الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قال قائل: اليس أبو هريرة رضي الله عنه قد شرب لبناً حتى لم يجد له مكاناً؟
قلنا: بلى لكن النادر لا حكم له، وهذا شيء نادر والرسول صلى الله عليه وسلم عذره من أجل أنه كان جائعاً من قبل حتى يعرف قدر نعمة الله، وهذا من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أحياناً يجعل للمرء ما يقابل حاله التي كان عليها حتى يعرف حكمة الله ونعمته كما فعل مع جابر في جمله.
جابر كان معه جمل قد أغيا وأراد جابر أ، يتركه فلحقه النبي صلى الله عليه وسلم فضرب الجمل ودعا له فانطلق الجمل يمشي حتى كان في أوائل القوم، وكان في الأول في أخريات القوم، وكان جابر سيسيبه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه صار الجمل على هذا الوجه ثم قال: بعنيه بأوقية فقال: لا، كان في الأول يريد أن يسيبه والآن امتنع أن يبيعه على أشرف الخلق، والرسول هو السبب أيضاً في أنه صار يمشي قوياً ومع ذلك أبى، لكنه قال: بعنيه فلما رأى النبي صلى الله وسلم متمسكاً به يعني لما رأى جابر النبي صلى الله عليه وسلم متمسكاً به باعه عليه، لما وصلا المدينة أعطاه الثمن، وقال له:"أتراني ماسكتك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك" هذا الكرم وهذا الامتحان أراد أن يمتحن هذا الرجل، كان بالأول كارهاً لهذا الجمل ثم صار راضياً به ثم باعه ثم جاءه الجمل والثمن، وأصل شراء النبي صلى الله عليه وسلم له من أجل الاختبار والامتحان إذن نقول: مما ينبغي للإنسان أن يأكل ثلثاً ويشرب ثلثاً ويتنفس في ثلث، هذا الذي ينبغي أن يكون عليه غذاؤك دائماً لكن النادر لا حكم له يعني: لو جاز لك الطعام أو الشراب وملأت بطنك منه أحياناً فلا بأس أما أن تجعل هذا ديدنك فلا.
التوبة فضلها وشروطها:
1418 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاءٌ، وخير الخطائين التوابين". أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وسنده قويٌّ.
"كل" مبتدأ و"خطَّاء" خبره، أي: كثير الخطأ، لأنه لم يقل: كل بني آدم يخطء، قال:"خطاء" أي كثير الخطأ وما أكثر خطأنا، والخطأ يدور على شيئين: إما ترك واجب وإما فعل محرم، وأينا سلم من ترك الواجب؟ نسأل الله العفو، أينا يسلم من ترك المحرم كذلك "وخير الخطائين التوابين" أي: الرجَّاعون عن خطئهم إلى الله عز وجل حتى لو تكرر؛ لأن كلمة خطاء تدل على الكثرة وخير الخطائين التوابون كلما أخطأ تاب، وشيء الخطائين هو الذي لا يتوب ولا يبالي ولا يهتم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون
ويستغفرون الله فيغفر لهم"، أنت وإن كثر خطؤك لا تيأس تُب إلى الله ويمحى الخطأ حتى ولو تكرر، واعلم أن التوبة هي: الرجوع إلى الله عز وجل من معصيته إلى طاعته وشروط قبولها خمسة:
الأول: إخلاص النية لله، والثاني: الندم على ما وقع، والثالث: الإقلاع عنه في الحال والرابع: العزم على ألا تعود، والخامس: أن يكون هبل رد التوبة.
الأول: الإخلاص لله وهذا أساس كل عمل صالح لابد فيه من الإخلاص لله وإلا كان مردوداً كما قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".
الثاني: الندم بحيث يتحسر ويتأسى، والا يكون فعله للذنب وعدمه سواء.
والثالث: الإقلاع عن الذنب.
والرابع: العزم على ألا يعود.
والخامس: أن يكون قبل وقت رد التوبة، لو تاب الإنسان إرضاءً لوالده لا تقرباً إلى الله تعالى أتقبل التوبة؟
لا، لابد من الإخلاص لله عز وجل لو تاب بلا ندم وأقلع عن الذنب لكن كأن الذنب لم يمر عليه ولا نَدِمَ ولا تأثر هذا أيضاً لا تقبل توبته؛ لأنه لابد من أن يشعر الإنسان بأنه مذنب.
والثالث: لو تاب الإنسان من السرقة، إنسان سرق وتاب من السرقة، ولكن المال المسروق لم يرده إلى صاحبه أيقبل؟ لا، لأنه لم يقلع.
إذا قال قائل: الإقلاع بالنسبة للأموال واضح أن الإنسان يرد الأموال إلى أهلها، لكن إذا كان الإنسان لا يعلم أهلها بأن كان قد أخذ دراهم من إنسان وتاب ولكن لا يدري وهذا يقع أحياناً، مثلاً يأخذ من صاحب الدكان حاجة وينتقل صاحب الدكان ولا يدري أين ذهب ماذا يصنع؟
يتصدق بها تخلصاً منها لصاحبها، فإن تصدق بها تقرباً إلى الله لم تنفعه ولم تنفع صاحبها، لأنها لا تقبل حيث إنها حرام، ولن تنفع صاحبها لأنه لم ينوها له فيطالبه صاحبها بها يوم القيامة، إذا كانت المظلمة غير مال، مثلاً إنسان اغتاب شخصاً فكيف يتخلص؟
قال العلماء: يذهب إلى هذا الرجل الذي اغتابه ويقول: سامحني حللني، وإذا قال سامحني حللني هل من المستحسن أن يقول: ما الذي قلت فيَّ؟ لا.
إذن يسامحه عن حق مجهول ولا يضر ولا يسأل لأنه ربما لو سأله وأخبره كان ذلك عظيماً في نفسه ثم لا يسامحه، لكن إذا قال: أنت مسامح فهذا طيب ولو كان مجهولاً.
وقيد بعض العلماء ذلك بأن كان صاحبه الذي اغتابه قد علم بالغيبة فليتحلل منه وإن لم يعلم ووثق أنها لم تبلغه فالأولى الا يتحلل منه؛ لأنه ربما لو تحلل منه لأبى ولكن يستغفر الله كما جاء في الحديث كفارة من اغتبته "فاستغفر له" ويثني عليه بالخير في المجالس التي كان يغتابه فيها، لكن لا شك أن الذي تطمئن إليه النفس هو أن يذهب ويصارحه فإن هداه الله فهذا المطلوب وإن لم يسمح له فإذا علم الله من نية هذا التائب صدق فإن الله جل وعلا يتحمل عنه.
الرابع: وأن يعزم على ألا يعود أو الشرط ألا يعود؟
أن يعزم على ألا يعود؛ لأنك لو قلت: شرط ألا يعود ثم عاد مرة ثانية بطلت نوبته الأولى لكن إذا قلت: العزم على ألا يعود صحت التوبة، ثم إن عاد مرة ثانية احتاج إلى تجديد توبة للذنب الثاني، إذن إذا عزم على ألا يعود صحت التوبة وإن كان متردداً هل تقبل توبته؟
لا، لأنه لم يعزم على ألا يعود ولا بد أن يعزم على ألا يعود.
الخامس: وهو أمهما بعد الإخلاص أن تكون التوبة في وقت لا ترد فيه التوبة، والوقت الذي ترد فيه التوبة نوعان: خاص وعام، فالخاص حضور أجل كل إنسان كل من حضر أجله وتاب بعد حضور الأجل لم يقبل منه لقوله تعالى:{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} [النساء: 18] وانظر إلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب قال: "قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، قد تنفع وقد لا تنفع ولقد غرق فرعون وأحسن بالهلاك ماذا قال لما أدركه الغرق قال:{آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس: 90]. فقيل له: {ءآلآن} يعني: الآن تسلم {وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية} [يونس: 91، 92]. يعني: بدنك يظهر ويبرز لأن فرعون قد أرعب بني إسرائيل، وربما إذا لم يروه ويشاهدوه ربما يكون في نفوسهم أنه لعله نجا، أو لعله ينجو لكن إذا راوه ميتاً طابت نفوسهم؛ ولهذا قال: لتكون لمن خلفك آية، أما النوع الثاني من الوقت الذي ترد فيه التوبة فهو العام وذلك عند طلوع الشمس من مغربها هذه الشمس العظيمة تشرق من المشرق فتغرب من المغرب فإذا أذن الله تعالى في انقطاع التوبة خرجت من المغرب وحينئذٍ يؤمن كل إنسان ويتوب كل إنسان لكن يقول الله عز وجل:{يوم يأتي بعض آيات ربك} وهو طلوع الشمس من مغربها {لا ينفع نفساً إيماناً لم تكن آمن من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} [الأنعام: 158]. إذن خير الخطائين التوابون أي: كثيروا الخطأ كثيروا التوبة، والتوبة عرفتم شروطها.