المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

صلى الله عليه وسلم هل هذه المرأة سمت الله عليها - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: صلى الله عليه وسلم هل هذه المرأة سمت الله عليها

صلى الله عليه وسلم هل هذه المرأة سمت الله عليها أم لا؟ بل أمر بالأكل لأن الأصل في الأفعال الواقعة من أهلها السلامة وصحة التصرف.

ومن فوائد الحديث: ورع الصحابة- رضي الله عنهم حيث لم يأكلوها حتى سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بأكلها.

ومن فوائد الحديث: أن الأمر يأتي بمعنى الإذن لأن قوله: «أمر» ليس معناه أمر تعبدي بمعنى أنه يلزمهم أن يفعلوا ذلك ولكنه أمر بمعنى الإذن، وهكذا كل أمر بعد استئذان فهو للإباحة وليس للوجوب ولا للاستحباب إلا بدليل خارجي أما مجرد الأمر الواقع جواباً للاستئذان فإنه يكون للإباحة وهذا هو الأصل.

‌شروط الذبح:

1289 -

وعن رافع بن خديج رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر؛ أما السن؛ فعظم: وأما الظفر: فمدى الحبشة» متفق عليه.

قوله: «ما أنهر الدم» هذه ما شرطية، «وأنهر» فعل الشرط وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو «والدم» مفعول به وقوله:«وذكر اسم الله عليه» معطوف على فعل الشرط، وقوله:«فكل» هذا هو جواب الشرط واقترنت الفاء به لأنه طلب وإذا كانت جملة الجواب طلباً وجب اقترانها بالفاء وعلى هذا بيت مشهور فيما يجب اقترانه بالفاء:

(اسمية طلبية ويجامد

وبما ولن وبقد وبالتفيس)

من أي هذه الأحكام السبعة هنا في الحديث؟ الطلبية وقوله: «ليس السن» ليس هذه أداة استثناء واسمها مستتر وجوباً، وليس كما نعلم يستتر اسمها وجوباً إلا إذا كانت أداة استثناء فإن اسمها يكون اسمها مصدرا وجوباً، والسن خبرها، وأما قوله:«فأما السن» فأما هذه حرف شرط وتفصيل، والسن مبتدأ وعظم خبر المبتدأ، ويقال: كذلك في «فأما الظفر فمدى الحبشة» يقول النبي صلى الله عليه وسلم أي شيء أنهر الدم من حديد وخشب ورصاص وذهب وفضة، أي شيء أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، واستفدنا العموم من أداة الشرط لأن جميع أدوات الشرط الأسمية تفيد العموم كل اسم شرط فإنه مفيد للعموم، وعلى هذا فيشمل كل ما أنهر الدم من أي مادة كان الزجاج يدخل في هذا، ويدل على العموم الاستثناء حيث قال: ليس السن والظفر، وقد ذكر الأصوليون ضابطاً في هذه المسألة فقالوا: الاستثناء معيار العموم وهذا واضح لأن الشيء إذا

ص: 50

تناول أشياء كثيرة ثم أخرج منه بعض الأفراد علم أن ما سوى هذا المخرج داخل في اللفظ لكن لو قال قائل: العموم يستثنى منه الذهب والفضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في صحائفهما والشرب في صحائفهما قلنا النهي الوارد في الأكل والشرب ولا يصح أن يقاس غيرهما عليهما لظهور الفرق وحتى لو قلنا بتحريم ذلك فإنه لا يلزم من تحريمهما؛ أي: تحريم استعمالهما فهو حرام حتى في تقشير البصل يكون حراماً فليس تحريم ذلك خاصاً بالذبيحة وعلى هذا فالذبيحة حلال مع تحريم الفعل على القاعدة أن النهي العام لا يقتضي بطلان الخاص.

وقوله: «ذكر اسم الله عليه» «ذكر» لم يبين من الذاكر، ولكن الأحاديث السابقة في الصيد تدل على أن الذكر لابد أن يكون من الفاعل فيكون المراد بذكر اسم الله أن يكون الفاعل هو الذاكر فلو أن أحداً ذبح وآخر ذكر فالذبيحة حرام، وقوله:«اسم الله» هل المراد هذا اللفظ المعين الذي هو لفظ الجلالة أو أنه عام لأن «اسم» مفرد مضاف إلى الرب عز وجل فيشمل كل اسم من أسماء الله؟

فالجواب الثاني إذا ذكر اسم الله الخاص به فإنه يحصل به المقصود وقوله: «فكل» الأمر هنا للإباحة، ولكن لا يعني ذلك أنه يجوز أن ترمى هذه الذبيحة، لأن رميها إفساد للمال وإضاعة له لكن نقول: لا يلزم أن تأكل، ممكن أن تبيعها على أحد ولا تأكل، وعلى هذا فيكون الأمر للإباحة على كل حال لكن لا يعني ذلك جواز ترك الأكل ورميها بدون فائدة.

وقوله: ليس السن والظفر، السن هنا مطلق فهل نقول: إن المراد به سن الإنسان أو سن الحيوان؟ وهل المراد المتصل أو المنفصل؟ بمعنى لو وجدنا سناً منفصلاً وذبحنا به لم يدخل في الاستثناء أو هو عام؟ الظاهر أنه عام لأنه ليس هناك قرينة تدل على التخصيص وعلى هذا فيتناول السن على أي وجه كان سواء كان متصلاً أو منفصلاً وسواء كان من إنسان أو من حيوان أي: سن يذبح به فإنه لا تحل الذبيحة.

وقوله: الظفر ما المراد به؟ هل المراد ظفر الإنسان أو يشمل ظفر الإنسان والحيوان؟ وهل المراد المتصل أو المنفصل؟ الظاهر أن المراد ظفر الإنسان ويؤيد هذا قوله: أما الظفر فمدى الحبشة؛ لأن الحبشة هم الذين يطيلون أظفارهم ويذبحون بها وإلا لقلنا: إن الظفر عام كما قلنا إن السن عام.

في هذا فوائد: منها: اشتراط إنهار الدم لحل الذبيحة وجه ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم علق حل الأكل على إنهار الدم، والمعلق على شرط لا يتم إلا بوجود ذلك الشرط، فلابد من إنهار الدم وهذا أصرح حديث فيما يجب قطعه عند الذبح.

ص: 51

وهذه المسألة اختلف العلماء- رحمهم الله فيها هل يكفي إنهار الدم بدون قطع الحلقوم والمريء أو لابد من قطع الحلقوم والمريء؟ وهل إذا قلنا: لابد من قطع الحلقوم والمريء يكتفي بهما عن إنهار الدم أو لابد مع ذلك من إنهار الدم.

نقول: إن الحديث ظاهر في أنه لابد من إنهار الدم وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلقوم هو مجرى النفس وعن المريء الذي هو مجرى الطعام سكت عنه.

قد يقول قائل: سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عنها لأن من أنهر الدم من الودجين فقد قطع الحلقوم والمريء إذ إن الحلقوم أبرز من الودجين فإذا قطع الودجين فلابد أن يقطع الحلقوم والمريء، فيقال: هذا ليس بصحيح؛ إذ قد يقطع الودجين دون أن يقطع الحلقوم والمريء مثل أن يقطعها بمبراة صغيرة يقطع العرق وكذلك العرق الآخر فليس بلازم أنه إذا قطع الودجين قطع الحلقوم والمريء.

وليعلم أن أكمل الحالات أن يقطع الأشياء الأربعة: الودجين والحلقوم والمريء هذا أطيب شيء وأذكى شيء يحصل بذلك إنهار الدم وقطع مادة الحياة التي هي الحلقوم والثاني المريء لأن الحلقوم به قطع النفس والمريء قطع الطعام والشراب وبالنفس والشراب تكون الحياة كما أن بالدم تكون الحياة فأكمل ذلك أن تقطع الأربعة.

يلي هذا أن تقطع الودجين والحلقوم فإن الصحيح أن الذبيحة تحل بقطع الودجين والمريء يلي ذلك أن تقطع الودجين مع المريء وهذه صعبة لأن المريء داخل الحلقوم، يعني: تحته لكن قد يكون مثلا إنسان رمى بندقية وأصابت الودجين، يعني: رماها لأنه غير قادر على الذبح أو قادر ولكن أصاب الودجين والمريء المهم يكون هذا هو المرتبة الثالثة.

المرتبة الرابعة: قطع الودجين فقط وهذا أيضاً تحل به الذبيحة، الدليل أن في ذلك إنهار للدم ولهذا إذا قطع الودجين فإنه يراهما يشحبان دماً.

المرتبة الخامسة: أن يقطع المريء والحلقوم دون الودجين ففي حل ذلك خلاف والمشهور من المذهب أنها تحل وأن الشرط هو قطع الحلقوم والمريء وإن لم يقطع الودجين لكن القول بالحل هنا فيه نظر، وجه النظر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه» وهذا لا ينهر الدم، صحيح أنه بعد مدة طويلة يموت الحيوان لأنه ينضب الدم لكنه لا ينهره وأيضاً قد روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح ولا تفرى الأوداج وهذا الحديث وإن كان فيه مقال لكنه يشهد له حديث ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل.

ص: 52

المرتبة السادسة: أن يقطع الحلقوم وحده فقط فهذه لا تجزئ قولاً واحداً حتى على المذهب لا تجزئ.

المرتبة السابعة: أن يقطع المريء وحده فهذه لا تجزئ أيضاً، بقى عندنا أن يقطع أحد الودجين فهذه أيضا لا تحل؛ لأنه لا يحصل بذلك إنهار الدم، فصار الآن عندنا أكمل الحالات في الزكاة أن يقطع الأربع الودجين والحلقوم والمريء.

من فوائد الحديث: أن الذبيحة لا تحل إلا إذا ذكر اسم الله عليها لقوله: «وذكر اسم الله عليها» بأن يقال: باسم الله، لو أن الإنسان قال: يا الله ثم ذبح فهذا لا يجزئ؛ لأن هذا لا يقال له: ذكر، يقال له: دعاء، ولابد من ذكر اسم الله.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا نسي اسم الله، أي: نسي أن يذكر اسم الله عليه فإن الذبيحة لا تحل، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذكر اسم الله شرطاً والشرط لا يسقط بالنسيان، ولأن الله تعالى قال في القرآن الكريم:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] فنهانا أن نأكل مما لم يذكر اسم الله عليه سواء تركت التسمية عمداً أو سهواً أو جهلاً.

فإن قال قائل: أليس الله يقول: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286].

قلنا: بلى، ولهذا لو أكل الإنسان مما لم يسم عليه ناسيا أو جاهلاً لم يعاقب ولم يؤاخذ لكن هنا شيئان: فعل الذابح وفعل الآكل كلاهما إذا وقع نسيانا أو جهلا فلا إثم؛ فالذابح إذا نسي أن يسمي فلا إثم عليه، وكذلك إذا جهل، يبقى عندنا الآكل الآن وقف هذا الآكل على ذبيحة لم يسم عليها فهل له أن يأكل؟

لا؛ لأن الذي سقط عنه الإثم الذابح، أما الآكل فالآن هو يعلم أن هذه ذبيحة لم يسم عليها فيحرم عليه الأكل فإن أكل ناسياً أو جاهلاً يظن أنه قد سمي عليها فلا شيء عليه، لا إثم عليه وليس في هذا معارضة للآية التي هي قوله تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن سنينا أو أخطأنا} لأننا نقول إذا أكل من الذبيحة التي لم يسم عليها ناسياً لم تصح صلاته ولم يأثم لأنه معفو عنه لكنها لا تبرأ بها ذمته لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة.

فإن قال قائل: ألستم تقولون إن الإنسان إذا صلى في ثوب نجس ناسياً فالصلاة صحيحة مع اشتراطكم طهارة الثوب للصلاة قلنا: بلى نقول بهذا لكن اشتراطنا طهارة الثوب للصلاة اشتراط عدمي؛ يعني: ألا يكون الثوب نجساً وأما اشتراطنا للوضوء إذا صلى ناسياً فهو شرط وجودي لابد من وجوده هذا هو الفرق.

ص: 53

فإذن قال قائل: إذا حرمتم متروك التسمية سهواً أو جهلاً أضعتم الأموال لأن هذا يقع كثيراً في الناس؟

قلنا: الأمر بالعكس، لأننا إذا قلنا بتحريم متروك التسمية سهواً أو جهلاً أقمنا الناس واستقام الناس على الذكر؛ لأن الإنسان إذا حرم بعيره وهي بخمسة آلاف ريال وقلنا: حرم أكلها، ارمها للكلاب فهل ينسي في المرة الثانية أن يسمي؟ لا ينسى ربما يسمى عشر مرات ويخشى أن التسمية الأولى فيها نقص حركة أو شيء لكن لو قلنا: بأنه مستحب فربما يتهاون.

ونظير هذا الاعتراض أعني أن يعترض الإنسان فيقول إذا حرمتم متروك التسمية سهواً أضعتم أموالاً كثيرة نظير هذا من اعترض على قطع يد السارق وقال: إذا قطعتم يد السارق جعلتم نصف الشعب أقطع، وهذا قرأناه في بعض المجلات، نقول: هذا بالعكس بل إذا قطعنا يد السارق قلت السرقة.

يوجد إشكال في إعراب الحديث وهو قوله: «ليس السن والظفر» فلماذا لم تكن مرفوعة على أنها اسم ليس؟ يقولون: إن هذه- أعني «ليس» في المكان- وما أشبهها أداة استثناء واسمها محذوف وجوباً، وعلى هذا فنقول: ليس فعل ماض وهو أداة استثناء، وإن شئنا قلنا: السن مستثنى كما نقول ذلك فيما بعد إلا، أو نقول: اسمها مستتر وجوباً والسن خبرها، والسن بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه العظم، والظفر: العلة فيه أنه مدى الحبشة، نرجع للفوائد.

من فوائد الحديث: أنه لابد لحل الذبيحة من إنهار الدم، لقوله:«ما أنهر الدم» ولكن هل هو من أي موضع؟ لا؛ لأنه لا يمكن إنهار الدم إلا من موضع واحد وهو الرقبة؛ لأنها مجمع العروق ويكون إنهار الدم بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا حصل إنهار الدم حلت الذبيحة وإن لم يقطع الحلقوم والمريء، وهذا هو القول الراجح، والمسألة فيها أقوال متعددة تصل إلى ستة أقوال؛ ولكنها كلها ليس عليها دليل واضح إلا هذا القول: إن الواجب هو قطع الودجين لأن بهما إنهار الدم، لكن لا شك أن الأكمل أن يقطع الأجزاء الأربعة وهما الودجان والحلقوم مجرى النفس والمريء مجرى الطعام والشراب.

ومن فوائد الحديث: أنه لا تحل الذبيحة إلا إذا ذكر اسم الله عليها لقوله: وذكر اسم الله عليها؛ لأن ذكر اسم الله عليها معطوفة على الشرط، والمعطوف على الشرط يكون شرطاً مثله، والجواب: قوله فكل.

ص: 54

واختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من يقول: إن التسمية سنة وليست بواجبة فإذا ذبح وسمى فهو أكمل وإذا ذبح ولم يسم فالذبيحة حلال، ولو كان عمداً، ومنهم من قال: إن التسمية واجبة ولكنها تسقط بالسهو والجهل لقول الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وقوله: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم ولكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب: 5].

ومنهم من يقول: إن التسمية شرط ولا تحل الذبيحة بدونها سواء تركها سهواً أو جهلاً.

وهذا القول أصح الأقوال وأشدها انطباقا على القواعد، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراط لحل الأكل شرطين: الأول إنهار الدم، والثاني التسمية فإذا كان اختلاط الشرط الأول وهو إنهار الدم موجباً لتحريم الذبيحة فكذلك إذا اختل الشرط الثاني ولا فرق، أرأيت لو أن إنساناً نسي وذبح الذبيحة من خلف العنق وماتت الذبيحة وصار الدم يخرج منها حتى نفد الدم وماتت لكنه نسي أتحل الذبيحة؟ لا تحل، وكذلك لو كان جاهلاً فذبحها من على الرقبة حتى ماتت نبض الدم وماتت فإنها لا تحل.

إذن ما الذي جعلنا نقول إذا نسي التسمية حلت وإذا جهل وجوبها حلت مع أن كلا الأمرين في شرط واحد لا وجه لذلك وأما قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فنقول: نعم لا يؤاخذ الإنسان إذا ذبحها بدون تسمية جاهلاً أو ناسياً وليس الشأن بالذبح الآن الذبح إذا كان ناسياً أو جاهلاً فإنه لا يأثم به بلا شك، الكلام على الأكل هذا الذي يأكلها علاماً ذاكراً غير مكره قد تعمد المعصية لقوله تعالى:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121].

ولهذا لو أن الإنسان أكل من هذه الذبيحة التي لم يسم عليها جهلاً أو نسياناً فلا شيء عليه لأن هناك فرقاً بين الذبح الذي هو فعل الذابح وبين الأكل الذي هو فعل الآكل فهما مفترقان فالذبح إذا تعمد الإنسان ترك التسمية [فيه] إنها لا تحل ولا إشكال في ذلك، لو نسي أو جهل فإنه ليس عليه إثم لأنه ناس أو جاهل، لكن يبقى الآكل إذا أراد أن يأكل قيل له هذه الذبيحة لم يسم الله عليها إذا أكل فقد تعمد مخالفة قول الله تعالى:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وإذا تأمل الإنسان المسألة وجد أن هذا هو الصواب من وجهين: أولاً: لظاهر النصوص، وثانياً لأنه أقرب إلى القواعد لأن الشرع لا سقط سهواً ولا جهلاً.

ص: 55

ولذلك لو أن إنساناً صلى بلا وضوء جاهلاً فلا تصح صلاته ولو صلى بغير وضوء ناسياً لم تصح صلاته وهكذا شأن الشروط.

يقول بعض الناس: إنه لو قيل بتحريم ما نسي ذكر اسم الله عليه لأدى ذلك إلى ضياع أموال كثيرة لأن النسيان يقع كثيراً من الناس فإذا قلنا: إن هذه البعير التي تساوي عشرة آلاف نسي أن يسمى الله عليها نقول: هي حرام، كيف نتلق هذا المال العظيم؟

نقول: لأنه لم يكن مالا حينما نسي أن يسمي الله عليه لم يكن مالا بل صار ميتة ولا إضاعة فيه ثم إنه فيما لو أراد أن ينحر بعيراً مرة أخرى هل سينسى؟ لن ينسى، وأظنه سوف يذكر اسم الله وهو مقبل على البعير قبل أن يبدأ في النحر لأنه يذكر الحلة الأولى.

وما هذه العلة إلا كتعليل بعضهم قطع يد السارق بأننا لو قطعنا يد السارق لزم أن يكون نصف المجتمع أشل! نقول: هذا خطأ، إذا قطعنا يد السارق امتنعت أمة تريد السرقة، ومنه أيضاً من قال القصاص وهو: قتل النفس بالنفس يؤدي أيضاً إلى كثرة الأموات والقتلى، نقول: هذا غير صحيح، لأن الله يقول:{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} [البقرة: 179]

ومن فوائد الحديث: هذا التأثير العظيم في التسمية لا حل الذبيحة إلا به ما يدل على بركة اسم الله عز ووجل وأنه يؤثر حتى في نتائج الأعمال وثمراتها، وهل هناك شيء يجب ذكر اسم الله عليه؟ الوضوء على قول كثير من العلماء، يجب أن نسمي عند الوضوء، وقاس عليه بعض العلماء الغسل والتيمم وكذلك يجب على القول الراجح عند الأكل والشرب لأنه إذا لم يسم الله عند أكله وشربه شاركه الشيطان في ذلك.

ومن فوائد الحديث: أن الأمر يستعمل بمعنى الإباحة وذلك فيما إذا كان الحظر متوهماً فإن الأمر يكون للإباحة لقوله: فكل؛ لأن معنى فكل فقد أبيح لك الأكل وليس المعنى أنه سيلزم بأن يأكل أو يندب له أن يأكل من الذبيحة ولكن المعنى أنه رفع عن المنع.

ومن فوائد الحديث: أن التذكية بالعظم والسن غير صحيحة، ولو كان جاهلاً؟ نعم، ولو كان جاهلاً فلو أن إنساناً ذبح أرنباً بعظم حاد وأنهر الدم فإنها لا تحل؛ لأن الآلة غير شرعية مستثناة «ليس السن والظفر»

فإن قال قائل: لو ذبح بسكين مغصوبة، استعمال السكين الآن محرم لأنها لغيره ولا يحل

ص: 56

للإنسان أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه فهل تحل الذبيحة؟ نعم، وذلك لأن السكين في حد ذاتها آلة ذبح وإنما يحرم الذبح بها لأنها ملك الغير ثم إن استعمال السكين في الذبح ليس منهياً عنه لذاته وإنما المنهي عنه هو استعمال المغصوب في أي وجه من وجوه الانتفاعات، وعلى هذا فنقول: إنه لو ذبح بآلة مغصوبة فعمله محرم والذبيحة حلال.

ومن فوائد الحديث: أن الزكاة لا تصح بالظفر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس السن والظفر» لكن هل المراد ظفر الإنسان أو أي ظفر يكون؟

فيه خلاف: بعض العلماء يقول: المراد بذلك ظفر الإنسان ومنهم من يقول: أي ظفر يكون والأمر محتمل أن يكون أي ظفر يكون، ويحتمل أن يكون ظفر الإنسان وهذا يرجع إلى عادة الحبشة هل هم يذبحون بأظفارهم أو بكل ظفر حيوان؟ الظاهر الأول وأن المراد ظفر الآدمي، لأن استعمال الظفر آلة للذبح يستلزم أن يبقيه الإنسان يستعملها وهذا خلاف الفطرة التي فطر الله الخلق عليها فإن تقليم الأظفار من الفطرة وإذا كان الإنسان يستعملها للذبح فسيتركها ويقول: إذا وجدت حيواناً وليس معنا مدية لأجل أن أذبح بالظفر فيكون ذلك مخالفاً للفطرة.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يحل الذبح بأي عظم، يؤخذ من عموم العلة في قوله:«أما السن فعظم» وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه العلة قاصرة وأن العلة مجموع الأمرين، أنه سن وأنه عظم وإنما حرم الزكاة بالسن الذي هو عظم لأن ذلك يشبه افتراس الذئب والسباع والإنسان منهي عن أن يتشبه بالسباع والذئاب.

والذين رجحوا هذا القول قالوا: لو كان الأمر للعموم لكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس العظم فلا يخص السن، فكونه يخص السن بما هو عظم يدل على أن هذا جزء لعلة وليس هو العلة الكاملة، ولكن القول الثاني في هذه المسألة وهو أن المراد جميع العظام وأن قوله ليس السن والظفر إنما ذكر السن فقط دون بقية العظام لأنه هو الذي كان المعهود في التذكية به، فذكر السن لأن هذا هو المعهود أن يذكي به فلهذا نهى عنه واستثناه.

والذين قالوا بالعموم عللوا تعليلاً جيداً قالوا: لأن العظم إما أن يكون عظم مذكاة أو عظم ميتة فإن كان عظم مذكاة لزم منه العدوان على الجن لأن الجن قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم لهم غذاء فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدون أوفر ما يكون لحماً» فيأكلونها.

فإذا قال قائل: كيف هذا؟ ألسنا نشاهد العظام نطرحها ثم لا نجد عليها لحماً؟

قلنا: كن جنياً تجد اللحم! لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها لحما للجن، أما أنت فآدمي، وقد أخذت ما ينتفع به منها قبل ذلك، وهذا مما يدل على فضل الإنس على الجن أن الجن لا

ص: 57

يأكلون إلا فضلاتهم، وهذا من أمور الغيب التي يجب على المؤمن أن يصدق بها، أليس الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الإنسان إذا أكل ولم يسم شاركه الشيطان؟ بلى فهل نرى الشيطان؟ لا ولكن هذا من أمور الغيب التي يجب علينا أن نصدق بها ونقول سمعنا وآمنا ولا نتعرض لأي إيراد يورده الذهن أو أن نجيب عن كل مورد في مثل هذه الأمور إلا أن نقول هذا خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخبره صدق.

إذا كان عظم غير مذكاة فإنه يكون نجساً، والنجس لا يليق أن يكون سبباً للذكاة والتطهير، الذكاة تطهر الحيوان فكيف تكون آلة التطهير نجسة على الخلاف في حكمها ولذلك نقول: إذا كانت العظام نجسة فوجد العلة أنه لا يليق أن يكون الشيء النجس بذاته سبباً لتطهير غيره.

الظفر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «مدى الحبشة» فهل نقول: كل سكين للحبشة لا يذبح بها إلا الحبشة فإنه لا تجوز التذكية بها كما قلنا في قوله وأما السن فعظم؟ لا؛ لأن هذا بيان للواقع، وقد علمنا فيما سبق أن ما كان قيداً لبيان الواقع فإنه لا مفهوم له وعلى هذا فلو قدر أن هناك سكاكين- آلات- لا يستعملها إلا الحبشة فهل نقول: إنه يحرم علينا أن نذكي بها ولو ذكينا لكانت المذكاة حراماً الجواب: لا.

ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يذكر الحكم وعلته، وذكر العلة مع الحكم أمر مطلوب خصوصاً إذا كان فيما يشكل حتى يزول ما في النفس من الإشكال، لأنه قد يقول قائل: ما الذي أوجب أن نستثنى العظم والظفر مما لا يجوز به الذبح؟ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيل هذا الإشكال.

ففي ذكر العلة طمأنينة للمخاطب وراحة، وأحياناً يكون فيها فائدة أيضاً وهي أنه إذا كانت هذه العلة متعدية فإنها تكون مفتاحاً لباب القياس مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة

ص: 58