الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة الإنجليزية أكثر ما يعرف من العربية، وكان أمير المؤمنين عمر لعلمه بخطر اللغات غير العربية كان يضرب على الرطانة، يعني: إذا سمع أحداً يتكلم بغير اللغة العربية يضربه لئلا يعود الناس اللسان غير العربي، وفينا من يعلم أبناءه حتى السلام يعودهم كلمات غير عربية.
فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:
1480 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة؛ حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر» . متفق عليه.
قوله: "من قال" هذه جملة شرطية جوابها "حطت"، وقوله:"من قال" أي: بلسانه معتقداً معناها بقبله، "سبحان الله"، "سبحان" يقولون: إنها اسم مصدر من سبح، وهي منصوبة على المفعولية المطلقة دائماً، ولا يذكر معها العامل دائماً، يعني: لا يصح أن نقول: أسبح سبحان، بل يتعين أن تكون هكذا سبحان الله، ولا يقال: إنها مصدر؛ لأن مصدر سبح تسبيح، وكل ما لاقى المصدر في معناه وخالفه في لفظه فهو اسم مصدر، إذن هذا تصريف الكلمة من حيث اللغة، فما معناها؟ أي: تنزيها لله عن كل عيب ونقص، وحينئذٍ يتبين أن الله تعالى هو السلام القدوس.
"وبحمده"، "الواو" للمعية أو للحال، والباء للمصاحبة؛ أي: وأقرنوا ذلك بحمده، فيجمع الإنسان بين التنزيه عن المعايب وإثبات الكمالات، التنزيه يؤخذ من سبحان الله، وإثبات الكمالات من الحمد، "وبحمده ومائة مرة" ونقول في مائة مرة، من حيث تعيين العدد ما قلناه في "عشر مرات" إن هذا أمر توقيفي لا تعلم حكمته، ونقول فيها من حيث الإطلاق ما قلناه في "عشر مرات" أي: أنه لا يشترط أن تقولها في مجلس واحد، بل لو فرقتها حصلت لك هذا الأجر.
وقوله: "مائة مرة" هل هي وصف لقوله: "سبحانه الله وبحمده"، أو هي مقول القول، هل المعنى: من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة بهذا اللفظ حطت خطاياه؟ لا؛ لأنه ما قال: غير مرة واحدة؛ ولهذا كان القول بأن الطلاق الثلاث الموجود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يكون أنت طالق ثلاثاً فيه نظر؛ لأن الطلاق المعروف في عهد الرسول أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، والدليل على هذا: أن الذين ردوا على القائلين بأنه لا يقع قالوا: إن الجملة الثانية توكيد للأولى، وهذا يدل على أن العلماء رحمهم الله لا يفرقون بين أن يقول: أنت طالق ثلاثا، ولا أن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق؛ إذ لو أنهم يفرقون ما صح الجواب في قولهم إن
هذا من باب التوكيد، أو هذا في غير المدخول فيها؛ لأنها تبين بالأولى فتقع الثانية على امرأة بائن، إذن من قالها مائة مرة يعني: أن القول يكون مائة مرة وليس المعنى: سبحان وبحمده حال كونها مائة مرة، بل المراد من قال: مائة مرة سبحان الله وبحمده.
ومن فوائد الحديث: أن من قالها تحط خطاياه ولو كانت كثيرة؛ لقوله: "ولو كانت مثل زبد البحر"؛ لأن زبد البحر كثير لا يحصيه إلا الله عز وجل، وهل نقول: ولو كانت كبيرة؟ الحديث ولو كانت كثيرة، لكن هل نقول: يلزم من الكثيرة أن تكون كبيرة؟ ولذلك اختلف العلماء رحمهم الله هل هذا الذكر يقتضي مغفرة جميع الخطايا ولو كانت كبيرة، أو أنها خاصة بالصغائر؛ لأنه إذا كانت العبادات العظيمة مثل الصلوات لا تكفر إلا الصغائر فهذه من باب أولى.
ولو قال قائل: ليس لنا أن نخوض فيها، بل نقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"، ونوصي من أتى بكبيرة أن يتوب منها، ولا حاجة لنا إلى أن نتعمق في هذا الباب، هل هذا يشمل الكبائر أو الصغائر؟
بل نقول: هذا الحديث يدل على أن الخطايا تكفر أو تحط ولو كانت كثيرة جداً، أما الكبائر فإننا ننصح من فعلها بأن يتوب، قال أهل العلم: وينبغي أن يقول هذا الذكر في آخر اليوم، ولولا أني أخشى أن أبتدع لقلت: يقولها إذا أوى إلى فراشه؛ لأن عند النوم هو آخر عمل اليوم، فإذا قالها عند آخر عمله اليومي صارت تكفر كل ما سبق؛ يعني مثلاً: لو قالها في الصباح ما جاء في النهار لا يدخل في الحديث؛ ولهذا قال العلماء: ينبغي أن تكون هذه من أذكار المساء حتى تحط خطاياه التي فعلها في النهار.
في هذا الحديث ما يدل على الرد على الجبرية لقوله: "من قال".
1481 -
وعن جويرية بنت الحارث رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله: "لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنه عرشه، ومداد كلماته". أخرجه مسلم.
جويرية هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تسبح وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندها وهي تسبح ورجع وهي تسبح، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يختصر لها الوقت فعلمها كلمات أكثر أجراً مما قالت من أجل أن تتفرغ للعبادات الأخرى من شئون البيت وغيرها، يقول: "أربع كلمات لو وزنت
…
الخ" كلمات: جمع "كلمة"، لها اصطلاحات، اصطلاح نحوي، واصطلاح لغوي
وشرعي، الاصطلاح النحوي: يقولون: الكلمة لفظ مفرد غير مركب، فزيد مثلاً كلمة، وعمرو كلمة، وبيت كلمة، واو كلمة، لكنها في اللغة العربية، وكذلك في الشريعة لا تطلق إلا على القول المفيد سواء كان طويلاً أم قصيراً، فإذا قلت: إن قام زيد فأكرمه، فهذا كلمة في اللغة العربية، وعند النحويين كلام، ولهذا قال ابن مالك:
(وكلمة بها كلامٌ قد يؤم)
وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى: {حتى إذا جآء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صالحاً فيما تركت} ، قال الله تعالى:{كلا إنها كلمة هو قآئلها} [المؤمنون: 99، 100]. مع أنها كلمات، {رب ارجعون * لعلى أعمل صالحاً فيما تركت} كلمات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصجق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
هذه أصدق كلمة من كلمات الشعراء، إذن قول الرسول:"أربع كلمات سبحان الله وبحمده"، لغة وشرعاً، لكن عند النحويين كلام، وقوله:"عدد خلقه" هل الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يجعل سبحان الله وبحمده عدد خلقه، أو يجعل أن كل مخلوق من مخلوقات الله فهو ناطق بلسان الحال بالتسبيح والتحميد؟ الثاني هو المراد، وليس الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول: أن سبحان الله وبحمده عدد الخلق، إذا قدرنا عند مائة رجل فيقول:"سبحان الله وبحمده عدد خلقه" كأني قلتها مائة مرة فيما كان حاضراً ومن كان غائباً لا يحصيهم إلا الله؟ لا، المراد أن الخلق عددهم كل واحد فإنه ناطق بتسبيح الله وبحمده.
الثالث قال: "ورضاء نفسه"، ما الذي يبلغ رضا الله إلا شيء عظيم، والمعنى: سبحان الله وبحمده حتى يرضى عز وجل، وهذا لا يمكن أن يبلغه أحد، لكن المعنى: أنني مأمور بأني أسبح الله وأحمده حتى يرضى.
"وزنة عرشه" أيضاً العرش من يقدر زنته؟ لا أحد يستطيع؛ لأنه لا يقدر قدره إلا الله عز وجل وكما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويدلك لذلك أن عرش الرحمن عز وجل كما جاء في الحديث:"ما السموات السبع والأرضون السبع بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض" حلقة الدرع إذا ألقيت في فلاة من الأرض كم تشغل من مساحة؟ لا شيء، قال:"وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الأرض"، إذن لا يمكن أن يقدر الإنسان قدره.
"ومداد كلماته"{قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} [الكهف: 109]، {ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلام} يعني: لو كان كل الأشجار أقلام {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27]. إذن أي مداد يكون لكمات الله؟ مداد عظيم لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، فيكون هذا التسبيح الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم تسبيحاً عظيماً في الكمية، وعظيماً في الكيفية، الكمية عدد خلقه، والكيفية: رضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.
في هذا الحديث فوائد منها: أن اللفظ القليل قد يغني عن اللفظ الكثير، وجهه:"لقد قلت بعدك كلمات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن".
ومن فوائده: أن الكلام يتفاضل، بعضه أفضل من بعض، وتفاضل الكلام له عدة جهات، إما من حيث المتكلم به، وإما من حيث مدلوله، وإما من حيث البلاغة، وإما من حيث التأثير، المهم أن جهات تفاضل الكلام كثيرة. ولنسأل القرآن يتفاضل أو لا؟ الجواب: أن القرآن من حيث المتكلم به لا يتفاضل؛ لأن المتكلم به هو الله عز وجل وهو واحد، أما من حيث المدلول والتأثير فإنه يتفاضل؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي، وأن فاتحة الكتاب هي أفضل سورة في كتاب الله، ونحن نشاهد الآن أن من الآيات ما يؤثر تأثيراً بالغاً إذا ورد على القلب، وبعض الآيات دون ذلك.
فعلى كل حال: القرآن إن قلت: إنه يتفاضل على الإطلاق أخطأت، وإن قلت: لا يتفاضل أخطأت، فمن حيث المتكلم به لا يتفاضل، ومن حيث المعنى والموضوع يتفاضل بلا شك، وأما جنس الكلام عموماً فلا شك أن الكلام يتفاضل من حيث الأسلوب والفصاحة والبلاغة وغير ذلك، لو أن واحداً قام يتكلم وصار يرفع المنصوب وينصب المرفوع، ويجر المجزوم، ويجزم المجرور، ويقدم ما يمتنع تقديمه، وما أشبه ذلك، ماذا يكون كلامه؟ ورجل آخر تكلم بأعظم فصاحة والمعنى واحد والكلمات واحدة يتفاضل أم لا؟ يتفاضل.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من هذا الذكر: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".
ومن فوائد الحديث: إثبات الرضا لله لقوله: "ورضاء نفسه"، وهو صفة زائدة على المحبة، وأنكر ذلك أهل التعطيل، وقالوا: إن الله لا يرضى؛ لإن الرضا صفة حادثة، والحادث لا يقوم إلا بحادث، والحق: أن الله تعالى يوصف بالرضا ويوصف بالغضب.
ومن فوائد الحديث: إطلاق النفس على الله لقوله: "ورضاء نفسه"، وليست النفس صفة زائدة على الذات بل هي الذات.
ومن فوائد الحديث: أن العرش له جرم وثقل لقوله: "وزنة عرشه".