الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي فيه الكعبة، كما جاء ذلك صريحًا في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة"، وهذا هو الذي تشدُّ إليه الرحال.
ومن فوائد الحديث: بيان فساد ما ذهب إليه بعض العلماء من أنه لا فضل في المسجد النبوي إلا المسجد الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأما الزيادات فهي خارجة عنه، فهذا ليس بصحيح، والصحيح أن ما زيد في المسجد فله حكمه، سواء كان في المسجد الأقصى أو النبوي أو الحرام، ودليل ذلك أن الصحابة لما زادوا في المسجد النبوي ما زادوا لم يكونوا يتركون الصلاة في الزيادة، بل كانوا يصلون في الزيادة، ويرون أنها داخلة في المسجد وهو كذلك؛ ولهذا قال العلماء: ما يزيد في هذه المساجد فله حكمها ولو بلغ، ما بلغ إذن التخصيص بمكان معين من أجل البقعة ينهى عنه أي: أنه نهى عن شد الرحل إليه، أما إذا كان لغرض آخر فلا بأس كتجارة أو علم أو مؤونة.
الوفاء بالنذر بعد الإسلام:
1326 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهليَّة أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك". متَّفق عليه.
قال العلماء: الاعتكاف في الأصل هو: لزوم الشيء ومنه قول إبراهيم لقومه: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} أي: ملازمون عليها، وفي الشرع: لزوم مسجد لطاعة الله عز وجل فلو لزم المسجد لغير الطاعة إما لكونه لا مبيت له ولا أهل له فليس بمعتكف ولو لزم غير المسجد لطاعة الله فإنه ليس بمعتكف لقوله تعالى: {وأنتم عاكفون في المسجد} عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية قبل أن يسلم أن يعتكف في المسجد الحرام ليلة أو يومًا كما في اختلاف الروايات، ويطلق اليوم والليلة بعضهما على بعض والظاهر- والله أعلم- أنه نذر أن يعتكف يومًا وليلة.
ومن فوائد الحديث: أن تخصيص النذر بالمسجد الحرام يجب أن يوفي به؛ لقوله: "أوف بنذرك" ولم يؤذن له أن يوفي بالمدينة ولا غيرها.
ومن فوائد الحديث: انعقاد النذر من الكفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر على ذلك.
ومن فوائده: فيما يظهر أنه لو أوفي الكافر نذره في حال كفره سقط عنه؛ لأن الظاهر أن الذين أسلموا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانوا يسألون عن اعتكافاتهم التي نذورها، بل كان يقرهم على ما هم عليه وهذا هو الأقرب أن الكافر لو نذر أن يعتكف في أيَّ مسجد كان واعتكف، فإنه يسقط عنه باعتكافه.
ومن فوائد الحديث: جواز الاعتكاف بدون صيام؛ لقوله: "أن أعتكف ليلة" والليل: ليس محلَاّ للصيام، وهذه المسألة مختلف فيها.
من العلماء من يقول: إنه لا اعتكاف إلا بصوم، ومنهم من يقول: إنه يصح الاعتكاف بلا صوم؛ لأن كلاُّ منهما عبادة منفردة عن الأخرى فيصح أن يعتكف بلا صوم، وأن يصوم بلا اعتكاف، والثاني: محلُّ إجماعٍ، وأما أن يعتكف بلا صوم فموضع اختلاف، ولكن الراجح أنه ليس بشرط، وأن الإنسان يجوز أن يعتكف بلا صوم.
ومن فوائد الحديث: جواز الاعتكاف في غير رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" ولم يقل: إذا أتى رمضان وهو كذلك، لكن لو قال قائل: هل هذا من السُّنة؟ قلنا: لا ليس من السُّنة أن يعتكف في غير رمضان؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يعتكفون في غير رمضان، ولأن الحكمة من الاعتكاف أو العلة فيه هو تحري ليلة القدر، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ثم الأوسط؛ تحريًا لليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر، ومعلوم أن هذا لا يكون في غير رمضان إذ إن ليلة القدر قطعًا في رمضان وفي العشر الأواخر منها، وهذا هو الصحيح، أي: أننا لا نأمر إنسانًا ولا نقول: يسنُّ لك أن تعتكف في غير رمضان، وبناء عليه تبيَّن ضعف قول من قال من العلماء: يسنُّ لمن أتى المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبسه فيه؛ لأنه يقال من أين ذلك؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم يتردد على المسجد كل يوم خمس مرات على الأقل؟ ! والصحابة كذلك هل قال لأحد منهم: إذا أتيت إلى المسجد فانو الاعتكاف؟ وهل كان جاهلاً بهذه السُّنة؟ لا، هل قال لأحد منهم: إذا أتيت إلى المسجد فانو الاعتكاف؟ وهل كان جاهلاً بهذه السُّنة؟ لا، هل كان عالمًا بها وكتمها، لا كل ذلك لم يكن، وعلى هذا فالصحيح أنه لا يسنُّ للإنسان أن ينوي الاعتكاف مدة لبسه بالمسجد وأن الاعتكاف المسنون ما كان في العشر الأواخر.
فإن قال قائل: كيف يقرُّ النبي صلى الله عليه وسلم عمر على أن يعتكف في هذه المدة وليس بمشروط؟ نقول: هذا جرت به العادة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أقرَّ سعد بن عبادة أن يتصدق لأمه بمخرافه بعد موتها، وأقرَّ الرجل الذي قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت أفأ تصدق عنها؟ قال: نعم، وأقر الرجل الذي كان في سرية يقرأ لأصحابه ويختم بقل هو الله أحد، ومع ذلك لم يشرع هذا لأمته، لم يقل: أيها الناس تصدقوا لأمهاتكم بعد موتهن ولم يقل: يا أيها الناس، اختموا القراءة بقل هو الله أحد ولم يكن هو يفعله، ما كان يختم قراءته بقل هو الله أحد، فدلَّ هذا على أن من الأشياء ما يقرُّ عليه الإنسان ولا يقال: إنه مبتدع، ولكنه لا يطلب منه فعل ذلك، وأظن أن بين المرتبتين فرقًا واضحًا؛ لأننا إذا قلنا: إنه سنة دعونا الناس إليه وأمرناهم به، وإذا قلنا: إنه من القسم المباح الذي إذا أراده الإنسان، لم يمنع منه صار من الأمور المباحة، ولكنه ليس من الأمور المشروعة.
كتاب القضاء
ويشتمل على:
1 -
باب الشهادات.
2 -
باب الدعاوى والبينات.