المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سيد الاستغفار ومعناه: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌سيد الاستغفار ومعناه:

مجموع هذه الأحاديث يرفع الحديث إلى درجة الحسن مع أنه حسن لغيره ليس لذاته، فالله أعلم.

‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

1489 -

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بي يوم القيامة، أكثرهم علي صلاةً» . أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان.

قوله: "إن أولى الناس بي" أي: أقربهم مني وأولاهم بي في الشفاعة وغير الشفاعة، "يوم القيامة" يعني: يوم يقوم الناس لرب العالمين، "أكثرهم علي صلاة" فكل من كان أكثر صلاة كان أولى بالرسول صلى الله عليه وسلم، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن المكثر للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً في قلبه، ولهذا يكثر الصلاة عليه، أما من كان في ذكر الله تعالى دائماً في قلبه فسيكثر ذكر الله عز وجل، فإذا كان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم دائماً في قلبه فإنه سيكون أولى الناس به يوم القيامة لقوة صلته به.

في هذا الحديث فوائد: منها: أن الناس يختلفون يوم القيامة في ولايتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجه ذلك لقوله:"أولى" اسم تفضيل واسم التفضيل يدل على مفضل ومفضل عليه.

ومن فوائد الحديث: إثبات يوم القيامة، والإيمان به أحد أركان الإيمان الستة.

ومن فوائد الحديث: استحباب كثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "أكثرهم علي صلاة"، ولكن يجب أن نبتعد ابتعاداً تاماً عن أن تكون محبة الرسول أعظم من محبة الله، فإن هذا شرك في المحبة، ولا شك أننا إنما أحببنا رسول الله؛ لأنه رسول الله، فمحبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله عز وجل، ولا يمكن أبداً أن نجعلها أكثر وأقوى من محبة الله عز وجل، بل ولا مساوية إلا في الأمور الشرعية، فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كطاعة الله تعالى تماماً ولا فرق.

‌سيد الاستغفار ومعناه:

1490 -

وعن شداد بن أوسٍ رضي الله عنها: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار، أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذني، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» . أخرجه البخاري.

قوله: "سيد الاستغفار" يعني: أشرف، والاستغفار هو طلب المغفرة بأي صيغة تكون سواء

ص: 486

كانت بقول: اللهم اغفر لي، أو بقول: أستغفر الله، أو بقول: اللهم يا غفار، وغير ذلك، وما هي المغفرة؟ المغفرة: هي طلب العفو والتسامح عن الذنب وستر الذنب أيضاً، أخذنا هذين المعنيين -وهما العفو والستر- من الاشتقاق؛ لأن المغفرة مشتقة من المغفر، والمغفر هو ما يوضع على الرأس من حديد، أو نحوه لاتقاء السهام، ففيه ستر وفيه وقاية، "أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت" هذا فيه إثبات الربوبية، وإثبات الألوهية: "خلقتني" هذه نوع أو فعل مقتضى الربوبية؛ لأن معنى الربوبية: أنه خالق مالك مدبر، فيقول العبد: أنت ربي، ثم يقول: خلقتني، ثم يقول: وأنا عبدك، عبدك كوناً وشرعاً؛ لأن هذا القول من مؤمن، فأنا عبدك كوناً تفعل بي ما شئت، وأنا عبدك شرعاً أقوم بأمرك وأدع نهيك، "وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت"، "على عهدك": أي: ميثاقك، "ووعدك": أي: وعدك للثواب، ففي الأول التزام بالعمل، والثاني: إيمان بالجزاء، العهد أنا على عهدك التزام بالعمل؛ لأن الله أخذ علينا العهد والميثاق بما أعطانا من العلم والعقل، وبما بعث إلينا من الرسل أن نؤمن به ونعبده، "على وعدك" بالثواب والجزاء؛ أي: أني مصدق بالوعد، ففي هذا إيمان وعمل صالح، العهد يتضمن العمل الصالح، والوعد يتضمن الإيمان، ولكنه قال: "ما استطعت" أي: مدة استطاعتي أو مهما استطعت، فعلى الأولى تكون ما مصدرية ظرفية، وعلى الثاني تكون ما شرطية؛ أي: ما استطعت فأنا فاعله، والاستطاعة هي القدرة، ومنه قوله تعالى عن الحواريين حيث قالوا لعيسى:{هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مآئدةً من السماء} [المائد: 112]. وهي مأخوذة من الطاعة؛ لأن الطاعة معناها فعل الشيء عن انقياد واختيار.

وقوله: "ما استطعت"، قد يقول قائل: هل هذه تعطي ترخيصاً أو تعطي التشديد، فما الجواب؟ يحتمل هذا وهذا، إنما هي تدل على أن الإنسان لابد أن يقوم بالعهد بقدر الاستطاعة، وأن ما وراء الاستطاعة ليس مكلفاً به، ومثله قوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]. هي هيئة من وجه وشديدة من وجه آخر، من جهة أن الإنسان لابد أن يستنفذ جهده في فعل الطاعة تكون شديدة، ومن جهة أنه لا يكلف فوق طاقته تكون يسيرة.

"أعوذ بك من شر ما صنعت" بضم التاء، "أعوذ بك" أي: أعتصم بك، "من شر ما صنعت": أي: من الذنوب؛ فإن الذنوب كلها شر وموجبة للعقوبة، إلا أن يعفو الله عز وجل، "أبوء" بمعنى:

ص: 487

أعترف، "لك أي: لله عز وجل، "بنعمتك علي"، وقوله:"أبوء لك" أبلغ من قوله: "أبوء بنعمتك"؛ لأن هذا خصيص وتنصيص على الشكر لله عز وجل والاعتراف بنعمه، "وأبوء بذنبي" أعترف لك بذنبي، و"ذنب" هنا مصدر مضاف، فيكون عاماً لكل الذنوب، والاعتراف بالذنب يعني: سؤال المغفرة؛ ولهذا قال: "فاغفر لي لا يغفر الذنوب إلا أنت"، "فاغفر لي": أي اعف عن عقوبة واستر علي؛ لأن المغفرة مأخوذة من المغفر وهو متضمن لشيئين: الستر والوقاية، "فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، هذا إقرار واعتراف بأن الخلق مهما اجتمعوا على أن يغفروا ذنباً واحداً ما استطاعوا؛ لأن الأمر إلى الله فلا يغفر الذنوب إلا الله، وهذا كقوله تعالى:{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135]. أي: لا أحد يغفرها إلا الله عز وجل.

ففي هذا الحديث فوائد: منها: فضيلة هذه الصيغة من الاستغفار، من أين تؤخذ؟ من قوله:"سيد الاستغفار".

ومنها: أن صيغ الاستغفار تختلف فبعضها أشرف من بعض؛ وذلك لأنها لو كانت سواء لم يكن هناك سيد ومسود ولكنها تختلف.

ومنها: بيان وجهة هذه الصيغة هي سيد الاستغفار؛ لأنها تتضمن أشياء كثيرة أوجبت أن تكون هذه الصيغ سيد الاستغفار.

ومنها: الإقرار بربوبية الله عز وجل في قوله: "اللهم أنت ربي".

ومنها: أن صيغة "اللهم" أفضل من صيغة "يا الله" التي يدندن بها المطوفون الذين يطوفون بالكعبة يغرون الناس، حتى إنك تسمع أنهم يقولون: اللهم اغفر لي يا الله، ارحمني يا الله، اللهم ارزقني يا الله، هذه صيغ بدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، و"اللهم" خير من كلمة "يا الله"، ولا أعلم بأنها وردت بهذا القدر الذي يقوله هؤلاء المطوفون.

ومن فوائد الحديث: الإقرار بأنه لا إله إلا الله، وهنا نقول: الإقرار بتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية والإقرار بتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، يعني: أن من أقر بتوحيد الألوهية فقد أقر بتوحيد الربوبية ضمناً؛ لأنه لن يعبد ولن يتآله إلا إلى ربه، وأما من أقر بالربوبية ولم يقر بالألوهية فإنه متناقض؛ لأن إقراره بالربوبية يستلزم أن يقر بالألوهية، ولهذا يحتج الله دائماً على أولئك الذين ينكرون توحيد الألوهية بأنهم يقرون بتوحيد الربوبية، ويقول: كيف تقرون بأن الله هو الرب وأنه المدبر لجميع الأمور ثم تصرفون عن الحق مع ظهوره وبيانه؟ !

ص: 488

ومن فوائد الحديث: إقرار العبد بالربوبية على وجه التفصيل لقوله: "خلقتني"، وبالألوهية على وجه التفصيل بقوله:"وأنا عبدك".

ومن فوائد الحديث: تجديد العبد لما عاهد الله عليه، وأنه على عهده الذي عاهد الله عليه، وهو أن يقوم بطاعته وشريعته.

ومن فوائد الحديث: أن من تمام الإيمان بالله عز وجل أن يؤمن بوعده؛ ولهذا قال أولو الألباب: {ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} [آل عمران: 194]. ولولا إيمان العبد بوعد الله ما عمل عملاً صالحاً، لكنك لو تسأل أي إنسان لماذا تعمل العمل الصالح؟ لقال لك: أرجو بذلك ثواب الله وأخشى عقاب الله.

ومن فوائد الحديث: أن العبد ملتزم بأن يكون على عهد الله ما استطاع، ففيه إقرار واعتراف بأن العبد يجب عليه أن يقوم بعهد الله تعالى بقدر استطاعته، وهو كذلك، ولكن كما ذكرنا في الشرح هذه الجملة يمكن أن تكون تشديداً ويمكن أن تكون تيسيراً.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان يعتصم بالله من شر ما صنع، وذلك على وجهين: الوجه الأول: أن يعفو الله عنه، وذلك بعد وقوعه، والوجه الثاني: أن الله تعالى يوفقه للتوبة من هذا الذي صنع؛ لأن الإنسان إذا تاب وقاه الله شر ما صنع، فهذا الدعاء يتضمن الأمرين جميعاً، إما أن العبد يقول: أعوذ بك من شر ما صنعت فوفقني للتوبة منه، أو اعف عني، وكلاهما حق.

* فائدة في أنواع النعم:

ومن فوائد الحديث: اعتراف العبد بنعمة الله، ونعمة الله تعالى على العبد نوعان: نعمة عامة تشترك فيها الخلائق، وهي التي أشار الله إليها بقوله:{وما من دآبةٍ في الأرض إلا على الله رزقها} . وهذه النعمة تكون للمؤمن والكافر والبر والفاجر والآدمي وغير الآدمي، كل الخلق غافلون بنعمة الله عز وجل، والنعمة الأخرى هي النعمة الخاصة التي يمن الله فيها على عبده وهي نعمة الدين والدنيا، واستمع إلى قوله تعالى:{اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3]. فجعل الله تعالى إكمال الدين من إتمام النعمة، وهذا النوع من النعمة هو النعمة الحقيقية؛ لأنه لا أحد أنعم بالا ولا أشد انشراحاً في الصدر ولا أطيب نفساً من المؤمن، وكلما ازداد الإنسان إيماناً ازداد صدره انشراحاً وقلبه طمأنينة، وصار لا يرى شيئاً يحزنه إلا وفرح به رجاء ثواب نعمة الله عز وجل؛ إذن النعمة التي يعترف بها العبد تشمل النعمة العامة والخاصة، مثال النعمة العامة: الصحة والرزق والنعم التي يتنعم بها البدن وهذا كثير، وقلت لكم: إنه يشير إلى هذا قوله

ص: 489

تعالى: {وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]. فالرزق نعمة، وقال عز وجل في آل فرعون:{كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ * وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ * ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين} [الدخان: 25 - 27]. أي: تنعم، الثاني: النعمة الخاصة وهي نعمة الدين، فالإنسان المؤمن يعترف بنعمته العامة والخاصة.

ومن فوائد الحديث: الاعتراف بالذنب، وأن الاعتراف بالذنب لله عز وجل ليس من المجاهرة؛ لقوله:"أعترف بذنبي"، أما الذي يعترف بالذنب عند الناس فهذا من المجاهرة؛ ولهذا جاء في الحديث:«كل أمتى معافى إلا المجاهرون» ؛ الذي يفعل الذنب في السر وقد ستره الله ثم يصبح يحدث به الناس هذا مجاهر.

ومن فوائد الحديث: التوصل إلى الله تعالى بحال العبد لقوله: "أعترف بذنبي"؛ يعني: وإذا اعترفت بذنبي فأنا محتاج إلى مغفرة.

ومن فوائد الحديث: إقرار العبد بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله.

فإن قال قائل: أليس الرجل يستغفر لأخيه فيغفر له باستغفاره؟

الجواب: بلى، لكن هل استغفاره أن يغفر له أو أن يسأل الله أن يغفر له؟ الثاني بلا شك؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:«لأستغفرن لك ما لم أنهى عنك» فنهي عن الاستغفار له.

ومن فوائد الحديث: التوسل إلى الله تعالى بصفته لقوله: "إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، وقد ذكرنا فيما سبق ونعيده للفائدة: أن التوسل بالدعاء توسل إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين: ممنوع وجائز، وأن الجائز أنواع: الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه عموماً، والثاني: التوسل إلى الله تعالى باسم خاص من أسمائه، والثالث: التوسل إلى الله تعالى بصفاته عموماً، والرابع: التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته، والخامس: التوسل إلى الله بفعل من أفعاله بالعمل الصالح، والسادس: التوسل إلى الله تعالى بحال العبد الداعي، والسابع: إلى الله تعالى بدعوة من ترجى إجابة دعوته.

أما التوسل الممنوع فهو التوسل الشركي كفعل المشركين الذين يعبدون الأصنام ويقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فجعلوا الشرك وسيلة إلى الله عز وجل، أي: وسيلة إلى قرب الله، وهذا من أكبر الظلم، والثاني: أن يتوسل إلى الله تعالى بما ليس وسيلة؛ لأن التوسل إلى الله تعالى بشيء ليس منه وسيلة عدوان على الله وقول على الله بلا علم وفضل على الله تعالى أن يجيب بأمر ليس سبباً للإجابة، ومنه التوسل إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جاه النبي صلى الله عليه وسلم ليس

ص: 490