الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوجد مرجح لا لهذا ولا لهذا، وقسمها بينهما نصفين ممكن بأن تباع العين المتنازع فيها أو تقوم ويأخذها أحدهما، ويمكن إذا كانت مما تؤكل أن تذبح وتقسم، لكن إذا أبيا أن تذبح لم يمكن عندنا إلا البيع أو التقويم، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهما.
فهذا الحديث فاصل بين المتنازعين من العلماء، حيث إن لهم في هذه المسألة أقوال، فمنهم من قال: إنه يقرع بينهما؛ لأن هذه الدابة ملك لواحد منهما فقط فهي إما لزيد وإما لعمرو ولا بينة فيقرع بينهما، فإن قال أحدهما: أنا أحلف وأبى الثاني أن يحلف فيقضى له بها -أي: للحالف-؛ لأنه ترجح جانبه باليمين ونكل صاحبه.
وقال بعض العلماء: تقسم بينهما على حسب البينة، وهذا يوافق ما روي عن علي رضي الله عنه فيما سبق فيما رواه البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهما، وهو أن يقال: إذا كان لأحدهما بينة بثلاثة وللاخر بينة وبأثنين تقسم أخماسا أسهم ثلاثة لمن بينته ثلاثة وسهمان لمن بينته سهمان.
ولكن إذا صح الحديث الذي ذكره المؤلف، والمؤلف يقول: إن إسناده جيد، إذا صح فإنه فصل النزاع، ولا قول لأحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يصح فالقرعة أقرب؛ لأنها حقيقة هي لواحد لا بعينها لم يدع كل واحد منهما أن نصفها له ادعى كل واحد أنها كلها له، وعلى هذا فلا طريق إلى فصل الخصومة بينهما إلا بالقرعة.
ولكن كما قلت لكم لا يمكن لأحد استبانت له السنة أن يعدل عنها إلى قول أحد كائنا من كان كما نقل ابن عبد البر إجماع العلماء على ذلك أن كل من استبانت له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يحل له أن يعدل عنها إلى قول أحد كائنا من كان، فنقول: هذا الحديث إذا صح وهو قد جود إسناده الحافظ رحمه الله فإنه فصل النزاع، ونقول: هي بينكما نصفين.
تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:
1355 -
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من خلف على منبري هذا بيمين آثمة؛ تبوأ مقعده في النار» . رواه أحد، وأبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان.
قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على منبري هذا» منبره عليه الصلاة والسلام مأخوذ من النبر، وهو الارتفاع وهو الذي صنع له من طرفاء الغابة، وكان قبل ذلك يخطب إلى جذع نخلة ثم صنع له هذا المنبر فصار صلى الله عليه وسلم يخطب علبه في خطبة الجمعة، وقوله:"على منبري هذا" يحتمل
أن "على" هنا بمعنى: عند، ويحتمل أنها بمعنى العلو، يعني: عليه؛ أي: صاعدا عليه أو عنده، يعني: بقربه، وعلى هذا فيرجع في ذلك إلى رأي القاضي، إذا قال: لابد أن ترقى على المنبر لتعلن هذه اليمين التي تحلف عليها في استحقاق ما تدعيه، ولا شك أنه إذا صعد عليه فهو أشد وأعظم خطرا وأعظم هيبة.
وقوله: "بيمين آثمة"، اليمين الآثمة هي التي يقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق، "تبوأ مقعده في النار" هذه خبر على ظاهره، أي: أنه أعاد مقعده من النار بهذه اليمين.
في هذا الحديث: التحذير من الحلف باليمين الكاذبة على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة إلى التغليظ بالمكان، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن تغليظ اليمين لا يكون إلا في شيء له خطر وأهمية كمال كثير أو دعوى قصاص أو زنا أو غير ذلك من الأمور الخطرة، والزنا ليس فيه يمين، لكن أقول: إنه من الأمور الخطرة، لكن لا تغلظ في الشيء التافه؛ لأن تغليظها خطير جدا، والشيء التافه لا يساوي أن تغلظ الأيمان فيه، إنما تغلظ فيما له خطر.
وهل التغليظ واجب على القاضي أن يغلظ مطلقا يعني: واجبا مطلقا أو واجبا بطلب الخصم، أو ليس بواجب، ويرجع فيه إلى ما يراه الحاكم؟ الصواب: الثالث أنه إذا رأى الحاكم أن يغلظ اليمين فليفعل؛ لأن هذا من باب استظهار الحق، التغليظ يكون بأربعة أمور: بالمكان، والزمان، والهيئة، والصيغة.
أما الزمان فمن بعد صلاة العصر إلى الغروب؛ لأن هذا الزمن أقرب ما يكون للعقاب فيما إذا كان الإنسان كاذبا؛ لأنه آخر النهار، وآخر النهار أفضل النهار، ويشير إلى هذا قوله تعالى:{تحسبونهما من بعد الصلاوة} [المائدة: 107]، أي: من بعد صلاة العصر؛ لأنها الصلاة الوسطى وهي أفضل الصلوات.
أما المكان ففي المدينة النبوية على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي مكة قالوا: بين الركن والمقام - مقام إبراهيم - ولكن هو الحجر الأسود، والظاهر -والله أعلم- أن هذا التعبير حين كان المقام لاصقا بالكعبة فيكون التغليظ في الملتزم الذي بين الركن وبين الباب؛ لأن هذا من أشرف الأماكن، وفي غيرهما يكون عند المنبر في المسجد الجامع أو عند المحراب في المساجد غير الجوامع هذا تغليظ في المكان.
أما في الهيئة فقالوا: أن يكون الإنسان -المحلف- قائما لأنه أقرب للعقوبة -والعياذ بالله- ربما يغمى عليه في الحال ويسقط.
بقي لنا الصيغة، المسلم يقول: أحلف بالله العلي العظيم
…
إلخ ما يذكر من صفات العظمة والسلطان، قالوا: واليهودي يغلظ عليه فيقال: أحلف بالله الذي أنزل التوراة على موسى،
والنصراني نقول له: قل أحلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وإذا رأي القاضي أن يذكر صيغة أخرى لكنها ليست شركا فليفعل، أما إذا كانت شركا بأن يحلف البوذي بإلهه فهذا لا يجوز.
الحلف بالطلاق والعتق والوقف هل يجوز؟ لا يجوز، هذه أيمان رتبها الحجاج بن يوسف الثقفي في البيعة ولهذا تسمى أيمان البيعة الذين يبايعون الخلفاء يؤاخذون بالعهود في هذا، فمثلا إذا قال: إن كنت كاذبا فنسائي طوالق وعبيدي أحرار، وأملاكي أوقاف هل يحلف بهذا؟
لا يحلف: لأن هذه أيمان بدعية فلا يركن إليها حتى لو قال قائل: هذا الرجل لو أحلفته إذا كان فاجرا فهل نحلفه؟ الجواب لا، نحن نقول: نحلفه بالله والعقوبة وراءه يلقى الله وهو عليه غضبان، قم إني أقول لكم بحسب ما سمعنا: أنه إذا حلف الإنسان كاذبا فإن العقوبة أقرب إليه من قدميه وله شواهد ليس هذا موضع ذكرنا فيمن يحلفون وهم كاذبون أن العقوبة لا تتجاوزهم إلا قليلا وتحيط بهم إما بفقد المال الذي حلفوا عليه وإما بفقد أولادهم، أحيانا يحلفون ثم يخرجون بأولادهم للنزهة والفرح بالنجاة في هذه القضية، وإذا بهم يصابون بحادث يعدمهم -والعياذ بالله- وهذا له شواهد واقعية، ولهذا يجب الحذر من الحلف بالله تعالى في مثل هذا الأمر.
في هذا الحديث أيضا من الفوائد: إثبات النار، أو لا حاجة لهذه الفائدة، وبكون قولنا هذا مثل قول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا؟ نقول: لا؛ لأن هناك ناسا ينكرون النار، الذين ينكرون البعث ينكرون النار، فلهذا لا مانع من أن نقول: في الحديث إثبات النار، وأن هذه اليمين سبب لاتخاذ مكان من النار.
ومن فوائد الحديث: تغليظ الحلف على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، ووجه ذلك: أن منبر النبي صلى الله عليه وسلم مقام دعوة للخير، فإذا حلف الإنسان على هذا المنبر الذي هو مقام دعوة للخير على وجه يكون ظلما وجورا فهذا غاية المحادة لله ورسوله، المنبر كان الرسول يخطب عليه الناس، يدعو للخير، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فإذا حلف الإنسان على هذا المنبر يمينا كاذبة فيعني ذلك أنه أحل محل الحق باطلا فصار ذلك أعظم.
ومن فوائد الحديث: أنه يمكن تغليظ اليمين بالمكان، وقد ذكرنا في الشرح أن لتغليظ يكون بأربعة أوجه.
ومن فوائد الحديث: أن الحلف على منبر النبي صلى الله عليه وسلم بيمين كاذبة من كبائر الذنوب، وجهه: