المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

اللغة الإنجليزية أكثر ما يعرف من العربية، وكان أمير المؤمنين عمر لعلمه بخطر اللغات غير العربية كان يضرب على الرطانة، يعني: إذا سمع أحداً يتكلم بغير اللغة العربية يضربه لئلا يعود الناس اللسان غير العربي، وفينا من يعلم أبناءه حتى السلام يعودهم كلمات غير عربية.

‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

1480 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة؛ حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر» . متفق عليه.

قوله: "من قال" هذه جملة شرطية جوابها "حطت"، وقوله:"من قال" أي: بلسانه معتقداً معناها بقبله، "سبحان الله"، "سبحان" يقولون: إنها اسم مصدر من سبح، وهي منصوبة على المفعولية المطلقة دائماً، ولا يذكر معها العامل دائماً، يعني: لا يصح أن نقول: أسبح سبحان، بل يتعين أن تكون هكذا سبحان الله، ولا يقال: إنها مصدر؛ لأن مصدر سبح تسبيح، وكل ما لاقى المصدر في معناه وخالفه في لفظه فهو اسم مصدر، إذن هذا تصريف الكلمة من حيث اللغة، فما معناها؟ أي: تنزيها لله عن كل عيب ونقص، وحينئذٍ يتبين أن الله تعالى هو السلام القدوس.

"وبحمده"، "الواو" للمعية أو للحال، والباء للمصاحبة؛ أي: وأقرنوا ذلك بحمده، فيجمع الإنسان بين التنزيه عن المعايب وإثبات الكمالات، التنزيه يؤخذ من سبحان الله، وإثبات الكمالات من الحمد، "وبحمده ومائة مرة" ونقول في مائة مرة، من حيث تعيين العدد ما قلناه في "عشر مرات" إن هذا أمر توقيفي لا تعلم حكمته، ونقول فيها من حيث الإطلاق ما قلناه في "عشر مرات" أي: أنه لا يشترط أن تقولها في مجلس واحد، بل لو فرقتها حصلت لك هذا الأجر.

وقوله: "مائة مرة" هل هي وصف لقوله: "سبحانه الله وبحمده"، أو هي مقول القول، هل المعنى: من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة بهذا اللفظ حطت خطاياه؟ لا؛ لأنه ما قال: غير مرة واحدة؛ ولهذا كان القول بأن الطلاق الثلاث الموجود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يكون أنت طالق ثلاثاً فيه نظر؛ لأن الطلاق المعروف في عهد الرسول أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، والدليل على هذا: أن الذين ردوا على القائلين بأنه لا يقع قالوا: إن الجملة الثانية توكيد للأولى، وهذا يدل على أن العلماء رحمهم الله لا يفرقون بين أن يقول: أنت طالق ثلاثا، ولا أن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق؛ إذ لو أنهم يفرقون ما صح الجواب في قولهم إن

ص: 470

هذا من باب التوكيد، أو هذا في غير المدخول فيها؛ لأنها تبين بالأولى فتقع الثانية على امرأة بائن، إذن من قالها مائة مرة يعني: أن القول يكون مائة مرة وليس المعنى: سبحان وبحمده حال كونها مائة مرة، بل المراد من قال: مائة مرة سبحان الله وبحمده.

ومن فوائد الحديث: أن من قالها تحط خطاياه ولو كانت كثيرة؛ لقوله: "ولو كانت مثل زبد البحر"؛ لأن زبد البحر كثير لا يحصيه إلا الله عز وجل، وهل نقول: ولو كانت كبيرة؟ الحديث ولو كانت كثيرة، لكن هل نقول: يلزم من الكثيرة أن تكون كبيرة؟ ولذلك اختلف العلماء رحمهم الله هل هذا الذكر يقتضي مغفرة جميع الخطايا ولو كانت كبيرة، أو أنها خاصة بالصغائر؛ لأنه إذا كانت العبادات العظيمة مثل الصلوات لا تكفر إلا الصغائر فهذه من باب أولى.

ولو قال قائل: ليس لنا أن نخوض فيها، بل نقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"، ونوصي من أتى بكبيرة أن يتوب منها، ولا حاجة لنا إلى أن نتعمق في هذا الباب، هل هذا يشمل الكبائر أو الصغائر؟

بل نقول: هذا الحديث يدل على أن الخطايا تكفر أو تحط ولو كانت كثيرة جداً، أما الكبائر فإننا ننصح من فعلها بأن يتوب، قال أهل العلم: وينبغي أن يقول هذا الذكر في آخر اليوم، ولولا أني أخشى أن أبتدع لقلت: يقولها إذا أوى إلى فراشه؛ لأن عند النوم هو آخر عمل اليوم، فإذا قالها عند آخر عمله اليومي صارت تكفر كل ما سبق؛ يعني مثلاً: لو قالها في الصباح ما جاء في النهار لا يدخل في الحديث؛ ولهذا قال العلماء: ينبغي أن تكون هذه من أذكار المساء حتى تحط خطاياه التي فعلها في النهار.

في هذا الحديث ما يدل على الرد على الجبرية لقوله: "من قال".

1481 -

وعن جويرية بنت الحارث رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله: "لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنه عرشه، ومداد كلماته". أخرجه مسلم.

جويرية هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تسبح وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندها وهي تسبح ورجع وهي تسبح، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يختصر لها الوقت فعلمها كلمات أكثر أجراً مما قالت من أجل أن تتفرغ للعبادات الأخرى من شئون البيت وغيرها، يقول: "أربع كلمات لو وزنت

الخ" كلمات: جمع "كلمة"، لها اصطلاحات، اصطلاح نحوي، واصطلاح لغوي

ص: 471

وشرعي، الاصطلاح النحوي: يقولون: الكلمة لفظ مفرد غير مركب، فزيد مثلاً كلمة، وعمرو كلمة، وبيت كلمة، واو كلمة، لكنها في اللغة العربية، وكذلك في الشريعة لا تطلق إلا على القول المفيد سواء كان طويلاً أم قصيراً، فإذا قلت: إن قام زيد فأكرمه، فهذا كلمة في اللغة العربية، وعند النحويين كلام، ولهذا قال ابن مالك:

(وكلمة بها كلامٌ قد يؤم)

وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى: {حتى إذا جآء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صالحاً فيما تركت} ، قال الله تعالى:{كلا إنها كلمة هو قآئلها} [المؤمنون: 99، 100]. مع أنها كلمات، {رب ارجعون * لعلى أعمل صالحاً فيما تركت} كلمات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصجق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

هذه أصدق كلمة من كلمات الشعراء، إذن قول الرسول:"أربع كلمات سبحان الله وبحمده"، لغة وشرعاً، لكن عند النحويين كلام، وقوله:"عدد خلقه" هل الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يجعل سبحان الله وبحمده عدد خلقه، أو يجعل أن كل مخلوق من مخلوقات الله فهو ناطق بلسان الحال بالتسبيح والتحميد؟ الثاني هو المراد، وليس الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول: أن سبحان الله وبحمده عدد الخلق، إذا قدرنا عند مائة رجل فيقول:"سبحان الله وبحمده عدد خلقه" كأني قلتها مائة مرة فيما كان حاضراً ومن كان غائباً لا يحصيهم إلا الله؟ لا، المراد أن الخلق عددهم كل واحد فإنه ناطق بتسبيح الله وبحمده.

الثالث قال: "ورضاء نفسه"، ما الذي يبلغ رضا الله إلا شيء عظيم، والمعنى: سبحان الله وبحمده حتى يرضى عز وجل، وهذا لا يمكن أن يبلغه أحد، لكن المعنى: أنني مأمور بأني أسبح الله وأحمده حتى يرضى.

"وزنة عرشه" أيضاً العرش من يقدر زنته؟ لا أحد يستطيع؛ لأنه لا يقدر قدره إلا الله عز وجل وكما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويدلك لذلك أن عرش الرحمن عز وجل كما جاء في الحديث:"ما السموات السبع والأرضون السبع بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض" حلقة الدرع إذا ألقيت في فلاة من الأرض كم تشغل من مساحة؟ لا شيء، قال:"وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الأرض"، إذن لا يمكن أن يقدر الإنسان قدره.

ص: 472

"ومداد كلماته"{قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} [الكهف: 109]، {ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلام} يعني: لو كان كل الأشجار أقلام {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27]. إذن أي مداد يكون لكمات الله؟ مداد عظيم لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، فيكون هذا التسبيح الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم تسبيحاً عظيماً في الكمية، وعظيماً في الكيفية، الكمية عدد خلقه، والكيفية: رضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

في هذا الحديث فوائد منها: أن اللفظ القليل قد يغني عن اللفظ الكثير، وجهه:"لقد قلت بعدك كلمات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن".

ومن فوائده: أن الكلام يتفاضل، بعضه أفضل من بعض، وتفاضل الكلام له عدة جهات، إما من حيث المتكلم به، وإما من حيث مدلوله، وإما من حيث البلاغة، وإما من حيث التأثير، المهم أن جهات تفاضل الكلام كثيرة. ولنسأل القرآن يتفاضل أو لا؟ الجواب: أن القرآن من حيث المتكلم به لا يتفاضل؛ لأن المتكلم به هو الله عز وجل وهو واحد، أما من حيث المدلول والتأثير فإنه يتفاضل؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي، وأن فاتحة الكتاب هي أفضل سورة في كتاب الله، ونحن نشاهد الآن أن من الآيات ما يؤثر تأثيراً بالغاً إذا ورد على القلب، وبعض الآيات دون ذلك.

فعلى كل حال: القرآن إن قلت: إنه يتفاضل على الإطلاق أخطأت، وإن قلت: لا يتفاضل أخطأت، فمن حيث المتكلم به لا يتفاضل، ومن حيث المعنى والموضوع يتفاضل بلا شك، وأما جنس الكلام عموماً فلا شك أن الكلام يتفاضل من حيث الأسلوب والفصاحة والبلاغة وغير ذلك، لو أن واحداً قام يتكلم وصار يرفع المنصوب وينصب المرفوع، ويجر المجزوم، ويجزم المجرور، ويقدم ما يمتنع تقديمه، وما أشبه ذلك، ماذا يكون كلامه؟ ورجل آخر تكلم بأعظم فصاحة والمعنى واحد والكلمات واحدة يتفاضل أم لا؟ يتفاضل.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من هذا الذكر: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".

ومن فوائد الحديث: إثبات الرضا لله لقوله: "ورضاء نفسه"، وهو صفة زائدة على المحبة، وأنكر ذلك أهل التعطيل، وقالوا: إن الله لا يرضى؛ لإن الرضا صفة حادثة، والحادث لا يقوم إلا بحادث، والحق: أن الله تعالى يوصف بالرضا ويوصف بالغضب.

ومن فوائد الحديث: إطلاق النفس على الله لقوله: "ورضاء نفسه"، وليست النفس صفة زائدة على الذات بل هي الذات.

ومن فوائد الحديث: أن العرش له جرم وثقل لقوله: "وزنة عرشه".

ص: 473