المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضل المداومة على ذكر الله: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌فضل المداومة على ذكر الله:

بيني وبين خطاياي

إلخ"، ولا في الدعاء بين السجدتين، ولا في التشهد، لا يرفع يديه إلا في القنوت؛ فإنه كان يرفع يديه إذا قنت لقوم أو على قوم، وما عدا ذلك فإنه لا رفع لليدين في الصلاة في الدعاء، وإما ظاهراً مثل كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل"، فإن ظاهر الحديث أنه كان لا يرفع يديه.

فالمهم: أن الأصل في الدعاء رفع اليدين إلا إذا أوردت السنة بعدم الرفع ظاهراً أو صريحاً فلا يرفع، قو المصلي بعد السلام:"أستغفر الله" هذا دعاء، لكن هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع يديه؟ لا، ظاهر السنة ألا يرفع؛ لأن الذين يصفون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولون أنه كان يرفع يديه عند الاستغفار.

من آداب الدعاء: ألا يخص الإمام نفسه بالدعاء الذي يجهر به ويؤمن عليه الناس في دعاء القنوت، قنوت الوتر، لا يقل: اللهم اهدني فيمن هديت، مع أن الواجب في السنة الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن: اللهم اهدني، لكن الإمام لا يقل: اللهم اهدني، وقد جاء في الحديث:"إذا خص الإمام نفسه بالدعاء فقد خانهم" يعني: المأمومين؛ لأنك أنت تقول: اللهم اهدني، والناس يؤمنون على دعائك لنفسك، فإذا كان وراءك أناس قل: اللهم أهدنا فيمن هديت

إلخ، ولهذا جاء الدعاء في الفاتحة بلفظ الجمع:{اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين} [الفاتحة: 6، 7]. فقد استشكل بعض العلماء قال: كيف يكون الدعاء بلفظ الجمع، ولفظ الجمع للمفرد يدل على التعظيم، والداعي في مقام الذل ليس في مقام العظمة ولهذا علم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن دعاء القنوت فقال: اللهم أهدني، فكأن الحكمة -والله أعلم- أن هذه السورة سوف تقرأ من المسلمين عموماً، فيكون الذي يقول:{أهدنا الصراط المستقيم} مستحضراً أنه يدعو للمسلمين عموماً، ولاسيما إذا كان إماماً؛ لأنه لو كان إماماً؛ لأنه لو كان إماماً ولفظ الآية {اهدني الصراط المستقيم} صار في هذا اختصاص مع أنه يدعو للعموم.

‌فضل المداومة على ذكر الله:

1475 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله سبحانه وتعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه» . أخرجه ابن ماجه، وصححه ابن حبان، وذكره البخاري تعليقاً.

ص: 460

قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى"، إذا قال قائل: أين قال الله تعالى ذلك، ليس في القرآن أن الله قال ذلك، فكيف يصح أن يقول: قال الله؟ نقول: هذا مما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، ويسمى الحديث القدسي، وهو في مرتبة بين القرآن وبين الحديث النبوي.

يقول الله تعالى: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"، مع تقييد المصاحبة والمقارنة هذا على وجه الإطلاق، فهي في اللغة للمصاحبة والمقارنة، ولكنها تختلف بحسب ما تضاف إليه؛ أي: أن مقتضى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، وإلا فالمعنى الشامل العام هو المصاحبة والمقارنة، وقوله:"ما ذكرني"، "ما" هذه يسميها النحويون مصدرية ظرفية؛ أي: مدة دوام ذكره لي وتحركت بي شفتاه، هذا يشعر بأن المراد ذكر اللسان.

ففي هذا الحديث: إثبات رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه لقوله: "يقول الله تعالى"، وإثبات رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تحتاج أولاً إلى صحة السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من الأحاديث التي يدعى أنها قدسية أحاديث ضعيفة بل موضوعة، بخلاف القرآن، القرآن محفوظ لا يستطيع أحد أن يزيد فيه أو ينقص، لكن الأحاديث القدسية فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، وفيها الموضوع، ويُعلم ذلك من كتب السنة.

ومن فوائد الحديث: فضيلة ذكر الله عز وجل، وجه ذلك: أن الله تعالى يكون مع الذاكر طال ذكره أم قصر لقوله: "ما ذكرني"، إن شئت أن تذكر الله دائماً فالله تعالى يذكرك دائماً، ولهذا جاء في القرآن الكريم: {يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" [الأنفال: 45]. فأمر الله تعالى بذكر الله كثيراً عند ملاقاة العدو؛ لأن هذا يستلزم أن يكون الله معه، ومن كان الله معه فهو غالب ولابد، ولهذا أمر بالثبات الذي هو نتيجة الصبر والله مع الصابرين، وأمر بذكر الله، والله تعالى مع الذاكرين، فصار مقتضى المعية في هذه الآية شيئين: الصبر الذي نتيجته الثبات: ذكر الله عز وجل، وكلاهما يقتضي النصر وأن يكون مع المقاتلين.

ومن فوائد الحديث: إثبات المعية الخاصة؛ لأن قوله: "أنا مع عبدي ما ذكرني" مفهومه: إذا لم يحصل الذكر فإن الله ليس معه، ولكن هذا في المعية الخاصة، فالمعية الخاصة لها أسباب توجدها وتنتفي بانتفائها؛ ولهذا لو سألنا سائل هل المعية صفة ذاتية لازمة لله أو هي صفة فعلية توجد بوجود أسبابها؟ نقول: في هذا تفصيل، أما المعية العامة وهي التي تقتضي العلم والإحاطة بالخلق سمعاً وبصراً وسلطاناً وتقديراً، وغير ذلك فهذه معية عامة وصفة ذاتية، وأما الخاصة التي لها سبب فهي معية خاصة وصفة فعلية؛ لأنها توجد بوجود أسبابها وتنتفي بانتفاء أسبابها.

ص: 461

فإذا قال قائل: كيف تصح المعية مع أن أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله تعالى فوق كل شيء، فهو على العرش استوى؟

فالجواب عن ذلك أولاً: أن الله تعالى لا مثيل له في جميع الصفات، فإذا قلنا: إنه يتعذر أن يكون الإنسان في السطح وهو معك وأنت في الأسفل فإن ذلك في حق الله لا يتعذر؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته فيكون الله معك وهو عالٍ فوق كل شيء، ولا يلزم من معيته أن يكون مصاحباً لك في المكان، بل هذا متعذر غاية التعذر.

ثانياً: أن الله أثبت لنفسه أنه مع الخلق وأثبت لنفسه أنه فوق كل شيء، ولا منافاة بينهما، فيجب أن نثبت لله ما أثبته لنفسه وننفي ما نفاه عن نفسه، نثبت له العلو المطلق ونثبت له المعية، ونقول: إن الله ليس كمثله شيء، ولهذا قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية: وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكره من علوه وفوقيته؛ فإنه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو قريب في علوه علي في دنوه، فالله تعالى ليس كمثله شيء حتى نقول: إن حقيقة المعية تنافي حقيقة العلو.

الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين العلو والمعية حتى في حق المخلوق، وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله مثلاً لذلك في العقيدة الواسطية -وهي من أكثر كتب العقيدة بركة- قال: القمر آية من آيات الله مخلوق من مخلوقاته وأين موضعه في السماء والناس يقولون: هو معنا، يقول المسافر: ما زلت أسير والقمر معي حتى غاب، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق بأن يكون عالياً وأن يكون مع الإنسان حقيقة فذلك في حق الخالق من باب أولى، وعلى هذا التقرير الذي ذكره الشيخ رحمه الله يطمئن الإنسان ويسلم من اعتراض أهل التعطيل الذين أولوا الصفات ثم احتجوا علينا بتأويل المعية، نقول: نحن لا نؤولها، نقول: هي حق على حقيقها، ولا منافاة بين كون الله معنا وهو في السماء، أما أن نقول كما قالت الجهمية: إن الله في الأرض؛ فهذا نرى أنه كفر، وأن من قاله فهو مباح الدم ومباح المال؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين- يعني: إجماع سلف الأمة- ومخالف للعقل، وكيف يصح أن يكون الله عز وجل معنا في أمكنتنا أيزيد بزيادة الأمكنة وينقص بنقصها، أيكون مع الإنسان في الحش والأماكن القذرة، أيكون في أذن الكلاب والخنازير، نسأل الله العافية، هذا قول منكر من أعظم ما يكون، وقد صرح بعض السلف أنه من قال ذلك فهو كافر وهذا هو الحق إلا أن يكون جاهلاً لم يبلغه الحق، فهذا قد يعذر بجهله، لكن بعد أن يتبين له الحق فإن:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيراً} [النساء: 115]. على هذا القول أنت الآن في المسجد أين الله؟ في المسجد، ذهبت إلى السوق في السوق، في

ص: 462

البيت في البيت، في الغرفة في الغرفة، في الحجرة أسفل في الحجرة، في الحمام في الحمام، على قولهم في كل مكان، نسأل الله العافية، من يقول هذا يلزم منه إما التعدد وإما التجزئة، إما أن يكون الله ملايين الملايين، وإما أن يكون متجزئاً بعضه هنا وبعضه هناك، فعلى كل حال: نحن نقول: المعية الحقيقية لا تنافي العلو، وقد ذكرنا أن الله أثبت لنفسه هذا وهذا فالواجب إثباته.

ثانياً: أن الله لا مثيل له، فلو قدر أن العلو والمعية متناقضان في حق المخلوق فهما ممكنان في حق الخالق.

الوجه الثالث: أنه لا تناقض بينهما في الواقع، فقد يكون الشيء عالياً وهو معنا كما ذكرنا لكم كلام شيخ الإسلام رحمه الله، لكن قال: إنه يصان عن الظنون الكاذبة، من الظنون الكاذبة ما ذهب إليه هؤلاء الجهمية الحلولية الذين يقولون: إن الله معنا في كل مكان، هذا ظن كاذب يصان الله عنه، ويصان كلامه عن هذا المعنى.

إذن المعية تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة، العامة: هي الشاملة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ومنها قول الله تبارك وتعالى:{ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7]. {من نجوى ثلاثةٍ} هذه نكرة في سياق النفي تفيد العموم: أي أي نجوى أي: متناجين {ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا} [المجادلة: 7]. كل الخلق هذه معية عامة، وقال تعالى:{هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم} [الحديد: 4]. لكن هذه تقتضي الإحاطة بالخلق علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وغير ذلك من مقتضيات الربوبية، ولا فيها نصر ولا تأييد أحد.

القسم الثاني: خاصة، هذه الخاصة: خاصة بوصف، وخاصة بشخص، الخاصة بالوصف مثل:{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} من هم؟ كل من اتصف بالتقوى والإحسان فالله معه جعلني الله وإياكم منهم، {واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46]. والأسئلة على هذا كثيرة هذه خاصة بوصف، خاص بشخص وهي أخص من الأولى، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه:{لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]. هذه ليست عامة لكل مؤمن، بل هي خاصة بهذين الرجلين نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم والصديق أبو بكر رضي الله عنه هذه خاصة بشخص، وكقوله تعالى لموسى وهارون:{لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]. الخطاب لمن؟ لموسى وهارون، إذن هو خاص بشخص، ولا شك أن الإنسان إذا شعر أن الله معه فسوف ينشط على العمل ويقوى ويقدم حيث أمر بالإقدام، ويحجم حيث أمر بالإحجام.

ص: 463

لنرجع إلى الحديث الذي معنا هل هو من خاصة الخاصة أو خاصة غير الخاصة؟ الخاصة غير الخاصة؛ لأنه يقول: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"، فهو خاص لكنه ليس من خاص الخاص؛ لأنه مقيد بوصف.

ومن فوائد الحديث: أن معية الله للذاكر تكون إذا اتفق القلب واللسان لقوله: "وتحركت بي شفتاه"، وليت المؤلف رحمه الله أتى بالحديث الذي هو أصح من هذا، وهو أن الله قال:"أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"؛ لأن هذا فيه تفصيل، وفيه أيضاً البشارة بأن الله عند ظن عبده به، ولكن لاحظ أن الظن لابد أن يكون له سبب، إذا لم يكن سبب فالظن وهم وخيال؛ يعني مثلاً: ظن أن الله يغفر له بدون أسباب المغفرة، هذا الظن وهم وخيال لا محل له، لكن إذا عمل صالحاً فليظن بالله خيراً، إذا دعا الله فليظن بالله خيراً؛ لأن الله قال:{ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]. فأحسن الظن بالله لابد له من سبب يقتضيه، أما بدون سبب إنسان يعمل عملاً سيئاً ويقول: أنا أحسن الظن بالله أن الله يغفر لي؟ لا، لابد من فعل السبب، لو أن إنساناً أحسن الظن بالله أن الله سيرزقه ولدا قلنا له: تزوج، قال: لا إن ظني بالله خير، من أين يأتي الولد؟ فهذا وهم، كذلك الأمور المعنوية التي جعلها الله تعالى أسباباً لابد من وجودها؛ ولذلك بعض الناس قد يعتمد ويغلب عليه الرجاء فيقول: إن الله يقول: "أنا عند ظن عبدي بي"، نقول: افعل ما يكون سبباً لحسن الظن، فإذا فعلت السبب فلا تظن أن الله يخيبك؛ ولهذا قال بعض السلف: ما ألهم عبد الدعاء إلا وفق للإجابة؛ لأن الله يقول: {وقال ربكم أدعوني أستجب لكم} [غافر: 60].

1476 -

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله» . أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني بإسنادٍ حسنٍ.

1477 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله فيه؛ إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده» . أخرجه مسلم.

1478 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على النبي؛ إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة» . أخرجه الترمذي، وقال:"حسنٌ".

ص: 464