الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه الرياء فقط كرجل أعد ألف ريال للصدقة وتصدق بخمسمائة بنية خالصة ثم طرأ عليه الرياء حين الصدقة فيما بقي فما الذي يبطل؟ الثاني الأخير أما الأول فلا يبطل لأنه وقع بإخلاص.
خصال النفاق:
1425 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذبن وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". متفق عليه.
"آية" أي: علامة، لكن الآية لا تطلق إلا على العلامة الدالة دلالة لا إشكال فيها؛ وذلك لأن الدليل قد يكون دالاً على المدلول دلالة ظنية، لكن الآية تكون دلالتها قطعية لا يتخلف مدلولها، "أية المنافق" المنافق: هو الذي يبطن الشر ويظهر الخير.
من أين أخذ؟ قالوا: إنه مأخوذ من نافقاء اليربوع، اليربوع دويبة أكبر من الفأر قليلاً، ولكن أرجلها طويلة وأيديها قصيرة هذه الدويبة أعطاها الله -تعالى- ذكاء تحفر لها بيتاً في الأرض جحراً وتجعل له باباً ثم إذا انتهت إلى ما تريد حفرته صاعدة إلى ظهر الأرض حتى إذا لم يبق إلا قشرة رقيقة توقفت لفائدة وهي أنه إذا هاجمها أحد من باب الجحر خرجت من عند هذه القشرة الرقيقة هكذا المنافق {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم} [البقرة: 14]. فلهم بابان لهم وجه مع المؤمنين ووجه مع الكافرين، إذن المنافق بالمعنى العام: كل من أبطن شراً وأظهر خيراً، أما بالمعنى الخاص: الذي هو النفاق الذي صاحبه في الدرك الأسفل من النار فهو إبطان الكفر وإظهار الإسلام، ولم يكن معروفاً إلا بعد أن ظهر الإسلام واعتز المسلمون في بدر وصار الغلبة، بزغ نجم النفاق فصار الواحد إذا لقي المؤمنين يقول: آمنا وصدقنا بأن محمداً رسول الله، ويأتون للرسول ويقولون: نشهد إنك لرسول الله ويذكرون الله لكن لا يذكرون الله إلا قليلاً.
"آية المنافق" أي: علامته، "ثلاث إذا حدث كذب" حدث أي: أخبر عن أمر واقع أو أمر سيقع كذب أي: أخبر بالشيء على خلاف وجهه، هذا هو الكذب الإخبار بالشيء على خلاف وجهه، "وإذا وعد أخلف" يعني: إذا وعد إنساناً بشيء أو على شيء أخلف ولم يف، "وإذا ائتمن خان" سواء ائتمن على النفس أو على المال أو العرض فإنه يخون، والخيانة هي أن يتوصل إلى الشيء على وجه خفي فإن كان بحق فهو مكر وليس بخيانة، وإن كان بغير حق فهو
خيانة ولهذا المكر ليس مذموماً ولا ممدوحاً، والخيانة مذمومة على كل حال، المكر إذا كان في موضعه فهو مدح، ولهذا أثبته الله لنفسه ولم يثبت الخيانة فقال:{ويمكرون ويمكر الله} [الأنفال: 30]، وقال:{فقد خانوا الله من قبل فأمكن منه} [الأنفال: 71]. ولم يقل: فخانهم لأن الله لا يوصف بالخيانة، إذ إن الخيانة هي الخديعة في موضع الائتمان، والمكر هو الخديعة في غير موضع الائتمان.
ولهذا صار المكر في محله كمالاً، هذه علامات المنافق فيه علامة رابعة لم تذكر في هذا الحديث وهي:"إذا خاصم فجر" في هذا الحديث التحذير من هذه الخصال الثلاث الكذب في الحديث، وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك من علامات النفاق محذراً أمته من ذلك، وظاهر الحديث أن الكذب محرم على أي صورة كانت فهو كذب، وقسم بعض العلماء الكذب إلى قسمين: كذب أبيض وكذب أسود ولا شك أن هذا التقسيم باطل، والصواب أن الكذب كله أسود، لكن ما يظن أنه كذب وليس بكذب هذا لا يكون كذباً كالتورية مثلاً التي حصلت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فإن هذا ليس بكذب في الواقع لكنه كذب صورة فيما يظنه السامع، وهو حقيقة ليس كذباً، يشمل الكذب هنا الكذب في الخصومة بأن يدعي الإنسان ما ليس له أو ينفي ما عليه، فإن هذا كذب، يشمل الكذب ليضحك به الناس، وما أكثر هذا بين الناس يأتي بقصة كذب ما لها أصل لكن من أجل أن يضحك الناس وقد جاء في الحديث "ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له"، واعلم أن الكذب يطلق في اللغة العربية على الخطأ، وإن لم يتعمده الإنسان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"كذب أبو السنابل"، أبو السنابل ابن بعكك مر على سبيعة الأسلمية وقد مات زوجها ونفست بعد موت زوجها بليال قصيرة، يعني: وضعت حملها فجعلت تتجمل للخطاب فمر بها أبو السنابل فنهاها عن ذلك
وقال: إنه لا يمكن أن تتزوجي حتى يمضي عليك أربعة أشهر وعشر، فلفت عليها ثيابها وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله، وأخبرته بما قال أبو السنابل بن بعكك فقال:"كذب أبو السنابل" أي أخطأ لأن أبا السنابل ما تعمد الكذب ولكنه أخطأ في كونه أخبرها بحكم ليس شرعياً.
ومن فوائد الحديث: تحريم إخلاف الوعد، وجهه أنه من آيات النفاق، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون بإخلاف الوعد ضرر على الغير أو لا يكون، وهذا هو الصواب أن الوفاء بالوعد واجب سواء تضمن ضرراً أم لم يتضمن، أما إذا تضمن ضرراً فلا شك في تحريمه مثل أن يأتينا رجل يستقرض مني مالاً ليشتري به حاجة سيارة أو بيتاً أو غير ذلك فيقول لي: أنا الآن ليس عندي شيء، أقول: لا توفيني إلا بعد سنة فالآن وعدته أنني لا أطالبه إلا بعد سنة، ولما مر أشهر طالبته، قلت: أعطني قرضي، هذا إخلاف فيكون حراماً، ولهذا كان القول الراجح أن القرض إذا أجل يتأجل وأنه لا يجوز للمقرض أن يطالب به حتى يتم الأجل، وذهب كثير من العلماء إلى أن الوفاء بالوعد سنة، لكن لا وجه لما قالوا، وكيف نقول: إن الكذب حرام والإخلاف ليس بحرام مع أن الحديث واحد وهو آية النفاق.
ومن فوائد الحديث: الرد على أولئك الذين يتبجحون بالغربيين ويقولون: هم أهل الوفاء بالوعد وإذا أراد أحدهم أن يؤكد الوفاء قال: وعد إنجليزي يعني: الإنجليز هم أهل الوفاء والمسلمون ليسوا أهل الوفاء، وهذا واقع من بعض المسلمين -نسأل الله لنا ولهم الهداية- واقع أن بعض المسلمين لا يهمه أن يوفي بالوعد أو لا سواء وقع ضرر بأخيه أو لم يقع، لكن كوننا نقول: الوعد إنجليزي هذه غفلة وهضم للإسلام، الوعد الذي لا يخلف هو وعد المؤمن والشريعة التي جاءت بالوفاء هي الدين الإسلامي، كل الشرائع جاءت بالوعد، لأن هذا من الأمور العامة، إذن الإخلاف بالوعد حرام سواء تضمن ضرراً وصورته في القرض التي ذكرناها، أو لم يتضمن ضرراً كما لو أخلفه في موعد على أنهم يسيروا في أطراف البلد فأخلفه هذا قد لا يتضرر به صاحبه ولكنه حرام لابد أن يفي بالوعد.
الخصلة الثالثة: وهي أشدها وأعظمها إذا ائتمن خان ولم يؤد الأمانة، وهذا يشمل الائتمان على العرض وعلى المال وعلى القول أي شيء يؤتمن عليه فإنه إذا خان فهو من المنافقين أو فقد اتصف بصفات المنافقين، مثال ذلك: رجل وضع عند آخر دراهم وديعة فاحتاج المودع إلى هذه الدراهم وأنفقها بناء على أنه سوف يردها على صاحبها هذه خيانة، لو قال: إن صاحبها يأذن لي قلنا: إن كنت صادقاً استأذن منه إنسان ائتمنك على حديث وقال: هذا بيني وبينك، ثم إن هذا المخاطب أفشى الحديث وأظهره، هذا اتصف بصفة من صفات المنافقين هذا ائتمن