الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقينا فيما نهى عن قتله إذا آذى فكانت تحفر تحت البلاط ويبقى البلاط في الهواء ويخرب هل تقتل؟ تقتل، لكن إن اندفعت بغير القتل فافعل وإن لم تندفع إلا بالقتل فاقتلها لأنه إذا كان المؤذي من بني آدم لا يندفع أذاه إلا بالقتل يجوز قتله فالنمل من باب أولى، لكن قد تندفع بغير القتل، فمن ذلك أن بعض الناس يحفظ قراءة للنمل يجلس على كرسي بين النمل الكثير ثم يقرأ آيات، فإذا هي ترحل فإذا وجد هذا الرجل قلنا تعال عندنا نمل آذانا، ووجدنا أيضًا مما يخفف من ضررها أو يصرفها أن تصب على جحرها جاز، وهذا شيء جربناه، على كل حال هي: إذا آذاك فلك قتلها إذا لم تندفع إلا بالقتل؛ لأن كل مؤذ يجوز قتله على العموم، وقد ذكر شيخ الإسلام قصة أظن ذكرتها لكم، يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه "مفتاح دار السعادة": إنه حكي لشيخه ابن تيمية رحمه الله قصة رجل وجد ذرة فوضع أمامها طعمًا، فجاءت هذه الذرة تجره فعجزت، فذهبت إلى صاحبتها في البيت ودعتهم: هلموا إلى الطعام، فلما أقبلوا نزع هذا الطعم بحثوا لم يجدوا شيئًا، والنملة التي ندبتهم لما انصرف قومها بقيت لعلها تجد شيئًا فوضع الطعم مرة ثانية فجاءت إليه وتيقنت أنه موجود، ولكن عجزت أن تحمله فذهبت إلى قومها ودعتهم: فلما أقبلوا المرة الثالثة نزعه، فلما جاءوا فلم يجدوه يقول: اجتمع النمل عليها فأكلوها قتلوها وهذا أولاً- كيف لم يقتلوها أول مرة وإنما قتلوها بعد الثالثة؟ كأن الحيوان مفطور على أن التكرار ثلاثًا يغني عما زاد عنه، وثانيًا: ولا ينقص عن التكرار، فقال شيخ الإسلام: هذا صحيح؛ لأن كل شيء مفطور على كراهية الكذب وعقوبة الظالم، فهذه كذبت عليهم باعتبار ما ظنوا، وإلا فالمسكينة لم تجد الطعم، النهاية على كل حال نقول: إن النمل منهي عن قتله، لكن إن لم يندفع أذاه إلا بقتله فلا بأس، وكذلك البقية: النحلة والهدهد والصرد.
حكم أكل الضبع:
1274 -
وعن ابن أبي عمار رضي الله عنه قال: "قلت لجابر: الضبع صيد هو؟ قال: نعم. قلت: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه أحمد والأربعة، وصححه البخاري، وابن حبان. قال: "قلت لجابر"، أولاً: ابن أبي عمار من التابعين؛ لأنه أدرك الصحابة، "الضبع صيد
هو"، هذه الجملة استفهامية أم خبرية؟ استفهامية، يعني: الضبع صيد أو لا؟ وإنما قال: أصيد هي؛ لأن الضبع معروف أنها ليست من الحيوان الإنسي بل من الحيوان الوحشي وكل حيوان وحشي فإنه صيد إذا كان حلالاً، قال: "نعم" هي صيد، قلت: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم" أي: صيد، ولهذا وجب في صيدها على المحرم شاة ولو كانت غير حلال لم يجئ فيها شيء؛ لأن غير الحلال لا قيمة له.
فيستفاد من هذا الحديث: أن عمل السلف رحمهم الله هو التساؤل عن الأحكام الشرعية الأفعال والأعيان، وهذا أمر لا تكاد أدلته تحصر، قال ابن مسعود: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، والأمثلة على هذا كثيرة، هذا سؤال عن الأعمال، وهنا سؤال ابن أبي عمار عن الأعيان، سأل جابرًا الضبع صيد أم لا؟ وهكذا ينبغي للناس أن يكون همهم البحث في معرفة حدود الله تعالى وأحكامه حتى يحلوا العلم، ومعلوم أن المباحثة والمناقشة إذا كانت بنية صالحة أن الناس يوفقون فيها للحق، وأما المناقشة والمجادلة من أجل انتصار الإنسان لنفسه فالغالب أن يحرم الوصول إلى الخير.
ومن فوائد الحديث: أن "نعم" صريحة في الجواب، وقد قيل: إن الجواب بالحروف على نية إعادة الجملة التي وقع الاستفهام بها، يعني: إعادة الجملة التي هي صيغة الاستفهام، وعلى هذا فقوله:"نعم"؛ أي: ي صيد، وهل صيد، وهل تثبت بها الحقوق فيما لو قيل لشخص: أعليك لزيد ألف درهم فقال: نعم؟ نعم تثبت بها الحقوق، ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم طلقت؛ لأن المعنى: نعم طلقتها.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يسأل العالم الذي هو أعلم منه عن الدليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاله كفى.
ومن فوائد الحديث: ما ساقه المؤلف من أجله وهو أن الضبع حلال، وهي حيوان معروف يشبه الذئب، واختلف العلماء لما كانت حلالاً هل هي مستثناة من كل ذي ناب من السباع أو أنها ليس لها ناب تفترس به، فمنهم من قال: إنها ليس لها ناب تفترس به، وأنه ليس من عادتها افتراس الحيوان إلا عند الضرورة، ومنهم من قال: إنها مفترسة، والله تعالى في الاستثناء من أحكامه ما يشاء، فعلى القول الأول قد يحصل فيه إشكال؛ لأنه ثبت بأن الضبع تأكل الإنسان، وعلى الثاني لا إشكال فيه، والذي للإنسان عند المناظرة والمجادلة أن يسلك ما لا إشكال فيه حتى يقطع النزاع، ويكفي المؤمن أن يقال له: هذا قول الله ورسوله،