المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الحياء: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌الترغيب في الحياء:

‌الترغيب في حسن الخلق:

1461 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق» . أخرجه أبو داود، والترمذي وصححه.

ما الذي رفع "أثقل"؟ الذي رفعها: "أن من" في قوله: "من شيء" حرف جر زائد، وعلى هذا يكون التقدير: ما شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق.

وإذا أخذنا بظاهر الحديث فإنه يبقى مشكلاً؛ لأن كلمة التوحيد أثقل ما يكون في الميزان كما في حديث صاحب البطاقة الذي أخرج له يوم القيامة سجلات كثيرة من الذنوب ثم وزنت بلا إله إلا الله فرجحت بها لا إله إلا الله فكيف يمكن الجمع بين هذا وما جاء في هذا الحديث؟ الجواب: أولاً: إن صح هذا الحديث فإن قول: "لا إله إلا الله" من توحيد الله، بل هي توحيد الله، ولا شك ان اعتقاد مقتضاها من حسن الخلق؛ لأن حسن الخلق لا يراد به أن يكون الإنسان مع الناس واسع الصدر منطلق الوجه فقط، ليس الأمر كذلك، إنما حسن الخلق يشمل حسن الخلق مع الله ومع عباد الله، ومع ذلك يبقى في هذا الجواب إشكال؛ لأننا إذا قلنا: إن حسن الخلق هو حسن الخلق مع الله ومع عباد الله شمل الدين كله، وحينئذ ليس هناك شيء أثقل من شيء، فالحديث مشكل، ولهذا لابد أن يخرجه لنا أحد منكم.

على كل حال: حسن الخلق أمر مطلوب، والمقصود بالخلق الحسن، أو حسن الخلق: هو أن يكون الإنسان دائماً راضياً، فهو إذا كان عنده حسن خلق يصبر على الأذى ويتحمل المشاق ويأخذ بالعفو كما قال الله عز وجل:{خذ العفو وأمر بالمعروف} [الأعراف: 199] يعنى: خ ما ظهر من الناس وما حصل من أخلاقهم ولا تكلفهم الكمال؛ لأن من أراد الكمال حرم الكمال.

‌الترغيب في الحياء:

1462 -

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله: «الحياء من الإيمان» متفق عليه.

الحياء: صفة خلقية تعتري الإنسان، ولا يستطيع أن يعبر عنها تعبيراً يكون تفسيراً لحقيقتها، ولكنها تعرف بآثارها، فهي: خلق يعتري الإنسان يمنعه أن يتكلم أو يفتل ما يخجل منه وما يوبخ عليه، وهو من الإيمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»

ص: 427

وهنا قال: «الحياء من الإيمان» من هنا للتبعيض، أي: بعض من كل، ثم اعلم أن الحياء يكون من المخلوق ويكون من الخالق، فالحياء من الخالق: أن تستحيي من الله أن يفقدك حيث أمرك، أو ان يراك حيث نهاك، وعلى هذا التفسير فإن الحياء يستلزم القيام بالمأمور واجتناب المحذور، أمرك الله عز وجل أن تزكي فلم تزك، استحي من الله نهاك أن تشرب الخمر فشربته. نقول. استحي من الله. كيف يراك الله حيث نهاك. وكيف يفقدك حيث أمرك! ! هذا الحياء من الله وهو يستلزم القيام بأوامر الله واجتاب نواهيه، أما الحياء من المخلوق فهو آن يتجنب الإنسان كل آمر يعاب عليه ويذم عليه. وهذا عائد الى المروءة، تجد بعض الناس لا يستحيي ولا يبالي ان يخرج على الناس بصفة مكروهة أو بصفة مرغوبة سواء حصل ذلك على وجه يخالف العادة أو على وجه لا يخالف العادة، حصل علن وجه تكون به الشهرة وعلى وجه لا تكون به الشهرة. يخرج مثلاً في أي هيئة تكون عليه لباسه، وفي أي حال من أحواله لا يبالي بالهيئة ولا بالأحوال! لكن العسر لا يمكن ان يأتي خصلة يذمه الناس عليها ويعيبونه بها.

ثم اعلم ان من الحياء، ما يظن أنه منه وليس كذلك، بعض الناس يستحي أن يسأل عما يجب السؤال عنه وهذا ليس حياة ولكنة خور، فالحياء من الحق خور وجبن وعدم قدرة على الانتفاع بذلك الحق، وبهذا قال الله تعالى:{فإذا طمعتم فانتشروا ولا مستئين لحديث إن ذلكم كان يؤدي النبي فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق} [الأحزاب: 53]. وقال تعالى: {وإن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضه} [البقرة: 26]. وقالت: أم سليم - وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عما يتعلق بطهارتها - يا رسول الله، ان الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من الغسل إذا احتلمت، فالحياء الذي يمنعك من قول الحق أو طلب الحق هذا نسميه خوراً وجنباً، ليس حياء، لا تستحي من الحق، لا تقل: أنا أستحي أن أسأل هذا السؤال؛ لأنني أخشى أن يكون سهلاً، فيقول الناس: هذا طالب علم ضعيف، أو أخشى أن يكون صعباً، فيقال: هذا متعنت، وهذا يريد الإعنات والإشقاق على المسئول، إذا كان الأمر لابد منه فلابد أن نسأل ولا نهتم.

إذن الحياء من الأيمان سواء مع الله أو مع الخلق، لكن هناك ما يظن انه حياء وليس بحياء، وهو الحياء من الحق، فإن هذا ليس حياء محموداً بل هو خور وجبن مذموم.

ص: 428

1463 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستبح، فاصنع ما شئت» أخرجه البخاري.

"إن مما"، "من" هنا للتبعيض و "ما" اسم موصول؛ أي: إن من الذي أدرك الناس، وقوله:"الناس" المراد به: أهل الجاهلية إلى وقت البعثة، هذه الكلمة العظيمة:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، وقوله:"من كلام النبوة الأولى"، "الأولى" مؤنث أول، فيكون ظاهر الحديث أن هذه الكلمة من أول النبوات، أي: أنها متوارثة من جميع الأنبياء: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، والأمر هنا للإباحة أو للتهديد؛ وذلك بناء على معنى قوله:"إذا لم تستح"، هل المعني: إذا لم يكن بك حياء فاصنع ما شئت، أو المعنى: إذا لم تأت فعلاً يستحيا منه فاصنع ما شئت؟ الحديث يحتمل المعنيين، المعنى الأول: أنه إذا لم يكن بك حياء فإنك سوف تصنع ما شئت ولا تبالي، المعنى الثاني: إذا أردت فعل شيء أو قول شيء لم يستحيا منه فافعله، فعلى الأول يكون الأمر هنا للتوبيخ، وإن شئت فقل: إنه أمر بمعنى الخبر؛ أي: إذا لم يكن بك حياء صنعت ما شئت، وعلى الثاني يكون الأمر للإباحة، يعي: إذا أردت ان تفعل فعلاً لا يستحيا منه فاصنعه ولا تبال، وعلى كل حال: فإنه يدل على فوائد هو والذي قبلة.

من فوائد الحديثين: أولاً: ان الإيمان له خصال متعددة، وجه ذلك: قوله: "الحياء من الإيمان"، و "من" للتبعيض.

ومن فوائد الحديث: الحث على الحياء. له من ما لم يكن خوراً أو جبناً.

ومن فوائد ذلك: أن الإيمان له أثار حميدة ومنها الحياء، فإن الحياء خلق محمود عنه كل الناس وهو من آثار الإيمان.

أما الحديث الثاني ففيه: أن الناس قد يتوارثون كلمة حق من النبوات السابقة. لقوله: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأول".

ومنها: أن الكلمات المتوارثة إذا كانت حقاً فإنه ينبغي العناية بها؛ لأن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم إياها لا شك أنه من العناية بها.

ومن فوائد الحديث: ان الفعل إذا كان لا يستحيا منه فإنك تصنعه ولا تبالي، لكن هل هذا على إطلاقه أو يقال: هو مباح، ثم المباح قد يكون من الحسن أن يفعل، وقد يكون من الحسن ألا يفعل، فهو على حسب ما تقتضيه الحال؟ الثاني؛ لأن المباح ليس معناه أنه مطلق، بل قد يكون المباح واجباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون مكروها، وقد يكون مستحثاً فهو على حسب ما يوصل إليه.

ص: 429

ومن فوائد الحديث: أن الذي لا يستحي - بناء على الوجه الثاني في المعنى - يصنع ما يشاء ولا يبالي بالناس، وهذا لا شك أنه ذم، فيستفاد منه: أنه ينبغي للإنسان مراعاة الناس وألا يفعل ما يستحيا منه بينهم، أرأيت مدّ الرجل في المجالس هل هو مما يستحيا منه؟ نعم، لاسيما في المجتمع المسلم، لو مد الإنسان وجله فإن الجالسين حوله سيقولون: إن هذا لا يستحي؛ لان الذي لا يستحيي يصنع ما شاء، رجل يكلم الناس وهو معرض عنهم! هذا أيضاً لا يستحيي، وهذا الثاني فيه نوع من الكبر، فالمهم: أن هذا لا يحتاج لأمثلة لوضوحه.

ومن فوائد الحديث: أن الأمر قد يأتي بمعنى الخبر على أحد الوجهين في تغير الحديث، وهو قوله:"فاصنع ما شئت"، والأمر يأتي بمعنى الخبر في اللغة العربية، وقوله تعالى:{وقال الذين كفروا للذين امنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطيكم} [العنكبوت: 12]. هذا ليس أمراً ولكنة خبر، أي: ونحن نحمل خطاياكم، إلا أنه خبر مؤكد حيث جاء بصيغة الأمر.

الترغيب فى القوة في الدين:

1464 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان» . أخرجة مسلم.

"المؤمن القوي" في إيمانه. وإنما اخترنا ذلك لئلا يقول قائل: إن المواد به: المؤمن القوي في بدنه وليس كذلك، بل الصحيح أن المواد في الحديث: المؤمن القوي في إيمانه، لأن الوصف يعود على ما سبق، وما سبق اسم مشتق وهو "المؤمن"، لو قال: الرجل القوي لربما نقول: إن المراد القوي في جسمه، كما يمكن أن نقول: القوي في الرجولة، لكن إذا قال: المؤمن فهو وصف، فيكون الوصف الذي وصف به هذا عائداً عليه، يعني: المؤمن القوي في إيمانه، أي: في إيمانه في قلبه، وكلمة قوي الإيمان في القلب كثرت الأعمال الصالحة: لأن الإيمان يحمل صاحبة على الهدي.

"خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف"، فذكر في المؤمن القوي خصلتين عظيمتين الأولى: أنه خير من ضده، والثاني: أنه أحب إلى الله عز وجل "من المؤمن الضعيف" يعني: في إيمانه، ولا شك أن الناس يختلفون في الإيمان قوة وضعفاً، وقوله:"وفي كل خير" هذه الجملة فيها احتراز؛ لأنه لما قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" قد تهون قيمة

ص: 430

المؤمن الضعيف عند الإنسان، فقال:"وفي كل خير"، ولهذا نظائر منها قوله تعالى:{ولا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقتلوا} فذكر هنا مفضلاً ومفضلاً عليه ربما يكون في النفوس أن المفضل عليه نازل المرتبة، فقال بعد ذلك:{وكلا وعد الله الحسنى} [النساء: 95].

ومن ذلك قوله تعالى: {وداود وسليمن إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غني القوم وكنا لحكمهم شهدين (78) ففهمنها سليمن} أثني على سليمان بأن الله فهمه الحكم الصحيح الموافق للصواب، ثم قال:{وكلا ءايتنا حكماً وعلماً} [الأنبياء: 78، 79]. لأن هذا الاحتراز ضروري، لأنه إذا قال فهمناها سليمان وبما يفهم السامع أن ذلك يعني: حجبناها عن داود، فقد يكون في قلب الإنسان تنقص لداود عليه الصلاة والسلام، فقال:"المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، لئلا يظن الظان أن المؤمن الضعيف لا قيمة له، وقوله:"وفي كل خير" يعني: كل مؤمن فيه الخير.

"احرص عن ما ينفعك"، "احرص" بكسر الراء، وحرص يفتح الراء، وأظنه فيها لغة لكنها قليلة: حرص، لكن المشهور حرص بالفتح، قال الله تعالى:{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103]. وقال تعالة: {إن تحرص على هداهم} [النحل: 37]. فهنا فعل الأمر هل تبع الماضي أو المضارع؟ المضارع؛ إذ لو تبع الماضي لقال: احرص، وذلك للقاعدة النحوية التي تقول: إن فعل الأمر فعل مضارع مجزوم حذف منه أداة الجرم وحرف المضارعة، وهذا يفيدك فيما لو قلت: صغ فعل أمر من نام ماذا نقول؟ نم وليس نم، طبقها على القاعدة تقول: لم ينم، لو حذفت لم ثم ياء المضارعة تبقى نم، كيف تصوغ فعل الأمر من خاف؟ خف الله، نقول: لم يخف الله، احذف لم ثم الياء صارت خف، صغ فعل أمر من رأي، تقول: رء؛ لأنك تقول: لم يرء، احدف لم، ثم احذف الياء، رء، صغ فعل أمر من وقى؟ ق هذه خرجت عن بنية الكلمة. لأنك تقول: لم يق، احذف لم وياء المضارع تبقى ق، هذا ضابط مفيد للإنسان، يقول الإنسان: فعل الأمر من خاف خف يا فلان، نقول: هذا غلط الصواب أن نقول: خف؛ لأن فعل الأمر مضارع حذف منه أداة الجرم وياء المضارعة.

إذن نقول: احرص ولا نقول: احرص على ما ينفعك في الدين، وفي الدنيا والأشياء ثلاثة: نافع وضار، وما لا نفع فيه ولا ضر، فما اله ي يؤمر الإنسان بالحرص عليه؟ هو النافع، أما الضار فينهى عنه؛ وأما ما لا نفع فيه ولا ضرر فلا يؤمر به، وينظر ما نتيجته قد تكون خيراً وقد تكون شراً، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"احرص على ما ينفعك" هذا مما لك به قدرة، ولكن هل تعتمد على نفسك؟ لا، ولهذا قال:"واستعن بالله" لا تعتمد على نفسك، قال الشاعر:[الطويل]

ص: 431

(إذا لم يكن هون من الله للفتى .... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده)

استعن بالله مع الحرص، ويفهم منه ان الإنسان مطالب بأن يبذل ما هو في استطاعته وهو الحرص، ويفوض الأمر إلي الله فيما لا يستطيع، وهذا هو الاستعانة بالله.

وقوله: "ولا تعجز" ليس معناه: ولا يكن فيك عجز؛ لأن المعجز ليس بقدرة الإنسان، فقد يمرض الإنسان ويعجز وقد يشق عليا الشيء ويعجز عنه، لكن المراد بقوله:"لا تعجز": لا تكسل، فتفعل فعل العاجز؛ لأن الإنسان إذا كسل تراخى عن الفعل ومار فعلة فعل العاجز، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاثة أمور: الحرص، والاستعانة، وعدم الملل والكسل، وكل ذلك داخل في قوله:"ولا تعجز".

وإن أصابك شيء" يعني: بعد أن تبذل ما تستطع بعد الحرص والاستعانة بالله والثبات على الأمر، "إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا"، الإنسان يؤمر بالشيء ثم بعد أن يؤمر بالشيء يكل الأمر إلى الله، إذا فعلت ما يلزمك من الحرص على الناقع والاستعانة بالله والثبات على الأمر ثم اختلفت الأمور فهل تلام، لا تلام، حينئذ فوض الأمر إلى الله، أما أن تفرض الأمر إلى الله بدون أن تفعل الأسباب فهذا لا شك أنه خطأ، افعل الأسباب كلها، ثم إذا كانت الأمور على خلاف ما تريد فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، لا تقل هذا؛ لأن الله لو أراد ذلك لفعلته، ولكن الله لم يرد، ولا يمكن تغيير ما كان عما كان؛ أي: لا يمكن رفعه، ولكن يمكن مداواته، "ولكن: قل: قدر الله وما شاء فعل"، تربية نفسية عظيمة ورضا بالقدر ما فوقه شيء، "قل: قدر الله" "قدر" تروى بوجهين: الأول: بتشديد الدال وفتح القاف يكون المعنى: قدر الله؛ أي: قل: قدر الله ذلك وليس بإرادتك وما شاء فعل، الوجه الثاني - وهو أولى - قدر الله أي: هذا قدر الله، هذا الذي وقع قدر الله وليس باختياري، "وما شاء فعل" هذه جملة شرطية فإن "ما" هنا اسم شرط، وفعل الشرط: "شاء"، وجواب الشرط: "فعل"؛ أي: أي شيء يشاؤه الله فلابد أن يفعله.

هذا الحديث فيه: حث على مكارم الأخلاق، أولاً: قوله: "لو تفتح عمل الشيطان" أي: فإن قول الإنسان "لو" في الأمر المقدر تفتح عمل الشيطان، فما هو عمل الشيطان؟ عمل الشيطان ما يحدثه في قلب الإنسان من الندم والحسرة، وهي لا تفيد؛ لأن ما وقع لا يمكن رفعه.

ففي هذا الحديث فوائد منها: أن الأيمان يتفاوت، يؤخذ ذلك من قوله:"المؤمن القوي خير وأحب، إلى الله من المؤمن الضعيف"، فإن قال الإنسان: بماذا يتفاوت الإيمان؟ قلنا: يتفاوت بأسباب متعددة؛ أولاً: يتفاوت باليقين، فبعض الناس يكون إيمانه إيمان يقين كأنما يرى الجنة

ص: 432

والنار واليوم الآخر، بل قد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"أن تعبد الله كأنك تراه"، وهذا أعلى ما يكون من درجات اليقين هذا من الأسباب، وهل لهذا - أي: زيادة اليقين - دليل على أنه ربما يزداد وينقص؟ نقول: نعم فيه دليل من القرآن: {وإذ قال إبرهيم رب أرني كيف تحيى الموتي قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى} [البقرة: 260] أي: ليزداد ثباتاً، وله دليل من الواقع أيضاً، فمثلاً: إذا أتاك رجل ثقة بحبر تثق بخبزه لصدقه وأمانته وإدراكه الأمور على ما هي عليه أتاك بخبر صار عندك إيمان، أتاك رجل آخر بنفس الخبر فيزداد الأيمان، وكلما كثرت طرق الخبر ازداد الإنسان قوة، كذلك أيضاً يقوى الإيمان بكثرة اللجوء إلي الله عز وجل، بمعنى: أن يكون قلبك دائماً متعلقا بالله، إن ذكرت الله تذكره في قلبك قبل ان تذكره بلسانك، إن تركت شيئاً لله تذكر الله تعالى بقلبك قبل أن تتركه، وهكذا يكون قلبك دائماً مع الله، حتى في لبس الثوب، تذكر أن الله هو الذي أنعم به عليك ويسره لك، وكذلك الأكل والشرب والنكاح والمسكن، كل ذلك اذكر الله عز وجل يزداد بذلك اليقين، مما يزيد اليقين: العمل الصالح. لقوله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وءاتهم تقواهم} [محمد: 17]. وكلما كثر العمل الصالح ازداد الإيمان قوة، ولهذا يقال: إن الأعمال الصالحة بمنزلة الماء للشجرة كلما أكثرت من سقيها ازدادت نمواً وحياة.

ومن فوائد الحديث: إثبات تفاضل الناس حسب قوة إيمانهم، يؤخذ ذلك من قوله:"خير"، هذا عائد على المؤمن.

ومن فوائد الحديث: إثبات محبة الله عز وجل لقوله: "أحب إلى الله"

ومن فوائده أيضاً: أن محبة الله تعالى تتفاوت بحسب أعمال العبد؛ لأن الله علق زيادة المحبة بقوة الإيمان.

ومن فوائد الحديث: حسن التعبير في حطاب النبي صلى الله عليه وسلم كما هو في كلام الله لقوله: "وفي كل خير".

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يفاضل بين شخصين وفي كل منهما خير أن يذكر الخير في الجميع حتى لا تهبط قيمة الأخر من قلوب الناس.

ومن فوائد الحديث: إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرص على ما ينفع؛ لقوله: "احرص على ما ينفعك" وهو لما قلنا في الشرح شامل لما ينفع في الدين أو في الدنيا.

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يحرص على ما لا نفع فيه، يؤخذ ذلك من قوله:"على ما ينفعك" يعنى: وأما ما لا ينفعك فلا تحرص عليه، ولكن هل يجوز ذلك أن تمارسه أولاً؟ ينظر، فإن كان شيئاً محرماً فإنه لا يجوز، وان كان لغواً فإن الأولى حفظ النفس واللسان عنة.

ص: 433

ومن فوائد الحديث: وجوب الاستعانة بالله عز وجل مع فعل الأسباب، أين السبب؟ قوله:"احرص على ما ينفعك"، الاستعانة "واستعن بالله".

ومن فوائده: أن فعل الأسباب مقدم على التوكل والاستعانة؛ لأنه قال "احرص""واستعن".

فإن قال قائل: لا نسلم لهذه الفائدة؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب.

قلنا: نعم هي لا تقتفي لكنها لا تنافي الترتيب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158]. قال حين دنا من الصفا: "أبدأ بما بدأ الله به"، قررنا أن الفعل يتقدم على الاستعانة لئلا يكون الإنسان متواكلاً لا متكلاً، يعني: لو قدم الاستعانة بالله على شيء لم يفعله فإنه لا يستقيم ولكن يقال: الأولى أن تكون الاستعانة مقارنة للفعل، بمعنى: أنه من حين أن يقوم بالفعل ينوي الاستعانة بالله لئلا يعجب بنفسه في أول الفعل، فالاستعانة - إذن - إما أن تسبق أو تتأخر أو تقارن، فأيهما المطلوب؟ المقارنة.

ومن فوائد الحديث: أنك إذا حرصت على ما ينفعك فلا تستعن يغير الله، نعم يقال: إنك إذا استعنت بغير الله فغيه تفصيل: إن كان لا تمكن الاستعانة به كما لو كان ميتاً أو غائباً فهذا لا يجوز، وهو من الشرك، وأن كان تمكن الاستعانة به فهذا دخل في قوله:"احرص على ما ينفعك"، فيكون من السبب، والاستعانة إنما هي لله عز وجل.

ومن فوائد الحديث: النهي عن الكسل والخمول، وهو يستلزم الثبات والاستمرار، يؤخذ من قوله:"لا تعجز" أي: لا تفتر عن العمل، وتترك العمل بل اثبت واستمر، ولهذا قال الله عز وجل:{يأيها الذين امنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلم تفلحون} [الأنفال: 45].

ومن فوائد الحديث: ان الإنسان إذا فعل ما يلزمه من الأسباب النافعة واستعان بالله ثم صار الأمر على خلاف ما أراد، فهنا يجب عليه التفويض المطلق، وإلا فالواجب أن يفعل السبب، فمثلاً: لو إن أناساً يقاتلون عدواً ونفدت أجهزة القتال معهم أو تكسرت فهنا. ما بقي عليهم إلا التفويض الى الله عز وجل، يفوضون تماماً؛ لأنهم ما يستطيعون أن يفعلوا الأسباب، أما مع إمكان فعل الأسباب فإن الواجب فعل السبب؛ ولهذا نقول: إن من الاستهتار أن يذهب إنسان يقاتل بعصاه آو بسكين مطبخه مع أناس يقاتلونه بالدبابات والرشاشات ويقول: أنا متوكل على الله! ! هذا غلط، نعم لو أنك حوصرت ولم تستطع الفرار حينئذ قاتل ما استعطت بأي سلاح معك.

ص: 434

ومن فوائد الحديث: النهى عن قول: "لو" يعنى: إذا فعلت الأسباب ولكن لم يحصل المقصود لا تقل: لو، وكما تعلمون أن الحديث يدل على ان النهي عن قول:"لو" إنما هو ني هذه الصورة المعية، وهي أن يكون الإنسان قد حرص على ما ينفع وبذل الأسباب واستعان بالله ثم اختلفت الأمور، منها لا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا مثال ذلك: رجل سافر إلي مكة لأداء العمرة واستعان بالله عز وجل، ثم أصيب بحادث قي أثناء الطريق فهل له أن يقول: لو أني ما سافرت لسلمت؟ لا؛ لأن الرجل ما ذهب ليصاب بالحادث، إنما ذهب لفعل ينفعه مستعينا بربه مستمراً على ما أراد، فحصل الأمر على خلاف المراد، فحينئذ يفوض الأمر إلى الله ولا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، وأما استعمال لو من حيث هو ففيه تفصيل: إن استعملت لمجرد الخبر فهي جائزة وليس فيها شيء مثل: أن تقول لصاحبك: لو جئتني لأكرمك، هذا ليس فيه شيء، بل خبر محض ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أمر ما استدبرت ما سقت الهدي"، الثاني: أن يقولها - أي: له - للتمني، فهذا على حسب ما تمناه، مثل أن يقول: لو أن لي مثل مال فلان لعلمت فيه مثل عمله، فهذا الذي تمناه إن كان خيراً فقول:"لو" خير وإن كان شراً فقول: "لو" شر، الثالث: أن يقولها على سبيل التحسر والندم، فهذه منهيٌ عنها كما في هذا الحديث.

ومن فوائد الحديث: أن قدر الله 0 تبارك وتعالى 0 فوق كل الأسباب، وأنها قد تأتي الأسباب تامة؛ ولكن قدر الله يحول بينها وبين مسبباتها؛ لقوله:"ولكت قل قدر الله".

ومن فوائد الحديث: إثبات القدر، وأنه سابق لإرادات كل مريد؛ لقوله:"ولكن قل قدر الله"/ وهل القول هنا باللسان ـو باللسان والقلب؟ باللسان والقلب.

ومن فوائد الحديث: إثبات الهيئة لله عز وجل وإثبات الفعل؛ لقوله: "وما شاء فعل"، واثبات الفعل لله عز وجل هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، فهم يثبتون لله الأفعال الاختيارية ويقولون: إن الله يفعل ما يشاء، والذين ينكرون الأفعال الاختيارية يقولون: لو قام بالرب فعل لكان حادثاً؛ لأن الفعل حادث، والحادث لا يقوم إلا بحادث، فيقال لهم: من قال لكم هذا بل قيام الأفعال بالله عز وجل تدل على كماله، وأنة يفعل ما يريد ويرزق، ويحيي ويميت ويعز ويذل، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل.

ومن فوائد الحديث: أن الشيطان قد يسلط على الإنسان لقوله: "فإن لو تفتح عمل الشيطان"، ولا شك أن الشيطان يسلط على المرء في إدخال الأحزان عليه وإدخال التحسر عليه وتشتيته في أمور لا أصل لها وتخيله أموراً لا حقيقة لها، كل ذلك من أجل إدخال الحزن على الإنسان، وإلي هذا يشير قوله تعالى: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين امنوا وليس

ص: 435