الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قوله: «من جر ثوبه خيلاء» النساء فقد رخص لهن بأن تجر المرأة ثوبها إلى زراع لئلا تتكشف أقدامهن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم روجع في ذلك فأذن إلى ذراع وكنا نعهد أن النساء يرخين أذيال ثيابهن إلى نحو ذراع، تجد المرأة ذيل ثيابها وراءها، أما الآن فالمرأة في بعض البلاد الإسلامية إلى نصف الساق ينكشف القدم ونصف الساق وربما ارتفع فوق ذلك أيضًا فصارت المسألة بالعكس مع أن بعض الرجال يجر ثوبه على شبر تقريبًا فصار لباس الرجال للنساء ولباس النساء للرجال، هل يقاس على الثوب ما سواه؟ مثلاً يكون خيلاء في العمامة؟
الجواب نعم، يقاس عليه وقد جاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالعمامة ممكن أن يكون فيها خيلاء بتكبيرها بحيث يجعلها عشر ليات أو عشرين لية، ثانيًا بتطويل الذؤابة، حتى تصل قريبًا من الأرض هذه خيلاء، وقد نص على ذلك أهل العلم، وهل يقاس على ذلك الأكمام؟
الجواب: نعم، فإن بعض الناس يكون عنده خيلاء في الأكمام نجد كمه واسعًا جدًا على سعة قميصه هذا خيلاء، إذن ما هو الضابط؟
الضابط ما خرج عن العادة فهو خيلاء سرف وخيلاء سواء في العمامة، أو في المشلح أو في الثوب أو في الإزار أو في القميص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الإزار مثلا ليس معناه الاقتصار عليه بل هذا كالمثل، أو لأنه في عهده غالب الناس يلبس الإزار.
النهي عن الأكل والشرب بالشمال:
1393 -
وعنه رضي الله عنه، أن رسول الله عليه وسلم قال:«إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله» . أخرجه مسلم.
قوله: "إذا أكل" الأكل هل الإنسان يتناوله بمقتضى الطبيعة؟
نعم، إذن فليس هناك سنة في نفس الأكل؛ لأن الإنسان يتناوله بمقتضى الطبيعة، لكن لو فرض أنه أضرب عن الطعام صار الأكل في حقه حينئذٍ واجبًا لإنقاذ نفس، وإذا مات في حال إضرابه فقد قتل نفسه، فيكون في النار خالدًا فيها مخلدًا، الأكل يكون بمقتضى الطبيعة ومقتضى الطبيعة ليس فيه تأس كما عرف ذلك من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون هذا الشيء الذي هو مقتضى الطبيعة والجبلة يكون له صفات مشروعة منها الأكل
باليمين؛ ولهذا قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه» ، الشرب باليمين هذا سنة كونك تتناول الأكل باليمين والشرب باليمين، هذا من السنة المأمور بها، وسيأتي في الفوائد ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بذلك لأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، ونحن منهيون عن إتباع خطوات الشيطان {يأيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} [النور: 21]. {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة: 168]. وإذا كان كذلك فلن يقدونا إلا إلى الشر.
في هذا الحديث فوائد: أولاً: إكرام اليمين؛ لأننا أمرنا أن نأكل بها، ومعلوم أن الأكل غذاء للبدن، فيكون المتفضل بالغذاء هي اليد اليمنى، ثانيًا: وجوب الأكل باليمين، إذا قال قائلك من أين أخذت ذلك؟
قلنا: من كون الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، نقول: الأمر هنا للوجوب، ويؤيد ذلك أنه ورد بصيغة أخرى "لا يأكل بشماله ولا يشرب بشماله"، فاجتمع فيه الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال، إذن الأكل باليمين واجب، الشرب باليمين واجب القاعدة الشرعية أن الواجب يسقط مع العجز فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يرفع يده اليمنى لشلل، أو مرض جاز له أن يأكل بالشمال للضرورة.
ومن فوائد الحديث: تحريم الشرب بالشمال، وإذا كان كذلك فإن المحرم لا يرتفع التحريم فيه إلا للضرورة؛ لقوله تعالى:{وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام: 119]. وعلى هذا يتبين خطأ أولئك القوم الذين إذا احتاجوا إلى الماء على الطعام أخذوه بشمالهم، هذا لا يجوز، يدعي أنه يلوث الكأس أو الإناء، جوابنا على هذا أن نقول: أولاً: يمكن أن تمسك باليمين بدون تلويث فالكأس مثلاً ممكن أن تجعله بين الإبهام والسبابة وتمسكه من أسفل، هذه واحدة، ثانيا في الوقت الحاضر كثير من الناس يشربون من كئوس لا يشرب منها غيرهم، وهي البلاستيك يشرب بها وترمى، وإذا لوثها يلوثها على من؟
لا أحد، ثالثًا: لو قدرنا أنك لوثتها فهل تتلوث بنجاسة؟
تتلوث بطعام، وليس في ذلك أكثر من المرأة أو الخادم تغسل الإناء، وهل تلوث الإناء بالطعام يضطر الإنسان إلى أن يشرب بالشمال؟
لا لكن التهاون تهاون الناس وتقليد بعضهم بعضًا هو الذي جعلهم يقدمون على هذا العمل المحرم.
ومن فوائد الحديث: أن الشيطان يأكل ويشرب؛ لقوله: «فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» : وهذا له أدلة كثيرة منها: أن الإنسان إذا لم يسم الله على الأكل والشرب شاركه الشيطان في ذلك، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها قصة أبي هريرة مع الشيطان حين جاء وأكل من الطعام وقال: إنه ذو حاجة عيال، وينبي على هذه الفائدة أن الشيطان له جرم، وهو كذلك، فيشكل على هذا كيف يكون له جرم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه يجري من ابن آدم مجرى الدم كيف ذلك؟ والإنسان لا يشعر بأن الجرم يجخل في عروقه، أجاب بعض العلماء الذين ينحون إلى تحيكم العقل قالوا: إنه لا يجري حقيقة في العروق، ولكنه يجري في الوساوس، يعني: يوسوس للإنسان، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم «يجري من ابن آدم مجرى الدم» يعني: يوسوس له حتى يصل إلى قلبه الذي يصل إليه الدم، ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ، ونحن نقول: يجري حقيقة أليس في الدم كريات تجري في الدم ألا يمكن أن الشيطان يتصاغر حتى يكون مثل هذه الكريات ويدخل؟
ممكن، فهذا غير مستحيل عقلاً، وعلى هذا فالشيطان يمكن أن يتلبس ويكون بصورة الآدمي، ويكون بصورة أخرى، ويكون صغيرًا بحيث يجري من العروق من غير أن يشعر به الإنسان.
ومن فوائد الحديث: النهي عن التشبه بالكفار لأننا نهينا عن التشبه بالشيطان والشيطان رأس الكفر وهذا نقوله من باب تعدد الأدلة على النهي عن التشبه بالكفار، وإلا فقد وردت الأدلة صريحة في أن الرسول نهى عن التشبه بالكفار، وقال:«من تشبه بقوم فهو منهم» .
ومن فوائد الحديث: نصح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة حين أرشدهم إلى هذا الأمر الذي يخفى عليهم وهو أنه أمرهم أن يأكلوا باليمين ويشربوا باليمين، وأخبرهم أن الشيطان يأكل بالشمال ويشرب بالشمال، ونحن لا علم لنا في هذه الأمور إلا عن طريق الوحي.