المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الغيبة وتغليظ النهي عنها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

ومن فوائد الحديث: تحريم ظلم الكفار لأنهم داخلون في عباد الله في العبادة الكونية فظلمهم حرام.

إذا قال قائل: ومن اعتدى عليك فاعتديت عليه أتكون ظالماً؟

نقول: هو ظالم أما أنت فلست بظالم، إذا لم تعتد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما" أي: على البادئ منهما إثمه ما لم يعتد المظلوم فإن اعتدى صار عدوانه على نفسه.

‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

1434 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". أخرجه مسلم.

"أتدرون" أي: أتعلمون، والاستفهام هنا استفهام استعلام يعني: يسألهم لكن المراد به أن ينتبهوا وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا علم لهم بمثل هذه الأمور الشرعية، أو يعلم أنهم يعلمونها لكن أراد التقرير، ما الغيبة؟

"الغيبة": فِعلة من الغيب وليست كما ينطقه بعض الناس الغيبة بالفتح هذا لحن مخل للمعنى والمراد: الغيبة يعني: الفعلة من الغيب وهي الهيئة، قالوا الله ورسوله أعلم، قال:"ذكرك أخاك بما يكره" هذه كلمات جامعة مانعة، يقول الصحابة: الله ورسوله أعلم: يعني: أعلم منا وهذا الواجب على كل من لا يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم وهنا إشكال في قوله الله ورسوله مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي قال: ما شاء الله وشئت قال: "أجعلتني لله نداً". حيث أتى بالواو، فالجواب أن يقال: الأمور القدرية لابد أن تأتي بما يدل على الترتيب والأمور الشرعية لا تحتاج إلى أن تأتي بما يدل على الترتيب؛ لأن ما شرعه الرسول فهو ما شرعه الله من يطع الرسول فقد أطاع الله، ولهذا قال تعالى في الإثبات الشرعي:{ولو أنهم رضوا ماءتاهم الله ورسوله} [التوبة: 59]. هذا إثبات شرعي لا بأس لكن أمر كوني لا يمكن أن يشرك الله مع غيره بالواو مثل ما شاء الله وشئت وقوله: "الله ورسوله أعلم"، أعلم هل هي اسم تفضيل أو اسم فاعل؟

اسم تفضيل، وهل هي على بابها أو بمعنى عالم؟

نقول: هي على بابها والعجب أن بعض العلماء -عفا الله عنا وعنهم- يفسرون أعلم المضاف إلى الله بعالم، فيقولون في قوله تعالى:{الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124].

ص: 378

يقولون معناها: الله عالم حيث يجعل رسالته قالوا: لئلا يكون بين الخالق والمخلوق مفاضلة، فنقول: إذا قلت الله عالم صار بينه وبين المخلوق مساواة ولو قلت: الله أعلم صار بينهما مفاضلة أيهما أولى؟ لا شك أن أعلم أولى، فانظر إلى من حكم العقل ورجع إليه في باب الصفات كيف ينغمس فيما قررناه فيقال: الله ورسوله أعلم على بابها أنها اسم تفضيل قال: "ذكرك أخاك بما يكره" الرسول صلى الله عليه وسلم يميل في كلماته الجامعة إلى الاختصار ذكرك أخاك هذه مختصرة، وأصلها هي ذكرك أخاك، لأن ذكر هذه خبر لمبتدأ محذوف، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم عبر بهام مراعاة للاختصار ذكرك أخاك بما يكره وهنا نسأل عن قوله:"أخاك" ما الذي جعلها بالألف أهي على اللغة المعروفة التي تلزم الأسماء الخمسة الألف مطلقاً أم بسبب؟

أخاك مفعول به للمصدر "ذكر" فالمصدر هنا مضاف للفاعل وأخاك مفعولٌ به ويدلك لهذا أنك لو قلت: هي أن تذكر أخاك تنصبها، تقول: ضربك زيداً تأديب له، زيداً ما الذي نصبها؟

ظرف مصدر مضاف للفاعل، والدليل أنك تقول: أن تضرب زيداً تأديباً له، ذكرك أخاك وهو المسلم بما يكره، "بما" أي بالذي يكرهه، من خلقه أو خلق أو عمل، خلقة مثل أن تقول: هو قصير هو ضخم هو بطين وما أشبه ذلك مما يكره أن يوصف به، أو خلق بأن تقول: هذا الرجل سيئ الأخلاق غضوب انفعالي هذا يكرهه من ناحية التخلق به، أو عمل بأن تقول فلان فاسق يتعامل بالربا ويترك صلاة الجماعة، فهي إذن ذكرك أخاك بما يكره كلمة عامة بما تقتضي من خلقة أو خلق أو عمل، فقيل له: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول يعني: أنا وصفته بما هو متصف به، قال:"إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" يعني: إن كان فيه ما تقول فهذه غيبة وإن لم يكن فيه ما تقول فهو بهتان وغيبة، مثال ذلك: رجل قال: فلان عصبي يغضب لكل شيء وهو غير حاضر، هذه غيبة وهو حاضر هذه سب وهو بريء من ذلك هذه بهتان وغيبة إذا كان في غيبته، فإن قيل: هل جرى من الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا التعبير بأن يذكر الأهم ويحذف ما دونه؟

قلنا: نعم، وذلك فيما صح عنه أنه قال:"ليت أنا نرى إخواننا قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني". فقال: أنتم أصحابي هل معناه: ولستم إخواني؟

المعنى: أن صحبتكم أخص من الأخوة؛ لأن الصحابي من اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به

ص: 379

فكأنه قال: أنتم أصحابي وإخواني أيضاً لكن الذين آمنوا بي ولم يروني هم إخواني وليسوا بأصحابي، هنا فقد بهته لأن البهت أعظم من الغيبة، فيكون المعنى فقد بهته مع الغيبة.

من فوائد هذا الحديث: أولاً حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يلقي المسائل الخبرية بصيغة الاستفهام من أجل استرعاء الانتباه يؤخذ من قوله: "أتدرون" وهذا من حسن التعليم أن يلقي الإنسان الكلام على وجه يسترعي الانتباه.

ومن فوائد الحديث: حسن أدب الصحابة رضي الله عنهم حيث قالوا: الله ورسوله أعلم، وهذا واجب على كل من لا يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم، يجب وجوباً؛ لأنه لو اقتحم وأجاب بشيء لا يعلمه صار من القائلين على الله بلا علم، ولهذا قال العلماء: من العلم أن يقول الإنسان: لا أعلم فيما لا يعلم.

ومن فوائد الحديث: جواز التشريك بالواو بين الله ورسوله فيما كان من الأمور الشرعية بخلاف القدر؛ لأن الربوبية لا دخل للإنسان فيها، ولذلك كان الناس باعتبار عبودية الربوبية كانوا كلهم سواء الكافر والمؤمن باعتبار عبودية الربوبية التي نسميها: العبودية الكونية.

فإن قال قائل: هل تعدون ذلك إلى أن يقول الناس: الله والعالم الفلاني أعلم؟

الجواب لا؛ لأن هذا العالم ليس مشرعاً، الرسول صلى الله عليه وسلم يشرع ويقول عن الله والعالم ليس بمعصوم، ولهذا لا يجوز إذا سألك سائل عن مسألة دينية أن تقول: الله والشيخ أعلم لا يجوز؛ لأن الشيخ غير مشرع بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائل: وهل نقول: مثل هذه العبارة بعد موت الرسول؟

نقول: مادام الأمر شرعياً فالله ورسوله ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ميتاً أعلم منا بلا شك، وإن كان الآن لا يمكن أن نعرف ما عند الرسول لكن هو أعلم منا بشريعة الله بلا شك.

ومن فوائد الحديث: مراعاة الاختصار في الكلام؛ حيث حصر المبتدأ؛ لأن الاختصار أقرب إلى الحفظ والجمل المختصرة تشتمل على معان كثيرة يكون لها رونقاً في النفس وبقاء في النفس.

ومن فوائد الحديث: الاستعطاف يعني: استعمال الاستعطاف في الكلام لقوله: "أخاك لأنك" إذا شعرت بأنه أخاك فلن تغتابه، فهذه من الأساليب الاستعطافية انظر إلى قوله تبارك وتعالى:{والنجم إذا هوى* ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم: 1، 2]. يعني: الذي تعرفونه فهذه من الأساليب التي تستعطف المخاطب حتى يستقيم.

ومن فوائد الحديث: جواز غيبة الكافر لقوله: "ذكرك أخاك" لكننا إذا قلنا بهذا صار معارضاً لما قررناه في الحديث الأول "وجعلته -أي الظلم- بينكم محرماً فلا تظالموا" نقول لا

ص: 380

شك أن غيبة الكافر ليست كغيبة المسلم وحرمة الكافر ليست كحرمة المسلم، لكن متى كانت غيبته ظلماً فهو داخل في الأول أي: تحريم الظلم ووجه ذلك أن دلالة الحديث الأول بالمنطوق ودلالة هذا بالمفهوم، والمعروف عند العلماء في أصول الفقه أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم.

ومن فوائد الحديث: أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره ولو كان غيره لا يكره، هل نعتبر العرف العام أو الخاص؟ الخاص مادام الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"ذكرك أخاك بما يكره"، بعض الناس يقول العجوز أبي عجوز أنا أقول هذا تناقض قل: وأمي عجوز وأبي شيخ {وأبونا شيخٌ كبيرٌ} [القصص: 23]. وقال: {ياويلتي ءألد وأنا عجوزٌ} [هود: 72]. إذا كان يكره أن تقول له: يا عجوز لا تقل له حتى إذا كان الناس متعارفين بينهم بإطلاق العجوز وهو يكره فلا تغتابه بهذا، ذكرك أخاك بما يكره.

إن قال قائل: نجد في علماء الحديث من يسمى الأعرج والأعمى والأحول وما أشبه ذلك وهذه يكرهونها؟ نقول: الجواب أن هذا من باب التعريف الذي لا تمكن معرفة المذكور إلا به فإذا كان من باب التعريف الذي لا يمكن معرفة المذكور إلا به صارت هذه المصلحة راجحة على مفسدة الغيبة على أن الذي يقول ذلك لا يقصد غيبه وإنما يقصد التعريف به والنية لها آثر في ذلك.

ومن فوائد الحديث: سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم للمناقشة، تؤخذ من قول الصحابة "أفرأيت إن كان في أخي ما أقول" وهذا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتحمل المناقشة لأن المناقشة في الحقيقة تزول بها إشكالات كثيرة، لكن إذا علمت أن المناقش متعنت فهل تستمر معه؟ لا إذا عرفت أنه متعنت فامنعه؛ لأن الله قال للرسول صلى الله عليه وسلم في الذين يستفتونه من أهل الكتاب متعنتين قال:{فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42].

ومن فوائد الحديث: أن الغيبة محرمة ولو كان في المغتاب -وأريد اسم المفعول- ما يذكره المغتاب- وأريد اسم الفاعل- لأن كلمة المغتاب تصلح لهذا ولهذا فلابد من أن تبين مثل المختار تصلح لهذا وهذا، كيف نقدر المغتاب إذا كانت اسم فاعل؟ نقول المغتيب والمختار إذا كانت اسم مفعول المغتيب وفي المختار المختير هذا هو الأصل، لكن اللغة العربية تأبى عليك هذا نقول: إذا تحركت الياء وانفتح ما قبلها أقبلها ألفاً المختير قل: المختار، المختير قل المختار، أقول: إذا كان في المغتاب اسم مفعول ما قاله المغتاب اسم فاعل فهل تكون غيبة؟ نعم تكون غيبة، وإذا لم يكن فيه ما يقوله يكون بهتاناً.

ص: 381