المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيما إذا بان خلاف ظنه، في الكذب نفس الشيء نقول: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: فيما إذا بان خلاف ظنه، في الكذب نفس الشيء نقول:

فيما إذا بان خلاف ظنه، في الكذب نفس الشيء نقول: الإنسان إذا حدث بكذب يعلم أنه كذب أو يغلب على ظنه أنه كذب فإنه واقع في الإثم.

1458 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» . متفق عليه

هذا الحديث سبق في باب الترهيب من مساوئ الأخلاق، ولا أدري ما وجه سياقه له مرة أخرى، وهو أيضاً في باب الترغيب في مكارم الأخلاق، لكن لعل المؤلف رحمه الله ذهب وهمة حين ذكر: : «إياكم والكذب» وهذا من مساوئ الأخلاق ذكر بعده: «إياكم والطن» ، وإلا فالعهد قريب، كونه رحمه الله يعيده مع قرب العهد فيه نظر. لكن الظاهر - والله أعلم، أن هذا واقع في هذا المكان على سبيل الوهم.

‌حقوق الطريق:

1459 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «إياكم والجلوس على الطرقات. قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا نتحدث فيها. فال: فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» . متفق عليه.

"وإياكم والجلوس" هذا من باب التحذير، وقوله:"على الطرقات" جمع طريق، وهو أخص من الأسواق. لأن الأسواق تشمل الطرق وغير الطرق، أما الطرق فهي للأسواق المسلوكة، وقوله:"الجلوس على الطرقات" يشمل ما إذا كان جالساً وحده أو جالستا مع غيره، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها"، "ما": نافية، و "لنا بد" مبتدأ وخبر، ولا نقول: إنه خبر "ما" أو اسم "ما"؛ لأن ما هنا لا تعمل، لماذا؟ لعدم الترتيب، و "ما" الحجازية لا تعمل إلا إذا تقدم اسمها على خبرها، ومعنى: "ما لا بد" أي: لا مناص لنا ولا مفر من الجلوس، وقالوا ذلك ليس اعتراضيا على تحريم النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس على الطرقات، ولكنة بيان للحاجة إلى الجلوس، لعل النبي صلى الله عليه وسلم يذكر حالاً أخرى تهون ما أراد، فلما فهم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنة لابد لهم منها قال: "فإما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه"، لم يقل: فأما إذا أبيتم فقد عصيتم، لأن الأمر الأول للإرشاد؛ يعني: التحذير الأول للإرشاد، "فإذا أبيتم" أي: امتنعتم "فأعطوا الطريق حقه"، وبهذا علم أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الجلوس على الطرقات خوفاً من عدم إعطاء الطريق حقه،

ص: 420

ووجه النهي: أن الإنسان إذا جلس على الطرقات فإنه يتعرض للفتنة، قد تمر في الطريق امرأة حسناء فتتعلق نفسه بها، قد يمر رجل معه حاجة لأهله يكره ان يطلع عليه أحد فيطلع عليه هذا الرجل، قد يمر به أعرج أو أعمى أو أبكم أو أصم فيؤدي ذلك إلى الاستهزاء والسخرية به، المهم: أن الجالس على الطريق معرض نفسه لأشياء كثيرة، كذلك أيضاً إدا جلس وحده فإنه عرضة لان ينتهك عرضة؛ لان الناس سيقولون: لماذا هو جالس هنا؟ أهو جاسوس أم هو يترقب النساء أو غير ذلك؟ لهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس على الطرقات.

قال: "فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: غض البصر، أن يغض الإنسان بصره عن المارة سواء كان رجلاً أو امرأة، صغيراً أو كبيراً، معه حاجة أم لم يكن معه حاجة، غض البصر ومن مر بك لا تلتفت إليه لا تتبعه بصرك، خلافاً لبعض الناس تجده إدا جلس في الطريق من أول ما يقبل الرجل وعينة به وهو ماشٍ معه حتى يخجله، هذا أساء إلى المارة، كل من يرى أن شخصاً قد ركز عينية فسوف يخجل، وربما إذا أصيب بشيء يقول: هذا الرجل قد عاينني، ولو لم تكن هناك هذه الاحتمالات فإن غض البصر أمر لابد منه.

الثاني: "كف الأذى" القولي والفعلي، القولي: بأن يعيره إذا مر، والفعلي: أن يمد رجله ليعثر بها أو يأخذ حصاة يضعها في طريقة أو غير ذلك، أو إذا مر به وعلية مشلح مثلاً جذب طرف مشلحه، المهم: الأذى يشمل الأذى التولي والأذى الفعلي.

ومن ذلك: أن يقول إذا مر عليه احد: عرفناك يا فلان معك اليوم كذا وكذا من الحاجات، معك لحم، معك خبز، معك كذا، هذه أيضا من الأذية القولية.

"ورد السلام" لم يقل: والسلام، لأن الجالس يسلَّم عليه ولا يسلم، وإذا مر بك أحد سلم، فمن حق الطريق أن ترد عليه السلام، وقد سبق ذكر كيفية الرد مفصلاً تفصيلاً لا حاجة لإعادته هنا، فإذا لم يسلم فهل من حق الطريق أن أسلم عليه؟ لا، من حق الطريق أن أنصحه وأقول: سلّم يا فلان، فأذا مر بي ولم يسلم قلت: سلم يا فلان.

قال: السلام عليكم هل يجب علي الرد أو لي أن اعذره بترك الرد؟ نقول: رد، وحينئذ تكون قد تألفته بالرد.

"والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهذا من أهم حق الطريق: الأمر بالمعروف، إذا رأيت ماراً متجاوزاً للمسجد مره وتقول له: يا أخي، أدخل المسجد صل، ولكن أنت جالس على الطريق تنتظر الإقامة والإنسان لا حرج عليه أن يجلس ينتظر الإقامة إذا لم يكن في ذلك مفسدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالسعي إلي الصلاة إذا سمعنا الإقامة، فهذا إنسان مثلاً جالس على الطريق يجلى ينتظر الإقامة فمر به رجل وذهب عن المسجد وهو يعرف أن هذا الرجل

ص: 421

لن يصلي، فتقول له: يا فلان، ادخل ومن الأمر بالمعروف ما سبقت الإشارة إليه أن تأمره بالسلام إذا لم يلم، والنهي عن المنكر مثل: أن يمر إنسان في الطريق وقد أسبل ثوبه، فهذا منكر من حقه عليك ومن حق الطريق عليك أن تنكر عليه، لكن هل أصرخ في وجهة: يا مسبل، ومعلوم لو قلت هكذا فلن ينظر الله إليك؟ الجواب: لا أقوم معه وأتكلم برفق وأقول: هذا حرام عليك، وكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى شاباً من الأنصار جر ثوبه قال:"يا أبن أخي، ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك" هذه كلها من الحقوق الواجبة.

هناك حقوق أخرى لكنها على سبيل التطوع وهي إعانة المستعين بقوله أو بحاله، مثلاً سيارة مرت بالطريق وتعطلت هذا يحتاج إل مساعدة إما دفع أو أي شيء أخر هذا من حقه، ولكن هذا ليس خاصاً بالطريق أو غيره، إعانة المستعين بمقاله أو حالة هذه من الأمور المطلوبة وهي من حق المسلم على المسلم، هداية الأعمى من حق الطريق، رأيت رجلاً أعمى أتى وتجده يتلمس ولا يهتدي للطريق. فمن حقه أن تهديه إلي الطريق، وأنت في ذلك مأجور، المهم: له حقوق كثيرةء وكان الرسول صلى الله عليه وسلم اقتصر على هذه؛ لأنها أمور واجبة.

ما وجه كون هذا الحديث داخلاً في مكارم الأخلاق مع أن فيه التحذير: 0"إياكم والجلوس"؟ الجواب: إذا قام الإنسان بهذه الحقوق فهي من مكارم الأخلاق.

فإن قال قائل: الأفضل لي أن أبقر في بيتي أو ان أجلس في السوق؟

قلنا: إذا كان يمكنك البقاء في البيت فهو أفضل؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما أذن لهم حين قالوا: "ما لنا بدٌ من مجالسنا"، أما من كان لا يبالي جلس في السوق أو في بيته فبيته أفضل وأبرأ لذمته؛ لأنه ربما يجلس في الطريق ولا يعطيه حقه، وربما يتهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وربما لا يغض البصر، تمر به امرأة جميلة شابة لا يملك نفسه، فبيته أسلم، لكن إذا كان لابد فلابد من إعطاء الطريق حقه.

وإذا جلس في الطريق هل له أن يأكل ويشرب في الطريق؟ هذا حسب العرف، العرف الآن بالإمكان أن يأكل ويشرب، تجدهم على عتبات الدكاكين جالسين يشربون الشاي، وربما يكون معه ما يؤكل من بسكوت أو غيره هذا لا بأس به.

ومن فوائد الحديث: حرص النبس صلى الله عليه وسلم على السلامة والبعد عن الفتنة وجهه: التحذير من الجلوس على الطرقات.

ص: 422

ثانيا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على كف الأذى، لأن من الحكمة عند النهي عن الجلوس في الطرقات ألا يتأذى أو يؤذي.

ومن فوائده: جواز مراجعة العالم فيما يقوله، وجهة: أن الصحابة راجعوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو المطاع في أمره صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك راجعوه.

ومن فوائده: أن الإنسان إذا راجع في أمر فإن المشروع في حقه أن يبين العذر والسبب لقولهم، "ما لنا بد من مجالسنا".

ومن فوائد الحديث: حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث علم أن هذا إباء مفهم لكنة مبرر بالحاجة لقوله: "فأما إذا أبيت"، وهذا لا شك أنه من حسن الخلق، وإلا لأكد عليهم وقال حذرتكم فلا تجلسوا، لكن من حسن خلقه قال هذا.

ومن فوائد الحديث: مراعاة الأحوال، وأن الأحكام قد تختلف بحسب الأحوال؛ حيث قالوا:"ما لنا بدٌ من مجالسنا" فرخص لهم، مثلاً: إذا قلت هذا حرام، ثم رأيت أن من الضرورة أن تحله لهذا الشخص في نطاق الشريعة فلا بأس حلله ولو كنت في الأول حرمته.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا تنازل الإنسان عن مفسدة فلا بد أن يذكر ما تخف به هذه المفسدة أو تزول، وجهة. أنه قال: "إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه: حتى تزول المفسدة.

ومن فوائد الحديث: أنه يجب على من جلس على الطرقات أن يغض بصره عن الناس خوفاً من أن يفتتن أو يؤذي غيره. لأنه إن كان الشيء فاتناً فإنه يخشى عليه من الفتنة، وان لم يكن فاتتا فإنه يخشى عليه أن يؤذي غيره،

ومن فوائد الحديث: وجوب كف الأذى على الجالس في الطرقات كغيره، لكن لما كان الجلوس على الطريق مظنة الأذى نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"وكف الأذى"، وإلا فالأذى واجب كفه على كل حال.

ومن فوائد الحديث: أن من حق الطريق رد السلام لقوله: "ورد السلام".

فإن قال قائل: لو ان المار قال: مرحباً بكم أيها الجلوس فما الجواب؟

الجواب: مرحباً بك أيها المار، قال الله تعالي:{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها} [النساء: 86] لكن هنا ينبغي أن يقال له: السنة السلام دون الترحيب، سلم ثم رحب إن شئت.

ومن فوائد الحديث: أنه يجب على الجالس في الطريق ألا يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لقوله: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

*****

ص: 423