الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجموع هذه الأحاديث يرفع الحديث إلى درجة الحسن مع أنه حسن لغيره ليس لذاته، فالله أعلم.
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
1489 -
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بي يوم القيامة، أكثرهم علي صلاةً» . أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان.
قوله: "إن أولى الناس بي" أي: أقربهم مني وأولاهم بي في الشفاعة وغير الشفاعة، "يوم القيامة" يعني: يوم يقوم الناس لرب العالمين، "أكثرهم علي صلاة" فكل من كان أكثر صلاة كان أولى بالرسول صلى الله عليه وسلم، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن المكثر للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً في قلبه، ولهذا يكثر الصلاة عليه، أما من كان في ذكر الله تعالى دائماً في قلبه فسيكثر ذكر الله عز وجل، فإذا كان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم دائماً في قلبه فإنه سيكون أولى الناس به يوم القيامة لقوة صلته به.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن الناس يختلفون يوم القيامة في ولايتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجه ذلك لقوله:"أولى" اسم تفضيل واسم التفضيل يدل على مفضل ومفضل عليه.
ومن فوائد الحديث: إثبات يوم القيامة، والإيمان به أحد أركان الإيمان الستة.
ومن فوائد الحديث: استحباب كثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "أكثرهم علي صلاة"، ولكن يجب أن نبتعد ابتعاداً تاماً عن أن تكون محبة الرسول أعظم من محبة الله، فإن هذا شرك في المحبة، ولا شك أننا إنما أحببنا رسول الله؛ لأنه رسول الله، فمحبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله عز وجل، ولا يمكن أبداً أن نجعلها أكثر وأقوى من محبة الله عز وجل، بل ولا مساوية إلا في الأمور الشرعية، فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كطاعة الله تعالى تماماً ولا فرق.
سيد الاستغفار ومعناه:
1490 -
وعن شداد بن أوسٍ رضي الله عنها: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار، أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذني، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» . أخرجه البخاري.
قوله: "سيد الاستغفار" يعني: أشرف، والاستغفار هو طلب المغفرة بأي صيغة تكون سواء
كانت بقول: اللهم اغفر لي، أو بقول: أستغفر الله، أو بقول: اللهم يا غفار، وغير ذلك، وما هي المغفرة؟ المغفرة: هي طلب العفو والتسامح عن الذنب وستر الذنب أيضاً، أخذنا هذين المعنيين -وهما العفو والستر- من الاشتقاق؛ لأن المغفرة مشتقة من المغفر، والمغفر هو ما يوضع على الرأس من حديد، أو نحوه لاتقاء السهام، ففيه ستر وفيه وقاية، "أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت" هذا فيه إثبات الربوبية، وإثبات الألوهية: "خلقتني" هذه نوع أو فعل مقتضى الربوبية؛ لأن معنى الربوبية: أنه خالق مالك مدبر، فيقول العبد: أنت ربي، ثم يقول: خلقتني، ثم يقول: وأنا عبدك، عبدك كوناً وشرعاً؛ لأن هذا القول من مؤمن، فأنا عبدك كوناً تفعل بي ما شئت، وأنا عبدك شرعاً أقوم بأمرك وأدع نهيك، "وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت"، "على عهدك": أي: ميثاقك، "ووعدك": أي: وعدك للثواب، ففي الأول التزام بالعمل، والثاني: إيمان بالجزاء، العهد أنا على عهدك التزام بالعمل؛ لأن الله أخذ علينا العهد والميثاق بما أعطانا من العلم والعقل، وبما بعث إلينا من الرسل أن نؤمن به ونعبده، "على وعدك" بالثواب والجزاء؛ أي: أني مصدق بالوعد، ففي هذا إيمان وعمل صالح، العهد يتضمن العمل الصالح، والوعد يتضمن الإيمان، ولكنه قال: "ما استطعت" أي: مدة استطاعتي أو مهما استطعت، فعلى الأولى تكون ما مصدرية ظرفية، وعلى الثاني تكون ما شرطية؛ أي: ما استطعت فأنا فاعله، والاستطاعة هي القدرة، ومنه قوله تعالى عن الحواريين حيث قالوا لعيسى:{هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مآئدةً من السماء} [المائد: 112]. وهي مأخوذة من الطاعة؛ لأن الطاعة معناها فعل الشيء عن انقياد واختيار.
وقوله: "ما استطعت"، قد يقول قائل: هل هذه تعطي ترخيصاً أو تعطي التشديد، فما الجواب؟ يحتمل هذا وهذا، إنما هي تدل على أن الإنسان لابد أن يقوم بالعهد بقدر الاستطاعة، وأن ما وراء الاستطاعة ليس مكلفاً به، ومثله قوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]. هي هيئة من وجه وشديدة من وجه آخر، من جهة أن الإنسان لابد أن يستنفذ جهده في فعل الطاعة تكون شديدة، ومن جهة أنه لا يكلف فوق طاقته تكون يسيرة.
"أعوذ بك من شر ما صنعت" بضم التاء، "أعوذ بك" أي: أعتصم بك، "من شر ما صنعت": أي: من الذنوب؛ فإن الذنوب كلها شر وموجبة للعقوبة، إلا أن يعفو الله عز وجل، "أبوء" بمعنى:
أعترف، "لك أي: لله عز وجل، "بنعمتك علي"، وقوله:"أبوء لك" أبلغ من قوله: "أبوء بنعمتك"؛ لأن هذا خصيص وتنصيص على الشكر لله عز وجل والاعتراف بنعمه، "وأبوء بذنبي" أعترف لك بذنبي، و"ذنب" هنا مصدر مضاف، فيكون عاماً لكل الذنوب، والاعتراف بالذنب يعني: سؤال المغفرة؛ ولهذا قال: "فاغفر لي لا يغفر الذنوب إلا أنت"، "فاغفر لي": أي اعف عن عقوبة واستر علي؛ لأن المغفرة مأخوذة من المغفر وهو متضمن لشيئين: الستر والوقاية، "فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، هذا إقرار واعتراف بأن الخلق مهما اجتمعوا على أن يغفروا ذنباً واحداً ما استطاعوا؛ لأن الأمر إلى الله فلا يغفر الذنوب إلا الله، وهذا كقوله تعالى:{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135]. أي: لا أحد يغفرها إلا الله عز وجل.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: فضيلة هذه الصيغة من الاستغفار، من أين تؤخذ؟ من قوله:"سيد الاستغفار".
ومنها: أن صيغ الاستغفار تختلف فبعضها أشرف من بعض؛ وذلك لأنها لو كانت سواء لم يكن هناك سيد ومسود ولكنها تختلف.
ومنها: بيان وجهة هذه الصيغة هي سيد الاستغفار؛ لأنها تتضمن أشياء كثيرة أوجبت أن تكون هذه الصيغ سيد الاستغفار.
ومنها: الإقرار بربوبية الله عز وجل في قوله: "اللهم أنت ربي".
ومنها: أن صيغة "اللهم" أفضل من صيغة "يا الله" التي يدندن بها المطوفون الذين يطوفون بالكعبة يغرون الناس، حتى إنك تسمع أنهم يقولون: اللهم اغفر لي يا الله، ارحمني يا الله، اللهم ارزقني يا الله، هذه صيغ بدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، و"اللهم" خير من كلمة "يا الله"، ولا أعلم بأنها وردت بهذا القدر الذي يقوله هؤلاء المطوفون.
ومن فوائد الحديث: الإقرار بأنه لا إله إلا الله، وهنا نقول: الإقرار بتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية والإقرار بتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، يعني: أن من أقر بتوحيد الألوهية فقد أقر بتوحيد الربوبية ضمناً؛ لأنه لن يعبد ولن يتآله إلا إلى ربه، وأما من أقر بالربوبية ولم يقر بالألوهية فإنه متناقض؛ لأن إقراره بالربوبية يستلزم أن يقر بالألوهية، ولهذا يحتج الله دائماً على أولئك الذين ينكرون توحيد الألوهية بأنهم يقرون بتوحيد الربوبية، ويقول: كيف تقرون بأن الله هو الرب وأنه المدبر لجميع الأمور ثم تصرفون عن الحق مع ظهوره وبيانه؟ !
ومن فوائد الحديث: إقرار العبد بالربوبية على وجه التفصيل لقوله: "خلقتني"، وبالألوهية على وجه التفصيل بقوله:"وأنا عبدك".
ومن فوائد الحديث: تجديد العبد لما عاهد الله عليه، وأنه على عهده الذي عاهد الله عليه، وهو أن يقوم بطاعته وشريعته.
ومن فوائد الحديث: أن من تمام الإيمان بالله عز وجل أن يؤمن بوعده؛ ولهذا قال أولو الألباب: {ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} [آل عمران: 194]. ولولا إيمان العبد بوعد الله ما عمل عملاً صالحاً، لكنك لو تسأل أي إنسان لماذا تعمل العمل الصالح؟ لقال لك: أرجو بذلك ثواب الله وأخشى عقاب الله.
ومن فوائد الحديث: أن العبد ملتزم بأن يكون على عهد الله ما استطاع، ففيه إقرار واعتراف بأن العبد يجب عليه أن يقوم بعهد الله تعالى بقدر استطاعته، وهو كذلك، ولكن كما ذكرنا في الشرح هذه الجملة يمكن أن تكون تشديداً ويمكن أن تكون تيسيراً.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان يعتصم بالله من شر ما صنع، وذلك على وجهين: الوجه الأول: أن يعفو الله عنه، وذلك بعد وقوعه، والوجه الثاني: أن الله تعالى يوفقه للتوبة من هذا الذي صنع؛ لأن الإنسان إذا تاب وقاه الله شر ما صنع، فهذا الدعاء يتضمن الأمرين جميعاً، إما أن العبد يقول: أعوذ بك من شر ما صنعت فوفقني للتوبة منه، أو اعف عني، وكلاهما حق.
* فائدة في أنواع النعم:
ومن فوائد الحديث: اعتراف العبد بنعمة الله، ونعمة الله تعالى على العبد نوعان: نعمة عامة تشترك فيها الخلائق، وهي التي أشار الله إليها بقوله:{وما من دآبةٍ في الأرض إلا على الله رزقها} . وهذه النعمة تكون للمؤمن والكافر والبر والفاجر والآدمي وغير الآدمي، كل الخلق غافلون بنعمة الله عز وجل، والنعمة الأخرى هي النعمة الخاصة التي يمن الله فيها على عبده وهي نعمة الدين والدنيا، واستمع إلى قوله تعالى:{اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3]. فجعل الله تعالى إكمال الدين من إتمام النعمة، وهذا النوع من النعمة هو النعمة الحقيقية؛ لأنه لا أحد أنعم بالا ولا أشد انشراحاً في الصدر ولا أطيب نفساً من المؤمن، وكلما ازداد الإنسان إيماناً ازداد صدره انشراحاً وقلبه طمأنينة، وصار لا يرى شيئاً يحزنه إلا وفرح به رجاء ثواب نعمة الله عز وجل؛ إذن النعمة التي يعترف بها العبد تشمل النعمة العامة والخاصة، مثال النعمة العامة: الصحة والرزق والنعم التي يتنعم بها البدن وهذا كثير، وقلت لكم: إنه يشير إلى هذا قوله
تعالى: {وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]. فالرزق نعمة، وقال عز وجل في آل فرعون:{كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ * وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ * ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين} [الدخان: 25 - 27]. أي: تنعم، الثاني: النعمة الخاصة وهي نعمة الدين، فالإنسان المؤمن يعترف بنعمته العامة والخاصة.
ومن فوائد الحديث: الاعتراف بالذنب، وأن الاعتراف بالذنب لله عز وجل ليس من المجاهرة؛ لقوله:"أعترف بذنبي"، أما الذي يعترف بالذنب عند الناس فهذا من المجاهرة؛ ولهذا جاء في الحديث:«كل أمتى معافى إلا المجاهرون» ؛ الذي يفعل الذنب في السر وقد ستره الله ثم يصبح يحدث به الناس هذا مجاهر.
ومن فوائد الحديث: التوصل إلى الله تعالى بحال العبد لقوله: "أعترف بذنبي"؛ يعني: وإذا اعترفت بذنبي فأنا محتاج إلى مغفرة.
ومن فوائد الحديث: إقرار العبد بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله.
فإن قال قائل: أليس الرجل يستغفر لأخيه فيغفر له باستغفاره؟
الجواب: بلى، لكن هل استغفاره أن يغفر له أو أن يسأل الله أن يغفر له؟ الثاني بلا شك؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:«لأستغفرن لك ما لم أنهى عنك» فنهي عن الاستغفار له.
ومن فوائد الحديث: التوسل إلى الله تعالى بصفته لقوله: "إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، وقد ذكرنا فيما سبق ونعيده للفائدة: أن التوسل بالدعاء توسل إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين: ممنوع وجائز، وأن الجائز أنواع: الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه عموماً، والثاني: التوسل إلى الله تعالى باسم خاص من أسمائه، والثالث: التوسل إلى الله تعالى بصفاته عموماً، والرابع: التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته، والخامس: التوسل إلى الله بفعل من أفعاله بالعمل الصالح، والسادس: التوسل إلى الله تعالى بحال العبد الداعي، والسابع: إلى الله تعالى بدعوة من ترجى إجابة دعوته.
أما التوسل الممنوع فهو التوسل الشركي كفعل المشركين الذين يعبدون الأصنام ويقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فجعلوا الشرك وسيلة إلى الله عز وجل، أي: وسيلة إلى قرب الله، وهذا من أكبر الظلم، والثاني: أن يتوسل إلى الله تعالى بما ليس وسيلة؛ لأن التوسل إلى الله تعالى بشيء ليس منه وسيلة عدوان على الله وقول على الله بلا علم وفضل على الله تعالى أن يجيب بأمر ليس سبباً للإجابة، ومنه التوسل إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جاه النبي صلى الله عليه وسلم ليس