الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: تحريم ظلم الكفار لأنهم داخلون في عباد الله في العبادة الكونية فظلمهم حرام.
إذا قال قائل: ومن اعتدى عليك فاعتديت عليه أتكون ظالماً؟
نقول: هو ظالم أما أنت فلست بظالم، إذا لم تعتد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما" أي: على البادئ منهما إثمه ما لم يعتد المظلوم فإن اعتدى صار عدوانه على نفسه.
الغيبة وتغليظ النهي عنها:
1434 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". أخرجه مسلم.
"أتدرون" أي: أتعلمون، والاستفهام هنا استفهام استعلام يعني: يسألهم لكن المراد به أن ينتبهوا وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا علم لهم بمثل هذه الأمور الشرعية، أو يعلم أنهم يعلمونها لكن أراد التقرير، ما الغيبة؟
"الغيبة": فِعلة من الغيب وليست كما ينطقه بعض الناس الغيبة بالفتح هذا لحن مخل للمعنى والمراد: الغيبة يعني: الفعلة من الغيب وهي الهيئة، قالوا الله ورسوله أعلم، قال:"ذكرك أخاك بما يكره" هذه كلمات جامعة مانعة، يقول الصحابة: الله ورسوله أعلم: يعني: أعلم منا وهذا الواجب على كل من لا يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم وهنا إشكال في قوله الله ورسوله مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي قال: ما شاء الله وشئت قال: "أجعلتني لله نداً". حيث أتى بالواو، فالجواب أن يقال: الأمور القدرية لابد أن تأتي بما يدل على الترتيب والأمور الشرعية لا تحتاج إلى أن تأتي بما يدل على الترتيب؛ لأن ما شرعه الرسول فهو ما شرعه الله من يطع الرسول فقد أطاع الله، ولهذا قال تعالى في الإثبات الشرعي:{ولو أنهم رضوا ماءتاهم الله ورسوله} [التوبة: 59]. هذا إثبات شرعي لا بأس لكن أمر كوني لا يمكن أن يشرك الله مع غيره بالواو مثل ما شاء الله وشئت وقوله: "الله ورسوله أعلم"، أعلم هل هي اسم تفضيل أو اسم فاعل؟
اسم تفضيل، وهل هي على بابها أو بمعنى عالم؟
نقول: هي على بابها والعجب أن بعض العلماء -عفا الله عنا وعنهم- يفسرون أعلم المضاف إلى الله بعالم، فيقولون في قوله تعالى:{الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124].
يقولون معناها: الله عالم حيث يجعل رسالته قالوا: لئلا يكون بين الخالق والمخلوق مفاضلة، فنقول: إذا قلت الله عالم صار بينه وبين المخلوق مساواة ولو قلت: الله أعلم صار بينهما مفاضلة أيهما أولى؟ لا شك أن أعلم أولى، فانظر إلى من حكم العقل ورجع إليه في باب الصفات كيف ينغمس فيما قررناه فيقال: الله ورسوله أعلم على بابها أنها اسم تفضيل قال: "ذكرك أخاك بما يكره" الرسول صلى الله عليه وسلم يميل في كلماته الجامعة إلى الاختصار ذكرك أخاك هذه مختصرة، وأصلها هي ذكرك أخاك، لأن ذكر هذه خبر لمبتدأ محذوف، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم عبر بهام مراعاة للاختصار ذكرك أخاك بما يكره وهنا نسأل عن قوله:"أخاك" ما الذي جعلها بالألف أهي على اللغة المعروفة التي تلزم الأسماء الخمسة الألف مطلقاً أم بسبب؟
أخاك مفعول به للمصدر "ذكر" فالمصدر هنا مضاف للفاعل وأخاك مفعولٌ به ويدلك لهذا أنك لو قلت: هي أن تذكر أخاك تنصبها، تقول: ضربك زيداً تأديب له، زيداً ما الذي نصبها؟
ظرف مصدر مضاف للفاعل، والدليل أنك تقول: أن تضرب زيداً تأديباً له، ذكرك أخاك وهو المسلم بما يكره، "بما" أي بالذي يكرهه، من خلقه أو خلق أو عمل، خلقة مثل أن تقول: هو قصير هو ضخم هو بطين وما أشبه ذلك مما يكره أن يوصف به، أو خلق بأن تقول: هذا الرجل سيئ الأخلاق غضوب انفعالي هذا يكرهه من ناحية التخلق به، أو عمل بأن تقول فلان فاسق يتعامل بالربا ويترك صلاة الجماعة، فهي إذن ذكرك أخاك بما يكره كلمة عامة بما تقتضي من خلقة أو خلق أو عمل، فقيل له: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول يعني: أنا وصفته بما هو متصف به، قال:"إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" يعني: إن كان فيه ما تقول فهذه غيبة وإن لم يكن فيه ما تقول فهو بهتان وغيبة، مثال ذلك: رجل قال: فلان عصبي يغضب لكل شيء وهو غير حاضر، هذه غيبة وهو حاضر هذه سب وهو بريء من ذلك هذه بهتان وغيبة إذا كان في غيبته، فإن قيل: هل جرى من الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا التعبير بأن يذكر الأهم ويحذف ما دونه؟
قلنا: نعم، وذلك فيما صح عنه أنه قال:"ليت أنا نرى إخواننا قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني". فقال: أنتم أصحابي هل معناه: ولستم إخواني؟
المعنى: أن صحبتكم أخص من الأخوة؛ لأن الصحابي من اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به
فكأنه قال: أنتم أصحابي وإخواني أيضاً لكن الذين آمنوا بي ولم يروني هم إخواني وليسوا بأصحابي، هنا فقد بهته لأن البهت أعظم من الغيبة، فيكون المعنى فقد بهته مع الغيبة.
من فوائد هذا الحديث: أولاً حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يلقي المسائل الخبرية بصيغة الاستفهام من أجل استرعاء الانتباه يؤخذ من قوله: "أتدرون" وهذا من حسن التعليم أن يلقي الإنسان الكلام على وجه يسترعي الانتباه.
ومن فوائد الحديث: حسن أدب الصحابة رضي الله عنهم حيث قالوا: الله ورسوله أعلم، وهذا واجب على كل من لا يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم، يجب وجوباً؛ لأنه لو اقتحم وأجاب بشيء لا يعلمه صار من القائلين على الله بلا علم، ولهذا قال العلماء: من العلم أن يقول الإنسان: لا أعلم فيما لا يعلم.
ومن فوائد الحديث: جواز التشريك بالواو بين الله ورسوله فيما كان من الأمور الشرعية بخلاف القدر؛ لأن الربوبية لا دخل للإنسان فيها، ولذلك كان الناس باعتبار عبودية الربوبية كانوا كلهم سواء الكافر والمؤمن باعتبار عبودية الربوبية التي نسميها: العبودية الكونية.
فإن قال قائل: هل تعدون ذلك إلى أن يقول الناس: الله والعالم الفلاني أعلم؟
الجواب لا؛ لأن هذا العالم ليس مشرعاً، الرسول صلى الله عليه وسلم يشرع ويقول عن الله والعالم ليس بمعصوم، ولهذا لا يجوز إذا سألك سائل عن مسألة دينية أن تقول: الله والشيخ أعلم لا يجوز؛ لأن الشيخ غير مشرع بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: وهل نقول: مثل هذه العبارة بعد موت الرسول؟
نقول: مادام الأمر شرعياً فالله ورسوله ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ميتاً أعلم منا بلا شك، وإن كان الآن لا يمكن أن نعرف ما عند الرسول لكن هو أعلم منا بشريعة الله بلا شك.
ومن فوائد الحديث: مراعاة الاختصار في الكلام؛ حيث حصر المبتدأ؛ لأن الاختصار أقرب إلى الحفظ والجمل المختصرة تشتمل على معان كثيرة يكون لها رونقاً في النفس وبقاء في النفس.
ومن فوائد الحديث: الاستعطاف يعني: استعمال الاستعطاف في الكلام لقوله: "أخاك لأنك" إذا شعرت بأنه أخاك فلن تغتابه، فهذه من الأساليب الاستعطافية انظر إلى قوله تبارك وتعالى:{والنجم إذا هوى* ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم: 1، 2]. يعني: الذي تعرفونه فهذه من الأساليب التي تستعطف المخاطب حتى يستقيم.
ومن فوائد الحديث: جواز غيبة الكافر لقوله: "ذكرك أخاك" لكننا إذا قلنا بهذا صار معارضاً لما قررناه في الحديث الأول "وجعلته -أي الظلم- بينكم محرماً فلا تظالموا" نقول لا
شك أن غيبة الكافر ليست كغيبة المسلم وحرمة الكافر ليست كحرمة المسلم، لكن متى كانت غيبته ظلماً فهو داخل في الأول أي: تحريم الظلم ووجه ذلك أن دلالة الحديث الأول بالمنطوق ودلالة هذا بالمفهوم، والمعروف عند العلماء في أصول الفقه أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم.
ومن فوائد الحديث: أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره ولو كان غيره لا يكره، هل نعتبر العرف العام أو الخاص؟ الخاص مادام الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"ذكرك أخاك بما يكره"، بعض الناس يقول العجوز أبي عجوز أنا أقول هذا تناقض قل: وأمي عجوز وأبي شيخ {وأبونا شيخٌ كبيرٌ} [القصص: 23]. وقال: {ياويلتي ءألد وأنا عجوزٌ} [هود: 72]. إذا كان يكره أن تقول له: يا عجوز لا تقل له حتى إذا كان الناس متعارفين بينهم بإطلاق العجوز وهو يكره فلا تغتابه بهذا، ذكرك أخاك بما يكره.
إن قال قائل: نجد في علماء الحديث من يسمى الأعرج والأعمى والأحول وما أشبه ذلك وهذه يكرهونها؟ نقول: الجواب أن هذا من باب التعريف الذي لا تمكن معرفة المذكور إلا به فإذا كان من باب التعريف الذي لا يمكن معرفة المذكور إلا به صارت هذه المصلحة راجحة على مفسدة الغيبة على أن الذي يقول ذلك لا يقصد غيبه وإنما يقصد التعريف به والنية لها آثر في ذلك.
ومن فوائد الحديث: سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم للمناقشة، تؤخذ من قول الصحابة "أفرأيت إن كان في أخي ما أقول" وهذا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتحمل المناقشة لأن المناقشة في الحقيقة تزول بها إشكالات كثيرة، لكن إذا علمت أن المناقش متعنت فهل تستمر معه؟ لا إذا عرفت أنه متعنت فامنعه؛ لأن الله قال للرسول صلى الله عليه وسلم في الذين يستفتونه من أهل الكتاب متعنتين قال:{فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42].
ومن فوائد الحديث: أن الغيبة محرمة ولو كان في المغتاب -وأريد اسم المفعول- ما يذكره المغتاب- وأريد اسم الفاعل- لأن كلمة المغتاب تصلح لهذا ولهذا فلابد من أن تبين مثل المختار تصلح لهذا وهذا، كيف نقدر المغتاب إذا كانت اسم فاعل؟ نقول المغتيب والمختار إذا كانت اسم مفعول المغتيب وفي المختار المختير هذا هو الأصل، لكن اللغة العربية تأبى عليك هذا نقول: إذا تحركت الياء وانفتح ما قبلها أقبلها ألفاً المختير قل: المختار، المختير قل المختار، أقول: إذا كان في المغتاب اسم مفعول ما قاله المغتاب اسم فاعل فهل تكون غيبة؟ نعم تكون غيبة، وإذا لم يكن فيه ما يقوله يكون بهتاناً.