الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجب عليها من الشكر لله ما لا يجب على غيرها، وانظر إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم:{من يأت منكن بفاحشة مبينةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30]. {* ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صلحاً نؤتها أجرها مرتين} فلكرمهن عند الله ضوعف لهن في الثواب وضوعف عليهن في العقاب وهذا هو الموافق للفطرة؛ لأننا لو فرضنا أن رجلاً صديقاً لك يظهر المودة في قلبه ولسانه فأساء إليك أدنى إساءة تجد أن هذه الإساءة في حقه عظيمة جداً، لكن لو أساء إليك بها أو بما هو أعظم منها شخص آخر لكان ذلك عندك أهون؛ فلهذا نقول: إذا كان الشح سبباً لإهلاك من قبلنا فإنه سيكون سبباً لإهلاكنا والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: فإنه أهلك من كان قبلكم عبر الخاطر، بل قال ذلك تحذيراً.
إذن يستفاد منه: أن ما جرى على من سبقنا بعمل فإنه يوشك أن يجري علينا بعمل آخر، إلا أنه يستثنى من ذلك مسألة واحدة وهي أن الله -تعالى- أجاب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل الله ألا يهلك أمته بسنة عامة، فهذه الأمة لن تهلك على سبيل العموم كما هلك من هلك من الأمم السابقة.
الرياء:
1424 -
وعن محمود بن لبيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر: الرياء". أخرجه أحمد بسندٍ حسنٍ.
لماذا لم يقل: الشرك؟ لأن الشرك خبر إن، وأما قوله:"ما أخاف" هذه صلة الموصول يقول صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف عليكم من الأعمال الباطنة هو الشرك الأصغر" المؤلف رحمه الله اختصره فقال: الرياء والحديث بطوله فسئل عنه فقال: الرياء، قال الرياء: هو أخوف ما يخاف علينا من الشرك الأصغر".
تعريف الرياء لغة وشرعاً:
والرياء: مصدر راءى يرائي يرياءً كجاهد يجاهد جهاداً، هل هناك مصدر آخر لراءى؟
نعم مراءاة كما أن جاهد له مصدر آخر وهو مجاهدة فما هو الرياء؟
الرياء: أن يحسن الإنسان عبادته ليراه الناس فيتقرب إليهم بذلك، وإن شئت فقل: أن يظهر الإنسان عبادته ليراه الناس فيمدحوه بذلك سواء أظهرها على وجه حسن أو على وجه عادي وسمي رياء؛ لأن الإنسان يراعي فيه رؤية الناس، وهل إذا كان يقول قولاً فيظهره للناس من أجل أن يمدحوه عليه هل يدخل في هذا؟ نعم يدخل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به".
في هذا الحديث: شفة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته لقوله: "أخوف ما أخاف عليكم".
وفي أيضاً: أن السيئات تختلف بعضها أشد خطراً من بعض لقوله: "أخوف ما أخاف" لأن أخوف اسم تفضيل واسم التفضيل لابد فيه من مفضل ومفضل عليه فالرسول صلى الله عليه وسلم يخاف منا أن نعمل عملاً سيئاً لكن يختلف خوفه بعضه أشد من بعض.
ومن فوائد الحديث: انقسام الشرك إلى قسمين أصغر وأكبر فهل هناك ضابط؟
نقول: الضابط إن أردت ضابطاً حكمياً فهناك ضابط وإن أردت ضابطاً ذاتياً يعني حداً فهناك أيضاً ضابط، أما الضابط الحكمي فيقال: الشرك الأكبر ما يخرج به الإنسان من الملة وهذا يسمى تعريفاً بالحكم، والتعريف بالحكم عند أهل الكلام معيب ومردود كما قال الناظم:
(وعندهم من جملة المردود
…
أن تدخل الأحكام في الحدود)
وأما التعريف بالحد الذاتي فيقال: الشرك الأصغر ما كان وسيلة لأكبر غالباً، الرياء وسيلة للشرك الأكبر؛ لأنه يتدرج بالإنسان حتى يصل إلى عبادة الناس، هو الآن يعبد الله لكن يزين العبادة ليمدحه الناس عليها فيتقرب بالعبادة إلى الناس، لكنه يجره الأمر إلى أن يعبد الناس، فلهذا نقول: هو شرك أصغر، ورأيت ابن القيم رحمه الله يعبر عن الشرك الأصغر بما يتعلق بالرياء فيقول: يسير الرياء؛ لأن الرياء الكثير الأكبر هذا يحبط العمل، فإذا كان الإنسان يرائي في كل عبادة لم يبق عنده عبادة.
إذن نأخذ من هذا الحديث: انقسام الشرك إلى أكبر وأصغر، والضابط في الحكم أن الشرك الأصغر ما لا يخرج به من الملة، والأكبر ما يخرج به من الملة، في الحد الذاتي نقول: الشرك الأصغر ما كان وسيلة وذريعة إلى الشرك الأكبر، من الشرك الأصغر تعليق التمائم لماذا؟
لأنه وسيلة إلى الإشراك في الربوبية حيث يعتقد أن التمائم سبب لمنع الضر أو الشفاء من المرض فيتعلق قلبه بها وربما يتدرج حتى يعتقد أن السبب نفسه هو الذي يكشف الضر فيكون شركاً أكبر.
ومن فوائد الحديث: تحريم الرياء؛ لأنه من الشرك الأصغر، ولكن هل يدخل في الذنوب التي هي تحت المشيئة أو نقول لابد من المجازاة عليه ما لم يتب منه؟
فيه خلاف فمن العلماء من يقول: إن قول الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]. يراد به الشرك الأكبر لقوله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة: 72]. وأما الشرك الأصغر فإنه داخل
في المشيئة، فتكون كل الذنوب وإن عظمت ما عدا الكفر والشرك داخلة تحت المشيئة، ومنهم من يقول: الشرك أعظم من الكبائر قال ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً، مع أن الحلف بالله كاذباً من كبائر الذنوب فتكون سيئة الشرك سيئة قبيحة لا يمكن أن تدخل تحت المشيئة، ويؤيد هؤلاء قولهم بنفس الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به} قالوا: إن "أن" هنا مصدرية يؤول ما بعدها بالمصدر فيصير تقدير الآية إن الله لا يغفر شركاً به، ويكون شركاً هنا نكرة في سياق النفي فتعم، وعلى كل حال الشرك ولو كان أصغر صاحبه في خطر يجب عليه أن يتوب منه ومن جميع الذنوب، لكنه يتأكد في حقه لأنه ليس داخلاً تحت المشيئة على رأي بعض العلماء، هذا بالنسبة لحكم الرياء لكن ما حكم العبادة إذا اقترن بها الرياء وهذا مهم جداً؟
نقول: إن اقترن الرياء بالعبادة من أصلها فهي باطلة لا تقبل من الإنسان لا فريضة ولا نافلة لقول الله -تعالى- في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" حتى لو كانت صدقة، إنسان رأى الناس يتصدقون فقام يتصدق مراءاة نقول: هذا غير مقبول، أو صلاة رأى الناس ينظرون إليه فقام يصلي هذا لا تقبل صلاته فإن رآءي في وسط العبادة بأن زين صلاته ولكن أصل العبادة لله فهل تبطل العبادة أو يبطل الثواب الحاصل بتحسينها؟
الثاني هذا مقتضى عدل الله أن يحفظ العمل الذي حل فيه الرياء، وأما الأصل فلا يحبط عمله لأنه فعله لله، الآن إذا كان الرياء مشاركاً للعبادة من أصلها فهي باطلة، إذا طرأ عليها يعني أن الرجل قام يصلي لله لكن لما رأى الناس حوله شعر بأنه طرأ عليه الرياء في أثناء العبادة فهل تبطل العبادة؟
نقول: في ذلك تفصيل إن كانت العبادة يتعلق آخرها بأولها بطلت، وإن كان لا يتعلق آخرها بأولها لم تبطل، مثال الأول: الصلاة طرأ الرياء عليه في أثناء الصلاة يبطلها كما لو أحدث في أثناء الصلاة فإنه يبطلها، فهنا وجد المبطل في أثناء الصلاة والصلاة آخرها يتبع أولها فنقول: إن الصلاة كلها باطلة، أما إذا كان لا ينبني آخرها على أولها فإنه يبطل ما حصل