المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وجوب إحسان القتلة: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌وجوب إحسان القتلة:

البقر أو الغنم، يعني: هربت وعجزنا عن إمساكها ورميناها حلت في أي موضع كان أصابه السهم.

‌وجوب إحسان القتلة:

1291 -

وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا بحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» رواه مسلم.

كتب: تأتي بمعنى فرض كما في قوله تعالى: {يأيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام} [البقرة: 183] وقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إنن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} [البقرة: 180] وقوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين} [المائدة: 45] وقوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة: 178].

فقوله: «كتب» الإحسان أي: فرضه وأوجبه ويحتمل أن المعنى كتبه أي: شرعه ويشمل الفرض والنفل بمعنى: أنه يشمل الإحسان الواجب والإحسان المستحب، وقوله:«على كل شيء» قيل: إن معنى «على» «في» أي: في كل شيء وليس هذا ببعيد وإذا جعلنا «على» على ظاهرها أنها للاستعلاء صار المعنى على فعل كل شيء، كل شيء يفعله الإنسان في غيره فإنه مفروض عليه الإحسان، قال:«فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» وهذا مثالان وإلا فيكون الإحسان أيضا في غير هذا، كالجلد والرض وما أشبه ذلك فيحسن الإنسان هذا كما يحسن القتلة والذبحة، وقوله: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين القتل وبين الذبح فالقتل فيما لا يجوز أكله، والذبح فيما يجوز أكله كالإبل والبقر والغنم، وقوله:«أحسنوا القتلة» هل الإحسان هو بالتسهيل أي: بتسهيل القتل واستعمال أقرب الطرق إلى القتل بالسهولة، أو يراد بالإحسان موافقة الشرع؟

الثاني، المراد هو: الثاني، ولهذا نرى أن الرجل إذا زنى وهو محصن فرجم بالحجارة، نرى أن هذا من إحسان القتلة لموافقته للشرع مع أنه لو قتل بالسيف لكان أسهل، وقوله:«القتلة» ولم يقل: القتلة- أي: بالفتح- والفرق بينهما أن فعلة للهيئة وفعلة للمرة كما قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:

(وفعلة لمرة كجلبه

وفعله لهيئته كجلسه)

ص: 60

وعلى هذا فإذا قلت: وئب الرجل على المعتدي وثبة الأسد أو وثبة؟ وثبة بالكسر لأن المراد الهيئة، أما المرة فهذه تعود إلى نفس الأسد، وعلى هذا تكون القتلة بالكسر أي: هيئة القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة يقال فيها مثل ما قيل في قوله: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» لكن هذه فيما يؤكل وكذلك إذا نحرتم فأحسنوا النحر وإذا رميتم فأحسنوا الرمي.

المهم أن هذين المثالين ليس على سبيل الحصر ثم قال: «وليحد أحدكم شفرته» اللام هنا لام الأمر ولهذا جاءت ساكنة بعد الواو لأن لام الأمر تسكن إذا وقعت بعد حروف ثلاثة وهي «الواو، وثم، والفاء» قال الله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] وقال تعالى: {ثم ليقطع فلينظر} [الحج: 15].

وأما لام التعليل فإنها مكسورة بكل حال وإن وقعت بعد هذه الحروف، وبهذا نعرف غلط من يقرأ قول الله تعالى:«هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد» وجه الغلط: أنه سكن اللام مع وجوب الكسر وهذا اللحن هل يغير المعنى؟ نعم يغير المعنى، ولهذا يجب الفتح على الإمام إذا قرأ هكذا ولينذروا به وليذكر فيقال: ولينذروا وليذكر أولوا الألباب لئلا يختلف المعنى.

وقوله: «شفرته» الشفرة، قيل: إنها السكين العظيمة الكبيرة، والأظهر أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: مطلق السكاكين، يعني: سكينة، وقوله:«شفرته» أي: الشفرة التي يذبح بها سواء أكانت ملكاً له أو ملكاً لغيره؛ لأن الإنسان قد يستعير السكين ليذبح بها لكنها أضيفت إليه والإضافة تكون لأدنى ملابسة، «وليرح ذبيحته» اللام هنا لام الأمر لأن اللام بعد الواو ساكنة.

فإذا قال قائل: ونستطيع أن نقول: وليرح بالكسر؟ نقول فيه دليل في الفعل لأنها لو كانت لام التعليل لقال: وليريح ذبيحته، وقوله: ذبيحته فعلية بمعنى مفعولة أي: مذبوحته وهل الجملتان بمعنى واحد «وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» لأن حد الشفرة يريح الذبيحة أو هما معنيان مختلفان؟

الجواب: الثاني وهو: أنهما معنيان مختلفان: الراحة لا شك أن حد الشفرة مريح للذبيحة لكن المراد بالإراحة ما هو أشمل وأعم وذلك بأن يذبحها بقوة ونشاط وعزم لا يرخى يده عند الذبح بل يجذب بقوة هذا هو الإراحة، السكين إذا كان حاداً لكن الذابح ضعيف يذبح خفيفاً هل تنفع حدة الشفرة؟ لا، ولهذا قال وليرح ذبيحته بحيث يذبح بقوة ونشاط وسرعة.

في هذا الحديث فوائد: منها: حب الله عز وجل للإحسان لأنه تعالى محسن للعباد ويحب الإحسان إلى العباد، وجه الدلالة: أن الله كتب الإحسان على كل شيء ولولا محبته له ما كتبه على عباده إذ إنه لا يلزم العباد بما لا يحب بل ولا يشرع لهم ما لا يحب إطلاقاً ولهذا الشرع يتعلق بما يحب.

ص: 61

ومن فوائد هذا الحديث: أن الإحسان شامل لكل شيء، إن قابلت أخاك بوجه طلق فهذا إحسان وإن قابلته بوجه عابس فهذا إحسان! نعم، إذا كانت المصلحة تقتضي أن تقابله بوجه عابس فهذا إحسان، ولهذا نجلد الزاني ونرجمه ويعد ذلك إحساناً له ولغيره أما لغيره فظاهر لأن الإنسان إذا علم أنه فعل الفاحشة حد بالجلد أو بالرجم امتنع وهو إحسان له أيضاً؛ لأن هذا الحد يكون كفارة له لا يعاقب عليه في الآخرة ولا يجمع الله تعالى له بين عقوبتين.

إذن إن قابلت أخاك بوجه طلق فهو إحسان، وبوجه عابس فهو إحسان لكن لابد من قيد وهو إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، وهل لي أن أقول: إذا قابلت أخاك بوجه منبسط فهو إساءة؟ نعم، يمكن لكن بشرط إذا كان هذا يؤدي إلى تماديه في الإساءة؛ إنسان يعرف أن هذا رجل مجرم، ثم إذا قابله، قابله بوجه الرضا والانبساط، هذا العمل وإن كان خيراً في ذاته لكنه يؤدي إلى مفسدة وهي استمرار هذا المجرم في إجرامه، وبهذا نعرف أن المصالح الشرعية ليست مرتبة على الهيئات والأحوال بل على تحقيق المصالح الخالصة أو الراجحة.

ومن فوائد الحديث: وجوب إحسان القتلة، إذا وجب على الإنسان القتل فإنه يجب إحسان القتلة [بأن] يسلك في قتله أقرب الطرق إلى إزهاق روحه بدون تعذيب، وأقرب شيء في ذلك هو السيف.

ولكن لو قال قائل: إذا وجدنا طريقاً أسهل من القتل بالسيف بأن يقتل بالرصاص على نخاعه أو في رأسه أو بالصعق الكهربائي ألا نسلكه؟ قد يقول قائل: إن الصعق الكهربائي أسهل وقد يقول قائل: ليس بأسهل وحينئذ نرجع إلى رأي الاختصاصيين في هذا ولا يرد على ذلك أن يقال: إن هذا لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم توجد هذه الأداة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أما قتله بالرصاص فهذا قد جرى به العرف الآن كثيراً من الذين يقتلون؛ يقتلون بالرصاص فإذا ثبت أن هذا أسهل فإنه يسلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحسان القتلة ولم يعين فيرجع إلى أهل الاختصاص في هذا.

هل يقاس على ذلك إذا قطعتم عضواً في قصاص أو في حد فأحسنوا القطع؟ نعم، يدخل في هذا إذا وجب قطع يد قصاصها فلا شك أن من الإحسان أن يبنج من تقطع يده فهل يبنج؟ لا؛ لأننا إذا بنجناه أحسنا من وجه وأسأنا من وجه آخر، أحسنا من جهة إراحة هذا المقطوع لكن أسأنا القصاص؛ لأن الذي اعتدى عليه قد ذاق ألم القطع، وتمام القصاص أن المقتص منه يذوق الألم كما ذاقه الأول.

وفي السرقة هل يجوز أن نستعمل البنج عند قطع يد السارق؟ الجواب: نعم؛ لأن هذا ليس قصاصاً بل المقصود قطع اليد وقد حصل فيفرق بين هذا وهذا.

ص: 62

ومن فوائد الحديث: وجوب الإحسان في الذبح بأن يضجع البهيمة برفق عند ذبحها على الجنب الأيسر إن كان ممن يذبح باليمنى أو بالأيمن إن كان ممن يذبح باليسرى لأن هذا هو الذي به الراحة لأن الذي يذبح باليمنى إذا أضجعها على الأيسر سهل عليه الذبح لأنه سوف يضع يده على صفحة العنق ويمسك بالرأس ويذبح، والذي لا يذبح إلا باليسرى لو أنه أضجعها على الجنب الأيسر لكان في ذلك تعب عليه وعلى البهيمة فتضجع على الجنب الأيمن ويمسك الرأس باليد اليمنى ويضع رجله على صفحة العنق ويذبح باليسرى.

وهل من ذلك أن يعرضها على الماء؟ نقول في هذا تفصيل: إذا كان يخشى إنها عطشى فليعرض الماء عليها وإلا فلا حاجة، لو كان يعلم أننا في الشتاء ولا تحتاج إلى ماء أو أننا في الصيف ولكنها شربت قبل قليل فلا حاجة؛ ولهذا لا أذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض الماء على الذبيحة إذا ذبح ولو كان هذا من السنة المطلقة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم إما بقوله أو بفعله لكنه إذا كان يخشى أن تكون عطشي وعرض عليها الماء لتبرأ ذمته من إساءة الإنفاق عليها ومراعاتها فهذا حسن لا بأس به.

وهل من الإحسان أن يمسك بيديها ورجليها؟ ليس من الإحسان، من الإحسان أن يدعها تتحرك بأرجلها الأربع، لأن هذا أريح لها ولأن هذا أشد في تفريغ الدم، وتفريغ الدم من الذبيحة أمر مقصود للشرع، وأما ما يفعله بعض الناس الآن تجد الرجل القوي الكبير الجسم إذا أراد الذابح أن يذبح البهيمة برك عليها وأمسك بيديها ورجليها فهذا لا شك أنه تعذيب لها، هذا الرجل الكبير الجسم إذا برك عليها سوف يؤلمها ويضيق نفسها.

فالأولى ألا تمسك اليدان والرجلان، الرقبة توضع الرجل عليها لأن هذا أريح للذبيحة عند ذبحها.

هل من الإحسان أن توجه إلى القبلة؟ ذكر الفقهاء أنه يستحب أن توجه إلى القبلة إذا كانت تذبح تعبداً مثل الأضحية وأما الذبح للأكل، فلا فهذه ليست عبادة فلا يتوجه القول باستحباب استقبال القبلة، وعلى كل حال حتى لو كانت الذبيحة تعبداً لله فإن استقبال القبلة ليس بشرط خلافاً للعامة، العامة يقولون: لابد من استقبال القبلة ويرون أنه من شروط صحة الذكاة، ومثل هذه الأمور ينبغي لطلبة العلم أن ينشروا بيان حكمها للعامة، لأنه ربما يذبح العامي في مكان

ص: 63