن تصور يعني: تخالف الجن والإنس، والسماء والنجوم؛ لأنه لا نظير له، فهذه الذات العلية مخالفة لجميع الذوات؛ لأنه الله تعالى أوحد متوحد في كماله وجلاله وصفاته، "الصمد": الذي لم يلد ولم يولد، لم يلد: لكماله؛ لأنه مستغن عن الولد، والحيوان ناقص يكمل في الولد من وجه، ناقص يستمر بقاء النوع بماذا؟ بالولد، الرب عز وجل غني عن هذا، فهو لم يلد، وقد أنكر الله ذلك بأدلة عقلية، قال: } أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء {] الأنعام: 101 [فالخالق لا يحتاج أن يتولد منه شيء أو يولد منه شيء، ولم يولد؛ لأنه عز وجل هو الخالق وما سواه مخلوق؛ ولأنه الأول الذي ليس قلبه شيء؛ ولأنه لو كان مولودا لافتقر إلى الوالد، وكل هذا منتف في حق الله؛ فلهذا انتفت عنه الولادة.
فإن قال قائل: الوالد سابق للمولود، لماذا يدع له المولود قبل الوالد.
نقول: نعم؛ لأنه ادعي أن الله له ولد ولمن يدع أحد أن الله له والد، فقدم ما أدعاه المبطلون في حقه، قدم نفيه اهتماما به وردا لقول هؤلاء، فمن الذين قال إن لله ولد؟ النصارى واليهود والمشركون، النصارى قالوا: المسيح ابن الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، ولم يكن له كفواً أحد، "كفوا" مكافئا، و "أحد" هذه اسم "يكن" مؤخر؛ يعني: لم يكن لله أحد يكافؤه أبداً لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أسمائه ول في أفعاله.
هذا الدعاء تضمن الإقرار بأنواع الربوبية بل بأنواع التوحيد: "أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت" هذا الألوهية، "الأحد الصمد" الربوبية؛ لأننا قلنا: إن الصمد هو الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع المخلوقات، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، هذه الأسماء
والصفات: يعني المتوحد بصفاته وأفعاله، فلا يشابهه أحد ولا يماثله أحد، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى"، "باسمه" ليس المراد هنا: الاسم الواحد بل بما ذكر من أسمائه؛ وذلك لأن "اسم" مفرد مضاف فيعم، وعلى هذا فيكون باسمه؛ أي: بما ذكر من أسمائه، وهذه الصيغة فيما ذكر الله والأحد والصمد، فيكون المراد باسمه: العموم؛ أي: عموم ما ذكر باسمه الذي سئل به أعطي، وذلك لمحبته تبارك وتعالى بما تضمنته هذه الصيغة، "وإذا دعي به أجاب"، والفرق بين السؤال والدعاء: أن الدعاء أن تناجي الله عز وجل، والسؤال أن تطلب منه شيئا، فإذا قلت: اللهم، فهذا دعاء، أغفر لي هذا سؤال؛ ولهذا جاء في حديث النزول أن الله عز وجل يقول: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه
…
".
في هذا الحديث فوائد: أنه ينبغي أن يتوسل الإنسان في دعائه بهذه الصيغة، وجهة: أن النبي صلي الله عليه وسلم أثنى عليها، وبين أنها الاسم الذي إذا سئل الله به أعطى وإذا دعي به أجاب.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان قد يلهم ما يكون محبوبا إلى الله ورسوله؛ لأن الظاهر أن هذا الإنسان الداعي قال ذلك من عند نفسه، ويحتمل أن الرسول صلي الله عليه وسلم علمه إياه، ثم سمعه من هذا الداعي، لكن ظاهر الحديث الأول.
ومنها: تأييد من قال بالحق، وإن كان دون المؤيد، وجهة: أن الرسول صلي الله عليه وسلم أيد هذا الداعي مع أنه دون الرسول صلي الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: التوسل إلى الله عز وجل بكمال صفاته؛ لأن كل ما ذكر من كمال الصفات، ولعلكم تذكرون أننا ذكرنا في عهد قريب أنواع التوسل.
ومن فوائد هذا الحديث: انفراد الله تعالى بالألوهية والأحدية والصمدية؛ لأنه قال: "أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد"، أما "لا إله إلا أنت" فواضح، وأما "الأحد الصمد" فلأنهما معرفان، يعني: المعني أشهد أنك الأحد الصمد، فهما من خصائص الرب عز وجل.
ومن فوائد الحديث: إثبات كمال الله عز وجل لقوله: "لم يلد يولد"، "ولم يلد" نفي للولادة في المستقبل، "ولم يولد" نفي التسلسل في الماضي؛ أي: أن الرب عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء.
ومن فوائد الحديث: إثبات الصفات التي تسمى الصفات السلبية؛ أي: المنفية من قوله: "لم يلد ولم يكن له كفواً أحد" واعلم أن الله تعالى موصوف بصفات نفسي وصفات إيجاب وأيها أفضل؟ الصفات الإيجابية أفضل؛ لأنه كلما تعددت صفات الكمال ظهرت من كمال الموصوف ما لم يكن معلوما من قبل، أما صفات النفي فإنها جاءت مجملة غير مفصلة؛ لأن
التفصيل في صفات النفي عيب غير لائق، والإجمال هو الكمال، لو أنك أردت أن تعظيم أميرًا من الأمراء فقلت: إنك أمير لا يساويك أحد في الحزم والقوة والرأي والحكمة، مثلاً ماذا يكون؟ هذا طيب، لكن لو قلت: إنك أمير ولست ببخيل ولا جبان ولا فراش ولا كسّاح ولا منظف للأسواق ماذا يقول؟ يرى أنك عبته ويأمر بتأديبك؛ لأن هذا غير لائق؛ ولهذا قال العلماء: من الحكمة أن الله تعالى يذكر الصفات المنفية على سبيل الإجمال؛ لأنّ ذلك أبلع في الكمال، لكن قد تذكر الصفات المنفية على وجه التفصيل لسبب، إما لكون السامع قد توهمها، وإما لكون هذه الصفة المنفية قد قيلت في الله عز وجل، فمن الأول قوله تعالى:{ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسنا من لغوبٍ} [ق: 38]. هذا نفي لصفة خاصة لكنه نفي في محله؛ لأن السامع قد يظن أن هذه المخلوقات العظيمة تعي الله عز وجل فنفى ذلك عنه، ومثال نفي ما ادعاه المبطلون هذه الدعاء:"لم يلد ولم يولد" فهذا نفي خاص؛ لأنه دعي في جانب الله عز وجل، ثم اعلم أن جميع الصفات المنفية ليس المراد بها مطلق النفي، لماذا؟ لأن مطلق النفي العدم، والعموم ليس بشيء، والله يقول عن نفسه: ولله المثل الأعلى أي الوصف الأكمل، فإذا وصف بعدم فأين الكمال، إذن إذا كان يمتنع المراد بالصفات المنفية مطلق النفي، فما المراد؟ المراد: إثبات الكمال، فكأننا نقول:{وما مسنا من لغوبٍ} [ق: 38]. لكمال قوته، {وما ربك بغافلٍ عما يعملون} [البقرة: 132]. لكمال علمه وإحاطته ومراقبته، هذا هو المراد، إذن المراد بالصفات المنفية إثبات ضدها على وجه الكمال، ولو لم نقل ذلك لكان يحتمل أن يراد بالصفات المنفية القدح والعيب؛ لأنه قد ينفي الشيء المعيب لعيب من نفي عنده، ومنه قول الشاعر:[الطويل]
(قبيلة لا يغدرون بذمة
…
ولا يظلمون الناس حبة خردل)
نمدحهم بالوفاء وعدم الاعتداد، الوفاء لا يغدرون بذمة، وعدم الاعتداد ولا يظلمون الناس حبة خردل، إذا سمعت هذا الكلام تقول: أثنى عليهم أم عابهم؟ أثنى عليهم، أوفياء عدلاء، لكن الواقع أنه أراد ذمهم، ويدل لهذا التصغير في أول قبيلة، وكذلك أيضًا قول الشاعر:[البسيط]
(لكنَّ قومي وإن كانوا ذوي عددٍ
…
ليسوا من الشَّرفي شيءٍ وإن شانا)
(يجزون من ظلم أهل الظُّلم مغفرةً
…
ومن إساءة أهل السُّوء إحسانًا)
أي: أنهم إذا ظلمهم أحد غفروا له، وإذا أساء إليهم أحسنوا إليه، صفة جميلة: إذا ظلموا عفروا وإذا أسيء إليهم أحسنوا، أي إنسان يسمع هذا الكلام يقول: إنه مدح لكنه في الواقع ذم بدليل ما قبله وما بعده.
ثم قال:
(فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا
…
شنُّوا الإغارة فرسانًا وركبانًا)
يعني: ناس شجعان يركبون الخيل ويشنون الغارات، فتبين بهذا الآن أن نفي العيب قد يكون عيبًا، كذلك نفي العيب قد يكون لعدم قابلية الشيء لذلك العيب، ليس لكماله لكن لعدم قابليته له، ومنه أن تقول: إن جدارنا لا يظلم من استظل به هذا نفي؛ لأنه غير قابل للظلم أو العدم، فلذلك لم يكن نفي الظلم في حقه مدحًا، إذن الصفات المنفية عن الله عز وجل المراد بها إثبات صفة كمال، الكمال ما ندري ما هو، لكن بضدها تتبين الأشياء، إذا انتفى هذا الشيء فالضد هو الثابت، لا يظلم ربك أحدًا انتفى الظلم ما ضده؟ العدل، إذن هو عادل عدلاً ليس فيه ظلم بوجه من الوجوه، وعلى هذا فقس.
من فوائد الحديث: أنه كلما قويت الوسيلة حصل المقصود لقوله: "إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب"، وهل هذا يشمل الأمور الشرعية والأمور القدرية الكونية؟ أي نعم، كلما قويت الوسيلة حصل المقصود، إلا إن كان فيه مانع أقوى من ذلك، فلا يحصل، فمثلاً لو قال قائل: أرأيت لو دعا داع بهذا الدعاء وهو يأكل الحرام ويتغذى به هل يدخل في الحديث أو لا؟ نقول: لا يدخل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استبعد أن يجاب لمن تغذى بالحرام فكان مطعمه ومشربه حرامًا، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، أن الأسباب لا تؤثر في مسببها حتى تنتفي موانعها، وإن شئتم تقريب ذلك لكم ويكون على أذهانكم، اذكروا أسباب المواريث وموانع المواريث، أسباب الميراث: قرابة ونكاح وولاء، إذا وجدت هذه الأسباب يثبت الإرث، لكن قد توجد هذه الأسباب ولا إرث لوجود مانع، ومنه اختلاف الدين، فمثلاً: لو أن رجلاً تزوج يهودية وماتت عنه أو مات عنها هل يقع بينهما توارث؟ لا، مع أنها زوجته، والله يقول:
{ولكم نصف ما ترك أزواجكم} ، {ولهن الربع مما تركتم} [النساء: 12]. ومع ذلك نقول: لا توارث بينهم لوجود المانع وهو اختلاف الدين، هذه القاعدة مفيدة لطالب العلم