الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يسأل عن المبهم لئلا يفهمه على خلاف المراد، الدليل أنه سأل عن اليمين الغموس وقال: وما اليمين الغموس؟ فبينه، وهل فيها كفارة؟ الجوةاب: لا، لأنها على شيء ماض.
لغو اليمين:
1313 -
وعن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمنكم} [البقرة: 225]. قالت: «هو قول الرجل: لا والله، بلى والله» . أخرجه البخاري. وأورده أبو داود مرفوعا.
البخاري رواه عن عائشة فيكون موقوفا، وأبو داود رواه مرفوعا، أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأيا كان فهو حجة؛ لأنه إن كان من عند الرسول فهو تفسير القرآن بالسنة، وإن كان من عند عائشة فهو تفسير القرآن بقول الصحابي، والصحيح أنه يرجع إلى قول الصحابي في التفسير ما لم يخالفه صحابي آخر.
في هذا الحديث: دليل على أن اللغو هو الذي لا يقصد الإنسان عقده، وإنما يجري على لسانه، مثل: لا والله، وبلي والله ويدل لهذا قوله تعالى-في نفس الآية-:{ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمن} ، فلا بد من عقد، أما الذي يجري على اللسان بلا قصد فهذا لا يؤاخذ به.
فيستفاد من هذا: أنه لابد من قصد عقد اليمين، وأنه إذا جرى على اللسان بلا قصد فإنه لا يؤاخذ به، وهل يقاس على هذا ما جرى على اللسان بلا قصد في الحلف بغير الله؟ الظاهر نعم لكن ينهى عن ذلك لئلا يغتر به من يسمعه.
وهل يلحق بذلك أيضا من طلق زوجته بلا قصد؟ الجواب: نعم، يلحق بذلك، لكن عند المحاكمة-ويعني: لو حاكمته- فإن الحاكم ليس له إلا الظاهر، وعليه فيدين هذا الرجل بالنسبة للطلاق الذي وقع منه على امرأته، بمعنى أن يقال له أنت ودينك أن كنت لم تنو الطلاق فلا طلاق عليك، وإن كنت قد نويت الطلاق فإنها تطلق لكن عند المحاكمة لا يحكم الحاكم إلا بما ظهر من كلامه.
أسماء الله الحسنى:
1314 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعا وتسعين اسما، من
أحصاها دخل الجنة» متفق عليه، وساق الترمذي وابن حبان الأسماء، والتحقيق: أن سردها إدراج من بعض الرواة.
قوله: «إن الله
…
إلخ»، والله تعالى وتر يحب الوتر، ولهذا كان شرعه وترا، وكانت أقداره غالبا وترا، وكانت أسماؤه المعلوم منها، وترا فكانت له تسع وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة، وهي مبهمة، والحكمة من إبهامها: أن يجتهد الإنسان في معرفتها كما أخفيت ليلة القدر؛ ليجتهد الناس في العمل، وأخفيت ساعة الإجابة في الجمعة، وكذلك ساعة الإجابة في الليل من أجل أن يجتهد النس في طلبها، كذلك الأسماء التسعة والتسعون المقدسة إنما أخفاها الله ولم يعينها ليجتهد الناس في طلبها، ثم إذا فتح على الإنسان فإنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد يختار بعض الناس هذا الاسم والآخرون يختارون الاسم الآخر، لكن الإنسان عليه أن يجتهد.
وقوله: «من أحصاها» ما معنى الإحصاء؟ الإحصاء معناه: الإحاطة بالعدد، هذا هو الأصل كما قال تعالى:{وأحصى كل شاء عددا} [الجن: 28]. ومنه قول الشاعر: [الرجز]
(ولست بالأكثر منهم حصى
…
وإنما العزة للكاثر)
كانوا في الأول يحصون العدد بالحصى؛ لأنهم أميون فهل الإحصاء مجرد إدراكها عددا؟ لا، الإحصاء؛ أولا: إدراك لفظها والإحاطة بها، ثانيا: معرفة معناها؛ لأن من لا يعرف معناها كالذي لم يدركها، فإن الله تعالى وصف الذين لا يفهمون معنى القرآن بأنهم أميون، فقال:{ومنهم أمنون لا يعلمون الكتب إلا أمانى} [البقرة: 78]. أي: إلا قراءة، فمن حفظ الأسماء ولم يعرف المعنى فإنه لا يعد محصيا لها؛ لأن حفظه وعدمه سواء، ثالثا: التعبد لله بمقتضاها، بمعنى: أن الإنسان يتعبد لله تعالى بمقتضى الاسم، فإذا علم أن من أسمائه السميع تعبد لله بمقتضى هذا الاسم، كيف ذلك؟ يحذر كل قول يغضب الله عز وجل، لأنه يعلم أنه إذا قال هذا القول فإن الله يسمعه، كذلك من أسماء الله البصير، تتعبد لله بمقتضى هذا الاسم؛ يعنى: أن كل
كل فعل لا يرضاه الله تتجنبه؛ لأنك تعلم أنه بصير به، الغفور تتعبد الله بمقتضاه بمعنى: أن تفعل أسباب المغفرة، وهلم جرًا.
ولهذا كان العوض غاليًا جدًا وهو الجنة، ومثل هذا لا يمكن أن يحصل بمجرد أن الإنسان يسردها بلفظه فقط، فإحصاؤها إن يتضمن ثلاثة أشياء إحصاؤها لفظًا، فهمها معنى، والثالث: التعبد لله تعالى بمقتضاها فمن حصل على ذلك-ونسأل الله تعالى أن يكتبه لنا ولكم- فإنه يدخل الجنة.
أتى المؤلف رحمه الله بهذا الحديث إشارة إلى أن أي اسم من أسماء الله تحلف به فإنه جائز، وكان الذي ينبغي أن يكون هذا الحديث بعد قوله:"كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومقلب القلوب"، ولكن الإنسان عند التأليف ربما يفوته الترتيب.
فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن مسعود في دعاء الغم والكرب: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك"، فإن ما استأثر الله به عنده في علم الغيب لا يمكن إدراكه ولا إحصاؤه، ولا يمكن أن يقال عدده كذا أو كذا؟
فالجواب أن يقال: إن معنى هذا الحديث "إن لله تسعة وتسعين اسمًا": إن من أسماء الله عز وجل تسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة، وعلى هذا فتكون الجملة "من أحصاها دخل الجنة" متعلقة بالجملة التي قبلها وليست منفصلة عنها، كأنه قال: إن من أسماء الله تسعة وتسعين اسمًا
…
الخ.
ونظير ذلك أن تقول عندي ألف ريال أعددتها للإقراض، يعني: من جاء يقترض أعطيته منها، فهل هذا يعني: أنه ليس عندك غيرها؟ لا يعني ذلك، ولاسيما أنه جاء في الحديث الذي معنا:"أو استأثرت به في علم الغيب عندك".
وقول المؤلف رحمه الله: التحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة، الإدراج: هو أن يدخل أحد الرواة في الحديث كلامًا من عنده بدون بيان، وحكمه أنه حرام إلا أن يتعلق بتفسير الحديث أو ما أشبه ذلك، وإلا فلا يجوز للإنسان أن يدخل في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ما ليس منه بدون بيان، لكن يفعلها بعض الرواة إما لأنه أتى بالحديث غير مدرج في مكان آخر وقد علم ذلك؛ أو لأن الكلمة تكون شرحًا لمعنى الحديث مثل حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار