الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليس من النصيحة أن نقول: أدخل السرور عليه ويفرح، والأمور على ما ينبغي، أمن تام ورخاء تام، ونعمة تامة، والشعب كله شبعان، والشعب كله يشكر لك، والأمر بخلاف هذا فذلك ليس بصحيح، ولهذا من أخطر الناس وأغش الناس أولئك الصحفيون الذين إذا سمعت الصحف الأجنبية في مدح رؤسائهم قلت: هؤلاء من أحسن الرؤساء وهم من أسوأ الرؤساء، لكن هؤلاء ليس عندهم نصح، فالواجب في نصيحة ولي الأمر أن يبين له الحقيقة حتى يسير على منهج سليم، هذه الأمور الستة لابد أن يلاحظها الإنسان إذا كان ناصحاً لولاة الأمور.
من النصح لولاة الأمور أيضاً: القيام بالوظائف التي تحت إمرتهم -أو هذا هو السابع-؛ لأن بعض الناس يكون موظفاً عند أمير وسواء كان الأمير السلطان الأعلى أمن دونه ولكنه لا يقوم بالوظيفة على ما ينبغي إما بقصد شيء؛ ليظهر فشل الأمير، وأن الأمير غير قادر على تدبير ما تحت يده أو بغير قصد سيء لكنه متهاون، فهذا لم ينصح لأئمة المسلمين، وعلى هذا يكون ناقصاً في دينه، إذن كل الذين يتهاونون في أداء الواجب في الوظائف يعتبرون غير ناصحين لأئمة المسلمين؛ لأن النصح أن تعمل وكأنك أنت المسئول الأول؛ يعني: لو أن الموظفين عملوا وكان الواحد منهم هو المسئول الأول لصارت الأمور على ما ينبغي، لكن كثير من الموظفين إنما يستبقون الوظائف من أجل الرغبات الخاصة، ولذلك قل أن تجد الناصح، هذه سبعة أمور كلها تدخل تحت قول الرسول:"لأئمة المسلمين" وربما تكون هناك أشياء عند التأمل لا تحضرني الآن.
أعظم نصيحة النصح للعلماء:
لكن نرجع الآن إلى الأئمة الآخرين وهم العلماء، وما أدراك من العلماء؟ العلماء: مصابيح الدجى ومنارة الهدى، العلماء هم المسئولون الأولون عن هذه الأمة؛ لأنهم يحملون شريعة النبي صلى الله عليه وسلم في صدروهم يؤدونها إلى الناس، فعليهم مسئولية الأمة وهم أشد الناس مسئولية، لأن الأمراء يتوجهون بتوجيه من العلماء، العامة يتوجهون بتوجيه العلماء فالنصيحة لهم من أوجب الواجبات، وهي داخلة في النصيحة لكتاب الله ورسوله.
النصيحة للعلماء أولاً: أن تسأل الله لهم التوفيق للصواب؛ لأن العلماء إذا ضلوا أضلوا، فينبغي أن نسأل الله دائماً لعلماء المسلمين أن يوفقوا للصواب؛ لأن هذا من الأمور المهمة، وكذلك أيضاً ألحقوا هذا بالنصح لولاة الأمور من الأمراء بالدعاء لهم بالتوفيق والسداد، وأن يصلح لهم البطانة ويعيذهم من سوء البطانة.
ثانياً: من النصيحة للعلماء إذا أخطأ العالم -وكل عالم معرض للخطأ- فالنصيحة حقيقة للعالم ولدين الله عز وجل أن تتصل بالعالم وتخاطبه مخاطبة الأخ لأخيه إن كان مساوياً لك، أو
مخاطبة الابن لأبيه إن كان أعلى منك، وتناقشه بأدب واحترام وهدوء فيما كان مخطئاً فيه في ظنك حتى يتبين هل هو أخطأ أم لم يخطئ، وعلى العالم ألا يستنكر من بيان الخطأ ممن دونه، فكم من إنسان دون غيره وفق للصواب ولم يوفق من هو أعلم منه، تناقشه بهدوء حتى تبين له الحق ويرجع.
ومن النصيحة للعلماء: ألا تنشر أخطاءهم بين الناس، مع العلم بأنهم قد يكونوا هم على الصواب، لكن بعض الناس إذا رأى خطأ في ظنه من عالم طار به فرحاً ونشره بين الأمة؛ لأنه يحب أن يذل هذا العالم يشمت فيه الناس، وهذا -والله- من النصيحة، النصيحة إذا أخطأ العالم أن يوجه -وكما قلنا في الفقرة الماضية- بهدوء وإرادة الصواب، ومن العجب أن بعض الناس من غشه للعلماء أنه إذا كتب الإنسان مقالاً فيه حرف فيه خطأ وفيه صواب، يأخذ الخطأ ويترك الصواب، وربما كان هذا الصواب الذي حذفه مقيداً للخطأ، فيكون هذا مثل الذي يقول فويل للمصلين، أو يقول: لا تقربوا الصلاة، وهذه جناية -والعياذ بالله- وخيانة، وليست من النصيحة، لكن مع الأسف الشديد أن الحسد بين العلماء أكثر منه في غيرهم نسأل الله السلامة، مع أن الواجب على العلماء هو أن يكونوا يداً واحدة؛ لأنهم يحملون الشريعة، ثم إذا أتى الله أحداً منهم فضلاً فقد قال الله عز وجل:{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعضٍ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله} [النساء: 32]. أنت إذا رأيت الله قد من على شخص بعلم ودين وجاه فلا تحسده، بل قل: اللهم زده حتى ينفع الناس؛ لأن الإنسان إذا كان له جاه صار انتفاع الناس به أكثر فقل: اللهم زده وكما أعطيته فأعطني أسأل الله من فضله ولا تتمنى ما فضل الله به غيرك عليك.
رابعاً: من النصيحة للعلماء: نشر ما يبثونه من العلم بشريعة الله، وهذه مساعدة للعلماء؛ يعني مثلاً: عالم حضر عنده عشرون طالباً، إذا نشر كل واحد من هؤلاء علمه لعشرة أنفار كم يكونون؟ مائتين بالإضافة إلى العشرين، وهذه لا شك أنها من النصح للعلماء أن تنشر، علمه وسواء أضفت هذا إليهم فقلت: قال العالم الفلاني كذا أم لم تضفه؛ لأن الذي يعطي الأجر الله سبحانه، وهو عالم سبحانه وتعالى بمن نشر هذا العلم؛ ولهذا لا ينبغي للإنسان مثلاً أن يجزع إذا قال أحد بقوله ولم ينسبه إليه؛ لأن يقول: الحمد لله أنت لا تريد أن تشتهر عند الناس، ولا تريد رضا الناس، ولا تريد ثواب الناس إنما تريد ثواب الله عز وجل، فإذا نشر قولك سواء نسبه إليك أو لا فهذه من نعمة الله عليك ومن بركة علمك.
الخامس: من النصيحة للعلماء: أنك إذا رأيت العالم فعل ما يزدريه الناس به أن تنصحه وتقول: الناس انتقدوك في كذا حتى وإن لم يكن مسألة شرعية؛ لأنكم تعلمون أن العوام