الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيني وبين خطاياي
…
إلخ"، ولا في الدعاء بين السجدتين، ولا في التشهد، لا يرفع يديه إلا في القنوت؛ فإنه كان يرفع يديه إذا قنت لقوم أو على قوم، وما عدا ذلك فإنه لا رفع لليدين في الصلاة في الدعاء، وإما ظاهراً مثل كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل"، فإن ظاهر الحديث أنه كان لا يرفع يديه.
فالمهم: أن الأصل في الدعاء رفع اليدين إلا إذا أوردت السنة بعدم الرفع ظاهراً أو صريحاً فلا يرفع، قو المصلي بعد السلام:"أستغفر الله" هذا دعاء، لكن هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع يديه؟ لا، ظاهر السنة ألا يرفع؛ لأن الذين يصفون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولون أنه كان يرفع يديه عند الاستغفار.
من آداب الدعاء: ألا يخص الإمام نفسه بالدعاء الذي يجهر به ويؤمن عليه الناس في دعاء القنوت، قنوت الوتر، لا يقل: اللهم اهدني فيمن هديت، مع أن الواجب في السنة الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن: اللهم اهدني، لكن الإمام لا يقل: اللهم اهدني، وقد جاء في الحديث:"إذا خص الإمام نفسه بالدعاء فقد خانهم" يعني: المأمومين؛ لأنك أنت تقول: اللهم اهدني، والناس يؤمنون على دعائك لنفسك، فإذا كان وراءك أناس قل: اللهم أهدنا فيمن هديت
…
إلخ، ولهذا جاء الدعاء في الفاتحة بلفظ الجمع:{اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين} [الفاتحة: 6، 7]. فقد استشكل بعض العلماء قال: كيف يكون الدعاء بلفظ الجمع، ولفظ الجمع للمفرد يدل على التعظيم، والداعي في مقام الذل ليس في مقام العظمة ولهذا علم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن دعاء القنوت فقال: اللهم أهدني، فكأن الحكمة -والله أعلم- أن هذه السورة سوف تقرأ من المسلمين عموماً، فيكون الذي يقول:{أهدنا الصراط المستقيم} مستحضراً أنه يدعو للمسلمين عموماً، ولاسيما إذا كان إماماً؛ لأنه لو كان إماماً؛ لأنه لو كان إماماً ولفظ الآية {اهدني الصراط المستقيم} صار في هذا اختصاص مع أنه يدعو للعموم.
فضل المداومة على ذكر الله:
1475 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله سبحانه وتعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه» . أخرجه ابن ماجه، وصححه ابن حبان، وذكره البخاري تعليقاً.
قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى"، إذا قال قائل: أين قال الله تعالى ذلك، ليس في القرآن أن الله قال ذلك، فكيف يصح أن يقول: قال الله؟ نقول: هذا مما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، ويسمى الحديث القدسي، وهو في مرتبة بين القرآن وبين الحديث النبوي.
يقول الله تعالى: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"، مع تقييد المصاحبة والمقارنة هذا على وجه الإطلاق، فهي في اللغة للمصاحبة والمقارنة، ولكنها تختلف بحسب ما تضاف إليه؛ أي: أن مقتضى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، وإلا فالمعنى الشامل العام هو المصاحبة والمقارنة، وقوله:"ما ذكرني"، "ما" هذه يسميها النحويون مصدرية ظرفية؛ أي: مدة دوام ذكره لي وتحركت بي شفتاه، هذا يشعر بأن المراد ذكر اللسان.
ففي هذا الحديث: إثبات رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه لقوله: "يقول الله تعالى"، وإثبات رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تحتاج أولاً إلى صحة السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من الأحاديث التي يدعى أنها قدسية أحاديث ضعيفة بل موضوعة، بخلاف القرآن، القرآن محفوظ لا يستطيع أحد أن يزيد فيه أو ينقص، لكن الأحاديث القدسية فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، وفيها الموضوع، ويُعلم ذلك من كتب السنة.
ومن فوائد الحديث: فضيلة ذكر الله عز وجل، وجه ذلك: أن الله تعالى يكون مع الذاكر طال ذكره أم قصر لقوله: "ما ذكرني"، إن شئت أن تذكر الله دائماً فالله تعالى يذكرك دائماً، ولهذا جاء في القرآن الكريم: {يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" [الأنفال: 45]. فأمر الله تعالى بذكر الله كثيراً عند ملاقاة العدو؛ لأن هذا يستلزم أن يكون الله معه، ومن كان الله معه فهو غالب ولابد، ولهذا أمر بالثبات الذي هو نتيجة الصبر والله مع الصابرين، وأمر بذكر الله، والله تعالى مع الذاكرين، فصار مقتضى المعية في هذه الآية شيئين: الصبر الذي نتيجته الثبات: ذكر الله عز وجل، وكلاهما يقتضي النصر وأن يكون مع المقاتلين.
ومن فوائد الحديث: إثبات المعية الخاصة؛ لأن قوله: "أنا مع عبدي ما ذكرني" مفهومه: إذا لم يحصل الذكر فإن الله ليس معه، ولكن هذا في المعية الخاصة، فالمعية الخاصة لها أسباب توجدها وتنتفي بانتفائها؛ ولهذا لو سألنا سائل هل المعية صفة ذاتية لازمة لله أو هي صفة فعلية توجد بوجود أسبابها؟ نقول: في هذا تفصيل، أما المعية العامة وهي التي تقتضي العلم والإحاطة بالخلق سمعاً وبصراً وسلطاناً وتقديراً، وغير ذلك فهذه معية عامة وصفة ذاتية، وأما الخاصة التي لها سبب فهي معية خاصة وصفة فعلية؛ لأنها توجد بوجود أسبابها وتنتفي بانتفاء أسبابها.
فإذا قال قائل: كيف تصح المعية مع أن أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله تعالى فوق كل شيء، فهو على العرش استوى؟
فالجواب عن ذلك أولاً: أن الله تعالى لا مثيل له في جميع الصفات، فإذا قلنا: إنه يتعذر أن يكون الإنسان في السطح وهو معك وأنت في الأسفل فإن ذلك في حق الله لا يتعذر؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته فيكون الله معك وهو عالٍ فوق كل شيء، ولا يلزم من معيته أن يكون مصاحباً لك في المكان، بل هذا متعذر غاية التعذر.
ثانياً: أن الله أثبت لنفسه أنه مع الخلق وأثبت لنفسه أنه فوق كل شيء، ولا منافاة بينهما، فيجب أن نثبت لله ما أثبته لنفسه وننفي ما نفاه عن نفسه، نثبت له العلو المطلق ونثبت له المعية، ونقول: إن الله ليس كمثله شيء، ولهذا قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية: وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكره من علوه وفوقيته؛ فإنه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو قريب في علوه علي في دنوه، فالله تعالى ليس كمثله شيء حتى نقول: إن حقيقة المعية تنافي حقيقة العلو.
الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين العلو والمعية حتى في حق المخلوق، وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله مثلاً لذلك في العقيدة الواسطية -وهي من أكثر كتب العقيدة بركة- قال: القمر آية من آيات الله مخلوق من مخلوقاته وأين موضعه في السماء والناس يقولون: هو معنا، يقول المسافر: ما زلت أسير والقمر معي حتى غاب، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق بأن يكون عالياً وأن يكون مع الإنسان حقيقة فذلك في حق الخالق من باب أولى، وعلى هذا التقرير الذي ذكره الشيخ رحمه الله يطمئن الإنسان ويسلم من اعتراض أهل التعطيل الذين أولوا الصفات ثم احتجوا علينا بتأويل المعية، نقول: نحن لا نؤولها، نقول: هي حق على حقيقها، ولا منافاة بين كون الله معنا وهو في السماء، أما أن نقول كما قالت الجهمية: إن الله في الأرض؛ فهذا نرى أنه كفر، وأن من قاله فهو مباح الدم ومباح المال؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين- يعني: إجماع سلف الأمة- ومخالف للعقل، وكيف يصح أن يكون الله عز وجل معنا في أمكنتنا أيزيد بزيادة الأمكنة وينقص بنقصها، أيكون مع الإنسان في الحش والأماكن القذرة، أيكون في أذن الكلاب والخنازير، نسأل الله العافية، هذا قول منكر من أعظم ما يكون، وقد صرح بعض السلف أنه من قال ذلك فهو كافر وهذا هو الحق إلا أن يكون جاهلاً لم يبلغه الحق، فهذا قد يعذر بجهله، لكن بعد أن يتبين له الحق فإن:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيراً} [النساء: 115]. على هذا القول أنت الآن في المسجد أين الله؟ في المسجد، ذهبت إلى السوق في السوق، في
البيت في البيت، في الغرفة في الغرفة، في الحجرة أسفل في الحجرة، في الحمام في الحمام، على قولهم في كل مكان، نسأل الله العافية، من يقول هذا يلزم منه إما التعدد وإما التجزئة، إما أن يكون الله ملايين الملايين، وإما أن يكون متجزئاً بعضه هنا وبعضه هناك، فعلى كل حال: نحن نقول: المعية الحقيقية لا تنافي العلو، وقد ذكرنا أن الله أثبت لنفسه هذا وهذا فالواجب إثباته.
ثانياً: أن الله لا مثيل له، فلو قدر أن العلو والمعية متناقضان في حق المخلوق فهما ممكنان في حق الخالق.
الوجه الثالث: أنه لا تناقض بينهما في الواقع، فقد يكون الشيء عالياً وهو معنا كما ذكرنا لكم كلام شيخ الإسلام رحمه الله، لكن قال: إنه يصان عن الظنون الكاذبة، من الظنون الكاذبة ما ذهب إليه هؤلاء الجهمية الحلولية الذين يقولون: إن الله معنا في كل مكان، هذا ظن كاذب يصان الله عنه، ويصان كلامه عن هذا المعنى.
إذن المعية تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة، العامة: هي الشاملة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ومنها قول الله تبارك وتعالى:{ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7]. {من نجوى ثلاثةٍ} هذه نكرة في سياق النفي تفيد العموم: أي أي نجوى أي: متناجين {ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا} [المجادلة: 7]. كل الخلق هذه معية عامة، وقال تعالى:{هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم} [الحديد: 4]. لكن هذه تقتضي الإحاطة بالخلق علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وغير ذلك من مقتضيات الربوبية، ولا فيها نصر ولا تأييد أحد.
القسم الثاني: خاصة، هذه الخاصة: خاصة بوصف، وخاصة بشخص، الخاصة بالوصف مثل:{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} من هم؟ كل من اتصف بالتقوى والإحسان فالله معه جعلني الله وإياكم منهم، {واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46]. والأسئلة على هذا كثيرة هذه خاصة بوصف، خاص بشخص وهي أخص من الأولى، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه:{لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]. هذه ليست عامة لكل مؤمن، بل هي خاصة بهذين الرجلين نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم والصديق أبو بكر رضي الله عنه هذه خاصة بشخص، وكقوله تعالى لموسى وهارون:{لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]. الخطاب لمن؟ لموسى وهارون، إذن هو خاص بشخص، ولا شك أن الإنسان إذا شعر أن الله معه فسوف ينشط على العمل ويقوى ويقدم حيث أمر بالإقدام، ويحجم حيث أمر بالإحجام.
لنرجع إلى الحديث الذي معنا هل هو من خاصة الخاصة أو خاصة غير الخاصة؟ الخاصة غير الخاصة؛ لأنه يقول: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"، فهو خاص لكنه ليس من خاص الخاص؛ لأنه مقيد بوصف.
ومن فوائد الحديث: أن معية الله للذاكر تكون إذا اتفق القلب واللسان لقوله: "وتحركت بي شفتاه"، وليت المؤلف رحمه الله أتى بالحديث الذي هو أصح من هذا، وهو أن الله قال:"أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"؛ لأن هذا فيه تفصيل، وفيه أيضاً البشارة بأن الله عند ظن عبده به، ولكن لاحظ أن الظن لابد أن يكون له سبب، إذا لم يكن سبب فالظن وهم وخيال؛ يعني مثلاً: ظن أن الله يغفر له بدون أسباب المغفرة، هذا الظن وهم وخيال لا محل له، لكن إذا عمل صالحاً فليظن بالله خيراً، إذا دعا الله فليظن بالله خيراً؛ لأن الله قال:{ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]. فأحسن الظن بالله لابد له من سبب يقتضيه، أما بدون سبب إنسان يعمل عملاً سيئاً ويقول: أنا أحسن الظن بالله أن الله يغفر لي؟ لا، لابد من فعل السبب، لو أن إنساناً أحسن الظن بالله أن الله سيرزقه ولدا قلنا له: تزوج، قال: لا إن ظني بالله خير، من أين يأتي الولد؟ فهذا وهم، كذلك الأمور المعنوية التي جعلها الله تعالى أسباباً لابد من وجودها؛ ولذلك بعض الناس قد يعتمد ويغلب عليه الرجاء فيقول: إن الله يقول: "أنا عند ظن عبدي بي"، نقول: افعل ما يكون سبباً لحسن الظن، فإذا فعلت السبب فلا تظن أن الله يخيبك؛ ولهذا قال بعض السلف: ما ألهم عبد الدعاء إلا وفق للإجابة؛ لأن الله يقول: {وقال ربكم أدعوني أستجب لكم} [غافر: 60].
1476 -
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله» . أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني بإسنادٍ حسنٍ.
1477 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله فيه؛ إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده» . أخرجه مسلم.
1478 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على النبي؛ إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة» . أخرجه الترمذي، وقال:"حسنٌ".