المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحلف بغير الله: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌الحلف بغير الله:

مسكين

} الآيات [المائدة: 89]. فما هي التي لا يقصدها؟ هي التي تأتي في مجرى الكلام بلا قصد مثل أن يقال له: أتذهب إلى فلان؟ يقول: لا والله ما أنا ذاهبا ثم يذهب فهذا ليس فيه الكفارة؛ لماذا؟ لأنه لم يقصد عقدها وهذه تقع كثيرا، تقول المرأة أو الأب لابنه مثلا: والله لئن خرجت إلى السوق لأكسرن رجليك هذه لم يقصد عقدها؛ لأنه لا يكسر رجليه فهذه من لغو اليمين.

وأما قوله: «ممكن» فضد الممكن المستحيل، والمستحيل إذا حلف على إيجاده فقد اختلف العلماء فيه: هل عليه كفارة في الحال؟ لأننا نعلم أنه لا يمكن أن يوجده أو ليس عليه شيء؛ لأن هذا من باب اللغو والهذيان، مثل أن يقول: والله لأبنين بيتا في القمر هذا مستحيل، فهل تقول: إن عليك الكفارة من الآن؛ لأنك لا يمكن أن تصل أن تصل إلى هذا، أو نقول: إن هذا كلام لغو وهذيان فليس فيه كفارة؟ فيه خلاف، بعضهم يقول كذا، وبعضهم يقول كذا، ولو ألزمناه بالكفارة تأديبا له عن هذا الكلام اللغو لكان حسنا؛ يعني: من باب الأديب.

‌الحلف بغير الله:

1306 -

عن ابن عمر رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا إن ينهاكم أن تحلفوا بابائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت» . متفق عليه.

أدركه «في ركب» يعني: أنه في سفر، وتعيين هذا السفر أو الركب أو كيف قابلهم الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كل هذا من الأمور التي ليست بذات أهمية، المقصود: فهم القضية وما يترتب عليها من أحكام.

يقول: «وعمر يحلف بأبيه» ؛ لأنهم كانوا يعتادون هذا في الجاهلية ومشوا عليه، وهذا هو الأصل أن الإنسان يبقى على ما كان عليه، حتى يدل الدليل بالوجوب أو التحريم أو ما أشبه ذلك، وكذلك يقول:«فناداهم» أي: كلمهم بصوت مرتفع؛ لأن النداء للبعيد يكون بصوت مرتفع، على أن الله ينهاهم، أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجملة بمؤكدين: المؤكد الأول: «ألا» ؛ لأنها أداة استفتاح يقصد بها تنبيه المخاطب على ما يرد عليه، والمؤكد الثاني:«إن» ، «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بابائكم» ، والنهي: هو طلب الكف على وجه الاستعلاء، والصيغة التي أوحاها الله تعالى إلى رسوله في هذا لا نعلمها، لكن نعلم المعنى وهو: أن الله تعالى ينهانا أن نحلف بآبائنا، والآباء جمع أب يشمل الأب والجد لأن الجد يسمى أبا كما في القرآن الكريم.

ص: 103

وقوله: «فمن كان حالفا فليحلف بالله» يعني: من أراد أن يحلف فليحلف بالله، فقوله:«من كان حالفا» ليس شيئا ماضيا، بل المراد: من أراد أن يحلف «فليحلف بالله أو ليصمت» ، واللام في قوله:«فليحلف» ، قد يقال: إنها لام الأمر، وقد يقال: إنها لام الإباحة، فباعتبار أنه لا يحلف بغيره تكون لام أمر، وباعتبار أنه يباح له أن يحلف بالله تكون لام إباحة «أو ليصمت»: ليسكت.

في هذا الحديث من الفوائد: أولا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إنكار المنكر؛ لأنه لما سمع هذا المنكر ناداهم ولم يسكت، وظاهره أنه ناداهم من بعد، يعني: لم يصبر حتى يصل إليهم فيكلمهم بكلام معتاد، بل ناداهم من بعد وأخبرهم بما أوحاه الله تعالى إليه من النهي.

ومن فوائد الحديث: أن من كان جاهلا فإنه لا يؤاخذ، ولهذا لم يعنفهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بين لهم الحكم دون أن يوبخهم ويعنفهم.

ومنها: البناء على الأصل وهو أن يبقى الإنسان على ما كان عليه حتى يتبين نقل الحكم أو الحال عن الأصل، دليله فعل عمر حيث حلف بالأب.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي في المسائل المهمة أن تؤكد بأنواع التأكيدات، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف النهي إلى الله، ولا شك أن إضافة النهي إلى الله تعطي الإنسان قوة في اجتناب هذا المنهي عنه؛ لأن الله سبحانه وتعالى له الحكم وبيده ملكوت السموات والأرض وما صدر عنه فإنه أقوى مما صدر عن غيره؛ ولهذا قال:«ألا إن الله ينهاكم» إلا أن هذه الفائدة قد ينازع فيها، فيقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نسب النهي إلى الله لأن الله نهى عن ذلك لا من أجل أن يؤكد الاجتناب، وهذا قد يقال: إنه أقرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه البلاغ.

ومن فوائد هذا الحديث: أن تعظيم الآباء كان معروفا في الجاهلية، ولهذا يحلفون بآبائهم وهذا أمر فطري، كل الناس يعظمون آباءهم ويحترمونهم إلا من ضل عن سواء السبيل هذا له شأنه.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز اليمين إذا كانت على وجه مشروع؛ لقوله: «من كان حالفا فليحلف بالله» .

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا نهى عن شيء أن يذكر ما يكون بدلا عنه، وهذه طريقة القرآن والسنة، انظر إلى قول الله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا لا تقولوا رعنا وقولوا انظرنا} [البقرة: 104]. فلما ذكر اللفظ المنهي عنه أتى ببدله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيع التمر الرديء بالجيد مع الزيادة:«هذا عين الربا، ولكن بع التمر-يعني: الرديء- بالدراهم ثم اشتر بالدراهم تمرا جيدا» ، فلما ذكر الممنوع ذكر ما يقوم مفامه، وهذا في الحقيقة هو خلاصة الدعوة؛ لأن الناس إذا ذكر لهم ما كانوا يعتادونه أو يستحسنونه وهو مخالف للشرع ثم قيل

ص: 104

لهم: اجتنبوه دون أن يوجد لهم بديل فإن ذلك يشق عليهم، لا يمتثلون أمر الله ورسوله، فأنت إذا نصحت إنسانا أو أمرته بمعروف أو نهيته عن منكر فبين له الشيء المباح؛ ليكون ذلك أدعى للقبول.

مسائل مهمة في اليمين:

وهنا مسائل خارجة عن موضوع الحديث: أولا: لو حلف الإنسان بأبيه فهل تنعقد اليمين؟

الجواب: لا، لا تنعقد؛ لأن هذا الحلف حرام، وإذا كان حراما فإن اليمين لا تنعقد؛ لأنه بانعقادها ما يترتب عليه الكفارة إذا حنث فيها والكفارة قربة إلى الله، والله عز وجل لا يتقرب إليه بما كان معصية، أيضا لو حلف الإنسان بغير أبيه حلف برئيسه أو بالشمس أو بالقمر فهل يكون كالحلف بالآباء؟ نعم هو كالحلف بالآباء، فتقييد النبي صلى الله عليه وسلم الحلف بالآباء بناء على أن هذا هو الذي وقع فما كان مثله فإن له حكمه، فإذا حلف الإنسان برئيسه أو بجده أو بأمه فالحكم في ذلك واحد، وقول الرسول:«فليحلف بالله» هذا مما يتفرع عليه لو حلف بالرحمن ينعقد، بالرحيم ينعقد؛ لماذا قال:«فليحلف بالله» ؟ لأن هذا هو العلم الذي لا يسمى به غير الله عز وجل.

وعلى هذا فجميع أسماء الله يجوز الحلف بها، والحلف بصفاته جائز أيضا، لو قال: وعزة الله، وقدرة الله لأفعلن كذا وكذا فهو جائز، ومنه-فيما يظهر- قول إبليس لرب العالمين:{فبعزتك لأغوينهم أجمعين} فإن هذا من الحلف بصفة الله، ومنه على رأى بعض العلماء قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا ومقلب القلوب» ، فإن تقليب القلوب من الصفات الفعلية.

وعلى كل حال نقول: الصحيح أن الحلف بصفات الله جائز ومنعقد، أما الحلف بآيات الله ففيه تفصيل: إن كان مراد الحالف بآيات الله الكونية فهذا لا يجوز ولا ينعقد به اليمين، مثل أن يقول: والشمس والقمر والليل والنهار فهذا كله حرام، مع أنها من آيات الله، لكن لكونها من آيات الله الكونية حرم على الإنسان الحلف بها، أما إذا كانت من آيات الله الشرعية كالقرآن- فالقرآن صفة من صفات الله لأنه كلام الله- فيجوز الحلف بذلك؛ ولهذا ينبغي أن نسأل العامي إذا سمعناه يحلف بآيات الله كما هو كثيرا الآن وشائع نقول: ماذا تريد بآيات الله؟ قد يقول: أنا لا أعرف من آيات الله إلا الليل والنهار والشمس والقمر، نقول: إن أردت ذلك فالحلف بها حرام ولا يجوز، فإذا قال: أنا أريد بآيات الله المصحف أو القرآن، قلنا: هذا لا بأس به، لكن بشرط أن تريد بالمصحف: القرآن لا الورق والجلد.

ص: 105

1307 -

وفي رواية لأبي داود والنسائي: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «لا تحلفوا بابائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون» .

إذا قيل: «مرفوعا» فهو يعني: معزورا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن السند إذا كان غايته أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وإذا كان غايته أن يصل إلى الصحابي فهو موقوف، وإذا كان غايته أن يصل إلى التابعي فمن بعده فهو مقطوع، وهو غير المنقطع؛ لأن المنقطع من مباحث الإسناد، والمقطوع من مباحث المتن، يقول:«لا تحلفوا بآبائكم» وهذا في الحكم كقوله: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم» ، حتى بالأم نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف بها مع أنها محل الرأفة والرحمة وحسن الصحبة، «ولا بالأنداد» ، «الأنداد»: جمع ند، أي: الأوثان التي تعبد من دون الله مثل: اللات والعزى ومناة وهبل، قال:«لا تحلفوا إلا بالله» ، فلا تحلف بقبر فلان، ولا باللات والعزى ومناة، «ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون» ، لما نهى عن الحلف بما ذكر بقي الحلف بالله عز وجل فنهى أن نحلف به-سبحانه وتعالى إلا ونحن صادقون؛ لأن الحلف تأكيد الشيء بذكر معظم، كأن الحالف يقول: بعظمة هذا الشيء عندي وفي قلبي أؤكد هذا الشيء، يعني: المحلوف عليه؛ ولهذا كان الحلف من أكبر ما يدل على تعظيم المحلوف به.

في هذا الحديث فوائد: النهي عن الحلف بالآباء والأمهات، وهل النهي للتحريم؟

الجواب: نعم؛ لأنه هو الصل؛ ولأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» .

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز الحلف بالأنداد كاللات والعزى وغير ذلك، فإن حلف فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم للحالف بالأنداد أن يقول بعد ذلك: لا إله إلا الله فقال: «من قال: واللات» -يعني: في يمينه- فليقل: «لا إله إلا الله بعد ذلك» . قال العلماء: وفائدته أن تعظيم هذا الصنم شرك، ودواء الشيء يكون ضده بالإخلاص، تقول: لا إله إلا الله، وفي بقية الحديث:«ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق» لتمحوا هذه الصدقة الجناية.

فيه أيضا: تحريم الحلف بالأنداد، وذكرنا إن دواء ذلك أن يقول: لا إله إلا الله، لأنه يداوى الشرك بالإخلاص.

ص: 106