المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

1359 -

وعن عائشة رضي الله عنه قالت: «دخل على رسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا، تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري إلى مجزز المدلجي؟ نظر آنفا إلى زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد، فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض» . متفق عليه.

كلمة "ذات" ترد في اللغة العربية على عدة أوجه، منها: الزيادة للتوكيد مثل هذا اللفظ: "ذات يوم" فهنا كلمة "ذات" زائدة؛ إذ إنك لو حذفتها فقلت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم يوما صح [الكلام]، إذن هي زائدة للتوكيد، وأيضا فيها زيادة على التوكيد زيادة الإبهام؛ لأن "ذات يوم" مبهم، وقولها:"مسرورا" هذه حال من النبي صلى الله عليه وسلم، "تبرق أسارير وجهه" حال أخرى، و"تبرق" أي: تلمع، وأسارير الوجه هي مغابنه التي تكون في الجبهة، وإنما تبرق إذا دخل السرور على الإنسان، وأيضا الوجه -بإذن الله- مع السرور يستنير ويتوسع ويحس به الإنسان.

فقال: "ألم ترى

إلخ"، أي: ألم تعلمي، والاستفهام هنا للتقرير، والمغنى: أعلمت، وهو لتقرير الحكم الواقع، وقوله: "مجزز" اسم فاعل من جزز المزيدة، وأصلها غير مزيدة من جز، وهذا الرجل وصف بذلك؛ لأنه إذا كان عنده أسرى جز رءوسهم وأطلقهم ومن عليهم بالإطلاق.

"والمدلجي" من بني مدلج، "نظر آنفا" أي: قريبا، "إلى زيد بن حارثة" وزيد بن حارثة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهبته له خديجة رضي الله عنه فأعتقه فصار مولى له، "وأسامة بن زيد" ابنه، وكان لونهما مختلفا: أسامة أسود؛ لأن أمه حبشية، وزيد أبيض.

هذا الذي نعرفه، لكن عندي في الحاشية يقول: وكان أسامة أبيض، لكن المعروف أن أسامة هو الأسود؛ لأن أمه حبشية فصار على لون أمه، وأبوه زيد أبيض، فكان المشركون ينالون من عرضه، لأنه له صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، لو كان مولى واحد من قريش ما همهم الأمر، لكن لأنه مولى للنبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يطعنوا فيه، فكانوا يتكلمون كيف يكون الابن أسود والأب أبيض، والنبي صلى الله عليه وسلم -كما تعلمون- مغنم من ذلك أن يقال هذا في مولاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويحب ابنه، حتى إنه يلقب -أعني: أسامة- بجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، فكان هذا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما مر هذا المجزز وكان قائفا نظر إلى أسامة وأبيه وكان فوقهما كساء لم يخرج منها إلا الأقدام فقط ولعله لا يعرفهما فقال:"إن هذه الأقدام بعضها من بعض"؛ لأنه قائف، فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أن شهد هذا القائف بأن هذه الأقدام بعضها من بعض، ولا يكون بعضها من بعض إلا أن أحدهما ابن الآخر؛ لأن الولد بضعة من أبيه، فسر ذلك.

ص: 215

ففي هذا الحديث فوائد: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يلحقه البشر من السرور والحزن لقولها: "دخل علي مسرورا".

ومنها أيضا: أنه ينبغي للإنسان أن يسر بمثل هذه الأمور التي يظهر بها الحق وينجلي بها، وتزول بها التهم عمن ليس من أهلها؛ لأن القلب الحجر لا يبالي، لا يسر بما يسر ولا يحزن بما يحزن، تجد قلبه حجريا لا يتأثر، والإنسان الرقيق اللين هو الذي يتأثر بمثل هذه الأمور سرورا أو حزنا.

ومنها: حرص النبي صلى الله عليه على حماية الأعراض، وكما أن الله عز وجل يحمي الأعراض بحد القذف ثمانين جلدة وألا تقيل له شهادة -أي: القاذف- وأن يكون فاسقا، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يحب حماية الأعراض.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم من خير الناس لأهله، بل هو خير الناس لأهله؛ حيث دخل على أصغر نسائه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأخبرها الخبر مما يدل على ينبغي للإنسان أن يكون مع أهله ممتزجا مختلطا لا يخفي عليهم شيئا، كما أنه لا ينبغي أن يخفوا عليه شيئا.

ومنها: أن اختلاف اللون بين الأب وابنه أو بين الأم وابنها لا يستلزم التهمة، ويدل لذلك أيضا: ما ثبت في الصحيحين أن رجلا قال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاما أسود -وكان الرجل وزوجته غير أسودين -وكأنه إما أنه يعرض بامرأته، وإما أنه يسأل الرسول كيف كان ذلك؟ الكلام محتمل، يعني: كيف يولد غلام أسود من بين أبوين أبيضين؟ ! وكان الرجل أعرابيا صاحب إبل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هل لك من إبل» ، قال: نعم، قال:«ما ألوانها؟ » ، قال: حمر، قال:«هل فيها من أورق؟ » قال: نعم، والأورق هو الذي لونه أبيض وفيه شيء من السواد كلون الفضة التي تسمى الورق، قال:«من أين أتاها ذلك؟ » ، قال: لعله نزعه عرق -عرق من آبائه أو أجداده أو أمهاته - فقال: «فابنك هذا لعله نزعه عرق» ، انظر للتعليم، ذكر الدليل قبل الحكم حتى يأتي الحكم والإنسان مقتنع تماما، فاللون لا ينبغي أن يكون سببا للتهمة، فقد يكون هناك عرق سابق، مع أن قضية أسامة وأبيه قريبة المسألة، من الذين يدعون بهذا؟ الأم قريبة أمه حبشية.

ومن فوائد الحديث: العمل بالقيافة، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها وسر بها، أي: بالحكم بها، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، ولا يسر بالباطل، فالقيامة حكم شرعي، دلت السنة عليه مبنية على الشبه.

ولهذا نقول: القافة هم قوم يعرفون الأنساب بالشبه، والقائف: هو الذي يعرف الإنسان بالشبه، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إذا تنازع رجلان في غلام ولا بينة لأحدهما فإنه يعرض على القافة، فمن ألحقته به لحقه، لكن لو ألحقته بالاثنين جميعا هل يلحق؟

ص: 216

الفقهاء يقولون: نعم، يمكن أن يلحق الأبوين جميعا، لكن الأطباء يقولون: لا، لا يمكن أن يلحق بأبوين، فهل نرجع إلى كلام الفقهاء المبني على النظر أو نرجع إلى كلام الأطباء المبني على المحسوس؟

هذه ما لنا بها دخل، المهم: العمل بالقيافة، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها وسر بها، ولا يقر على باطل، ولا يسر بباطل.

فإذا قال لنا قائل: عن شخص مشتبه بنسبه قال: هذا ولد فلام ولم يدعيه أحد فهل يحكم له به؟ الجواب: نعم، يحكم له به ما لم يكذبه الحس، فإن كذبه الحس فإنه لا يحكم له به، مثل أن يقول: هذا ولد فلان، وللغلام خمس سنوات وللآخر ثماني سنوات هذا لا يمكن، وهل يلحق بالنسب غيره؛ بمعنى: لو أن القائف حكم بشيء من الأموال أو من الحقوق فهل يلحق بالنسب؟

في هذا خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنه يلحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالقيافة لأنها دليل ليس لأنها حكمت بنسبه، والدليل يكون في كل شيء.

ومنهم من قال: إنه لا يكون إلا في النسب؛ وذلك لأن الشارع له تشوف لثبوت الأنساب، لكن العمل الآن على الأول أنه يعمل بالقيافة، لكنه يؤخذ الإنسان ويقرر حتى يقر، فلو قال القائف: هذا الأثر قدم فلان فإنه يحكم بذلك، ويؤتى بالرجل ويقرر، ولا يقال: إننا لا نلفت لقول القائف إطلاقا.

ولقد حدثني بعض القافة أنه إذا رأى قدم إنسان فكأنما رأى وجهه وإن لم يوجد التباس حتى إنه يقول: وإن لم أكن أعرفه، وهذه غريبة، والقافة أيضا يعرفون أثر البعير إذا كانت كبيرة أو صغيرة أو حاملا أو غير حامل، بل إنهم يصلون إلى اللون، يعرفون اللون وهذا شيء غريب، لولا أنهم يستفيدون بالأمور المحسوسة لقلنا: إنهم يدعون الغيب وليس كذلك.

وكان في هذا البيت قائف يجيد القيافة تماما فتسلق رجل سارق الجدار وسرق وكان من أقارب أهل البيت، بمعنى: أنه تبعد تهمته، فجاء هذا القائف فرأى إبهامه في الجدار -لما أراد أن يتسلق أثر إبهام رجله في الجدار -فقال لمن معه- وكان الذي معه خدم الأمير-: انصرفوا عرفنا الرجل، بماذا؟ بإبهام رجله، فذهب القائف إلى صاحبه وقال: يا فلان، لماذا تسرق من أقاربك -أرحامك وأنسابك- يعني: بالقرابة وليس بالمصاهرة؟ قال: لم أسرق قط! من قال لك أني سرقت؟ ! ما سرقت، قال: على كل حال أنا علمتك، أعطني السرقة لأردها وهذا المطلوب، وإلا ما عندي في أنك أنت السارق، فلما تبين الأمر أعطاه المسروق.

ص: 217

فالصحيح: أنه يعمل بالقيافة حتى في الأموال، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رجمه الله، وربما يستدل لذلك بقصة داود وسليمان:{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78]. فإنه لا يدري أنها نفشت إلا بالأثر.

* * *

ص: 218

كتاب العتق

ويشتمل على:

1 -

باب المدبر والمكاتب وأم الولد

ص: 219